مصطلح المؤامرة ووسائل تصنيعها وتكرار وتنوع أساليب تنفيذها ، في متغيرات الساحة السورية تبرره كمية الوثائق السرية المنشورة حتى الآن بخصوص التآمر على سوريا
واستهداف نظامها باستغلال الواقع السوري ما بعد احتلال العراق .
إذ فقدت سوريا بهذا الاحتلال بعدها الاستراتيجي الوحيد ، المتمثل بالعراق ،
الذي استبدل نظامه بوجود عسكري أميركي يقطع حبل الوريد السوري العراقي .
ما وضع سوريا في حالة اختناق حاولت واشنطن إكماله بانتخاب رئيس لبناني معاد لسوريا بغية تحويل لبنان إلى مشارك في خنق سوريا .
ومع التمديد للرئيس لحود لجأت واشنطن ، للهدف نفسه ،
إلى إطلاق معارضة لبنانية للوجود السوري في لبنان إضافة لاستصدار قانون أميركي لمحاسبة سوريا والقرار 1559 .
التقى موفد شيراك كوندليسا رايس ومسؤولين آخرين في 19 و 20 أب 2004 ،
قبل أن يتجه إلى سردينيا ، المقر الصيفي لرفيق الحريري .
جرت قراءة مشروع القرار مرات عدة ، بتمعن ، على متن يخت رئيس الوزراء اللبناني ،
الذي لم يكن لشيء أن يهدئ من غضبه من السوريين .
وحدث ما كان يخشاه شيراك .
إذ قام السوريون بتعديل الدستور اللبناني ،
وسمحوا لحليفهم إميل لحود بالتمديد ولاية جديدة لمدة ثلاثة أعوام .
رئيس الوزراء الحريري ، الذي استدعي إلى دمشق في 26 آب 2004 ،
كان عليه أن يواجه بشار الأسد الذي قال بغضب : " لحود هو أنا "
في الثاني من أيلول 2004 تبنى مجلس الأمن القرار 1559 بأكثرية تسعة أصوات ،
وامتناع ستة من بينها : روسيا ، والصين ، والجزائر .
القرار « 1559 » ، شكل صفعة حقيقية لسوريا ،
إذ يطالب النص بسحب جميع القوات الأجنبية المسلحة ، وحل الميليشيات ،
وإجراء انتخابات رئاسية حرة وفق القواعد الدستورية اللبنانية من دون أي تدخل خارجي .
ومن دون أي اعتبار أو حساب لما حدث ،
نجح بشار الأسد ، بفرض تمديد ولاية الرئيس لحود .
لم يكن ليتوقع إنذارا عالميا مشابها ، أو أن ينعقد ضده حلف فرنسي أميركي ،
غير منتظر بعد الخلاف بين الطرفين في حرب العراق واهتزاز الثقة بينهما .
ورأى الأسد في ذلك استفزازاً من قبل الحريري ، وخيانة من جاك شيراك ، وتحديا من جورج بوش .
باختصار ، كان ذلك إعلان حرب .
تحويل صيف 2004 موعدا أميركياً فرنسياً مشتركا " للانتقام "
من الرئيس بشار الأسد لعدم تعاونه مع الرئيس بوش في تسهيل احتلال أميركا للعراق وإغلاق طرق القاعدة العابرة إلى المثلث السني عبر سوريا ،
أو رفضه طلبات الرئيس شيراك ، الارتقاء بصديقه الشخصي الرئيس رفيق الحريري ،
في لبنان ، إلى مسـتوى الشراكة .
نجاة النظام السوري من السقوط نتيجة التأثير الفرنسي كان مجرد أعجوبة .
فيما يؤكد المحللون المحايدون أن سوريا كانت لاعباً ماهراً وأتقن بشار الأسد السير على حافة الهاوية مقدماً الجواب الحاسم على سؤال أطراف المؤامرة " مـن يحكم سـوريا ؟ " .
صداقات الرئيس الحريري مع شيراك وغيره شخصية تعني أشخاصها .
رغم تدخل شيراك الايجابي في تفاهم نيسان .
