آخر الأخبار

ليست مفاعيل «الثورة».. بل محاولات «الثورة المضادة»

(إلى مهدي عامل) أحداث كثيرة مرت خلال الأسبوعين الماضيين، أشّرت الى عناوين الهجوم الأميركي المضاد في المنطقة. ولعل الأخطر في هذا الإطار هو محاولة إغراق مصر في أتون صراع طائفي، وكذلك دفع الوضع في سوريا الى حالة مستمرة من اللااستقرار السياسي والأمني باتجاه تفعيل فتنة طائفية ومذهبية حادة لا ينجو منها المحيط القريب، وتحديداً في لبنان.. وبعيداً عن يوميات الحدث، نشير الى اتجاهين متضادين بالشكل متفقين في المضمون المركز على اعتبار الانتفاضات الشعبية فعلاً سلبياً... الاتجاه الأول وهو الاتجاه المتبني علناً للمشروع الأميركي وهو الذي يعتبر ما جرى في تونس، وبشكل خاص في مصر، هو في غفلة عن هذا المشروع وفي الاتجاه المضاد لأهدافه، وبالتالي في معالجتها للحراك الشعبي في الدول العربية الأخرى حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها تفادي «غفلتها» المكلفة في مصر وتونس، بمحاولة التدخل كطرف فاعل يعرف اتجاه الانتفاضات الشعبية ويحاول توظيفها في خدمة مشروعه الأساس، مشروع الشرق الأوسط الجديد.. أما الاتجاه الثاني، فهو الاتجاه الذي يحاول توظيف ما يجري في مصر وفي سوريا من مظاهر ذات بعد طائفي، للعودة الى سيناريو حصر الثورات الشبابية والشعبية في لعبة «المؤامرة» متجاهلاً التركيبة المتنوعة للحراك الشعبي، وبشكل خاص متجاهلاً مسؤولية النظام الرسمي والعوامل الداخلية في بعديها السياسي والاقتصادي عن الوضع الذي أدى الى انضاج الظروف الحالية... وهذه النظرة يعممها هؤلاء «المنظرون»حتى على الوضع في مصر وفي تونس فتصبح مع هذا التحليل عملية إزاحة «بن علي» و«مبارك» إرادة غربية وأميركية ويندفع هؤلاء الى حد يبيحون فيه لأنفسهم اعتبار «الوحدة الفلسطينية» عاملاً سلبياً يخدم المخطط الأميركي - الاسرائيلي.. هما اتجاهان متناقضان حتماً لكنهما في مضمون نظرتهما المتآمرة عند الأول، والمحبطة عند الثاني، يؤديان وظيفة واحدة في النظرة الى مضمون الانتفاضات الشعبية في العالم العربي.. [[[[ وفي العودة الى البداية... إن «الثورة المضادة» أو النقزة الأميركية - الغربية، بدأت مفاعيلها مع القمع الخليجي للانتفاضة الشعبية في البحرين وإعطائها طابعاً مذهبياً، مؤثراً حتى في طبيعة الحركات الجماهيرية الأخرى. وتطورت وتدولت مع مصادرة أهداف المعارضة الليبية وانتفاضتها المحقة على ممارسات حكم القذافي وقمعه وفساده وتحويلها الى حرب من أجل السيطرة على النفط الليبي وتأمين أجواء حرب أهلية في ليبيا... إن القاعدة الأساسية الآخذة بالتبلور للشكل الجديد للمشروع الأميركي هي قاعدة المساومة التاريخية مع ما يسمى الفكر الاسلامي المعتدل، على انقاض تجربة «بن لادن» وعلى أنقاضه شخصياً... في هذا الإطار يأتي التكامل بين فكي كماشة السعودية والأتراك والمقبض الأميركي على فكي الكماشة... وفي هذا الإطار، معطوفاً على الأوضاع الداخلية في البلدان العربية المختلفة يمكن تفسير المرحلة الراهنة من الضغوط والأحداث... وإذا كان الخطر واضحا من خلال هذه الكماشة ومقبضها، فإن الأوضاع الداخلية في كل بلد عربي هي الإطار الذي يؤمن الظروف المخبرية الصالحة لفعل هذه الأداة... [[[[ في ضوء هذا التفسير، يمكن التوجه الى مصر للقول ان من حق أي قوة سياسية العمل للاستفادة من نتائج الثورة الشعبية، والعمل على تنفيذ مشروعها في إطار «النظام القادم». لكن ليس من حق أي قوة مهما كانت أن تستفز عواطف الناس وأحاسيسها من أجل تعزيز النفوذ على حساب الوحدة الوطنية والتركيبة الاجتماعية المتنوعة لمصر... إن تهديد الوحدة الوطنية لا يخدم سوى من «أفزعته» الثورة الشبابية والشعبية في مصر. وبالتالي من يحاول دفع الأمور باتجاه «الترحم» على النظام البائد، أو إغراق مصر وتعطيلها بفتنة طائفية متنقلة تضعفها... ضمن منطق واضح إما أن تكون مصر موحدة وفي إطار المشروع الأميركي، ومفهومه للسلم