بقلم: سمير عبيد
الجزء الأول:
أستغلال دولة قطر للصداقة مع إسرائيل
يحق لجميع دول العالم التفتيش عن مصالحها وتعزيز مواقعها إقليميا ودوليا ، ومن حقها البروز وتسجيل النقاط والأنتصارات في الميادين السياسية والدبلوماسية والأقتصادية والإعلامية وغيرها، وأن العلاقات بين الدول لا تختلف عن العلاقات بين البشر، فيجب أن تتوفر فيها الأخلاق والأحترام والتعاون والأمانة والمصداقية وحسن التعامل، ناهيك عن تبادل المنفعة، ولكن بشرط أن لا تتدخل الدول في شؤون الدول الأخرى، وأن لا تكون الدول الصغيرة عونا لدول كبرى لها أطماعها وأجندتها في دول أخرى، فهنا تصبح الدول الصغيرة شريكة أو ذنب تابع للدول الكبرى،فتصبح الصورة سلبية للغاية، أي لا يحق لتلك الدول الكبرى وأذنابها من دول صغرى القيام بهذا الدور الذي يقود الى لغة الغاب ،وولادة المحاور، وأنتشار الأزمات على حساب السلام بين الدول والشعوب.
وبالنسبة الى " دولة قطر" الصغيرة بنفوسها وجغرافيتها، والكبيرة بأقتصادها وطموحاتها، وحتى بمشاغبتها، والتي قال عنها الرئيس المصري حسني مبارك ذات يوم " أنها لا تعادل نفوس فندق واحد في الصين الشعبية" وكان الرئيس مبارك على حق، ولكن ليس من حق مبارك ،ولا أية جهة في العالم منع أو أيقاف دولة قطر من التفتيش عن مصالحها، أو إيقافها عن النمو الدبلوماسي والسياسي والأقتصادي، فهذا حقها المشروع، وأن القضية قضية علاقات وذكاء في توظيف الأموال والثروات، ولكن لا يجوز لدولة قطر أن تتعملق على حساب آلام ومآسي الشعوب والدول العربية، أي لا يجوز لها التعملق على حساب شقيقاتها من الدول العربية، فهنا " نقطة نظام" أمام أنظار أصحاب القرار في دولة قطر!.
فلقد دار في أحد الأيام نقاشا ساخنا بين مجموعة من المثقفين العرب ـ وكان الكاتب حاضرا ـ حول السؤال التالي " هل أن دولة قطر مغرورة، أم أنها مصابة بداء التغريد خارج السرب؟، وهل هي مخيّرة أم مسيّرة؟" وطبعا حصل أختلاف في الآراء حول الأتفاق على رأي واحد، ولكن الذي أّتفق عليه هو أن دولة قطر تفتش عن دور خاص بها عربيا وإقليميا وحتى دوليا، ولديها الإستعداد لتقديم التنازلات ومهما كان نوعها ،وكذلك لديها الإستعداد لتقديم الملايين بل المليارات من الدولارات في سبيل تحقيق هذه الأهداف، فهي ترفض التقوقع في محيطها الخليجي، وترفض رفضا قاطعا الوقوف خلف السعودية بحكم أنها الشقيقة الكبرى، وتشعر بأنها أكبر من أن تقف في الطابور الخليجي الذي تقوده الرياض، وتشعر هي أكبر من موقع عضو في مجلس التعاون الخليجي، فهي تنظر الى المجلس مجرد "ديوانية قبليّة" لتوزيع القبلات على الأنوف، وتذوق أنواع جديدة من الطعام، وتعطير الذياب بالبخور والمسك.