والذي كان الإطلالة السياسية الوحيدة تقريباً للحريري الذي بقي يمارس السياسة من باب الاقتصاد حتى اغتياله .
إذ أن رفيق الحريري اقتصادي لم يتحول إلى سياسي إلا بعد اغتياله ! .
كان الخروج السوري من لبنان في ظروف تهدد الداخل السوري وتعرض القسم المعارض للقرار من اللبنانيين إلى الإرهاب الدولي .
اكتمل الحصار الأميركي بتشديد الخناق الاقتصادي على سوريا في محاولة لدفعها نحو وضعية الدولة الآيلة للسقوط .
إلا أن حفاظ سوريا على نمط الاكتفاء الذاتي الاشتراكي مكنها من مواجهة هذه الوضعية .
وان بثمن تضحيات شد الحزام التي ساهمت في التململ الشعبي من تردي المستوى المعيشي وتالياً بإطلاق الاحتجاجات السورية مطلبيه الطابع .
أما على صعيد الإقليم فقد جهدت واشنطن لإقناع دول المنطقة بان هنالك فرصة سانحة قد لا تتكرر بدخول سوريا هذه الوضعية .
وهي جهود لا تزال مستمرة إذ تقول الأوساط السياسية العربية المقربة من واشنطن بان التحرك الشعبي السوري سيقود لإسقاط النظام عن طريق الاقتصاد .
إذ أن الدولة السورية على وشك إعلان العجز عن دفع رواتب موظفيها بحسب هؤلاء كما بحسب وسائلهم الإعلامية .
حالة الاختناق السورية كانت من ملحقات مخطط احتلال العراق الذي يؤدي تلقائياً لهذا الاختناق .
بما يستتبع الإعلانات الأميركية عن دمشق كمحطة أميركية تالية لبغداد .
كما أن هذه الحالة عزلت سوريا عن الدول العربية الصديقة لأمريكا .
بما يطمئن هذه الدول ويشجعها على اتخاذ خطوات تعزز الاختناق السوري .
خاصة بعد التسويق الأميركي لإسرائيل في تلك الدول العربية عن طريق التهويل بالخطر النووي الإيراني ووضع إيران في أعلى قائمة الأولويات المهددة لهذه الدول مع تراجع الخطر الإسرائيلي على هذه القائمة .
وهو ما عمق الهوة بين هذه الدول وبين سوريا الممانعة والتي تركز على كون إسرائيل العدو الحقيقي للأمة العربية والتي تلتقي مع إيران في هذه النظرة لإسرائيل .
برز تسامح قائمة من الدول العربية مع إسرائيل حتى باتت الأخيرة تتحدث عن حلفها مع هؤلاء العرب لمواجهة إيران .
وهو الحلف الذي سوق له نظام مبارك وكرسته الإعلانات المصرية عن الخوف من إيران
ووجد الحلف العربي الإسرائيلي ضد إيران ترجمته في الدعم العربي للحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز 2006 حيث تبين وثائق ويكيليكس ، المعروضة في هذا الفصل ،
أن المسألة تجاوزت الدعم العربي لتلك الحرب إلى الطلب من إسرائيل كي تمددها علها تقضي على حزب الله .
حيث مقاومة حزب الله لإسرائيل تقابلها علاقته بإيران .
ما يرجح كفته لدى مدركي الخطر الإسرائيلي وما يرجح كفة إسرائيل على حسابه لدى المتخوفين أميركيا من إيران .
لغاية دعوة السفير السعودي في لبنان لنظيره الأميركي إلى تسليح ميليشيات سمير جعجع .
حرب تموز أثبتت لكل اللاعبين في المنطقة أن سوريا تبقى رقماُ صعباً في معادلات المنطقة . فهي لم تكتف بدعم حزب الله بل هي حظرت على إسرائيل قصف مناطق لبنانية متاخمة لحدودها تحت طائلة دخول سوريا الحرب ضد إسرائيل .
هكذا خرجت سوريا من مخاض احتلال العراق ومخاض الاتهام باغتيال الحريري كما من حافة هاوية حرب تموز رقماً صعباً مبعدة الإيحاء الأميركي بكونها دولة آيلة للسقوط .
