إذن ستكون الكتابة في احد أهم محركاتها هي الرغبة في الاكتشاف، فعبر القصص بإمكاننا أن نختبر الأشياء والأفعال، أن نحمل الجمل بأفكارنا وتجاربنا، وفي عملية الكتابة القصصية نبلغ مرحلة فهم أعمق للعالم) للناس ولأنفسنا.))*1
.......
تعودنا أن نصغي باسم الجراح بلا أصفاد، نصغي بلا خوف ولا اندلاق الرقاب كان يرعبنا لأننا نمتد شخوصا في دراماه وربما في أحدى نصوصه نضع أيدينا فوق قلمه فنصافح روح قاص ماهر يتلاعب باللغة بمهارة ومرونة ليقربنا من الجو العام للقصة عبر الزمان في دهاليز من وجد وأشواق في مكان ما. الحداثة أسلوبه أو ما بعد الحداثة،هي نتاجات بدلا من شكل القص التقليدي المستهلك،ترويك للوصول إلى إحساس قوي معه خلال قراءتك وعليك أن تكون قارئا متميزا، حريصا ودقيقا كي تنادي لمحته وتلك إحدى مهاراته. يمشي بك وأنت حي تصفق عند انتهاء العرض حتى يهجرك لأنه يعشق الموتى يسمع وقع الموتى وبكاء الأم وعشق الحبيبة وكل تلك ذنوب و مشاهد أو فكرة لإحساس مباشر أو مؤثر في دراما نصوصه، يحب الشعر بل يعشق القصيدة النثرية وان كان مقلا.
في حوارنا معه استردينا بعض العافية في ذاكرة باتت تتلاشى لأيام الزمالة الدراسية في أكاديمية الفنون الجميلة، فكان حوار من فاكهة و دفئ من السرد الجميل فتحنا من خلاله بوابات التذكر والحديث ووضعنا رؤوسنا المتعبة على حافة الفرح والحزن الأبيض وقرأنا سوية هذا الحوار في دائرة من حلم حاضر تحاصرنا فيه الأسئلة فالتقينا بإنسانيتنا بضمير عراقي، تجلت لغته - بين انزياح الحضور وحضور الغياب - .
بين المسرح والقصة اقترن اسمه ولم يضق بهما قط ،أدمن الكتابة بأسلوب أدبي لم يتأتى من الشكل الوظيفي فقط ،بل تعداه ليفيض شعرا ورسما في حنين الكلمة و بلاغتها مقتربا من نخبة القراء .لا يقف عند اختيار ألفاظه بل يختزل القارئ ويدمجه مع مفردته المنتقاة من اختزال نصوصه ذات السبغة الشعرية لتنساب إلى أذن القارئ بروعة ملحوظة،
حقق الكثير من النجاح في المسرح، قبل و بعد 2003 حيث شارك في اغلب المهرجانات المسرحية القطرية ،التي أقامتها مديرية النشاط الرياضي والمدرسي في وزارة التربية، وأحرز المراكز الأولى على مستوى النص والعرض ،انحنى ليكون قريبا جدا من الطلاب في المسرح المدرسي عندما شيد جسورا وطيدة بينه وبين المدارس،كان أستاذا تربويا ناجحا ومؤلفا وإنسانا مبدعا يمتلك جمالية الصياغة اللغوية، ينتقي ما يشاء بخصوصية وحضور واضحين، يتوغل في أعماق نصوصه حتى يدخل أغوارك لتتماهى معه وكأنك احد أبطال دراماه. كتب المسرح واشتهر قاصا في مدينة الحب والتلاقح الثقافي الإنساني كركوك ،ولد فيها عام 1961 .
حامل لشهادة البكالوريوس / سينما / كلية الفنون الجميلة / بغداد 1985/1986حاور الزمن والوقائع في زمن اللا حوار،قام بتشخيص مكان الوجع العراقي حتى صارت القراءة عنده رغيفه اليومي وعشقه اليومي وحزنه اليومي ،كان ومازال حرا في كتاباته لم يملى عليه احد ولم تؤدلجه سلطة أو حزب بالرغم من أن الأحداث كانت تنساب من حولنا في زمن توشّح بالمفاهيم السياسية والذي أدى بالكثيرين للأنجراف في تيارات الطلاسم السياسة ،لكنه ظل يكتب عن المعنى الحقيقي للوطن، للمرأة، و للكلمة في مفهوم العمل الإبداعي فكان مسرحيا جادا وقاصا بارعا ،هدوءه و قلقه ينتهيان مع انتهاء نص يشتغل عليه وما أن ينتهي حتى يكاد يبدأ ليتكاثف في وعي حضاري بليغ في معناه لنص آخر. كان الأكثر اقترابا من هموم الناس،والأدق ترجمة في نقل أحاسيس الفرد العراقي. نشرت أعماله في معظم الصحف والمجلات الكركوكية وعلى الشبكة العنكبوتية لا نراه إلا وقد اقتص من الزمن حدثا حتى انتصر عليه، تكاثر كالسنابل بقلقه وطموحه حتى صيّر خارطة لمسرح تمتد من كركوك إلى بغداد و مالمو و بروكسل.
