ومن مبدأ تفاوت مراتب الفهم والادراك في الزمان والمكان ولدى التفاوت في الفهم الاثني للشعوب فقد صلبنا الحلاج سنة 922 م عندما قال: «انا الحق» ومع تحفظنا العرفاني على ذلك حتى لا نقع «بالحلولية» من منا يدرك مستوى المناجاة بين الله وخلقه؟ واي إدعاء لفهم وادراك حقيقة ذلك هو ضرب من الجنون. وان لم يكن كل واحد منا هو ابن الله فكيف بنا ان نقول: «ابانا الذي في السموات»... وكون الله هو الحق وكونك انت ابن هذا الحق ابن الله. فالحق عندك وان لم يكن عندك فأنت لست ابن الله وبالتالي انت لا تعرف الحق ولا تقول بالحق وهذا يترجم على انك ابن الشيطان...
ان العلم البشري يكشف جوانب الحقيقة بالتدريج حنى يصل الى اعماقها. كما انه يكتشف ايمانه بالتدريج حتى يصل الى نور الله.
والإنسان العربي لا يقبل ان تصبح الكلمة عنده هي الرمز خوفا من ان تتحول الدلالة الوضعية الى دلالة عقلية وكوننا لا نعمل بالعقل ولا بالحق فالنور يبهر بصرنا ويشل بصيرتنا لذلك لم نقدر في كل تاريخنا ان نقترب من الله. قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور بإذنه اية 15 سورة المائدة.
ومع كل هذا الفولكلور الديني عندنا مسيحيين ومسلمين فإن الله لم يدخل الى قلوبنا ولا الى بيوتنا ولم يعد لدينا إماما نقتدي به لا على الارض ولا في السماء لا اماما عندنا في العقل ولا في الإيمان لا في الاخلاق والآداب مع ان ديننا هو السلوك في الخلق والادب والسلوك للجسد والعقل. اين نحن من اتباع بوذا واتباع كونفوشيوس وهم ليسوا اتباع ديانات بل اتباع سلوك حياة وصرامة ايمان وتقديس نظام للعقل والروح والنفس والجسد. «وان ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فلا اتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال: ومن ذريتي: قال: لا ينال عهدي الظالمون. اية - 124 - سورة البقرة.
لم نتبع النور ولا الحق ولا الهداية بل تبعنا الكذب والنفاق والفسق والاحتيال تبعنا الطعن في الظهر لاننا نخاف الحقيقة الحق متعب لا نقدر ان نحمله في فكرنا وعقلنا اما الخيانة فهي سهلة لانها خفيفة كالريشة يسهل حملها الى دهر الداهرين.
وتراثنا لا يدل على ذلك فالعودة الى التراث هي الاساس ولا تقدم بين الشعوب بدون حرية وبدون تقبل الرأي والرأي الاخر ولا استنباط للعلم والمعرفة الا من الينابيع. متى يسمح لنا بالجرأة الكافية لنقول وبحرية تامة للخليفة الحاكم ليعطينا جوابا «اصابت امرأة واخطأ عمر». وعندما جاء ابو عبيدة بن الجراح وفتح بلاد الشام سنة 634م وبلاد بعلبك جاءته الرسالة التالية من الخليفة ابو بكر الصديق: لا تحرقوا شجرة لا تقتلوا شاة الا للحمها ... وستلتقون بأناس انصرفوا الى عبادة ربهم فاتركوهم الى ما انصرفوا اليه ...الخل.
اول بلاء حدث في هذه الامة بعد ذهاب نبيها الشبع وكثرته وذلك ان القوم اذا شبعت بطونهم سمنت ابدانهم وقست قلوبهم وجمحت نفوسهم واشتدت شهواتهم عن عائشة رضي الله عنها.
ماذا جرى للعقل العربي؟
ماذا جرى للمنطق العربي؟
هل احادية التفكير في القومية؟ ام التفكير في الاسلامية هي التي اقالت العقل العملي العربي؟
هل علينا ان نعيد قراءة فكر النهضة العربية بلغة معرفية (ابستمولوجيا) جديدة؟
هل ان مشكلتنا هي فقط فصل العلوم الدينية عن العلوم الاجتماعية - السياسية ام ان المشكلة هي في تكوين المعرفة العقلية عندنا. ومن منا وقع في اشكالية ارضاء السماء فخسر الارض والارض هي مرآة السماء كما يقول هايدغر. وهل الخط بين السماء والارض يفسد الاثنين معا كما يقول بطرس البستاني في كتابه «نفير سوريا» والارض هي الحقل الاوسع لتجارب الانسان حتى يدخل بوابة السماء. وما علينا الا تنزيه السماء من الاغراض الخصوصية الارضية كما طرحها فرنسيسلمراش في كتابه «غابة الحق 1865».