ولم يبقى أمام واشنطن وحلفائها الإقليميين والدوليين سوى السعي لإسقاط النظام من الداخل . وهو ما يبعد عن التحرك السوري المعارض للنظام أية صلة قرابة بالثورات الشعبية العربية. وذلك لجملة أسباب أبرزها :
1) إن قرار إسقاط النظام من الداخل هو نسخة طبق الأصل عن محاولة إسقاط النظام الإيراني من الداخل .
2) إن تحركات داخلية سورية عديدة سبقت التحرك الأخير وهي تحركات ثبت برمجتها من قبل المخابرات الأميركية .
حيث نعدد سلسلة التحركات الكردية في الداخل السوري .
التي جاءت رداً أميركيا على تسهيل دخول المقاومين إلى العراق عبر الحدود السورية .
3) إن تحرك المعارضة السورية المستغل لأجواء " الربيع العربي " ،
وفق الأماني الأميركية ،
لا علاقة له البتة بالقواعد التي أرستها الثورات وأهمها :سلمية التحرك ) ) والعناوين الوطنية
مفقودة في الحالة السورية حيث لكل مكون معارض مطالبه الفئوية الخاصة :
مطالبة الأكراد بالتجنيس وبعض الأحزاب بالترخيص ...
4) لا بد من التوقف عند التدخل الفرنسي بالغ العدوانية ضد سوريا منذ وضع الشروط الفرنسية للقرار الأممي 1559
حيث عادت الأحلام تراود الفرنسيين بحيث تجاوزوا مطالبة العودة كلاعب في لبنان إلى محاولة توسيع هذا الدور ليشمل سوريا إذا ما تم إسقاط نظامها .
ومعها ذكرى سوريين أفراد فكوا البغال من عربة الجنرال غورو لدى دخوله دمشق وجروا العربة بدل البغال .
كانت مفاجئة تلك العدائية الفرنسية المتفجرة تجاه سوريا بعد احتلال العراق .
فهذه العدائية تجاوزت الأصول الدبلوماسية والسياسية المعهودة لدرجة جعلتها تطرح علامات العجب والاستفهام في أوساط السياسة العالمية وحتى في الأوساط السورية .
فقد كانت فرنسا وحتى قبل بضعة أشهر معارضة للحرب العراقية وللمشروع الأميركي لتغيير الشرق الأوسط وحتى مشروع إصلاحه على الطريقة الأميركية .
بغض النظر عن نظرية المؤامرة فان تحول هذه الاحتجاجات من سلمية إلى دموية يؤكد وجود طابور خامس أقله لناحية وجود لاعبين فرعيين في الداخل السوري اتخذوا من فوضى الاحتجاجات مناسبة للتسلل إلى المشهد السياسي السوري بتحويلهم الاحتجاجات إلى الدموية . وتتكشف التطورات عن ضلوع جماعة الإخوان المسلمين السورية المحظورة بهذا التحول إلى الدموية.
حيث أكدت تصريحات الزعامات الإخوانية أن هذا النظام غير قابل للحوار والتصالح .
بناء عليه لا يمكن توقع تكامل التحركات السورية المعارضة إذ أن لكل تحرك منها مطالبه الخاصة المعروفة والمزمنة .
حيث الجهات المتحركة الظاهرة على السطح تتمثل لغاية الآن بالمجموعات التالية :
الدروز (بدؤوا تحركاتهم عقب استلام بشار الأسد للحكم عام 2000 .
الأكـراد (بدؤوا تحركاتهم عقب احتلال العراق وفجروها عقب اغتيال الحريري .
الأشوريين (انطلقت شرارة الاحتجاجات الحالية من مناطق فيها تواجد أشوري مع تأخر الانخراط الآشوري العلني في الاحتجاجات حتى الجمعة أيار 2011.
العلويون ) المنشقون على النظام وحركتهم انطلقت أيام حافظ الأسد بقيادة شقيقه رفعت وعاودت الظهور عقب وفاة باسل الأسد وترشيح ابنه الثاني بشار للحكم .
