أحمد عدنان
وفق رواية ناصر الحزيمي في كتاب «قصة وفكر المحتلين للمسجد الحرام»، قام في 1966 كل من جهيمان العتيبي، سليمان بن شتيوي، ناصر الحربي وسعد التميمي، بزيارة الشيخ عبد العزيز بن باز ليبلغوه أنّهم قرروا تأسيس جماعة سلفية تنبذ التمذهب، وتدعو إلى التوحيد والتمسك بالكتاب والسنّة، كما قرروا أن يسمّوا مجموعتهم «الجماعة السلفية». عرضوا على الشيخ أن يكون مرشدهم، فوافق بن باز، وعدّل اسم المجموعة ليصبح «الجماعة السلفية المحتسبة». كان تأسيس تلك الجماعة ثمرة حدث وقع في 1965 في المدينة المنورة، حين قام بعض هؤلاء بمشاركة آخرين من «الإخوان» (ليس المقصود الإخوان المسلمين بل السلفيين) بالاعتداء على استديوهات التصوير، والمحال التجارية لتكسير الصور وتماثيل العرض.
عملت «الجماعة السلفية المحتسبة» في العلن، وحظيت بدعم رجال الدين وعلى رأسهم بن باز والشيخ أبو بكر الجزائري. مرّت الجماعة بأطوار متعددة، بدأت بانشقاق جهيمان العتيبي عن النظام الحاكم، وانشقاقه عن بن باز الذي وصفه جهيمان: «هذا الرجل أعمى البصر والبصيرة ومن مشايخ آل سعود»، لتنتهي قصة «الجماعة السلفية المحتسبة» بحادثة احتلال الحرم المكي على أيدي جهيمان ورفاقه في 1979.
أستحضر حكاية جهيمان وجماعته في سياق ما أثير في المملكة عن ثورة حنين التي فشلت في 11 مارس/ آذار المنصرم. فشلت قبل أن تبدأ، وسقطت قبل أن تقف. لم يكن هناك مؤشر واحد على نجاحها، ومع ذلك فسّر الفشل بوقفة المؤسسة الدينية والتيار الإسلاموي إلى جانب النظام. وبما أنّ هذه المؤسسة لا تنظر بارتياح إلى مشروع الملك عبد الله للإصلاح والتحديث، بالإضافة إلى معشر السلفيين وأغلب الإسلامويين، فإنّ هذا المشروع ـــــ الذي يعزز المشاركة الشعبية ويمكّن المرأة ويحارب الفساد والتطرف ويدعو إلى الحوار والانفتاح ـــــ حامت حوله مؤشرات سلبية تشير إلى تعطله أو تأجيله في إطار رد الجميل للإسلامويين على موقفهم ضد الثورة المزعومة. يبدو قطار الملك عبد الله للإصلاح متعثراً (وأرجو أن أكون مخطئاً) في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى حركته، ليصلها بالحاضر والمستقبل، مع أنّه يمثل الحد الأدنى من الرؤية الإصلاحية للسعوديين.
بإمكان أي باحث مراجعة بعض الفتاوى المنتشرة في موقع شبكة «نور الإسلام» الإلكترونية أو المواقع الإلكترونية الشخصية لعدد من المشايخ الذين يعرفهم المواطن السعودي جيداً يوسف الأحمد، محمد الهبدان، عبد الله الزقيل، سليمان الدويش، ناصر العمر وعبد الرحمن البراك، وغيرهم. لماذا قدّر للإسلام في المملكة أن يتحدث باسمه أكثر الناس جهلاً وأبعدهم عن سماحة الدين وقيمه العليا؟
فمن فتاوى البراك مثلاً تحريم إدخال الرياضة المدنية إلى مدارس البنات، لأنّها من أدوات التغريب وخطوة من خطوات الشيطان، تحريم عمل المرأة في وظيفة مسؤول صندوق، ووجوب مقاطعة الأسواق التي توظفهن، تحريم فتح دور السينما، وإجازة قتل مبيح الاختلاط بين الرجل والمرأة. البراك الذي يفترض، على رأي البعض، أن يساق إلى مستشفى الأمراض النفسية، يصفه السلفيون والإسلامويون مثل الناشط الإسلاموي إبراهيم السكران بأنّه «أهم رمز شرعي لدى الشباب المسلم المتديّن»! فتاوى يوسف الأحمد، رافع لواء «الاحتساب»، مثل آخر على انحطاط الفكر السلفي، ورداءة الخطاب الإسلاموي السائد في المملكة. فهو يحرّم الاكتتاب في عدد من الشركات المنخرطة في سوق الأسهم، إما بسبب انخراطها في مشروع الغريب أو تعاطيها مع البنوك. كذلك، يحرّم التقاط الصور التذكارية للمرأة مع المسؤولين ولقاءهم ومصافحتهم، وجواز تزويج القاصرات. وفي الوقت الذي يحرم فيه اليوسف الاحتفال بالمولد النبوي والتهنئة به، يقول عن الشيعة « فهو مذهب قائم على الكذب والخرافة والتقيّة ولعن الصحابة وتكفيرهم...». كذلك حرّم سفر الأطفال السعوديين إلى مدرسة نادي ريال مدريد لتدريب كرة القدم لأن في ذلك تسليماً لناشئة الإسلام إلى أهل الكفر!
