تصور أن تكون محصنا تماما ضد الطلقات النارية؟ وأن لا يصيبك أي أذي إذا أطلق أحدهم النار عليك؟ هذا ما نجحت الفنانة جليلة الصعيدي المتخصصة بالفن الحيوي (Bio Art) بتحقيقه في مشروعها الأخير المسمى "2.6g 329m/s". بمساعدة فريق من المختصين تمكنت الصعيدي من تصنيع جلد بشري إنساني منسوج بالحرير يقي من الرصاص الحي تقريبا.
► مرونة وصلابة
بدأت الفنانة فكرة المشروع قبل خمس أعوام بعد أن قرأت مقالة لباحث أمريكي يدعى راندي لويس اكتشف أن جينات معينة تمكن العنكبوت من صناعة الحرير. والحرير مادة صلبة كالفولاذ لكنها في الوقت نفسه مادة حيوية مرنة يمكن للجسد أن يصنعها بنفسه. زرع الأمريكي الجينات الحريرية في ماعز لتنتج بدورها مادة الحرير بنفسها. وأثارت الفكرة انتباه الفنانة الصعيدي التي تساءلت إذا كان للجسد البشري قدرة على تصنيع الحرير وإذا كان الحرير كاف لوقاية الجسد من الرصاص.
وجدت الفنانة حلولا إيجابية لجميع تساؤلاتها اذ تمكنت من تصنيع جلد بشري حريري واق من الرصاص. عن جدوى المشروع الفني الطبي تقول الصعيدي :
"لسنا بالضرورة بحاجة لجلد واق من الرصاص. أريد طرح أسئلة على الآخرين حول الشعور بالأمان. الأمان مسألة نسبية، هل هذا الاختراع هو ما ينقصنا كي نشعر بأمان أكثر في هذا الوقت الذي يتزايد فيه شعورنا بعدم الأمان لأسباب وهمية أحيانا؟
► مسابقة فنية
تقدمت الصعيدي بفكرتها في مسابقة للفن الحيوي قبل عام لكن لا أحد تناول اقتراحها بجدية وقالوا لها أنها فكرة غريبة وغير قابلة للتطبيق. اضطرت الصعيدي لاستشارة الباحث الأمريكي المعروف في الأوساط العلمية راندي لويس الذي ساندها قائلا أن المشروع صائب نظريا وانه جدير بالاختبار.
وهكذا تمكنت الفنانة من اختبار فكرتها. وبالتعاون مع المركز الطبي التابع لجامعة ليدن، ومعهد الطب الشرعي الهولندي صنّع الباحثون جلدا بشريا من خلايا إنسانية منسوجة بالحرير الطبيعي.
لكن الجلد المصنع في المختبر ليس واق تماما من الرصاص ولا لجميع أنواع الرصاص. الجلد الذي أنتجه الباحثون واق من طلقة نصف ممتلئة بالرصاص، أو طلقة عادية تطلق بنصف السرعة المعتادة وهي القيم التي يحملها عنوان معرض الفنانة 2.6g 329m/s الذي افتتح في متحف الطبيعة Naturalis في مدينة ليدين الأسبوع الماضي. تعرض الفنانة صورا للجلد البشري الواقي من الرصاص وتسجيلا للاختبار الذي اجري في معهد الطب الشرعي الهولندي.
تقول الفنانة: "العبرة من المشروع ليس ما إذا كان الجلد واق تماما من الرصاص أم لا، وإنما طرح السؤال إذا كنا نرغب أن نغير جيناتنا لننتج جلد واق للرصاص؟ وهل يساهم هذا في خلق عالم أكثر أمانا؟"
► عائلة مصرية
تنحدر الفنانة جليلة الصعيدي (30 عاما) من عائلة مصرية مقيمة في هولندا. درست الفن في الأكاديمية الفنية في مدينة تلبورخ جنوب هولندا. انشغالها بالفن الحيوي ينبع من تربيتها في البيت كما تقول: "لم أدرس المواضيع العلمية أو الطبية لكن بحكم أن كلا والدي يعملان في حقل التكنولوجيا الطبية والحيوية فقد ترعرت مع الكثير من الفضول وحب المعرفة العلمية".
فكرة الصعيدي لن تبقى تجربة مختبريه فقد قرر الفنان خيرت فيربيكه مدير متحف الفن الحيوي ببلجيكا تطبيق التجربة في جسده عن قريب. وسيجري الباحثون تجارب لنسج الحرير في خلايا جلدية مأخوذة من السيد فيربيكه ومن ثم زرعها في جسده مكان جلد عادي. لكن لن يتم فحص الجلد الواقي للرصاص بالطلقات الحية ولن يضطر الفنان أن يعيش طوال حياته بقطعة جلدية واقية من الرصاص إذ أن المادة الجلدية المنسوجة بالحرير هي مادة قابلة للتحلل وتتلاشى من الجسد مع مرور السنين.
الجلد البشري الحريري لا يقي من الرصاص فحسب بل يمكن استخدامه في عدد من المجالات الطبية المفيدة. فقد طبق الباحث الأمريكي فكرة نسج الحرير مع خلايا الجلد لإنتاج خيط حرير لخياطة الجروح الجلدية. وفقا للصعيدي فإن التجارب الآن قائمة لتطبيق الفكرة في تصنيع جلد بشري بديل لضحايا الحروق البالغة.
تشعر الصعيدي بالفخر لما حققته في السنوات الأخيرة.
"تعاونت في المشروع مع أكثر من ستين شخصا في المركز الطبي في جامعة ليدن، معهد الطب الشرعي الهولندي وعدد من المنظمات الراعية للمشروع. كان لا بد لي أن انسج معرفة عدد من الباحثين في مجالات عدة كي أتمكن من تحقيق هذا المشروع".
لدى الصعيدي المتخصصة بالفن الحيوي أفكارا جديدة وغريبة تعمل عليها ربما يكون أبرزها مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية من العسل الطازج. "من المهم بالنسبة لي أن تلعب الطبيعة دورا هاما في أعمالي الفنية. الإنسان ذكي واخترع أشياء كثيرة لكن في النهاية الطبيعة أقوى وأجمل من أي شيء يصنعه الإنسان".
عبير صراص
اذاعة هولندا