ما أثار حفيظة واحتجاج عدد من كبار الضباط والوجهاء العلويين ليتواصل التمرد العلوي بعدها بإنشاء رفعت الأسد الفضائية ANN ) ) المعارضة للنظام بعنف .
ويبقى السؤال مطروحاً حول آلية التفجير التي شجعت التحرك المتزامن لهذه الفئات السورية ذات المطالب المزمنة .
الموسـاد الإسرائيلي ) الذي نفذ عمليات نوعية من الدرجة الأولى تعكس تمكنه من تحقيق اختراقات جدية لأجهزة الأمن السورية ومنها اغتيال العميد محمد سليمان وعماد مغنية وغيرهما .
السلفيون الجدد ( وبدأت تحركاتهم الميدانية بصورة تفجيرات إرهابية عقب حرب مخيم نهر البارد في لبنان المؤدية لاستئصال حركة فتح الإسلام من المخيم والتضييق عليها حتى الاختناق ،
وهؤلاء تلقوا الدعم والمساعدة من الأفرقاء المتخاصمين في لبنان دون أن يلتزموا بأي ولاء لأي فريق منهم .
ما أجل فتح ملف حرب مخيم البارد لغاية الآن كونه يورط كل اللاعبين على الساحة اللبنانية تقريباً .
العـراقيين العـرب (وهم متسربون بصورة غير شرعية عبر الحدود العراقية السورية وهم يعادون النظام لاعتقاله المئات من المقاتلين العرب القادمين لسوريا بهدف قتال الأميركيين في العراق .
كما تضاف جماعة المهاجرون العراقيون البالغ عددهم حوالي المليون عراقي ممن حملوا معهم أحقادهم وتناقضاتهم الداخلية .
هذا دون إهمال دور الإخوان المسلمون السوريون المتأخر تصنيفهم في هذا السياق بسبب تجنبهم الاستعراض بتصدر الاحتجاجات وعملهم عبر قنوات تحريك الفئات السنية الفقيرة الأكثر شعوراً بالتهميش والأكثر حساسية تجاه علوية النظام .
بعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في يونيو 1982 مجلس الجامعة العربية يعقد قمته الخامسة عشر الطارئة في فاس في 6أيلول 1982 ، بعد أشهر من الاجتياح الإسرائيلي، شارك بالقمة 19 دولة عربية بغياب كل من ليبيا ومصر ،
اعترفت جامعة الدول العربية هذه المرة بوجود إسرائيل ،
وتم إقرار مشروع السلام السعودي .
وبين اتضاح خيوط مشروع الشرق الأوسط الجديد المطروح مبدئياً من قبل الكسندر هيغ في أبريل 1981 والمطور بمساهمة من شيمون بيريز عام 1991 وصولاً لتضخمه على يد ووكر بوش .
وذلك وصولاً لتغيير الشرق الأوسط بالقوة العسكرية .
والأكثر خطورة ومدعاة للتحليل المعمق معاودة إطلاق المشروع على لسان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال جولة خليجية لها في أيلول 2010
أشار استطلاع أجرته جامعة ميريلاند بالمشاركة مع مؤسسة الزغبي الدولية لاستطلاع الرأي أن الرئيس بشار الأسد هو الزعيم العربي الأكثر شعبية في الشارع العربي .
وشملت الدراسة عينات من ست دول عربية هي :
مصر ( في عهد مبارك ) والأردن ولبنان والسعودية والأمارات العربية المتحدة والمغرب .
هذه النتيجة جاءت لتعكس رضا الشارع العربي عن مواقف الرئيس السوري الممانعة القريبة من نبض الشارع العربي وآماله .
ومع ذلك غاب الشارع العربي عن دعم الرئيس العربي الأكثر شعبية .
لا بد للمتابع المنصف أن يسجل الملاحظات حول نوايا بشار الأسد الإصلاحية كما حول الإصلاحات الفعلية التي ادخلها خلال حكمه على مدى العقد الماضي .
ومنها ملاحظة تحرير الاقتصاد الذي أراده بشار وأنجز مراحل منه وبخاصة على الصعيد المصرفي والشركاء التجاريين وكذلك خصخصة بعض القطاعات .