ان الجدلية الفكرية العربية تواكب برمجة الاستبداد العربي كنظام لزمن الحرية الخلاق وقد استطاع الاستبداد بحجز هذا الزمان زمان العرب للحرية فذبح العقل العربي وهجّر ومن ثم أقيل من مهمات هذا العصر. وكوننا وضعنا الزمان في ثلاجة القمع والاستبداد فأصبحنا خارج هذا الزمان لنفقد المكانة بين بقية الشعوب. وقد اجتررنا ماضينا ووضعناه في امتحان عسير ولم نحافظ عليه فمات الماضي ولم يعش المستقبل وضحينا بالذات ولم نر مولودا جديدا من ام حرة. ومن يهلل للثورات العربية فلن تأخذ هذا المعنى ولا هذا المنحى لان المفكر البديل هو من الخارج وليس من الداخل. ولن نحصد زرعا وقمحا نحن لم نزرعه ولم نروه ولم نحصده وندرسه ونذريه من الذؤان، وكل فكر خارجي يزرع في ارضنا الذؤان قبل زرع حبات القمح.
الحراك الثوري
ان الحراك الثوري سيتعطل ان لم يتحرك بفكر ثوري اصيل وان لم يضع نفسه في منظومة فكرية فاعلة شجرة معرفية تواكب العصر. نحن امام مسؤولية تاريخية بإعادة العقل العربي الى منطقه وبالتالي الى الصدارة العالمية. والعقل العربي كان في صورته العالمية غير انه فاقد لهويته لذلك يجب اخراجه من العناية ونعيد اليه هويته في التكوين والمنشأ في الارض وفي السماء. وهذا لا يتم مع احتكاره او ابعاده او جلده او تهجيره اوصلبه فالقيامة ضرورية له ضرورة الخبز للجائع والماء للعطشان، وفي هذه الحال علينا ان لا نؤسس الدولة للشخص بل على الفكر العربي ان يؤسس الشخص للدولة... وتأسيسية هذا الشخص لا تتم الا بحريته وديموقراطيته بإيمانه والحاده الذين يكونان اقنومة شخصيته على مجتمعنا ان يعطي الاولوية لتفتح طاقات الفرد وتفجيرها والاستفادة منها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفكريا وبنيويا ليصل الى راحته في الارض وليدخل السماء بدون خطيئة.
هل نقدر ان نحمي امن مجتمعنا بالرجوع الى فكر مستورد او مستبد؟ وهل نقدر ان نحمي امن مجتمعنا بفكر خاضع للتقنين والتعديل والمساومات التي تعمل على تدجينه وضبطه وفق مؤسسات ومدارس وغايات ووفق مطامع شخصية وآفات عنصرية ومذهبية غير قادرة على اختراق المجهول واحتراف القمع وثقافة الامراض المزمنة من فساد وتخوين وتكفير وفي حصول الطائفية والمذهبية والقبلية والعشائرية. كيف نبني الانسان العربي؟ هذه هي صرخة المؤمن والملحد اللهم اجعلها ان لا تكون في واد او في صحراء.
اين صحوة المسيحيين في المسيح؟ اين صحوة المسلمين في الرسول وفي الاسلام؟ فالدين الواحد ليس لاتباعه وانما للناس اجمعين.
مأساة العرب في انهم منذ اسماعيل بدا الجميع ضد عدالة قضيتهم وانعكاسها في تلك الخسارات التي لا تنتهي والعقل العربي نائم. ومأساة المسيحيين في بحر هذا المشرق هو هذا المصير المندرج ابدا على الحد الفاصل بين عالمين عالم الانشداد والإلتزام الى انطاكيا وعالم التضحيات وانسكاب الدم.
على الدولة ان لا تميز بين الافراد والجمعات وفقا لمعتقداتها بل عليها ان تحترم الجماعات والافراد وتستوحي من معتقداتها ما يمكنها من العيش في حرية المعتقد دون فرض هذا المعتقد ايا كان على من لا يشارك فيه. المجلة الكهنوتية ص 63 العلامة يواكيم مبارك (1924 - 1995).
عليك ان تكون انسانا يعطي كل طاقاته بحيث لا تموت طاقاتك بعد ان تموت العلامة محمد حسين فضل الله.
د. شاكر حبشي