آخر الأخبار

قم واشهد يا إيليّا

فيما مضى يتصادف أن تقرأ وتسمع وترى أغان وقصص وأشعار,ويقع بين يديك كتبا تتأثر بها حينها , ثم تنساها مع مرور الزمن وتضيع في متاهات الذاكرة .

ويصدف أن تجيء الايام لتنبش من أعماق ذاكرتك نتفا من تلك الاشياء الحميمة وتعيد توهج تلك الومضات المبكرة .

 لفتني أحد الأصدقاء لإيليا أبو ماضي , مستذكرا ومستشهدا ببضعة أبيات له .

فقلت له: أتعلم أنه من الكتب التي قرأتها في صغري وأعجبت بها , ديوان شعر لإيليا عنوانه الخمائل ولا زلت أذكر منه أبياتا لليوم.

عدت اليوم والتقيت مع هذا الصديق في واجب عزاء , وقال أريد أن أراك بعد الإنتهاء من الواجب , وفعلا خرجنا وقادني نحو ركن بعيد عن خيمة العزاء.

 

قال سأريك إيليا أبو ماضي كيف تكلم عن زمننا منذ قرن,وبدأ بقراءة بعض الابيات .. شدني , ولفتني ما قرأ , وهي من القصائد الأولى له حين هاجر إلى أمريكا.

 

تبدأ القصة مع إيليا  حين اضطره العثمانيون للهجرة من وطنه سوريا (ولبنان كان منه)  .وقبل أن يهاجر كتب كثيراعن واقعها وانتقد السلبيات وعن ظلم الحكومات وفسادها والتي التي أفشت الخرافات وقتلت العقل والإبداع , ثم وحين أحس أن وطنه سيكون عرضة للتقسيم أمام مباضع الدول الكبرى وقتها كتب ونبه واستصرخ , في جولان ما بين الهم الخاص ورؤيته لتفشي الجهل والغيبيات والفساد وصولا للهم الكبير وهو مطامع الدول الكبرى وكان يعد لسايكس بيكو حينها وعرف أبو ماضي خطورة ما يجري فترك الهم الأدنى وذهب لهز الرؤوس أمام الخطر الأكبر الذي يتهدد وطنه ,أدعكم مع مقتطفات من القصيدتين وأدع لهما الكلام :

 

 

وطن يضيق الحرّ ذرعا عنده وتراه بالأحرار ذرعا أضيقا

ما إن رأيت به أديبا موسرا فيما رأيت، ولا جهولا مملقا

مشت الجهالة فيه تسحب ذيلها تيها، وراح العلم يمشي مطرقا

 أمسى وأمسى أهله في حالة لو أنها تعرو الجماد لأشفقا

 شعب كما شاء التخاذل والهوى متفرّق ويكاد أن يتمزّقا

لم يعتقد بالّعلم وهو حقائق لكنّه اعتقد التمائم والرّقى!

وحكومة ما إن تزحزح أحمقا عن رأسها حتّى تولّي أحنقا

 (بغداد) في خطر ( ومصر) رهينة وغدا تنال يد المطامع (جلّقا)

 

 

ثم من قصيدته الثانية (يا بلادي)..وكان قد وصل إلى نيويورك,وكانت نذر مخاطر التقسيم قد بدأت تلوح:

 

 هجع النّاس كلهم في المدينه

وتولّت على ((نويورك))السّكينة

وجفوني، بغمضها، مستهينه

لا ترى غير طيف تلك الحزينه

 لست أعني بها سوى سوريّه

يا رسوما قد هيّجت اشواقي

 طال ، لو تعلمين، عهد الفراق

 أين تلك الكؤوس ، أين السّاقي؟

أين تلك الأيّام، أين رفاقي؟

ما تراني إذا تغنّى الشّادي

ومضى في الغناء والإنشاد

 فأطار الأسى عن الأكباد

أحسب العود في يديه ينادي

أيّها القوم أنقذوا سوريّه!

وإذا ما جلست تحت الظّلام

أرقب البدر من وراء الغمام

رنّ في مسمعي فهزّ عظامي

 شبه صوت يقول للنوّام

أيّها القوم أنقذوا سوريّه!

ما لقومي وقد دهتها الدّواهي

 بالذي يطفىء النّجوم الزّواهي

ويثير (الحماس) في الأمواه

قعدوا بين ذاهل أو لاه

أين أين الحفيظة العربيّه؟

هي أمّ لكم وأنتم بنوها

حفظت عهدكم فلا تنكروها

أنتم أهلها وأنتم ذووها

لا تعينوا بالصّمت من ظلموها

 ذاك علم على النّفوس الأبيّه

 إلى متى تهب الرياح الصفراء وتتسلل بين شقوقنا, وإلى متى نظل نتفرج على جسدنا وهو ينخرمن الداخل بفعل الفساد والاستبداد وينخلع من الخارج بفعل الطغيان.!

كم يتكرر التاريخ , ونحن صرعى أحقادنا ,وضحايا همومنا , وكم تتشابه الأحداث وكم تنغرز مباضع الطغيان العالمي في جسد أوطاننا , ونحن نلتذ بلعق الدم (دمنا), ونهلل لأوطان( توابيت) مؤجلة ..