فهي عملت و تعمل على أستراتيجية الشراكة مع إسرائيل من جهة، والود النفعي المرحلي مع إيران من جهة أخرى، فقطعت أشواطا في رسم الشراكة مع إسرائيل أو حتى محاولتها الحصول على حصة أكبر من إسرائيل في المنطقة عندما ذهبت بعيدا مع الجانب الأميركي، وتحديدا بعد نجاح دولة قطر من إستغلال إسرائيل وصداقتها لها بالتأثير على اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة و أوربا ليضغط على الولايات المتحدة الأميركية والتي وافقت بفعل هذا التأثير أن تكون دولة قطر حاضنة لأكبر قاعدة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وأرضها تحتوي على أكبر مخازن عتاد وسلاح في الشرق الأوسط، وتعتقد دولة قطر أنها أصبحت في مأمن من خطر شقيقاتها وجيرانها، ومن الدول الإقليمية المجاورة لمنطقة الخليج، ولكن إسرائيل ليست غبية بل حسبتها حسابا أستراتيجيا،، فوجدت أن تلك القواعد والمخازن العملاقة التي تحتوي على أحدث الصواريخ والأسلحة والأعتدة الأميركية وعندما تكون في قطر فهي أقرب لها من الولايات المتحدة ، ومن القواعد الأميركية في المنطقة عند الضرورة أو عند ساعة الصفر، ثم أن تواجد هذه القوات وتلك الأسلحة في منطقة مهمة وإستراتيجية وهي منطقة الخليج يعد نصر إستراتيجي لإسرائيل التي كانت تتوجس من العراق سابقا، ومن إيران ومن الحركات الإسلامية والجهادية التي لازالت تتوجس منها ، وبالتالي هو عنصر أمان لإسرائيل .
فلدى أسرائيل مشروعها القديم الذي يستند على تقسيم المنطقة وتفتيتها لتصبح إسرائيل هي السيدة الأولى في المنطقة، وتتناظر وتتمايز مع الدول التي ستتشكل على أسس دينية وعرقية وإثنية وطائفية وغيرها، ولقد أثبتت دولة قطر بأنها أمينة على تنفيذ ما أتفق عليه مع إسرائيل والولايات المتحدة و عندما شاركت وبشكل فعلي ضد العراق ،ولم يمنعها من أن العراق دولة شقيقة، وأن الشعب العراقي شقيق الى الشعب القطري بل أندفعت دولة قطر وتفانت في دعمها اللوجستي والمالي والإعلامي والعسكري والإستخباري للحرب ضد العراق، وهنا نجحت قطر بالأختبار الإسرائيلي والأميركي، فكسبت ثقة إسرائيل، والأخيرة كسبت لاعبا مهما أضافة الى خزينة مليئة بالمال وهي الخزينة القطرية لدعم مشروعها القديم الذي يقود الى تقسيم الدول العربية ومثلما أسلفنا، وبالتالي وجدت قطر نفسها منغمسة في مشروع المحافظين الجدد ،والذي هو أنبثاق وتبشير للمشروع الإسرائيلي القديم الذي يقود الى تقسيم العالم العربي وولادة إسرائيل الكبرى، وهذا يعني وفي آخر المطاف ستكون دولة قطر سببا في أكل شقيقاتها الخليجيات في آخر المطاف ،أي ستشترك في تقسيم وتفتيت الدول الخليجية أيضا، وبمقدمتها السعودية، وأخيرا عرفنا معنى التركيزوالإلحاح الأميركي بأنهم يريدون من العراق أن يكون نموذجا لدول المنطقة بأسرها، فلقد ظن الجميع والكاتب منهم بأنهم يريدون تعميم النموذج الديمقراطي الأميركي في العراق، ولكن طيلة السنوات التسع من عمر أحتلال العراق لم يُلاحَظ أن هناك تطورا ديمقراطيا ،وليس هناك إهتماما ببناء المؤسسات التي تغذي وتطور الديمقراطية في العراق، كذلك ليس هناك أهتماما بالمواطن ولا بحقوقه، ولا حتى هناك أهتماما بالبنية التحتية والتنمية، بل هناك تقويضا للدولة العراقية ولسمعتها وبنيتها ووحدتها، فتبيّن بأن النموذج الذي تكلم عنه المحافظون الجدد والرئيس بوش والإعلام الأميركي هو موضوع التقسيم والهيمنة في العراق، أي نقل تجربة التقسيم في العراق الى الدول العربية ومن ثم جعلها سوقا أستهلاكية لإسرائيل والولايات المتحدة والغرب مثلما هو حاصل في العراق وللسنة التاسعة على التوالي.
