آخر الأخبار

حلم ليلة شرق

أمضيت سنوات في الغربة بحثاً عن لقمة العيش قررت بعدها العودة الى وطني، بعد أن
سمعت ‏عن التطورات الإيجابية التي حصلت فيه .. قطعت التذكرة قبل شهرين بسبب كثرة
العائدين ‏والسياح الوافدين الى الوطن ..!

صعدت إلى الطائرة ولم تكن فيها أماكن شاغرة، خدماتها ممتازة ، ‏أقلعت ووصلت في
وقتها المحدد ، استقبلونا بالمطار بترحاب لافت ، وكانت إجراءات الدخول ‏والخروج من
المطار سهلة .. وجدت صديقي في استقبالي حيث أقلني بسيارته وأنطلقنا باتجاه دمشق ‏،
وكم كان منظر الأشجار جميلاً على جانبي طريق المطار ..‏

‏وصلنا دمشق قبيل المساء بقليل،وقد لفت نظري عدم وجود تلك الأحياء المخالفة (مخيم
جرمانا ‏‎-‎‏ ‏طبالة -دويلعة )، سألت صديقي أين ذهبت تلك الأحياء 00؟ ‏

فقال : تم هدمها ، وأقيم بدلاً عنها كما ترى أبنية طابقية ، ولكل بناية حديقة وكراج
خاص بها ، ‏وللعلم فقد تم إلزام ساكني الأبنية بتخصيص مكان فيها لمبيت السيارات ،
فلم تعد السيارات تقف في ‏الشوارع كما كان في السابق . ‏

‏ انطلقت بنا السيارة نحو مركز المدينة ، وكانت حركة السير هادئة ، سيارات قليلة
تجوب الشوارع ‏الفسيحة والنظيفة .. سألت صديقي عن سبب هذا الهدوء:‏

‏ فقال لي : لقدتم بغيابك إنشاء المترو الذي خفف كثيراً من ازدحام السي، وتم توسيع
الشوارع ‏،وأنشئت طرقات طابقية وأنفاق كثيرة ، وألغيت إشارات المرور أسوة باليابان
، ‏

فقلت له : ولكن من ينظم حركة السير ..؟ ‏

‏ ضحك صديقي وقال : لم نعد بحاجة إلى شرطة المرور إلا عند قدوم ضيف أجنبي كبير،
فتسير ‏الدرجات خلفه وأمامه ،يمينا ويساراً تكريماً له ، وأصبح الناس يحفظون عن ظهر
قلب قواعد السير ‏ويلتزمون بها . ‏

‏ وعندما وصلنا قرب القصر العدلي قلت لصديقي: ‏

توقف هنا ، انتظرني قليلاً ، أريد الدخول إليه ، لأن لي فيه ذكريات قديمة ، توجهت
إلى قاعة ‏المحامين فلم أجد فيها إلا عدداً قليلاً من المحامين ، ولحسن الحظ كان من
بينهم أحد زملائي ، عانقته ‏طويلاً، وجلسنا نشرب القهوة ، سألته عن سبب قلة عدد
المحامين في القاعة ، هل هناك مسيرة أو ‏مظاهرة ..؟???????? ضحك وقال لي : لقد
تغيرت الأمور كثيراً ، ألم تلاحظ قلة المراجعين ..؟? والمحاكم قل ‏عددها ، ولم يعد
هناك جلسات كثيرة ، وإذا صادفت ووجدت مراجعاً فإنه يكون أجنبياً قد أرتكب ‏مخالفة
قانونية ، أما المواطنين عندنا فهم ملتزمون بالقوانين والأنظمة أسوة بالمسؤولين ،
ويحلون ‏مشاكلهم في مكاتب المحامين ..!‏

‏وليس هذا وحسب ، فبعد رفع الأحكام العرفية تم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين
والغيت ‏محكمة أمن الدولة ومحاكم الميدان وكافة المحاكم الاستثنائية ، وتم حصر
اختصاص المحاكم ‏العسكرية بالجرائم العسكرية البحتة فقط .‏

‏ سألته عن الرشاوى والمرتشين والفساد: ‏

أجاب : لقد تم القضاء على الفساد و محاسبة المفسدين الكبار والصغار على السواء
،وأعيدت أموال ‏الدولة المسروقة إلى الخزينة ، وارتفعت دخول المواطنين اثر ذلك. كما
أصبح باستطاعة أي مواطن ‏مخاصمة أي مسؤول في الدولة مهما علا شأنه ،وكل ذلك تم بفضل
القضاء الذي أصبح مستقلاً ‏ويحكم بالعدل ويسهر على تطبيق القوانين ويحمي حريات
الناس وحقوقهم بالتعاون مع نقابة المحامين ‏التي أصبحت نقابة حرة مستقلة تدافع
بجرأة عن حريات الناس وحقوقهم . ‏

والشيء المفرح ياصديقي ،إنك تستطيع الحصول على أي معاملة بسهولة ويسر دون أي مقابل
، ‏فعن طريق الحاسوب مثلاً تحصل بدقائق قليلة على اخراج قيد نفوس أوقيد عقاري أو
لاحكم عليه أو ‏بيان مالي..!‏