تلك المجموعة السلفية في بحبوحة من الحركة والتمويل، فقد أتيح لها تأسيس شبكة من المواقع الإلكترونية المتطرفة، وتأسيس قناة تلفزيونية هي «الأسرة»، أغلقت لاحقاً، ثم فتح قناة على موقع يوتيوب. ذلك، على الرغم من أنّها تتحرّك في إطار فكري جوهره ومضمونه معاداة مشروع الملك عبد الله للإصلاح. فمثلاً، اتهم يوسف الأحمد خالد التويجري (رئيس الديوان الملكي) بأنّه سبب الفساد المالي والإداري في البلاد، وأنّه الرجل الذي يقود مشروع التغريب ويحجب الحقائق عن الملك، ويطالب بمحاكمته. وقد شاركه في الهجوم سليمان الدويش وعبد الله الزقيل (الذي وصف رئيس الديوان بـ«البرمكي») وناصر العمر، وسبقهم جميعاً محمد الهبدان في مقال «من يتخذ القرارات في بلادنا». كما هاجم ناصر العمر وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد واتهمه بمخالفة الكتاب والسنّة، ومخالفة الاتفاق بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود (مؤسس الدولة السعودية الأولى)، ومخالفة بيعة الشعب للملك عبد الله، ومخالفة السياسة التعليمية. أما السبب فهو اجتماع الوزير ببعض الطالبات، وإتاحته ـــــ اختيارياً ـــــ التعليم المختلط في الصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية. وشارك يوسف الأحمد في الاتهام معتبراً أنّ الوزير يقود «مشروع إفساد الطالبات واختلاطهن بالرجال منذ تعيينه... ويدخل على الطالبات ويتصور معهن ويصافحهن، باسم النشاط أو الكشافة، ويدعو الطالبات الى الملاعب لحضور مسابقات الفروسية، وأخيراً عقد (ندوة) للحوار بين الطلاب والطالبات في مهرجان الجنادرية»، وشارك في هذه الحملة سليمان الدويش في مقال «هل أوشكت الساعة أن تقوم»، وغيره!
بالتوازي مع الهجوم على وزير التربية والتعليم، لم تسلم نائبته نورة الفايز من التشنيع. فبالإضافة إلى عدم الرضى عن تعيينها، تعرضت الفايز لأقسى هجوم من أكثر من شيخ، وصل إلى حد المطالبة بإقالتها، بسبب زيارتها لإحدى مدارس البنين (المرحلة الابتدائية). قال سليمان الدويش في مقاله «شكراً نورة الفايز»: «شكراً لها لأنّها أعادتنا إلى الوراء، وذكّرتنا بموقف المعارضين لتعليم المرأة النظامي، وجعلتنا نتأمل في سبب معارضتهم. لقد جعلتنا نعترف بفطنة الممانعين، وبعد نظرهم ...». وتعرّضت الفايز للهجوم أيضاً لتأييدها قبول البنين في مدارس البنات في الصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية. وقال يوسف الأحمد في صحيفة «سبق» الإلكترونية في 21 يونيو/ حزيران 2009: « ثبت علمياً أنّ تدريس المرأة للبنين يزيد هرمونات الأنوثة عند الطلاب، وأنّها من أهم أسباب وجود الجنس الثالث في الفيليبين»!