مشروع برنارد لويس وشهادة الجنرال "ويسلي كلارك" حول مشروع تقسيم سوريا والمنطقة!
تعتبر المعركة التي تقودها سوريا الآن هي معركة مصير وطن وشعب وأمة، وعملية صد مقدسة للطوفان القادم نحو بلاد الشام، وبغض النظر عن نوعية النظام وهويته، فسوريا وجدت نفسها وبتصاعد دراماتيكي بأنها تخوض حربا مركبة للغاية، وتخلو من أدنى درجات الأخلاق والمصداقية، ووقودها الكذب والتدليس والفبركات الإعلامية ،وشهادات شهود الزور، وليست لها علاقة بما يسمى بـ " الربيع العربي" وتختلف أختلافا شاسعا عن ماحصل في تونس ومصر وغيرهما، ومن خلال مؤامرة حيكت على مراحل وفصول وحلقات، والغريب أن هناك دولا عربية ليست فيها تعددية ولا ديمقراطية، ولا حتى برلمان ولا مؤسسات لحقوق الإنسان، وليس فيها منظمات مجتمع مدني ولا حتى دستور، راحت لتساند الحملة على سوريا التي ترفع شعار بسط الحرية والديمقراطية والتعددية، وتنادي بأنقاذ الشعب السوري من الأبادة وهي التي تسمي شعوبها رعايا ولم تقل حتى مواطنين وتمارس ضدهم أبشع أنواع التمييز والأهمال!.
والحقيقة أن أهم أسباب الحملة على سوريا هو تغيير نظامها بنظام ترعاه واشنطن علنا وإسرائيل سرا،و السبب هو "الطاقة المكتشفة" في قعر البحر الأبيض المتوسط، والتي تعتبرها إسرائيل ملكا لها والتي تمتد حتى السواحل السورية، وربما الى حقول غير مكتشفة ضمن المياه السورية ، وبالتالي فالمعركة "المؤامرة " الجارية ضد سوريا سببها الطاقة الجديدة التي تبحث عن فضاء جيوسياسي وديموغرافي تتحكم فيه إسرائيل، وهو نفس السبب الذي سيجعل لبنان على صفيح ساخن أيضا، لان وجود نظام كنظام الرئيس بشار الأسد الذي يؤمن بالقومية العربية، ويرفض السلام الذي تريده إسرائيل، وبدعم القضية الفلسطينية ويحتضن الكثير من المنظمات الفلسطينية، ويرفع شعار الممانعة، ومطالبته برحيل الأحتلال من العراق، ويرفض التنازل عن علاقته بالمقاومة الإسلامية في لبنان ومع إيران يشكل خطر جسيم على الثروات المكتشفة قرب سواحل إسرائيل من وجهة النظر الإسرائيلية والأميركية ، لأن هذه الثروات تحتاج الى بيئة آمنة، والى شراكة أقتصادية ولوجستية مع الجيران ،ومع المشتركين في الجغرافية الجيوسياسية والبحرية من وجهة نظر قادة أسرائيل وواشنطن، علما أن تلك الثروات ليست مفاجأة الى إسرائيل والولايات المتحدة بل لديهما الخرائط والإكتشافات الكاملة عنها ومنذ زمن بعيد، بل حتى الشهيد "رفيق الحريري" كان يعرفها وتحرك سرا للتباحث مع بعض الشركات المختصة في التنقيب ـ ولهذا ربما كانت سببا للتخلص منه ـ،
لذا فالطاقة والثروات التي أعلن عنها في منطقة البحر المتوسط وقرب إسرائيل هي التي عجلت بتسخين الملف السوري الذي كان يشغل ومنذ زمن بعيد مساحة على طاولة التقسيم الأميركية ،وحسب رؤية المستشرق العجوز "برنارد لويس" المولود في لندن عام 1916 والمختص في الإسلام ومنطقة الشرق الأوسط ،والذي هو المرجع الأعلى للرئيس بوش وللمحافظين الجدد، ولقد أكد الصحفي الفرنسي ريشار لا بغيير في كتابة " التراجع الكبير" بأن المستشرق برنارد لويس كان له تاثير على جميع الأدارات، ومنذ عهد رونالد ريغن فيما يخص الإسلام وقضايا الشرق الأوسط، وهو صاحب المقولة المعروفة "الإسلام دين المتخلفين، وأن المسيحية واليهودية دين الحضاريين" ويؤكد الصحفي الفرنسي بأن مصطلح "الشرق الأوسط الواسع" هو من نتاج أفكار برنارد لويس، والهدف لكي يحل محل تسمية " العالم العربي" لأن الأسم الأول فضفاض جدا، وهو مصطلح جغرافي سيزيل التأثير القومي والسياسي والحضاري للعالم العربي، والهدف لكي تُدمج فيه إسرائيل وتضاف اليه الأمة الفارسية والأمة التركية، وفي المستقبل ربما ستضاف له الأمة الأفغانية وحتى الهندية، والهدف أذابة العرب في بوتقات كبيرة لا علاقة لهم بها فتتميع حضارتهم وتراثهم وحتى قوميتهم، ومن هنا راحت أدارة الرئيس أوباما للمباشرة بدعم تركيا ، وتراهن على التغيير في إيران لصالح الجماعات التي تؤيد هذا المشروع وتؤيد العلاقة مع واشنطن والسلام مع إسرائيل فيما لو تذكرنا مبادرة الشيخ رفسنجاني للسلام مع إسرائيل، أو تحاول أدارة أوباما عقلنة النظام الإيراني الحالي نحو علاقة خاصة مع واشنطن،فحينها تصبح المرجعية العليا للعرب متوزعة بين طهران وأنقرة وتل أبيب، لأن ضمن خطط الرئيس أوباما توكيل المنطقة الى نمرين إقليميين متنافرين ،ولكنهما لن يتصادما فيما بينهما بل سيباشران بحرب باردة وبرعاية أميركية ، لأن الولايات المتحدة تبرعت بمراقبتهما مع فسح المجال لإسرائيل بحرية التحرك في الشرق الأوسط الكبير... وهي فكرة مشروع " الشرق الأوسط الكبير" الذي عمل عليه الرئيس بوش ورامسفيلد والأغلبية المطلقة من المحافظين الجدد، وعندما رسموا خارطته التي تبدأ من المغرب حتى الحدود الصينية الأفغانية نزولا نحو الخليج فالعراق ثم شواطىء لبنان فقبرص واليونان، وهنا سيكون الشرق الأوسط الكبير و الذي سيبتلع العالم العربي لأنه عبارة عن أطار جغرافي تذوب فيه اللغات والأعراق والأقوام، وحينما سيتمييع العراق وسوريا ولبنان ومصر وغيرها، وتتولد بدلا عن ذلك كيانات وطموحات تمثل "الشيعة، السنة، الأكراد، التركمان ، الأمازيغ ، الدروز، وكيانات مسيحية، والعلويين، والأقباط، والنوبة، وغيرهم" ولأجل هذا المشروع راحوا ففتتوا العراق ثأرا من تشرشل الذي وزعها عام 1921،وهي الفكرة التي أستهوت نائب الرئيس الحالي "جو بايدن" وعندما كان نائبا
في أوائل مايو من العام 2008 دعا السيناتور الديمقراطي جوزيف بايدن Joseph Biden من ولاية ديلاوير -والذي أختاره المرشح الديمقراطي للبيت الأبيض باراك أوباما نائبا له عندما أصبح رئيسا ـ ولزلي جليب Leslie Gelb الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية CFR إلي تقسيم العراق لثلاث مناطق كردية وسنية وشيعية تتمتع كل منهما بالحكم الذاتي،فوجد مشروع بايدن-جليب لتقسيم العراق ترحيبا من قبل العديد من أعضاء الكونجرس، ومن ضمنهم السيناتور الجمهورية كيلي بايلي هوتجيسون التي ترى في تقسيم العراق المخرج الوحيد من المستنقع العراقي، ـ علما أن العراق بلدا موحدا ومستقرا ومتآخيا قبل الغزو الأميركي وأحتلاله ــوفي ظل الجدل المثار حول تقسيم العراق إلي ثلاث أقاليم اصدر مركز سابن بمعهد بروكينجز للدراسات السياسية والإستراتيجية بواشنطن دراسة بعنوان " حالة التقسيم السهل للعراق" The Case of soft Partition in Iraq حاولت الإجابة على العديد من