آخر الأخبار

لا مؤشرات على سقوط الأسد

مرت حوالي أربعة أشهر على اندلاع الثورات في أرجاء سوريا, لكن ليس ثمة في الأفق مؤشرات التغيير التي يطمح لها المتظاهرون. ما حصل في تونس, مصر ونوعا ما اليمن, لم يحصل في سوريا. موجة التمرد الرائدة في القرى وكذلك في المدن الميدانية لم تتجسد نوعا ما في المدينتين الكبيرتين ـ دمشق وحلب ـ التي يقطن فيهما حوالي نصف السكان السوريين.
ويدرك رؤساء النظام أهمية المدينتين في الحفاظ على حياتهم, لذلك, تسيطر نخبة القوات الأمنية, وعلى رأسها الحرس الجمهوري, على تلك المدينتين الكبيرتين. كما يروي السياح الذين زاروا مؤخرا دمشق بأن الوحدات النخبوية للحرس الجمهوري تحيط مؤسسات الدولة والمربع السكني للضباط العسكريين. وتعج شوارع دمشق برجال شرطة يرتدون سترة ويحملون بنادق كلاشينكوف أما رجال الأمن فهم مرتدين لباسا مدنيا.
بالإضافة, ثمة سبب آخر للهدوء النسبي في المدينتين الكبيرتين مقارنة مع تعدد المظاهرات في القرى والمدن الميدانية, وهو الإصلاحات التي أعلن عنها بشار الأسد عند تسلمه الحكم عام 2000. تلك الإصلاحات نُفذت في المدن الكبرى لكنها قفزت عن القرى والمدن الميدانية, التي يُعتبر مستوى الخدمات الاجتماعية فيها ـ مواصلات, تعليم وطبابة ـ أكثر انخفاضا.
أغلبية سكان المدينتين الكبيرتين لا يعيشون تحت خط الفقر, والطبقة البرجوازية فيهما تتخوف من حرب أهلية, كما في العراق, لبنان واليمن ـ نتيجة متوقعة لتغير الحكم, آخذة بعين الاعتبار فسيفساء المجتمع السوري المتنوع والمؤلف من 17 تيارا من مختلف الطوائف.
الوعود المؤخرة للأسد في مجال الإصلاحات لم تقنع المتظاهرين. ببساطة, ليس لديه ما يقترحه عليهم. لذلك, يشدد المتظاهرين على أنهم لا يطالبون بالإصلاحات إنما بسقوط النظام.
كان طموح النظام هو النجاح في تجنيد مستثمرين أجانب. لكن ذلك تلاشى, بسبب فقدان الاستقرار الذي هزمهم. كما أن خزانات النفط في سوريا تنفد, وقد بدأت سوريا عام 2008 باستيراد النفط. إحدى الدعامات الأساسية للاقتصاد السوري هي صناعة الأنسجة. هذا المجال يعاني في السنوات الأخيرة من أزمة كبيرة بسبب الأنسجة الصينية والتركية التي تجتاح السوق العالمي. كما أن السياحة من الدول الغربية تراجعت منذ تفجر الثورات, والسياح الوحيدين الذين يترددون على سوريا هم الإيرانيون غير المعروفين بكرمهم.
30% من الشعب السوري يعمل في الزراعة, مقارنة مع 3% في الدول المتطورة. مئات الآلاف من الزراعيين هم من شمال شرق الدولة, خاصة من مناطق دير الزور, الحسكة والرقة, وقد تخلوا عنها بسبب القحط وبسبب الانخفاض في أسعار المحصول الزراعي, وانتقلوا للسكن في أطراف دمشق, حمص ودرعا.
هذا وتخفِّف العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا وتيرة النمو الاقتصادي, في حين أن الدول العربية الغنية تتحاشى الاستثمار في سوريا لكونها حليفة النظام الإيراني.
ألكسندرتا مجددا في الصورة