واتهم يوسف الأحمد أيضاً وزير العدل الدكتور محمد العيسى بأنّه خالف الشريعة حين طبق الأمر الملكي، وأكد اختصاص وزارة الثقافة والإعلام بالنظر في قضايا الإعلام والنشر، لا المحاكم الشرعية. كما كان وزير الإعلام السابق إياد مدني، هدفاً مستباحاً للهجوم. وأصدر محمد الهبدان بياناً (وقّع عليه العشرات) يصف فيه وزارة الثقافة والإعلام في عهد مدني «بتبنّيها وإصرارها على نشر ما حرّم الله من الفكر المنحرف... والسعي الى نشر الفساد والرذيلة وبث الشبهات بين أبنائنا وبناتنا، وحمل لواء الدعوة إلى تغريب المجتمع؛ كالدعوة إلى التبرج والسفور، والاختلاط المحرم، وقيادة المرأة للسيارة، وإنشاء النوادي النسائية، وفتح دور السينما، وعروض الأزياء، ومسابقات ملكات الجمال، وإبراز المرأة المتبرجة والمخالطة للرجال في العمل على أنّها مثال المرأة السعودية». لم يسلم وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة هو الآخر من الهجوم. زاره يوسف الأحمد في وزارة الإعلام، وتحدث عن «دعم الوزارة لمشاريع تغريب المجتمع السعودي من خلال التلفاز والصحافة والإذاعة ومعرض الكتاب، وأنّ الوزارة لا تلتزم بالأحكام الشرعية ولا بالأنظمة الرسمية». وانتقد الأحمد زيارة خوجة لقنوات «إم بي سي» وروتانا، وكتابته في صحيفة «إيلاف» الإلكترونية، لأنّها أكثر الصحف عداءً للمنهج الشرعي في السعودية، وفق الأحمد.
واستمر يوسف الأحمد في فتاواه وانتقاداته، فرأى أنّ مشروع الملك عبد الله للابتعاث الخارجي للتعليم «مشروع علماني تغريبي»، فيما تحدث محمد الهبدان عن «خطورة تسويق وترويج الابتعاث». كما أعلن ناصر العمر أنّه وجّه خطاباً للملك يحذّر فيه من خطورة ابتعاث الطلبة السعوديين إلى الغرب. ولم يسلم مشروع الابتعاث من هجوم سليمان الدويش. وفي موضوع المواطنة، يتجلى موقف الشيوخ هؤلاء العنصري من الشيعة. ويستطيع القارئ الاطلاع على البحث المقزز لناصر العمر «واقع الرافضة في بلاد التوحيد»، في المواقع الإلكترونية. من جانبه، أراح عبد الرحمن البراك نفسه وأفتى بتكفير الشيعة، فيما كان الدويش أكثرهم لطفاً حين قال: «أكره الشيعة وأستخدمهم»!
تكشف التصريحات والمواقف السابقة حقيقة لا لبس فيها: ثمة وعاظ ودعاة متطرفون، يناهضون الملك عبر التهجم على رجاله ومشاريعه. وقد أبلغ أولئك من قبل وزير التربية والتعليم ووزير الثقافة والإعلام بأنّهم ينفذون مشروع الملك ولم يرتدعوا. هؤلاء يتحدثون عن مشروع «التغريب والعلمنة»، ومن خلال مواقفهم نفهم أنّ «التغريب» هو مشروع الملك التنويري، وأنّ رجال التغريب هم رجالات الملك الذين يبتغون التطوير والإصلاح، لأنّ هجومهم لم يخرج عن هذه الدائرة إلا نادراً. تشير هذه التصريحات والمواقف، بوصفها قرائن، إلى وقوف هؤلاء الدعاة خلف ثورة حنين، ولو على نحو غير مباشر، عبر التأليب على الملك. وأذكّر بدراسة الباحث إبراهيم السكران «تطوّرات المشروع التغريبي في السعودية»، لتكشف الثورة الجدية المضادة على مشروع الملك للإصلاح.