الأسئلة حول مدى إمكانية تطبيق الفيدرالية في العراق ونسبة النجاح مقارنة بالوضع الحالي إلي جانب الصعوبات التي ستواجه الأطراف المختلفة إذا تم تطبيق هذا الخيار الذي أطلقت عليه الدراسة " الخطة ب" Plan B،ولقد أعد الدراسة جوزيف ادوار وهو باحث زائر بمعهد بروكينجز له خبرة كبيرة في مجال إدارة الصراعات حيث عمل لمدة عقدا كامل مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بمنطقة البلقان ولديه العديد من المؤلفات في هذا المجال وشاركه في إعداد الدراسة مايكل هانلون الباحث المتخصص في شئون الأمن القومي الأمريكي بمعهد بروكينجز والذي عمل مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في العديد من الدول
وألم يقل بريجـنسكى مستشار الرئيس الأمريكى للأمن القومى السابق " أن منطقة الشرق الأوسـط ستحتاج إلى تـصـحـيح الحـدود التى رسمتها اتفاقية سايكس بيكو و مقررات مؤتمر فرساى".
ولكن أصل الحكاية بدأت عام 1980 عندما تقدم المستشرق اليهودى الامريكى "البريطانى الأصل" برنار لويس بمشروع منطقة الشرق الأوسـط بكاملها حيث يشمل تركيا وايـران وافغانستان إلى الكونجرس الأمريكى،و تمت الموافقة بالاجماع فى الكونجرس عام 1983 " وهذا يعني أن غرفة العمليات العملية هي في قلب العالم العربي، فتم أختيار العراق لأنه يشكل قلب العروبة والعالم العربي، ناهيك عن دوره الريادي والحضاري والقومي والثقافي والفكري، فتم غزوه والمباشرة بتطبيق مشروع العزل والتقسيم وتزامنا مع المشروع نفسه في أفغانستان، والعراق وأفغانستان يشكلان أهمية قصوى وإستراتيجية بالنسبة لإيران، وعندما نجحوا في العراق قرروا أن تكون السفارة الأميركية في هذا البلد بمثابة "بنتاغون مصغر..أو بنتاغون متقدم.. أو غرفة عمليات متقدمة" أي أن هذه السفارة ستشرف على السفارات في العالم العربي وأن معظم الدبلوماسيين والسفراء قد تدربوا وسوف يتدربوا في العراق قبل توزيعهم على السفارات في الخليج والعالم العربي، وعندما أكملوا المخطط راحوا بالذهاب الى الحلقات الأخرى من المخطط ،فحتى سوريا يراد تقسيمها الى اربع أو خمس كيانات لتتجانس طائفيا وعرقيا وجغرافيا، فهناك دولة سنية في حلب تخاصم دولة سنية في دمشق وبالعكس، ودولة شيعية علوية في الساحل السوري، ودولة درزية في جبل العرب، وتأسيس أقليم قلق قاعدتة القبائل العربية في الجزيرة المحاذية للعراق يكون ساخنا على غرار منطقة " وزيرستان" في باكستان، أي ولادة كيانات متمايزة ومتناظرة، وأضيف تعديلا في الفترة الأخيرة لإضافة كيان درعا السورية المنفتح على الرمثا الأردنية نزولا نحو الإقليم السني العراقي في محاولة لصنع كيان بديل للفلسطينيين وصولا لحدود الشيعة في كربلاء والنجف ،وفي مصر هناك مخطط لدويلة قبطية عاصمتها الأسكندرية، ودويلة إسلامية عاصمتها القاهرة، ودويلة النوبة وعاصمتها إسوان، ويقسم السودان الى ثلاث دويلات، وهاهو قد تقسم الآن الى سودان جنوبي وآخر شمالي، ولقد باشر القسم الجنوبي ببيع الأراضي الى جهات خارجية ــ فلقد نقلت صحيفة ذي تايمز البريطانية بتاريخ 2 يوليو / تموز 2011 عن تقرير للمؤسسة النرويجية " جمعية مساعدة الشعوب النرويجية"إن الأرقام صادمة، فمساحة بعض الصفقات فلكية، ولم نكن نتوقع أن نرى شيئا مثل هذا، وأن تلك المشاريع التي ستقام على الأرض التي بيعت واستأجرت تصل مساحتها الى 2.6 مليون هكتار، وهو مايعادل مساحة ويلز، وتقع في أخصب المناطق من دولة جنوب السودان الفتية.