إضافة لملاحظة الانفتاح على الحداثة التكنولوجية كخطوة على طريق التنمية المستحيلة وسط الأهوال التي تعرضت لها المنطقة منذ تولي بشار الأسد الحكم ولغاية اليوم .
حيث واجهت الرئيس الجديد الأهوال التالية :
الانسحاب الإسرائيلي من لبنان العام 2000 والذي طرح إشكالية انسحاب الجيش السوري من لبنان التي اعتبرها الرئيس شيراك كافية لإسقاط النظام بصورة آلية .
وكان قد سبقها في العام نفسه تمرد منسوج مخابراتياً في محافظة درعا السورية .
ثم جاءت أجواء الاستعداد لاحتلال العراق حين تفرد الأسد من بين الزعماء في القمة العربية بمصر العام 2002 بإعلان انحيازه للشعب العراقي .
ويومها اكتفى الأسد بالإعلان دون طرحه على بيان القمة لإدراكه انه لن يلقى أي دعم لهذا الطرح .
ومع انجاز الاحتلال الأميركي للعراق العام 2003 ابتعدت الأولوية الإستراتيجية السورية عن الإصلاح تحت ضغط التهديدات الأميركية باحتلال دمشق بعد بغداد .
ثم جاء مخاض اتهام سوريا باغتيال الحريري 2005 والتراجع عنه 2008 وبينهما حرب تموز الإسرائيلية على لبنان مع تهديد بحرب ضد سوريا وما تلا تلك الحرب من قرارات دولية وتدخلات عربية وأجنبية .
دون تجاهل الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا من قصف عين الصاحب لغاية قصف أبو كير على انه مفاعل فتح أميركيا ما سمي بالملف النووي السوري كورقة ضغط إضافية .
كما لم تقصر أمريكا في انتهاكاتها للأراضي السورية بجملة عمليات انطلقت من الأراضي العراقية .
وهذه الجولات العدوانية التي حشدت كل القدرات الأميركية وقدرات أصدقاء واشنطن الإقليميين ضد سوريا بما لا يدع مجالاً للتشكيك بعقائدية الممانعة السورية بعد كل هذه الاستهدافات .
إذ كيف يمكن للعداء الأميركي لسوريا إن يتبدى بأكثر من هذا القدر من العدوانية المبرمجة والمتسلسلة بعد تأكيد الاختناق السوري بالجيران الأعداء .
في هذا الوضع برزت إشكالية ضمان موقع الممانعة السورية كحاضنة رئيسية للممانعة العربية ومكانة سوريا في الساحة الإقليمية في صدر الأولويات السورية .
ولكن من منطلق دفاعي مختلف عن التوجه الإستراتيجي المبدئي الذي فرضه الرئيس الأب .
ورغم تراجعه في العراق ولبنان ،
استطاع النظام السوري أن يلعب على تناقضات أعدائه في هذين البلدين والاستمرار في التأثير من خلال تأسيس جبهة رفض وتصد جديدة في مواجهة الأمر الأميركي الواقع بالتحالف مع إيران والتقرب من تركيا ومن دول آسيوية وخليجية مثل قطر ،
ومكنت هذه التحالفات الجديدة النظام السوري من إعادة تشكيل إستراتيجي على الصعيد الإقليمي من منطلق التوجه القومي التقليدي وتعويض خسارة لبنان وتدهور علاقاته مع المملكة العربية السعودية ومصر .
وهنا جاء الضغط الأميركي المتزامن مع انتشار التحركات الاجتماعية العربية لقطع الطريق أمام تحالفات سوريا مع تركيا وقطر لإحكام الخناق ،
عليها عشية إطلاق التحرك الاجتماعي السوري .
وهي ظروف تدفع للتشكيك بهذا التحرك وبكونه مبرمجاً على إيقاعات الضغوط الأميركية على سوريا .
تتعرض استمرارية النظام السوري لامتحانات عسيرة خرجت منها سوريا لغاية اليوم محافظة على موقعها الاستراتيجي كدولة مؤثرة من الدرجة الأولى في المنطقة وكلاعب إقليمي غير قابل للتجاهل .