تعاني علاقات تركيا ـ سوريا التي ازدهرت في السنوات الأربع الأخيرة من أزمة إثر تفجر المظاهرات. لم يتمكن رئيس الحكومة التركية طيب أردوغان من تقبل ما يحصل في الدولة المجاورة. وبسبب التخوف من انتقاد "يحرك المعارضة في بلاده" لدعمه نظاما استبداديا يقمع شعبه كما بسبب التزام تركيا بالناتو, بالولايات المتحدة وبالاتحاد الأوروبي المهتمة بالانضمام إليه, يدين أردوغان نظام بشار ويفتح حدوده لآلاف اللاجئين السوريين. بدأ ناطقون رسميون في دمشق بمهاجمة النظام التركي واتهامه بالتعاون مع الناتو ضد سوريا. تثير دمشق مؤخرا في العناوين الأزمة بين الدولتين حول مقاطعة ألكسندرتا, التي همدت لعدة سنوات. وقد قام متظاهرون من قبل النظام بالتظاهر في شوارع دمشق قائلين: "الشعب يريد ألكسندرتا". إضافة إلى ذلك, تستنكر دمشق استضافة تركيا لمؤتمر رؤساء المعارضة السورية في أنطاليا, ويعلن المتحدثون باسم سوريا أن السلاح بأيدي المتظاهرين قادم من تركيا.
تجدر الإشارة إلى أن الأتراك يلتزمون بضبط النفس ولا يطالبون بسقوط النظام, إنما بتنفيذ إصلاحات ووقف أعمال القمع.
أكثر رداءة لن يحصل
حجة النظام في سوريا التي هي تبني الصراع, الـ"مقاومة" ضد إسرائيل ـ تفقد قوتها, على ضوء فشل الهدف السوري يوم "النكسة" في إدخال مئات الفلسطينيين إلى هضبة الجولان. احتج فلسطينيون من مخيم اليرموك الموجود عند أطراف دمشق ضد النظام السوري خلال جنازات حوالي 20 قتيلا, وقالوا إن النظام يستغلهم بغية تحويل الرأي العام العالمي عما يجري في سوريا ـ باتجاه إسرائيل.
ثمة أيضا من يسأل, ماذا حصل الآن فجأة؟ لماذا حافظت سوريا على هدنتها مع إسرائيل طوال 37 عاما؟ خلال صدامات داخل مخيم اليرموك, قَتل رجال "أحمد جبريل" من النظام السوري 10 فلسطينيين. وقد تعرض قائد حماس, "خالد مشعل", للنظام السوري, عندما توجه إلى مصر بحثا عن ملجأ بديل تحسبا من إضعاف النظام السوري وإسقاطه, كما اتهم ناطقون سوريون الفلسطينيين بالمشاركة في الثورة.
رغم التخوفات من استقواء "الإخوان المسلمين" في سوريا بعد سقوط النظام, فإن التحالف بين سوريا وإيران في خطر. خلافا لحركة حماس السنية التي أُلزمت بالدعم الإيراني بسبب فقدان الدعم من الدول العربية, فإن حركة "الإخوان المسلمين" في سوريا ملزمة بدعم الدول السنية وعلى رأسها, السعودية, وهي تظهر ولائها لكبير المفتين السنة الدكتور "يوسف قرضاوي" الذي يبغض النظام الإيراني الشيعي. لذلك فإن إيران وأتباعها, خاصة حزب الله, سيكونون المتضررين الأساسيين من تغير النظام, كون سوريا الحليفة العربية الوحيدة لإيران. كما أن سقوط النظام سيزيد من عزلة إيران في الساحة العربية وفي الساحة الدولية.
بخصوص الطبيعة المستقبلية للنظام في سوريا, تجدر الإشارة إلى أن حركة "الإخوان المسلمين" في سوريا ليست الوريث المحتمل الوحيد للسلطة. هم فقط تيار واحد من بين 17 تيارا طائفيا, دينيا, وعرقيا.
رغم اللغز الذي يحيط مستقبل سوريا, فإن التغيير من وجهة نظر إسرائيل سيكون لصالحها فقط, وما هو أسوأ من النظام السوري وحلفه الوثيق مع إيران ـ لا يمكن أن يكون. طبيعة النظام البديل الذي سيكون, وحتى إن كان, كسالفه, ستواصل استغلال المشكلة الفلسطينية, وكما أن أساس انشغالها سيكون في الشؤون الداخلية, وتحدياتها الأساسية ستكون التغلب على الفقر, القمع والفساد".

دوري غولديش
وكالة NFC الاخبارية الاسرائيلية