، وأشارت التايمز إلى أنها حصلت على وثائق تكشف أنه تم إبرام بعض الصفقات بمبالغ رمزية، فقد دفعت شركات أمريكية مثلا 4 بنسات على الهكتار الواحد،وحصلت شركة "نايل للتجارة والتطوير" ومقرها مدينة تكساس الأمريكية على 600 ألف هكتار مقابل 17 ألف جنيه إسترليني لاستغلال تلك الأراضي لمدة 49 عاما. مع خيار رفع إجمالي المساحة المستغلة إلى مليون هكتار ـ ولقد لفت أنتباهنا وأنتباه المراقبين هو الأهتمام القطري بالأستثمار في السودان ومنذ سنوات" سنعود لاحقا الى هذه الإشارة"، ووبالعودة الى مخطط التقسيم ففي المغرب العربي دويلات تابعة للبربر وأخرى عربية وبوليساريو وغيرها وتكون جميعها متناحرة ومتمايزه، وأن هذا التقسيم قد ورد في مجلة " كوفنيم اليهودية" التي تصدر عن الوكالة اليهودية العالمية قبل سنوات مضت ،وعندما أكدت على التقسيم في العراق وسوريا ولبنان والسعودية ومصر.
ولكن الأهم ماورد في شهادة الجنرال الأميركي " ويسلي كلارك" في مؤتمر الديمقراطية الآن وتحديدا بتاريخ 2/3/2007، وعندما صدم الرجل حسب قوله فكان كان مبهورا لا بل مصدوما من المخطط الذي سمعه وعايشه، وكلارك هو القائد العام لحلف الناتو 1997 -2001 ، وكان أحد المرشحين للرئاسة الأميركية عام 2004 يقول بشهادته المهمة والخطيرة مايلي" بعد حوالي عشرة أيام من أحداث 11 سبتمبر قابلت وزير الدفاع رامسفيلد ونائبه وولفوفيتس ـ والأول والثاني من صقور المحافظين الجدد اليهود ـ ، وهبطت نحو الطابق السفلي لمقابلة بعض الأشخاص، وأذا بأحد الجنرالات يناديني : سيدي الجنرال لطفا بعض الوقت، فذهبت نحوه وأذا به يقول لي: سنحارب العراق ولقد أتخذ القرار وذلك في 20 سبتمبر ، فقلت له : لماذا؟ لماذا نحن ذاهبون للعراق؟ فقال: لا أدري، فربما ليس عندهم شيء يفعلونه، فعندنا قوة عظيمة ويمكن أن نسقط أنظمة بها، يقول فسألته: هل وجدوا دلائل لعلاقة ما بين صدام حسين وتنظيم القاعدة؟ فقال لي : لا لا لا لكنهم قرروا الحرب، ويستمر الجنرال كلارك بسرد شهادته فيقول: بعد القصف على أفغانستان عدت الى ذلك الجنرال فقلت له : هل لازلنا سنحارب العراق؟ فقال لي: لا، بل هناك من هو أسوأ، وتناول ورقة وقال : هذه جاءت من فوق أي من وزير الدفاع رامسفيلد" علينا أحتلال 7 دول في 5 سنوات، وهي العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان، ومن ثم إيران"... وهذا يعني أن موضوع التقسيم ليس وليد اللحظة، وكذلك ليس له علاقة بأسلحة الدمار الشامل في العراق ،وكذلك ليس له علاقة بالملف النووي الإيراني، ولا بالخطوات النووية التي قطعتها ليبيا وسوريا، وليس له علاقة بحرية الشعوب العربية أطلاقا، ولكن جميعها وسائل وردية غايتها التدخل والهيمنة للوصول الى مشروع التقسيم والتفتيت والذي تقدم كثيرا وللأسف الشديد وبدعم من بعض الدول العربية وبمقدمتها دولة قطر لتثبت للولايات المتحدة ولإسرائيل بأنها حليف لا يكذب ومخلص ومهما كانت الأهداف والمخططات..