ترفع وزارة الداخلية شعار «الأمن الفكري»، في مواجهة فكر التطرف والإرهاب. مصطلح ضبابي يوحي ـــــ ولو عن غير قصد ـــــ بالأحادية وعسكرة الفكر. ومع ذلك، أتساءل تحت مظلة «الأمن الفكري»عن السماح للأحمد والعمر والدويش، ورفاقهم، باستباحة البلاد، صوتاً وصورة وكتابة، والتحرك داخل الأراضي السعودية، على رؤوس الأشهاد، لبث الأفكار المتطرفة. أتساءل أيضاً عن الصمت الرسمي إزاء إعلان الأحمد في مايو/ أيار 2010، تأسيس جماعات احتسابية (ميليشيا) في كل أنحاء المملكة، تتبع له شخصياً، وتصل وقاحة المحتسبة في مارس/ آذار 2011 إلى التعدي على أعراض الناس، وضيوف المملكة، في معرض الرياض الدولي للكتاب. إذا كان لبرنامج «الأمن الفكري» من جدوى، فليبدأ بهؤلاء، وينصح البعض البرنامج بالاستعانة بخيرة الأطباء النفسيين، لمعالجة هؤلاء المتطرفين من أمراض جنون الارتياب ورهاب الغرب والهوس الجنسي، وليس أدل على ذلك فتوى يوسف الأحمد بإعادة بناء المسجد الحرام لمنع الاختلاط!
يقتضي الأمن الفكري أيضاً التنبه للمواقف التي تشرّع استخدام العنف ضد المواطن والدولة، كالحديث بأنّ من أسباب الإرهاب استفزاز الصحافة الليبرالية للشباب المسلم. لقد أصبح هذا الفكر المتطرف والسكوت عليه هو المستفز للمجتمع والمسيء للإسلام والمحرج للنظام والمثبط لمشروع الدولة، ومن المحزن استخدام الأمير خالد بن طلال، بسبب ظروفه الخاصة، كأداة في مشروع التطرف، كما يلاحظ المتابعون من خلال موقعه الإلكتروني (لجينيات).
حين أعلن النظام تنظيم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في 1962، جاء في بيان حكومة رئيس الوزراء الأمير فيصل بن عبد العزيز: «إصلاح وضع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يضمن اجتثاث بواعث المنكر من قلوب الناس ما استطعنا لذلك سبيلاً». يشير النص إلى احتكار المنكر في قلوب الناس، واحتكار الفضيلة للهيئة ورجال الدولة. وبالتالي، منحت «الهيئة» سلطة التفتيش على القلوب والنوايا. يدور الزمان، ويتفاقم الاستياء من جهاز الهيئة، فيقوم النظام بتهذيب سطوته، لتظهر فئة أكثر تطرفاً تدّعي السلطة على عقول الناس وقلوبهم، بذريعة «الاحتساب». لن نتمكن من مواجهة هؤلاء المتطرفين إلا بإلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتأسيس برلمان منتخب، وصحافة حرة، وقضاء مستقل، لتقوم هذه الأجهزة بتحقيق الإصلاح ومواجهة الفساد والتطرف.
إنّ ظاهرة «المحتسبين»، وما رافقها من حراك، جديرة بالتوقف ملياً. فاستباحة أعراض الناس وكراماتهم، في معرض الرياض للكتاب، تذكّر بـ«الجماعة السلفية المحتسبة»، ويفترض أن يقف النظام ضد هذه الظاهرة كي لا تتكرر حادثة جهيمان التي جاءت امتداداً لـ«الجماعة السلفية المحتسبة». ظاهرة «الاحتساب» هي مقدمة لصنع جهيمان جديد، وأخشى أن يكون تستر المتطرفين خلف عباءة الدين عائقاً أمام الحزم والحسم. وهنا أذكّر بتصريح الملك فهد بن عبد العزيز لصحيفة «السفير» في 10 يناير/ كانون الثاني 1980 عن جهيمان ورفاقه: «إنّ هذا الحدث نعيشه منذ 6 أو 7 سنوات ونعرفه بالضبط، هناك مجموعة تحاول جعل العقيدة الإسلامية أو التحدث باسم العقيدة الأساس في التوجه الذي تسير عليه، ويأتي أفرادها إلى المسجد وإلى الناس البسطاء ويحاولون إفهامهم بطريقة أو بأخرى أنّ العقيدة بدأت تضعف في المملكة وأنّه لا بد للقاعدة الإسلامية من أن تنتبه، وقد اتخذنا إجراءات ضدهم في السابق، لكن البعض تدخّل للإفراج عنهم عن حسن نية اعتقاداً بأنّهم ربما يكونون مفيدين في الدعوة».