لكن سوريا خرجت من هذه المواجهات بجروح وندوب أخطرها تلك المرتبطة بثغرات مزمنة تحولت إلى الإنتان بسبب تأخر الإصلاح والمصالحة .
وابتداء من شهر آذار 2011 وهو توقيت انطلاق التحرك الشعبي السوري باتت نقاط الضعف السورية مكشوفة وعرضة للتشهير الإعلامي الذي يضاعف احتمالات التهابها في خطوة قصديه لتسريع استهداف النظام واستغلال الفرص لإسقاطه .
وأهم تلك النقاط :
الاستقرار الداخلي السوري :
رغم تبريرات مواجهة الضغوط الأميركية وعدوانيتها فان تأخر بوادر التغيير الديمقراطي الموعود إضافة إلى استمرارية الفساد واستنزاف الموارد كافية لإيقاظ كافة أشكال المطالب الجاهزة للجمهور في ظل خلافات قديمة طالت كل أصحاب الهويات السياسية والاجتماعية والدينية والفكرية والقبلية والمذهبية الأخرى .
وهكذا فان التدخل الخارجي في الداخل السوري يستغل هذه الخلافات بعد دراسة معمقة لكنه لا يبتدعها أو يصنعها لعجزه عن ذلك .
وفي ظل هذه الظروف يبدو المستقبل السوري في بلد يمثل الشباب فيه نصف السكان يقاوم فيه المنتفعون من السلطة محاولات التغيير والتحديث والمصالحة .
في المقابل فان الاحتجاجات السورية ليست بمستوى تهديد استمرارية النظام بالنظر لأهمية الدور الإقليمي والإستراتيجية القومية في علاقتهما " بالعدو " الإسرائيلي الكافيين لتجاوز تهديد الاحتجاجات والتحكم بها .
إلا أن سهولة اختراق هذه الفئات المحتجة استناداً لخلافاتها المزمنة مع النظام تشكل عنصر تهديد للاستقرار الداخلي لم يعد من الجائز تجاهلها .
بما يفرض تسريع المصالحات الداخلية بعد عودة الاستقرار .
الاختناق الجغرافي السياسي :
مع انطلاقة الاحتجاجات السورية جاءت المواقف التركية انقلابية تجاه سوريا .
وذلك بعد اجتياح الاستثمارات التركية المجزية للأسواق السورية لغاية تشكيلها خطراً على توازن الاستثمارات الأجنبية في سوريا .
وهو انقلاب احتاج لجرعة كبيرة من الوقاحة التركية .
أما انقلاب قطر وقناتها الإعلامية على سوريا فقد جاء بدوره ليكمل الحصار الإعلامي على سوريا .
وفيما يفسر البعض التغييرات القطرية بمألوف بعض السياسات العربية ( التي تنتهز الفرص لإعلان مواقفها الضمنية ) يميل البعض الآخر لرد موقف قطر إلى تعرض نظامها لانقلاب سعودي غير معلن اشترط استمرارية أميرها في الحكم بشروط التعاون مع السياسات السعودية وخدمتها .
ومع انضمام تركيا إلى معادي النظام السوري اكتملت حلقة خنق هذا النظام عبر استكمال عداوة كافة الدول المجاورة لسوريا .
مع دعم معادي سوريا في لبنان بإصدار قرار المحكمة الدولية باغتيال الحريري في 30 تموز 2011.
وحالة الاختناق هذه لا يمكنها التحول بشكل يجعلها قابلة للاستمرار ما يجعل من الضروري بالنسبة لواشنطن استغلالها للخلاص من النظام السوري .
وذلك تحت طائلة استعادة النظام لتوازنه وتحوله إلى المواجهة من جديد ولكن بصورة أكثر إيذاء للمصالح الأميركية في المنطقة .
بما يفسر المسعى الأميركي للحصول على تنازلات سورية قبل الخلاص السوري من حالة الاختناق .
الحصـار الاقتصادي :
تتضاعف آثار الحصار الاقتصادي الأميركي المزمن لسوريا بسبب انتشار الفساد بصورة لا يمكن لاقتصاد دولة محدودة الموارد ومدفوعة للإنفاق التسلحي مواجهته .