له في المسرح
فراديس : فازت بجائزة أفضل عرض ونص في مهرجان منتدى المسرح العراقي عام 2000/ إفتراضات واهية : عرضت على المسرح الوطني ضمن المهرجان العراقي للمسرح عام 1995/ دم البرتقال : عرضت على مسرح المنتدى العراقي عام 1997 /قيامة النار/حكاية الامس الحزين : فازت بجائزة أفضل نص في المسابقة المسرحية لوزارة التربية عام 2006/الآخر/السرير الخامس: فازت بجائزة أفضل عرض في المهرجان المسرحي الطلابي عام 2008 /واطئة تطير النوارس/وداعا أيها الجنرال/ترنيمة الغياب /العرض الأخير/ ماذا لو عاد الحلاج / أخبار عائلية فقط : فازت بجائزة أفضل نص في مهرجان المسرح الشبابي عام 1992/ جثة في الجوار/مملكة الموت والعسل: فازت بجائزة أفضل نص في المهرجان المسرحي للمشرفين والمدرسين والمعلمين عام 2009/موت اليعاسيب عرضت في بلجيكا والسويد
وله أيضاً :
1. (مخطوطة مراثي الغياب ، اثنتا عشر مرثية ) قد رثى فيها مبدعين ماتوا في كركوك ،الكثير من الأصدقاء- يا ترى - هل كان يتهم الموت بموتهم؟ا أم انه يأخذ إفادة موتهم؟
2 .قيامة النار ، مخطوطة قصصية تحت الطبع .
3 .الوصية ، مسرحيات للأطفال تحت الطبع.
،(لفّ حبل حزنه المتين على قلب أيامه المتهرئة ، شدّه بقسوة فانهار أولاً ومات أخيراً ، مات ولكنّه لم يمت كما يموت الآخرون)*2
بين صدق المطابقة للواقع و صدق الوجدان والإحساس تخرج بنا نصوص قاسم فنجان إلى قيمة إنسانية خاصة تجعلنا نتساءل بصوت يدوي في قلاعه (الخاصة) الخاصة حد قربنا من خوالجه أو قاب قوسين. في حوار طيب طيبة الجنوب امتد إلى تلك الفراديس بين استنزاف الروح واحتضار اليعاسيب في نظام سردي استقرأنا من خلاله ملامح تصيّر الأشياء الخاصة به مابين انزياح ذلك الحضور وحضور لغياب ثري وما شطح منهما في أفق الكتابة.
يقول أحد الكتاب:
(أن الأمة العربية لا ينافسها غيرها فيما صاغت من قوالب للتعبير عن القص والإشعار به، فالعرب هم الذين قالوا من غابر الدهر: " يحكى أن ... وزعموا أن.... وكان ياما كان.. " إلى آخر هذه الفواتح التي يمهد بها القصاص العربي في مختلف العصور لما يسرد من أقاصيص، لذلك فالأرجح أن فن القصة له جذور عربية أصيلة فلم يكن وافدًا إلينا كله من الغرب دون وجود أية جذور عربية له في بيئتنا) س1- جهدك يتركز على صنع عالمك القصصي الخاص،ذلك العالم الذي ينبض بحقيقة لها ضوء الشمس وظل الشمس، لك طريقة في الكتابة تنساب بذاكرة لها فضائها في أفق تشترك فيه الحقيقة والغياب؟ ما الكتابة في رأيك و ما تأثير سحرها على القارئ ؟
وردت في لقاء لي ذات يوم جملة عرضية،استوقفتني بعد ما قلتها ،كانت الجملة :(كلما أصر على شئ تصر علي الأشياء؟)من هذا السؤال استقرأت بتروي طريقتي في الكتابة و اكتشفت إنني مكتوب سلفا وما أدونه على الورق من حكايات لا دور لي فيها إلا النقل،هذه قناعة قد يرفضها البعض لكنها الحقيقة التي تسمح لي أحيانا بنُتفٍ من الوعي أشركها في غياب الحال الكتابي لأحذف هذا أو أضيف ذاك ،الكتابة أفق تصوفي عجيب من أعراضه انزياح الحضور بالغياب في روح الكاتب حيث يستقدم المبدع من جراء ذلك الانزياح نصه الغريب بعد أن يفك اشتباكه أولاً مع سيل الدفاعات التي تتحصن بها الحكاية المكنونة في الباطن،لذلك يحل الشطح ويأتي البيان بأبهى حلة سردية بعد أن يستنزف الكاتب جسده وروحه في تمرين قاس ومخاض أليم من اجل إجلاء روح النص لتحقيق اللذة للكاتب والمتعة للقارئ.