قناة الجزيرة وأندفاع قطر كلاعب محوري في تغيير الأنظمة العربية!
وبالعودة الى دولة قطر فعندما نجحت بجر الأميركيين وترسانتهم نحو قطر ،وجدت نفسها غير مضطرة أن تستمر بالإنغماس السياسي الشديد مع الإسرائيليين، أي لا توجد ضرورة بأن تعتمد على إسرائيل في كل صغيرة وكبيرة وبعد أن أصبح الأميركان في عرينها، أي أنها أعتمدت سياسيا وعسكريا على الولايات المتحدة، وأبقت الملف التجاري والأقتصادي من حصة إسرائيل لتشاركها فيهما، ومن الجانب الآخر راحت فصنعت لها شبكة حماية ووقاية من الأشقاء والجيران والأعداء وحتى من إسرائيل احيانا، وهي " قناة الجزيرة الفضائية" التي هي مشروع سياسي قطري بحت، ونجحت بتأسيسه من خلال الإستفادة من الخبرة الإسرائيلية والأميركية والغربية في مجال الأتصالات والإعلام والتكنلوجيا والإستخبار، فصارت الجزيرة سلاحا إعلاميا وأستخباريا ونفسيا فتاكا بيد الحكومة القطرية لترهيب الحكومات والأنظمة والشركات والأحزاب والحركات ومنظمات المجتمع المدني، وحتى ترهيب المرجعيات الدينية والصحافة الحرة والمتزنة في العالم العربي،وحينها ولدت الجدلية التي تحمل نوعا من الكوميديا، وهي " هل أن قناة الجزيرة في قطر، أم أن قطر في قناة الجزيرة؟" وبالتالي فدولة قطر تشعر بأنها أكبر من حجمها، وأكبر من جميع شقيقاتها الخليجية، لا بل تشعر بأنها أكبر من المكان الذي تتواجد فيه، ولهذا أصبحت تشعر بأنها مؤهلة لقيادة العرب والمنطقة.
