كانت المفاجأة أكثر من سارة لي عندما علمت أن الكبير حيدر حيدر ، رغم صداقته مع البحر وبعده عن الناس والتكنولوجيا ، قد قرأ المقتطفات والتقديم الذي ننشره في سيريانديز عن "الزمن الموحش" ومقاربته في روايته العظيمة للزمن الحاضر...
ولعل ما هو أكبر من المفاجأة هي أن حيدر حيدر نفسه "فوجئ " بما قرأه من أدبه العتيق وكيف ينسحب في كثير من تفاصيله على واقعنا المعاش رغم أن الرواية عمرها 38 سنة !
يقول لي الكبير حيدر : أنا عندما أنجز الرواية وتنشر لا أقرؤها أبداً ، ولم أعد لقراءة رواياتي إلا في حالات خاصة مثل الجدل الكبير الذي حصل مؤخراً حول رواية "وليمة لأعشاب البحر " فاضطررت لقراءتها مجدداً.
ويضيف أنّ اتصالات كثيرة أبلغته بما ينشره في سيريانديز مما حفّزه ليطلع على النصوص و دهشته هو الآخر لما خطه قلمه منذ قرابة أربعة عقود.
أقول لحيدر: كأني أعيش الآن زمنك الموحش؟
يجيب: وأنا مثلك فوجئت بحجم الشبه بين أجواء الرواية وما يجري حالياً وأقدر لك حسن الاختيار، بالفعل إنه زمن موحش...!
وأسأله: هذا مؤشر على حجم وقيمة المثقف المبدع الذي يقرأ الحاضر والمستقبل وأنتم ثروتنا الحقيقية، أليس من المعيب أن تمرّ أزمنة يلاحق فيها المثقفون وتمنع رواية مثل الزمن الموحش..؟!
يقول حيدر: صحيح، لقد منعت الزمن الموحش مرتين الاولى بعد نشرها بقليل وأتيت إلى وزير الإعلام المرحوم أحمد اسكندر أحمد فقرأها وقال لي: لا أرى فيها مايوجب منعها فقلت له: أصدر أوامرك إذاً...
وبعد سنوات منعت مرة أخرى ولفترة طويلة إلى أن زرت رئيس اتحاد الكتاب العرب علي عقلة عرسان الذي ساعد في السماح بنشرها مجدداً...
ويستطرد حيدر: إن الرقيب يشبه الصياد الذي يتلطى في زاوية مهجورة لينقضّ على فريسته أو يطلق عليها النار والرقيب على الثقافة يقوم بنفس الدور فما قيمته إن لم يطلق النار علينا...!!
أقول لحيدر الكبير: أحاول أن أكون بعقلية علمية ومع ذلك لا يمكنني إلا أن أقول عن الزمن الموحش أنها أفضل ما كتب وما سيكتب في الأدب العربي لأنها ملحمة بكل معنى الكلمة وهي رواية فيها من الشعر والشاعرية الشيء الكثير.
فيقول حيدر: من الضروري على الأديب أن يكون شاعراً فالشعر يمسك بمفاصل الحدث ويصل إلى عمق الأحداث وليس إلى ظاهرها، وكما تعلم فإن الكثير من الأطروحات الأكاديمية أنجزت حول رواياتي وآخرها كانت لطالب من لبنان صنّف فيها الزمن الموحش لأنها تنتمي إلى مابعد الحداثة، واعتبرها حالة مميزة في اللغة والجرأة مستخدماً وصف التطرف، وبالفعل تجرأت أن أهاجم وأتحدث عن الثالوث المحرم: الدين والجنس والسياسة لأخرج برواية حداثية كما وصفها الباحث، وفي الحقيقة أوافق على وصفه لي بالمتطرف وإن لم يكن بمفهوم هذا الزمان، فنحن - كمثقفين - لو لم نكن متطرفين لما وصلنا إلى هنا ولا استطعنا تشريح العالم والحياة والتقاليد ولما استطعنا مهاجمة المفاهيم البالية المنحطة، التي نضربها بهذا التطرف.
وهكذا عندما تلتقي بأناس مثلك سيقولون لك أنك تتحدث باسمهم، وعندما تلتقي بالناس التقليديين فسيتهمونك بخرق التقاليد والمحرمات.
وكيف تمضي أيامك ؟
يقول الكبير حيدر حيدر : كما تعلم فإن أبناء جيلي من الأدباء رحل معظمهم من سعد الله ونوس إلى الماغوط وغيرهم ، وعندما أزور دمشق لا ألتقي أحداً فقط أزور ابني ، وهنا في حصين البحر ألتقي الكثير من الناس ولا نتحدث أبداً في الأدب بل في أمور الحياة ويسألونني عن رأيي في قضايا معينة فأجيب ..
أيمن قحف
(سيريانديز)