س2- لغة الحوار وبناء النص؟ (اللغة)ما هو أثرها في نقل الفكرة وهي تعلن عن وجودها؟ برأيك الكاتب عليه أن يهتم أكثر بالمعنى أم بالأسلوب؟ونحن نراك قد وفقت بكليهما.
اللغة هي القاسم المشترك بين جميع الأجناس الأدبية ،إنها العنصر الأهم لما تنطوي عليه من أهمية تمضي بالنص إلى ضفاف الأمان ،إنها تدخل في كل شئ معلنة عن وجودها تارة لتروي الحدث على لسان الشخوص الناطقين بها وتارة أخرى تتمركز ببلاغتها الرصينة وبياناتها الباهرة في بناء السرد،تهب السلاسة والسحر في المفردات المؤثرة لتقود القارئ إلى كمين السرد،هناك حيث تتفتح له المغاليق الثابتة في النص لتدرك الذات القارئة روعة المنجز وسحره الأخاذ، لهذا يجب التعامل معها بروية وحذر ،لأنها الشراع الذي يسيَّر قارب النص في بحر السرد ،وهي السر الذي يوسم النص بسرمدية البقاء ،ولنا في تحف التراث الخالدة خير مثال على قوة بقائها وديمومتها الخالدة.
س3- يقول جوستاف لوبون: " أتيح لي في إحدى الليالي أن أشاهد جمعا من الحمالين والأجراء ، يستمعون إلى إحدى القصص ، وإني لأشك في أن يصيب أي قاص غربي مثل هذا النجاح، فالجمهور العربي ذو حيوية وتصور، يتمثل ما يسمعه كأنه يراه؟وعالم القصة، رغم انه صغير إلا انه مكتمل فالقصة عند ابن طفيل هي سرد مباشر ولها هدف معين من حيث المبنى لابد أن يكون فيها نوع من الوعي الموضوعي، متى بدأت القصة؟
يصعب علينا تحديد تاريخ دقيق لميلاد القصة الحقيقة إلا بإقرار ما اجتمع عليه اغلب النقاد حول الكاتب الروسي غوغول برائعته الأدبية(المعطف) إنها القصة الأولى في التاريخ التي استوفت عناصر القص بالشكل والمضمون حيث تعرضت هذه القصة بشكل واقعي ساخر إلى انسحاق الإنسان الفقير في الزمن الجديد
.
س4-القص فن وجنس أدبي يتطلب فلسفة ورؤى خاصة يقدم بأسلوب ممتع، لك فيه صبغة خاصة نرى فيه ملامحنا وسماتنا كيف يصل الكاتب بها إلى المرحلة السامقة؟
الروح التي يبثها الكاتب في جسد الحدث الساكن موظفا لها كل ما يتعلق بعالم الروح من مشاعر وأحاسيس وعواطف، يوزعها على التقنيات المتيسرة له من حوار وسرد ومونولوج وحلم ،ليبلغ بها الصياغة التي ترتفع بالنص إلى مستواه الجيد،أما الحدث الذي ذكرناه، هو حكاية النص وهيكلها القائم في المتن السردي ،يمتزج بالأسلوب داخل بناء متراص الأبعاد ليصلَ برسالة النص ومرادها إلى القارئ،لذلك يضفي الأسلوب هالة من السحر والجمال على الحدث ،فالأحداث ومواضيعها مطروحة في الطريق حسب الجاحظ ، والمحنة تكمن في الأسلوب الذي يبعث الحكاية من قمقمها ليسبغ عليها شرعية القص.