فهي تعتقد أي دولة قطر بأن أدوات القيادة أصبحت متوفرة لديها وأهمها "المال والعلاقات الدولية والثروات"، فلماذا لا تخطط لقيادة العرب، لا بل لتصبح شريكة فعلية لإسرائيل؟ ولكن هذا الهدف ليس سهلا إن لم ترطب الأجواء مع طهران، فراحت فنسجت علاقات خاصة وهي مرحلية مع إيران ولم تنتقدها إسرائيل ولا حتى واشنطن، ودون أن تلتفت الى النقد من الدول الخليجية، ولكن هذا لا يعني أنها علاقة أستراتيجية كالعلاقة مع إسرائيل والولايات المتحدة، لأنه لن تتوانى قطر بالإشتراك ضد إيران أذا وجدت أن هناك تحالفا دوليا حقيقيا ضدها، فدولة قطر تستخدم العلاقة مع إيران لإبتزاز السعودية وبعض الأطراف في المنطقة، فقبلها راحت فأصبحت نصيرا للولايات المتحدة والغرب ضد العراق، فشاركت بعملية إسقاط نظام صدام وبأحتلال العراق ،فلقد لعبت دولة قطر دورا محوريا في عملية أسقاط النظام العراقي وأحتلال العراق، وكانت خدمة جليلة لإيران وإسرائيل ،وترسيخ لشراكة أستراتيجية مع واشنطن والغرب، ولهذا أصبحت قطر صديق موثوق به، لا بل شريك في الأجندة الأميركية والإسرائيلية ،ولكي تبرهن على صدقها وتفانيها راحت فدعمت عملية التغيير في تونس وعلى الأقل إعلاميا، ولكنها أنغمست بشكل قوي في عملية أزاحة نظام الرئيس مبارك والمشاركة في هندسة الثورة المصرية، أي كانت مشاركتها في مصر سياسية ومالية وإعلامية وأستخبارية ولوجستية ، ولم تكتف بهذا بل راحت فأصبحت عرابا الى موضوع أسقاط نظام الزعيم الليبي معمر القذافي، فشاركت بشكل فاعل في حلف "الناتو" وأصبحت عضوا فاعلا في جميع الجهود المالية والقتالية واللوجستية الخاصة بالناتو وبالولايات المتحدة، لا بل تبنت موضوع أسقاط ألنظام الليبي علنا، والأغرب عندما أصبحت لاعبا رئيسيا في مخطط تغيير النظام في سوريا، سوريا التي كانت ترتبط بعلاقات متميزة مع القصر الأميري ومع الدولة القطرية، أي كان الرئيس بشار الأسد من المقربين جدا للقيادة القطرية، وما أشبه الوضع السوري بالوضع العراقي عندما كان القصر الأميري والدولة القطرية من أقرب أصدقاء الرئيس صدام حسين.
وكل هذا ليس أعتباطا أو نوعا من التغريد خارج السرب، ولا حتى " خالف تُعرف" بل أن دولة قطر تبحث عن دور عربي متداخل مع دور أقليمي كبير، وهي ماضية في هندسة هذا الدور، ومن وجهة النظر القطرية ــ لن يضر حتى لو كان على أشلاء الأشقاء ـ فهي لن ولن تكون ذيلا للسعودية، وبنفس الوقت لن تستمر بالوئام مع السعودية، ولهذا هي تريد تجاوز السعودية عربيا وإقليميا، ولمن لا يعرف فدولة قطر تقاطرت سرا عبر شركاتها ورجال أعمالها على السودان ومنذ أكثر من 5 سنوات تقريبا، وذات يوم سأل الكاتب وزيرا قطريا سابقا وهو رجل أعمال: ماسرالاهتمام القطري بالسودان القاحلة؟ فضحك وقال: السودان هي ماليزيا القادمة وسوف ترى ماذا ستصبح السودان وما هو دور قطر فيها، حينها عرفنا بأن هناك تحالف غير معلن بين إسرائيل ودولة قطر للعمل معا وبشكل أستراتيجي بعيد المدى في السودان وغيرها، أي أن دولة قطر عبارة عن رأس الحربة في المخططات الإسرائيلية والأميركية في المنطقة في محاولة منها لتصبح قوة سياسية وأقتصادية وبدعم من إسرائيل، ولا يهم هذا التحالف إن كانت هناك زيادة في عدد المفقودين والقتلى و الللاجئين والعاطلين عن العمل من العرب، ولا يهم ضرب المنظومات الأخلاقية والثقافية في المجتمعات العربية، ولا يهم أنتهاكات حقوق الإنسان وأنتشار الفوضى والسجون السرية والمخدرات في مجتمعات الدول المستهدفة، و كذلك لا يهم هيمنة الحركات المتطرفة والراديكالية تحت مظلة الديمقراطية المستوردة، ولا حتى هيمنة مجموعات المتخلفين والقمعيين، فالمهم الوصول الى الثروات والهيمنة عليها وولادة محاور أقتصادية وسياسية جديدة .
القوة الثالثة
يتبع..