لنفترض أن لدينا نظاماً يشبه برج بيزا المائل، وأن ميلانه بات يشكل، بعد مرور نصف قرن، جزءاً من وجوده التاريخي، وأن العالم قد اعتاد مع الزمن على قبول ميلانه وشرعنته بالتوافق على الرغم من اختلافه عن الأنظمة المعمارية الديمقراطية..
وفي يوم من الأيام رأت مجموعة من السكان أنه يجب هدم برج بيزا المائل وبناء قلعة إسلامية على يد شركة تركية بتمويل قطري، بينما قالت مجموعة أخرى ببناء برج إيفل غربي على يد شركة فرنسية ـ أمريكية، وهكذا اتفقت المجموعتان على الهدم واختلفتا على نظام البناء وجهة استثماره وإدارته، بينما رفضت وزارة السياحة والقسم الأكبر من العاملين فيها هدم البناء التاريخي ونادوا بإصلاح نظام الإدارة والتسويق والاستثمار، وقالوا إن تجربة تدمير الأبراج عربياً غير مضمونة العواقب، بعد إقدام المصريين على تدمير هرم الفرعون خوفو والإبقاء على خفرع الإسلامي ومنقرع القبطي وفشلهم في الإتفاق على نظام برجهم المرتجى، وخلال ذلك انهارت سياحتهم واستمروا في تسولهم لمعونات العم سام غير السامي، كما فشل التوانسة قبلهم بإشادة بناء ديمقراطي بعدما هدمو قبة برجهم المائل، فراحوا يرقعون برجهم القديم بحجارة جديدة، وقبلهما فشل العراقيون فشلا ذريعا بإشادة أكثر من كباريه سياسي على أنقاض برج صدام المائل... المهم أن الخلاف نشب بين مواطني برج بيزا السوري، فبدأ الرافضون بالتظاهر ثم تطور إلى العراك بالأيدي قبل أن يصل إلى تبادل إهداء الرصاص والقنابل والديناميت داخل أروقة البرج الوطني وساحاته، حيث دخلت على خط الصراع دول تصدير السياح الأمريكان والأوروبيين والروس والصينيين: قسم يدعم أساسات البرج بالحراس، وقسم يقصفه بالهتافات والتصريحات والأشلاء والمؤامرات مع الدول الغربية والنفطية التي فوضت الشركة التركية ـ العثمانية بإنجاز العمل.. وأمام ذلك دعت غرفة السياحة إلى مؤتمر للحوار بين الفرقاء، فلبى المعتدلون الذين يعترفون بأن لا بناء ينجو من ميلان هندسي غير منظور، أو منظور كبرج بيزا، وبالتالي فإن من الأفضل الاتفاق على إصلاح إدارة نظام الاستثمار السياحي القديم بآخر توافقي، بينما أصر المتمردون الغاضبون على الهدم دون أن يقدموا مخططاً مستقبليا للبناء الذي يريدونه.. ورغم مباشرة الفريق الرسمي بالإصلاح باشر الإنقلابيون بالهدم ، دون استفتاء أهل روما فيما إذا كانوا موافقين أم معترضين.. وما زال الهرج والمرج والبرج قائماً، والذي انهار فقط هو الأمان والإستقرار وقطاع السياحة وحياة العاملين فيه!
(الجمل)