س5-هل الحداثة في كتابة القصة جاءت كحتمية لواقع مضطرب ومتغير من اجل الابتكار لولادة جديدة وخرق لنظام مكرر؟
نعم أنها الكتابة الجديدة التي تجاوزت النسخ والشروط والضوابط وقفزت على كل ماهو قديم ومكرر، هي نتاج حتمي لواقع مضطرب ومتغير بشكل مرعب يدفع الكاتب للتماهي مع المهمل من اجل ابتكار حديث، يجري من خلاله فك الشفرات السرية لكل ماهو ملغز ومحير في الحياة الجديدة، لهذا جاءت قصص آلان روب غريبة وناتالي ساروت تحمل في شكلها ومضمونها سرداً قائماً على زلزلة النظام السردي القديم وخرق نواميسهُ المطلقة وهكذا جاءت تلك الولادات الجريئة بذاكرة جديدة للسرد تستدعي لفضائها الجديد كل العوالم الأخرى، الموسيقى مثلاً بإيقاعاتها الهادئة والصاخبة تراها مجازاً تتسلل في متن( النص من خلال مفردات لها جرس ورنين يتوافق بشكل هرموني مع صخب المشاعر وهدوئها الرتيب لدى الشخوص، أما الشعرية فترى انسيابها الساحر في مهارب الروي بلغة تسعى إلى ابتكار لغة ثانية تستوعب فيض العواطف وانفلاتها المجنون بقوالب سردية ضيقة، إنها محنة الكتابة التي لن يتم انفراج ملامحها الواجمة إلا للقارئ الجيد!.
س6- للقصة الغربية صياغة خاصة وإطار مرسوم لها، اتخذ مقياس وميزان ،لكن هذا لا يمنع أن يكون للقصة العربية في الأدب العربي صبغة خاصة بها ، وإطار مرسوم لها أيضا؟كانت الرسوم على جدران الكهوف في التاريخ السحيق هدفها البوح بنوع ما من (القص)، أن يروي ذلك الكائن إحساسا ما أو فكرة آلا نعتبر ذلك جذورا للقص في حضارة سومر؟
إذا أردنا أن نتكلم عن بدايات القصة فأننا سنصطدم حتماً بالتاريخ لان قوام القصة الحكاية والحكاية شفاهية كانت أو مدونة فأنها معروفة منذ الأزل، تبلورت مع تقادم العصور لتظهر واضحة في كل الكتب السماوية ومنها القران الكريم. لقد وردت لفظة قصة في أكثر من عشرين موضع في القران وهذا يدلُ بوضوح على إن القصة كانت معروفة لدى الأقوام التي سبقت الإسلام و إلا لمّ كان الكتاب الكريم يخاطبهم بأكثر من قصة ويخصص لذلك سورة كاملة هي سورة (القصص)، لقد ساهم كلام الله في ترسيخ السرد في الذاكرة العربية بشكلٍ كبير وأدى ظهوره إلى ظهور إرثُ أدبي حكائي متمثل بالمقامات والرسائل والشطحات الصوفية ولولا قوة الرقيب في الشعور الجمعي الذي حال دون ظهور حضارة أدبية لكان يمكن للعرب أن يستلموا زمام الريادة في أكثر من جنسٍ أدبي.
س7-- (الثقافة المسرحية الواسعة تؤدي إلى فن مسرحي عظيم.) على الرغم من اختلاف ملامح المسرح العربي إلا انه بقى منبرا ثقافيا ،هل ارتقى بجمهوره عالياً في كركوك ضمن مسيرته الطويلة والحافلة ؟ هل تخلف أم مازال بعافية ونشاط ؟والى من ترجع أسباب ذلك؟
كركوك تأريخ حافل بمحاولات لعروض متواضعة ابتدأت في ثلاثينات القرن الماضي ثم تبلورت فيما بعد إلى عروض مسرحية مهمة في الخمسينات من نفس القرن. لكن ذلك التألق السريع سرعان ما خبا بعد أن أحاطت ظروف سياسية قاهرة بالمدينة وأثرت سلباٍ على ذلك النشاط الجديد،حيث تلكأ المسرح كثيرا واقتصر نشاطه على تقديم عروض فقيرة لم يؤشر مرورها لأي شئ حتى جاءت السبعينات، تلك الفترة التي تأوج فيها المسرح على باقي الفنون لتشهد ساحة كركوك الفنية عروضا مسرحية ساهم في إبرازها مبدعين من قوميات واديان وطوائف مختلفة،هزت الأوساط الفنية في عموم البلاد وحَدا نجاحها الكبير بارتحال بعض نجومها المتميزين ليشغلوا حيزاً في المساحة الضيقة لمسرح العاصمة بغداد.هذه الإشارات التي أوردتها كانت بمثابة تنبيه إلى أن هذه المدينة الباهرة حاضنة لكل ما هو مبدع ومختلف ولولا الحروب والمحن السياسية العصيبة التي تقادمت عليها لاستطاعت تلك المدينة المعطاء أن ترتقي بالمسرح وبجمهوره عاليا إلى مصاف مسرح البلدان المتقدمة.
وللحوار بقية ...