مع الصهاينة، أو فلتذهب مصر وتلتحق بالسودان وكلاهما الى الجحيم.. طبعاً العبء يكبر، ويزداد ثقلاً على شباب ثورة مصر وقواها الديموقراطية والوطنية. لكن تجربة هؤلاء، تجربة تحمل الأمل بأن القوى التي أزاحت مبارك وحكمه، قادرة على خوض ثورة جديدة للحفاظ على الوحدة الوطنية المصرية ووضع أساس نظام ديموقراطي جديد في «أم الدنيا».. [[[[ المثال الثاني، هو المثال الذي تبرز فيه أكثر مفاعيل تآلف العوامل الداخلية والخارجية... فبمواجهة موقف سوريا، كان الهجوم الخارجي المتمثل بتحالف تتضح، يوماً بعد يوم، ملامحه «الحلف» الجديد الأميركي - الأوروبي - الخليجي - التركي... وحماسة هذا الحلف لإخضاع النظام السوري ولتغييره وبحد أدنى لخلق حالة لااستقرار في سوريا (وفي لبنان) على قاعدة الفتنة الطائفية والمذهبية... لكن معرفة هذا الدور الخارجي، يجب أن تدفعنا الى التساؤل حول مدى وجدوى ونتيجة ما أنتجه النظام لتحصين موقعه الوطني في مواجهة «المؤامرة»... وهل سياساته الداخلية كانت تتجه فعلاً باتجاه تحصين الموقع الوطني، ام ان فعلها كان يخدم، بدراية أو عدم دراية، استهدافات الخارج للموقع السوري في مواجهة المخطط الأميركي والاسرائيلي.. إن غياب الممارسة الديموقراطية، وتسليط الأمن كأولوية على حساب الاصلاح السياسي، وربط الاقتصاد الوطني بالنيوليبرالية تحت شعار الاصلاح الاقتصادي المبرمج والمضبوط من قبل خبراء البنك الدولي وصندوق النقد ومروجي نظرية «الشراكة»... كلها عوامل ساهمت في تشتيت وإضعاف القاعدة الاجتماعية للنظام والتي بمعظمها قاعدة مرتبطة بالانتاج الفعلي الصناعي والزراعي. وتشتيت هذه القاعدة جعل الفئة الأكثر فقراً فيها عرضة للتأثير والاستقطاب من قبل القوى الدينية المتطرفة... وغياب الاصلاح السياسي وضع شريحة واسعة من المثقفين الديموقراطيين في مواجهة سياسات النظام على المستويات السياسية والاقتصادية ـ الاجتماعية رغم انحيازها المعلن لخياره الوطني... إن كل ذلك يؤكد مرة جديدة، في سوريا كما في لبنان وفي أي منطقة، انه لا يمكن عزل الجوانب الوطنية والسياسية والاجتماعية لأي خيار سياسي، ويؤكد بشكل خاص ان تحصين الموقع الوطني والمقاوم لأي دولة أو تنظيم، لا يمكن أن يكون إلا «بالشعب» وليس «من الشعب»، وأن التنازل للمطالب الشعبية على المستوى السياسي والاقتصادي أقل كلفة بكثير من البحث عن مساومات مع الخارج لا يمكن إلا أن تكون على حساب الموقع والموقف الوطني لسوريا... من أجل ذلك نجدد الدعوة لحوار وطني مسؤول مع قوى المعارضة الوطنية الديموقراطية، لاستكمال الاصلاحات ولعزل القوى المرتبطة بالخارج ولتحصين الموقع والموقف الوطني لسوريا. [[[[ أخيراً... هو النصف الثاني من أيار... بدايته الجرح الأليم، جرح النكبة العربية الكبرى في فلسطين، آن الوقت لمداواته، من الفلسطينيين أولاً ومن العرب حتماً... إن إنهاء الانقسام الفلسطيني، حدث مهم بذاته، لكنه يصبح أكثر جدوى إذا ما اقترن بوحدة حقيقية تؤدي الى تجاوز منطق الاستئثار والمحاصصة، الى صياغة ديموقراطية لبرنامج المقاومة واستعادة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب ببناء دولته وبالعودة كأساس لهذه الوحدة والى المقاومة بكل أشكالها كحق للشعب الفلسطيني.. و25 أيار يوم استعادة الأمل بالانتصار العربي، عبر نجاح خط المقاومة بتحرير معظم الأرض اللبنانية منذ أيلول 1982 وتحرير بيروت، وبعدها كل الأراضي المحتلة وصولاً الى الانسحاب المذل للجيش الاسرائيلي من معظم أرضنا... وفي التاسع عشر منه، وما بين ذكرى النكبة وذكرى التحرير، تأتي ذكرى غيابه، فيلسوفاً ومناضلاً ومفكراً نظرّ للمقاومة العربية وللتحرر الوطني والسياسي والاجتماعي في العالم العربي، وأتى اغتياله كمحاولة للقضاء على فكر المقاومة وثقافتها ولآمال شعبنا فيها... تحية لك «مهدي عامل» ونقول لك من تونس ومصر ولبنان وكل العالم العربي، ان فكرك لا يمكن دفنه مع الجسد... خالد حدادة السفير