آخر الأخبار

عدنان الصائغ في "و" يكتب الشعر كما يتنفس

عنوان مجموعة الشاعر العراقي عدنان الصائغ يتكلم ببلاغة.. انه حرف العطف "و" الذي يأتي احيانا معبرا عن الحال.. وقد خط بالاحمر على الغلاف وحوله الحرف نفسه بلغات عديدة.

كأن عدنان الصائغ أراد اظهار تلك العلاقات الازلية التي تجعل الاشياء والامور كلها مترابطة متداخلة فلا نهايات ولا توقف حادا. لعل هذا يصح عن الماضي والحاضر والاتي وعن هنا وهناك وكل جهة. ام لعل الشاعر من خلال احزانه العراقية لم يجد ما يفصل الامس عن اليوم.. وعن المقبل الذي لا يبدو شديد الاختلاف حتى الان.

انه استئناف للالام وللاحزان والعذابات والغربة والتشرد.. واستئناف للاحلام تلك التي لا شفاء منها. يكتب عدنان الصائغ بقدرة على تطويع الوزن وحتى القافية المتعددين عنده على طريقة شعراء التفعيلة.

الغياب والوحدة والوحشة والحنين.. كل ذلك يملا شعر عدنان الصائغ أحد أبرز مشردي السنوات الطويلة والكثيرة الماضية من العراقيين ومن الشعراء.

في قصيدة "مطر بلندن" النثرية يقول "مطر بلندن.. يعبر المارون ليلي غير ملتفتين للجرح الذي خلف الجروح ينز منذ خمسين عاما. هل اقول تعبت من نوح الحمام على غصوني جردتها الطائرات من اخضرار قصيدة... مطر بلندن لا الطريق تدلني للبيت .لا جرس يرن باخريات الليل. لا ريح تدق الباب. اين اضعتهم .. اصحابك الماضين بالكلمات... مطر. سراعا يعبر العشاق والمتسكعون فلا أرى الا ظلالي في الطريق تساءل الحانات عمن سوف تشركه في المساء بكأسها وغنائها... لا فجر يطل وراء قضبان العراق. فكم يطول الليل يا ليل العراق؟."

في قصيدة "ليل لشبونة" نقرأ قوله "ها انت تطوف العالم )ها انت تطوف لوحدك (هاانت تنوح على ما مر) تناس المر تناساك المارون (فما تنظر او تنظر؟ ) الليل باوله (الليل باخره ) الليل كحالك.. شابت منه ذوائبه (شابت روحك )ام شاب بك الوجد لبغداد (فما يلتف على جيدك ساعدها الا وتعمدت ان تنأى. يا هذا المنطرح الان على عتبة باب الحانة )لا تدخل (او ..تخرج."

في قصيدة "تشكيل 4" عملية تحويل افكار. الى صور فنية ظريفة في.. كلام كتب في بلدان عديدة. يقول "اين يختبيء النسيم اثناء العاصفة؟) وايضا (السحب كلام ممزق على لسان الريح. ) ومن ذلك (السنابل التي اهتزت فرحا بالنضوج )المناجل اكثر فرحا منها."

في "تشكيل 6" افكار تتحول صورا او تصبح اشكالا فكرية اخرى وهي أحيانا افكار مأخوذة عن كلام معروف او أمثلة معروفة. مثلا "يعدوننا بالجنان الواسعة (كي ) يسحبوا (من تحتنا ) الارض ( ومنزلك ايضا ) اسقطوا (تمثال الدكتاتور ) من ساحة المدينة (فامتلات ثانية ) بتماثيلهم."

ومن "تشكيل 7" نقرأ قوله "يا .. (لحياتي ) كيف سرقتك الايام مني (ولم انتبه .." ونقرأ ايضا "أحلامي )أخطاء (لم اقترفها بعد."

وفي "تشكيل 8" يتابع هذا النهج الذي ليس شعريا تماما فيقول "حياة بيضاء ) كثيرا ما نفسدها بالاحلام (وايضا )يعبرنا (الامل- ساخرا- ) بين صفي عكازاتنا (الملوحة) له."

ومن ذلك ايضا "أخيرا (وصلت قمة حياتي ) لكنني لم اجد هناك (من الايام والاصدقاء والعشب ) ما يكفي."

وفي "قصائد قصيرة" نقرأ تحت عنوان "رسائل" قول الشاعر" نثيث الثلج (على نافذة منفاي )رسائل متجمدة وصلتني من هناك (هكذا يخيل لي ) بينما ساعية البريد على دراجتها الهوائية (تشير الى ان لا رسائل لي اليوم."

وتحت عنوان هو " .." كتب يقول "وطن ام زنزانة ) الحاكم اضحى سجانه (نحن المحكومون به منذ زمان )يتوارثنا سجان (عن سجان ) من باب الجامع (حتى الحانة."

جورج جحا
(رويترز)

هذا التطويع يجعل الانتقال الموسيقي بين وزن واخر سهلا منسابا لا ينوء بما تحمل الكلمات من معان او تحت وطأة الامتدادات المتباينة طولا وقصرا. انه حاضر "لدمج" موسيقي ناجح خاصة في نقل حوار على رغم صعوبة فيه.

فلنقرأ في قصيدة "ما والخ" حيث يقول .. "يموسقني صوتها حين ينداح (هل تتقن الرقص..)لا.. (رقصتني القذائف )ذات الخبالل (وذات الخبب...)انا شاعر دار بي زمني (..واستدار ) أقول لثوبك يخفق في الريح (هل تبصرين وراء الزجاج الغيوم التي تترقرق بين قميصي )وقلبي .. (مدي يديك الى غصنه تلمسي نبضه راعشا والعصافير..."

اشتملت المجموعة على 74 قصيدة متفاوتة الطول وكثير منها الى القصر اقرب. وقد كتبت القصائد في بلدان ومناطق مختلفة من العالم وهي تحفل بالتشرد حتى تلك التي كتبت في العراق منها.

عدنان الصائغ شاعر فياض.. فكأنه يكتب شعرا كما يتنفس.. باستمرار وحرارة حياة. العراق هو البدء اذن فالقصيدة الاولى تحمل هذا الاسم.

القصيدة تختصر صورة الشاعر عن العراق وتحدده وتتبع منهج سرد صفاته بتقسيم الي. انها اقرب الى النثر منها الى التوهج الشعري لكنها معبأة ومكثفة من حيث المحتوى. كتب بتعداد قام خلاله باخفاء الواو ترك الكلمات متتبعة واحدة تنقلنا الى الاخرى. قال "عندما الارض كوّرها الرب بين يديه )ووزع فيها ../اللغات (النبات )الطغاة (الغزاة )الحروب (الطيوب )الخطوط (الحظوظ )اللقاء ../والفراق (وقسّم فيها )السواد ( العباد )البلاد (الوصايا )الحواس (الجناس )الطباق ../اعتصرت (روحه )غصة (فكان )العراق."

ننتقل منها الى قصيدة (كأس) حيث يقول "في الحانة (كانت بغداد ) خيوط دخان (تتصاعد من انفاس الجلاس )واصابع عارية سكرى (تراقص بين الوتر المهموس ) وبين الكاس (والى طاولتي يجلس قلبي ) ملتحفا غصته (يرنو ولها للخصر المياس ) ووراء زجاج الحانة اشباح تترصدني (تحصي حولي الانفاس ) وانا محتار (- ياربي - ) اين ادير القلب.. (واين ادير الراس؟."