‏وصلنا ساحة المرجة ، وكم كان منظر المياه العذبة النقية جميلاً وهي تتدفق في نهر
بردى ، ثم ‏أخذت السيارة تدور بنا بهدوء في شوارع دمشق وأحيائها ، وأنا أتأمل
التغييرات الحاصلة فيها ، ‏حيث الحدائق الكثيرة المنتشرة بين الأحياء والناس
يتنـزهون فيها والسعادة لاتفارقهم ، كما لفت ‏نظري أرمات ولوحات كبيرة كتب عليها
مقر حزب البيئة ، ولوحة ثانية كتب عليها مقر حزب ‏الوحدة.. وثالثة لحزب الشباب
ورابعة للحزب للحزب الديمقراطي .. إلخ إضافة إلى أحزاب ‏الجبهة. ‏

سألت ماهذا..؟

‏ أجابني قائلاً: تغيرت أمور كثيرة كما قلت لك سابقاً ، فصدر قانون عصري للأحزاب
وأصبح عدد ‏الأحزاب كبيراً وكل له مقره العلني وصحيفته المستقلة ، ويكفي أن يقوم
مؤسسو أي حزب بإيداع ‏نسخة عن طلب التأسيس وأسماء المؤسسين لدى وزارة الداخلية كي
يصبح حزباً معترف به قانونياً، ‏كما تم تعديل قانون المطبوعات ، وصدر على أثره صحف
ومجلات كثيرة تُعنى بمختلف الأمور ‏السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية
والفنية ..الخ وألغيت وزارة الأعلام ، وأصبح بإمكانك ‏مشاهدة تلفزيون الدولة وإلى
جانبه فضائيات مستقلة تتبع جهات خاصة وحزبية ..الخ .‏

‏كما تم إلغاء رسم الاشتراك في الهاتف الخليوي وأصبح الخط مجاناً ، وانخفضت أجور
المكالمات ‏، بحيث بات باستطاعة حتى ذوي الدخل المحدود الاشتراك فيه.كما ألغي رسم
الرفاهية على ‏المكالمات الهاتفية . سألت صديقي باستغراب ليش كانوا يعتبروا الهاتف
رفاهية ..؟ فقال نعم ..‏

‏قلت لصديقي أخبرني عن غوطة دمشق ، هل مازالت صامدة حتى الآن ..؟! ‏

أجابني بسرعة : إنها مازالت كذلك وأكثر، حيث تم تنظيفها من المصانع وبيوت الأسمنت ،
فازدادت ‏كثافة الأشجار فيها وعادت مياه نهر بردى لترويها من جديد ، وعادت الطيور
إليها تغرد وتشدو ‏أعذب الألحان ، وبدأت دمشق تصدر من الخضـار والفواكه والزيتون
إلى المحافظات الأخرى ..‏

‏عظيم هذا الذي أسمعه ،ولكن أين أصبح الناس يشيدون بيوتهم ؟

‏ قال لي : لقد صدر قانون بتحديد الأماكن المعدة للسكن باتجاه طريق دمشق حمص ،
وباتجاه طريق ‏دمشق قطنا ‏‎...‎‏ والناس ملتزمون بهذا القانون وفي مقدمتهم تجار
البناء ، فالكل هنا يسير ويعمل وفقاً ‏للقوانين والأنظمة ..! وسألته عن مصيرالمعامل
وورش تصليح السيارات والحدادة ..وغيرها :‏

‏ أجاب : نقلت جميعها الى مدينة صـناعية أقيمت في منطقة عدرا على أسس متطورة بما
يتلائم ‏والحفاظ على البيئة ..‏

صديقي أريد أن اسألك عن أمراً أخر كنت ألاحظه مخيماً فوق سماء دمشق كل صباح ..‏

‏ قال : أتقصد تلك الغيمة السوداء .. فلم يعد لها وجود ، فسماء دمشق أصبحت صافية
وهوائها ‏منعشاً.. وتم تخصيص يوم في الأسبوع تحت شعار ( لا للضجيج لا للتلوث )
وعينك تشوف دمشق ‏في هذا اليوم بدون سيارات ، حيث ترى الجميع بمن فيهم المسؤولين
يمتطون الدراجات العادية ‏للذهاب إلى أماكن عملهم . ‏

إنك يا صديقي قد أثلجت صدري بهذه الأخبار السارة والمفرحة ، لقد اطمأنيت الآن أن
أمريكا مهما ‏حاولت لن تستطيع الدخول إلى سوريا ، حتى المحقق الدولي ميليس القادم
إلينا يوم السبت القادم ‏سوف يكتفي بالتقاط الصور التذكارية على ضفاف بردى..!! ‏

‏ ثم اتجهت بنا السيارة صعوداً نحو جبل قاسيون ، وقبل أن نصل ، أنقطع الحلم بعد أن
استقيظت ‏على صوت ابنتي الصغيرة وهي تبكي خائفة من جراء انقطاع الكهرباء، وبعد أن
نامت صغيرتي ، ‏عاودت النوم لمتابعة وقائع الحلم ‏‎...‎‏!‏