آخر الأخبار

هنيبعل والديموقراطية

--------------------------

ان الفعل الانساني هو فعل عقلي ,وكل فعل عقلي هو فعل واع أولا وهادف ثانيا , أي ينطلق من واقع راهن , الذي هو محصله تاريخيه , من أجل البناء عليه والانطلاق الى تغييره بما هو أفضل منه.
وتتحدد قيمة هذا الفعل بين الفعل الحضاري والفعل الهمجي بنبل الهدف أو بقبحه.لا يجوز بأي حال من الأحوال تحت مسميات "الديموقراطيه ,والحريه" وبحجتهاأن يتم اطلاق العنان للفعل العقلي الهمجي ,فحركة المجتمع والحياة هي حركه متصاعده متقدمه .والحريه عندما لا ترتبط بهذا المفهوم الايجابي المتصاعد تصبح حريه غرائزيه مدمره .تصبح حرية اللصوص والفاسدين والقتله ,والحريه والديموقراطيه ليست مفاهيم مجرده , جاهزه .انها حركه مستمره وصراع دائم مرتبط بعوامل كثيره..منها التطور المجتمعي , التقدم العلمي, التراكم الحضاري..وأخيرا الهدف .

من المفهوم والواجب أن يحاول المضطهدون , المظلومون أن يقاوموا الظلم الواقع عليهم بكافة الوسائل ,وأن يشرحوا قضيتهم ويصرخوا بمعاناتهم,وهذا واجب ومشروع.هذا شيء , ولكن أن يتحول هذا التعبير والنضال الى مطيه لتمرير افكار اقصائيه تكفيريه .. فهذا شيء آخر,في هذه الحالة سيفقد هؤلاء أي تعاطف محتمل مع قضيتهم .. بل وسيفتح المجال للكثيرين لتبرير الظلم الواقع عليهم.
يقول البعض ..ومالو .. فالحوار هو الطريق السليم لدفن الأحقاد , وتنفيس الضغائن أيا تكن الموانع والمحرمات,ألم يحاور ابليس اللعين ,الله في القرآن بعد رفضه الأمر الالهي بالسجود لآدم ..
ولكن , للحوار شروط موضوعيه وأسس عقلانيه , وأي حوار لا يعترف بالآخر ويقبل المختلف (وجوديا)هو علك كلام لا يستأهل أي التفاته ,فكيف تحاور ومن تحاور,إن كان لا أحد يقر بوجود الآخر؟!
عندما تغيب يصبح ذاك عبثا , اجترارا لمقولات جاهزه تطلق من دون أي حساب لمنطق فكري أو انساني .

ان الفكر الاقصائي التكفيري , هو شر ما ابتلي به مجتمع,فهو لا يناقش بفكرة أو بقضيه ... بل يلغي من الأساس (وجوديا) الآخر المختلف بكل ما يحمل ربما من علم وثقافه وآمال وأحزان ...بل ويلغي المستقبل .
وهو جاهز لإفشال أي مشروع تغيير وأي حلم بالحرية وبتحقيق المطالب العادلة ,لأنه في بنيته يحمل فشله, وهو يتفوق على السلطة بهذا.
وهو فكر متناقض مع ذاته في البدء وفي أبسط المفاهيم وذلك دون الخوض في التفاصيل , فقبوله بمنطق إقصاء الآخر ونفيه ,هو إقصاء ونفي له في الواقع .

كيف تحاور من لا يعتبرك موجودا, يعتبرك ملغيا ووجودك هو وجود مؤقت وطارىء.وذلك لمجرد أنك لا توافقه على تفسيره وتعاليمه - أو لأنك تتبع دينا آخر-ولا تسايره في نظرته للكون , وطريقة عيشه وتصرفه.
فمن فوضه بهذا الأمر ؟
مذهبه الذي يؤمن به .
من وضع قانون مذهبه ؟
شخص فسر الأمور والأحداث كما يراها وكما استنتجها بظروف زمنه ومعرفته.
ألا يوجد أشخاص آخرون فسروا نفس الأحداث بطريقه اخرى؟
نعم ولكن تفسيرنا هو الصحيح وما عدانا هو باطل ولدينا كافة الوثائق والسندات التي تثبت ذلك.
هل الله لكم وحدكم أم للجميع وهو سيحاسب الجميع على فهمهم للدين والدنيا؟
نعم ولكن معنا وكالة خاصة بذلك حسب ما نعتقد .

انه أبشع وأشنع أنواع _الحوار_ الذي عرفته البشريه .لقد حكم عليك بالإلغاء مسبقا في المحكمه-التي وضع قوانينها هو ووفق فهمه- وأخذ قرارا غير قابل للطعن , ثم...أتى ليحاورك كي يقنعك بأن فناءك عادل وضروري وإنساني ,لكي تستقيم الأمور حسب تعاليمه .

تقول القصه:
كان هني بعل ,يحاصر الرومان ملحقا بهم الهزيمة تلو الاخرى , حتى جاء وقت تناقصت لديه الذخائر والمؤن ,فطلب الامدادات من قرطاجه ..التي كانت مشغوله" بالحوار" بين حزب التجار برئاسة حنون القرطاجي وحزب البرقيين الجمهوري .فالتجار يطالبون هاني بعل بارسال الغنائم أولا والبرقيين يصرون على انتظار نهاية الحمله وارسال الامدادات فورا.وبين هذا وذاك عطلت هذه المناقشات "الديموقراطيه "امكانية اتخاذ قرار ..وانتهت قرطاجه الى المصير المعروف.