من هنا تصدر الفوارق الاقتصادية بين فئات المجتمع السوري على آلية الحصار الخارجية. حيث تقلصت آمال الانفتاح الاقتصادي لدى بشار وذلك مقابل الغالبية السورية التي تعاني من آثار اقتصاد محاصر بمتطلبات المواجهة العسكرية وضعف الموارد وحصار رأسمالي بقيادة أميركية لدولة لا تزال اشتراكية المنهج الاقتصادي .
بحيث يهدد عامل الاقتصاد استمرارية النظام السياسي بتكريسه لانحرافات الفساد التي تضخم تهديدات الوفاق القائم حول سلطة ممانعة لم تستطع التخلص من تأثير العلاقات الشخصية
والو لاءات المذهبية والعائلية غير المستقرة وموازين القوة الظرفية القابلة للتحول إلى التعسفية في بعض الحالات .
وفي هذه الحالة يطرح النموذج الاشتراكي الصيني كمثال مرجعي للخلاص من هذه التناقضات المهددة .
استمرارية النظام :
تأكيد هذه الاستمرارية يتصدره غياب البدائل الصحية لهذا النظام .
حيث نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام معروف لدى كافة الأوساط الشعبية السورية عبر عصابات الفساد الأقرب إلى المافيات التي قادها أولاده قبل تحوله إلى المعارضة عبر صفقة سعودية لإيصاله إلى حكم سوريا بعد وفاة الأسد الأب .
وهي صفقة أعلنت منطلقاتها وبوشرت مراحلها الأولية قبل وفاة الأسد الأب .
هذا بالإضافة لحساسية الشام تجاه الحركات الدينية والرفض العضوي للحكم الديني .
ومع استبعاد تطبيق النموذج المصري (مجلس عسكري وحكومة انتقالية ورقابة شعبية) لأسباب بنيوية في الحالة السورية يصبح استمرار النظام السوري بحكم المؤكد .
إلا أن مستقبل النظام يبقى مرتبطاً بتنفيذ مصالحات وتصحيحات للخلافات المزمنة كمدخل لإصلاحات بمشاركة كافة الفئات السورية بما يتيح لها تفهم واستيعاب الأولويات .
وبخاصة منها تلك المتعلقة بضرورات تواطؤ النظام مع بعض رجال الأعمال كخط دفاع ثان للاقتصاد السوري
حيث الغسيل الوسخ لا ينشر أمام العالم لكنه يناقش مع المعارضات الوطنية المهتمة بخطوط الدفاع عن امن البلد الاقتصادي كأحد عناصر دعم ممانعته .
هذا وتؤكد مراجعة خطابات وتصريحات الرئيس بشار جهوزية مشاريع الإصلاح في ذهن الرئيس إذ أعلن في طيات مقابلاته وخطبه عن الخطوط العريضة لهذه المشاريع .
هذا بالإضافة لإشاراته المتكررة إلى تصوراته لمكافحة الفساد .
وهنا لا بد من استحضار إقدام بشار الأسد على خوض مواجهات عسكرية مع أفراد من عائلته ومنها الهجوم على قصر - ميناء عمه رفعت الأسد على شاطئ اللاذقية .
مصدر امني غربي صرح لموقع فيلكا الإسرائيلي رابطا السماح بالنشر بإخفاء اسمه واسم دولته ومما قاله ذاك ألمخابراتي المطلع :
منذ الأحد العاشر من نيسان الحالي أقيمت الأفراح والليالي الملاح في مكاتب قادة العسكر والأمن السوري وذلك لشعورهم بان زمنهم جاء والحاجة إليهم وإلى عبقريتهم العسكرية حان وقتها ،
فقام هؤلاء بتقديم تصور عن مخططات أعداء سورية العسكرية ومن بينهم إسرائيل والأميركيين وقطر وبعض من في السعودية مرفقة باعترافات لضابط أمن مرتبط مباشرة ببندر بن سلطان يعتبر نفسه القائد العسكري الفعلي للثورة السورية ،
وقد جرى اعتقاله بعدما استدرجه رجل دين سوري ذو شعبية واسعة ونفس طائفي معروف بقربه من النفس السعودي المذهبي في المنطقة ،
واعتبر ذاك القائد العسكري السعودي البندري للثورة السورية انه بحاجة لشعبية رجل الدين السوري، إذا كان يجب أن يؤمن النجاح لانتفاضة عسكرية وشعبية في دمشق واختتام الحراك في سورية بإسقاط النظام وإقامة :
نظام طالبان - عبد الحليم خدام - سمر يزبك كممثلة عن التيار المدني المرتبط بالسفارات الغربية والأميركية خاصة والذي يضم كل جمعيات حقوق الإنسان المعارضة في سورية ومكتبات وشخصيات تتحرك بنشاط وسرية لتحضير أرضية الانتفاضة الشعبية المليونية المتوقعة بعد إنهاك النظام بالأعمال العسكرية المتفرقة في كل المدن السورية .