لا تعايش بين منطق «الدولة» ومنطق «التطرف». لن يتمكن النظام من تلبية مطالب المحتسبين، لأنّ النتيجة هي التحوّل إلى «طالبان»، ولن يتمكن المتطرفون من السكوت، وسيلجأون من الإنكار بالقول إلى الإنكار بالفعل. وإذا استجاب النظام لبعض مطالب المتطرفين، فهذا يعني منحهم مشروعية اجتماعية للتوسع والاستقطاب، وأي اعتقاد بأنّه يمكن عقد علاقة آمنة بين النظام والإسلام السياسي المتطرف سيبوء بالفشل. لقد فشلت تجربة المملكة مع أسامة بن لادن بعد الجهاد الأفغاني، كما فشل كل من أنور السادات في مصر وجعفر النميري في السودان مع التيارات الإسلاموية.
ثمة خطوات حدثت بعد 11 مارس/ آذار ستعزز فكر التطرف، منها إقالة أحمد قاسم الغامدي من رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة بسبب موقفه المؤيد للاختلاط. كان قرار الإقالة مريباً، فقد أقيل الغامدي قبل ذلك، وتدخل الديوان الملكي وألغى القرار، لكنّه هذه المرة بقي وحيداً. بالإضافة إلى ذلك، هناك اعتقال الناشطة منال الشريف وإحالة ملف حملة «سأقود سيارتي بنفسي» التي تشجع المرأة على قيادة السيارة إلى القضاء. هذه الإجراءات لم تردع المتطرفين، فزارت مجموعة من الدعاة المتطرفين ـــــ منهم ناصر العمر ومحمد الهبدان ويوسف الأحمد ـــــ في مايو/ أيار 2011، الديوان الملكي وسلمت خطاباً يتضمن مطلبين: إقالة وزير التربية والتعليم، وفصل تعليم البنات عن وزارة التربية وإعادته إلى المشايخ، وكأنّ المطلوب في النهاية دولة «ولاية الفقيه السني».
وفي السياق نفسه، أعلن الملك تعديل نظام النشر في 18 مارس/ آذار 2011، بحيث يمنح المفتي وأعضاء هيئة كبار العلماء حصانة إعلامية من التجريح الشخصي. لم تتلق الأوساط الفكرية والصحافية التعديلات بارتياح، لأنّه لم يتم أي تجريح شخصي للمفتي أو أعضاء هيئة كبار العلماء في الصحافة، لكن مناقشة الآراء المتطرفة التي صدرت من بعض الوعاظ أو العلماء ونقدها. وحين انتقدت الصحافة الوعاظ والعلماء، فعلت ذلك إما اصطفافاً مع النظام عليهم، أو امتعاضاً من تطرفهم الفاضح، وتنفيساً لتذمر المجتمع المحتقن من الوصاية الدينية والإسلاموية. وصاية تريد العودة إلى زمن كانت تهان فيه الصحافة بسبب نقد أو مناقشة خطاب ديني لا يرتبط بالعصر أو بالإسلام.
لن يتمكن النظام من مواجهة فكر التطرف، إلا إذا سار في الاتجاه المضاد، أي المضي بلا تردد باتجاه دولة المؤسسات وسيادة القانون وتكافؤ الفرص، وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، واحترام حقوق الفرد، وتمكين المرأة، والحوار والانفتاح مع الآخر في الداخل والخارج، والتصدي للتمييز بكل أشكاله، ومحاربة الفساد المالي والإداري.
أخشى أن نكون في مرحلة شبيهة بتلك التي يواجهها الغوّاص في أعماق البحار والمحيطات حين يفقد اتجاهه ويهبط إلى القاع وقت يظن أنّه يصعد إلى السطح!
الأخبار
* صحافي سعودي