قبل أيام من الانتخابات التشريعية التركية في 12 حزيران الجاري، يتداول الموقع الإلكتروني "يوتيوب" أفلاماً سرية إباحية قد يكون لها تأثير كبير في استمرار حزب "العدالة والتنمية" المعروف بميوله الإسلامية في الحكم، واستمرار رئيسه رجب طيب أردوغان الملقب في بعض دوائر الإعلام بـ"السلطان طيب الأول" كناية عن دولة الخلافة العثمانية التي يحن إليها الإسلاميون الأتراك في مواجهاتهم مع التيارات العلمانية والقومية.
الأفلام الإباحية التي أطاحت بعدد من قيادات حزب "الحركة القومية" ثاني أكبر حزب معارض، لم تمر بدون اتهام العلمانيين والجمهوريين لأنصار "السلطان طيب الأول" بتدبيرها، حتى لا يتجاوز ذلك الحزب نسبة الحسم (10%) لدخول البرلمان، ومن ثم يحصل الحزب الحاكم على نسبة كبيرة تؤهله لتغيير الدستور العلماني وإلغاء مبادئ العلمانية التي وضعها كمال أتاتورك.
إلا أن المحلل السياسي التركي الدكتور محمد العادل ينفي أن يكون حزب أردوغان، العقل المدبّر لتلك الأفلام الإباحية، ويعزوها إلى صراع داخل الحزب نفسه للتخلص من حرسه القديم.
وكان أعضاء مجموعة خفية، تطلق على نفسها اسم "مثالية مختلفة"، والتي تزعم أن أعضاءها من شباب (حزب الحركة القومية) الذين يريدون تبديل الأجيال في القيادة، قاموا بنشر مجموعة من الأفلام الإباحية، أبطالها مسؤولون كبار في الحزب، الأمر الذي زلزل استقرار البلاد، ونشر نوبة من الذعر في الأوساط السياسية.
أحد مقاطع الفيديو الذي نشر في "يوتيوب"، صور بكاميرا خفية مثبتة في سقف الغرفة، لأقل من 5 دقائق، حيث يظهر فيه رجل وامرأة في أوضاع مخلة، إلا أن الأمر الذي سبب صدمة للشارع التركي، أن بطل هذا الفيلم ما هو إلا محمد أكيتشي الذي شغل إلى وقت قريب منصب نائب رئيس حزب الحركة القومية "ام.اتش.بي".
ولم يكن أعضاء آخرون في الحزب، أفضل حالا، إذ أظهرتهم أفلام في هيئات حميمية مع نساء لسن زوجاتهم، واستقال نتيجة لذلك عشرة أعضاء كبار من الحزب، ومن ثم بدا أن هذا الحزب سيصعب عليه أن يجتاز نسبة الحسم في انتخابات البرلمان التركي التي تقف عند 10%.
وأظهرت أفلام الفيديو المسربة قادة ونوابا من الحزب يمارسون أفعالا مخلة مع طالبات جامعيات، ويشتمون ناخبي حزبهم، مما أدى الى فتح تحقيق قضائي في الموضوع، إضافة إلى استقالة عدد من مسؤولي الحزب ومرشحيه للانتخابات، بطلب من زعيم الحزب دولت بهجلي.
وبين الأفلام المسربة يظهر النائب بولنت ديدينماز والمحافظ السابق لاسطنبول احسان باروتشو في وضع مخل مع طالبة جامعية.
وظهرت أفلام في الشهر الماضي، أبطالها النائبان عن الحزب، متين شبان اوغلو ورضائي بلدريم. وكل "أبطال" هذه الأفلام استقالوا من مناصبهم، وسحبوا ترشيحاتهم للانتخابات المقبلة.
وبذلك، يبقى فقط حزب الشعب الجمهوري (سي.اتش.بي)، وهو الحزب الأقدم في تركيا، ليقف ضد حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، في الانتخابات، ويبدو أنه لن يستطيع أن يمثل معارضة حقيقية له.
ظاهرة جديدة
ومن أنقرة تحدث الكاتب الصحفي، ومدير المعهد التركي العربي للدراسات، الدكتور محمد العادل، لـ "العربية.نت"، قائلا "إن هذه الأفلام تمثل ظاهرة جديدة على الساحة السياسية التركية، والتي أثارت استهجان الشعب، وقوبلت بحالة من الغضب الشديد، مؤكدا أن هذه الظاهرة قد تكون معروفة لدى الشعوب الأوروبية والغربية، إلا أن الشعب التركي يبقى شعبا مسلما ومحافظا، لذا أرأى بأنها تسيء للديمقراطية التركية".
وأشار العادل إلى اعتقاده أن هذه الأفلام، والتي استهدفت حزب "الحركة القومية" بالدرجة الأولى، تمثل نوعا من التنافس الداخلي بين أعضاء الحزب أنفسهم، لتصفية بعض الحسابات الشخصية.
وأضاف: "من الواضح أن هذا الحزب يتهم أحزابا أخرى تعارضه، منها حزب العدالة والتنمية الحاكم تحديدا والذي يتزعمه رجب طيب أردوغان، إلا أني أعتقد أن هذه عملية داخلية، تمثل تنافسا داخليا بين أعضاء الحزب وقيادته، فالمسألة إذاً تمثل حسابات شخصية، تؤثر على مستقبل الحزب، ومبادئ الديمقراطية في الساحة التركية".