يقول المصدر المخابراتي الغربي بأن السوريين استخدموا ذاك الضابط كطعم وأوقعوا بشبكته الأمنية من سوريين تابعين للإخوان المسلمين ولعبد خدام ولما يسمى تيار يساريي أميركا في سوريا وممثلته القيادية سمر يزبك ،
ولبنانيين تابعين لتيار المستقبل وعملاء له من تيار رجال الأعمال الذين يزعمون وصلا بالنظام وهم الخزان الاستراتيجي ضده لارتباط اغلبهم ببندر بن سلطان ماليا وامنيا .
كل تلك الشبكة الأمنية تم تصوير اعترافاتها واظهر التلفزيون السوري خلية يعرف بندر وأخواله في قطر وخاصة التيار الإسرائيلي فيها يعرفون بان ( أنس كنج ) زعيم تلك الخلية لديه أكثر بكثير مما قاله عن جمال الجراح وصولاً إلى مدير مكتب موزة بنت المسند في تل أبيب .
ويتابع المصدر ما يملكه النظام السوري من معطيات واعترافات ومعتقلين سعوديين وسوريين ولبنانيين أكثر من كاف للطلب من الإنتربول إصدار مذكرات توقيف بحق كل من بندر بن سلطان وضباط أركانه وسعد الحريري واشرف ريفي ووسام الحسن وضباط أركانهم ونواب كبار من كتلة المستقبل وأولهم عقاب صقر زعيم خلية هامبورغ للتخريب في سوريا ،
وبعدها يتم تحديد لماذا هامبورغ وليس عمان أو بيروت مثلا .ً
لذا وبدلا من إصدار بشار الأسد الأوامر لقادته العسكريين بتدمير درعا وبانياس على رأس المسلحين بعد إخراج المدنيين منهما بشكل كامل وإفراغها من أي بريء أو غير مسلح ،
بدلا عن هذا الخيار العسكري الذي استعد له السوريون بشكل جيد جدا ليل الأحد الاثنين أمر الأسد بإرسال اعترافات المعتقلين إلى الملك السعودي والى أمير قطر طالبا إيقاف التورط القطري السعودي العسكري في سوريا ،
أو انه سينشر تلك الاعترافات والمعطيات الخطيرة جدا على أمن السعودية وعلى أمن قطر لأنها تسوغ لسوريا الرد إعلاميا بالمثل .
استيقظ المارد السوري وخرج من المؤامرة والمخططات التي حيكت له عبر سنوات طوال ، وأصبح جيشه عسكريا قادرا على صد أي هجوم وأدرك العالم بأن السياسة السورية اليوم أقوى من أي وقت مضى ، أما المخابرات السورية التي ستدرس أساليبها في الأعوام المقبلة كانت لاعبا مهما في نقل المعركة إلى أرض الخصوم وما ذكر عنها نقطة في بحر، وما خفي كان أعظم ، وعلى الكيان الصهيوني ومن تحالف معه التحضير إلى مرحلة جديدة لم تكن بحسبانهم ، وهي الانتقال إلى مرحلة الدفاع بعد فشل هجومهم بهزيمة كبرى وانهزمت المؤامرة مثلما هزم السوريون الفرنسيين سابقا من ربوع سورية .