وأكد العادل أن من يقف وراء هذا العمل "الدنيء" يقدم شكلا من أشكال الثقافة الجديدة، قائلا: "بما أن هذا النوع من الثقافة قد انطلق، فأتوقع أننا سنشاهد المزيد منه في الحملات الانتخابية القادمة، وسيكون من الصعب السيطرة عليها بقوانين، حيث أن الشبكة العنكبوتية متاحة للعموم، ويمكن لأي كان أن ينشر مايريد، لذا يصعب فرض أي شكل من أشكال العقوبة عليها، فيبقى المحدد الوحيد هو المعايير الأخلاقية".
وعند سؤاله عن الاتهامات الموجهة للحزب الحاكم حول دوره في نشر هذه الأفلام الإباحية، قال: "شخصيا أستبعد تورط حزب (العدالة والتنمية) في مثل هذا العمل، لأنهم على ثقة من فوزهم في الانتخابات، لعدم تشكيل بقية الأحزاب تهديدا حقيقيا لهم، كما أنهم حققوا نجاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية يقدرها الشعب التركي، ولا أعتقد أن مستوى الأخلاق الذي يتمتع به قادة (العدالة والتنمية) عموما يمكن أن يتدنى لهذا المستوى، لأنهم حتى وإن كانوا وراءه، فسيكونون مستهدفين منه اليوم أوغدا، كما أنني أعتقد أن مثل هذا العمل تطغى عليه الحسابات الشخصية، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن يكون لأشخاص من خارج الدائرة السياسية يدا في ذلك".
وأضاف: "يعد حزب (الحركة القومية) هو الحزب الثالث في تركيا، بعد حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، وحزب "الشعب الجمهوري"، وهو الحزب الكمالي، كما تعيش "الحركة القومية" حالة من الترهل والانشقاقات، على الأقل خلال هذا العام، دفعت لتأسيس مجموعة من الأحزاب القومية المحافظة التي انشقت عنه، فربما تكون هي السبب وراء هذه الظاهرة".
وعن مدى تأثير مثل هذه الأفلام على مسار الانتخابات والرأي العام، أجاب عادل: "بالتأكيد ستتأثر الانتخابات، فالحركة القومية مقسمة إلى توجهين: الطورانيون وهم العلمانيون، والقومية المحافظة، وأعتقد أن القسم الأكبر من التيار المحافظ داخل "الحركة" يشعر بالغضب الشديد من هذه الأفلام، وستذهب أصواتهم لـ"لعدالة والتنمية"، أما بقية القوميين الطورانيين فقد تذهب أصواتهم للأحزاب المختلفة، مثل حزب "الشعب الجمهوري" أو غيره، لذا هناك مخاوف من عدم تمكن "الحركة القومية" من تجاوز حاجز ال 10%، كما أنها قد لا تدخل للبرلمان"، مؤكدا أن هذه مجرد احتمالات، ومن الممكن أن نرى مفاجآت في الانتخابات المنتظرة.
وأضاف: "سيستفيد حزب "العدالة والتنمية" بالدرجة الأولى، فمنذ ظهوره استعاد الشعب التركي الثقة بالقوى السياسية، أما الآن و بعد ظهور هذه الأفلام، أعتقد أن ثقة الشارع التركي بالساحة السياسية قد تزعزعت بشكل كبير، وقد لا يكون للأفلام تأثير كبير على الانتخابات، إلا أنها ستؤثر بالتأكيد على السياسيين والأحزاب السياسية".
شكوى ضد حزب أردوغان
في مقابل هذه الرؤية التي يطرحها الدكتور محمد العادل، تقدم زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، بشكوى ضد الحزب الحاكم في تركيا برئاسة أردوغان متهما أحد أعضاء الحزب بتمويل حملة تشويه صورة حزبه. وأضاف بهجلي "باستطاعتهم نشر ما يريدون نشره وهذا بالتأكيد لن يجعلنا نستسلم للابتزازات والتهديدات".
وكان أردوغان تعهّد في لقاء جماهيري حاشد في أنقرة بالانسحاب من (السياسة) إذا فشل حزبه في الخروج منتصرا للمرة الثالثة في الانتخابات القادمة وتشكيل حكومة الحزب الواحد".
ووصل حزب العدالة والتنمية للمرة الأولى إلى السلطة في عام 2002 بعدما حصد حوالي 40 في المئة من الأصوات، وتحقق له الفوز للمرة الثانية في انتخابات عام 2007 بنيله حوالي 47 في المئة من الأصوات.
ويراهن الحزب على إنجازاته التي حققها في السنوات الثماني الماضية للفوز في الانتخابات، وهي إعادة الاستقرار السياسي إلى تركيا بعد عقود من الحكومات الائتلافية الهشة وانتشال الاقتصاد من أزمة طاحنة كادت تؤدي إلى إفلاس الخزينة العامة وإدخال إصلاحات عامة في الأنظمة والتشريعات.