أنا منْ كُنتَ تُدللُهَا! تُفهّمُهَا! تُعلّمها! تُمّرضُها!
لمَاذَا لمْ تقسُ يومًا؟ فتُيسرَ لي دنيايَ؟ أريدُ أُحطمُ ذاكرتِي!! علي أربُو نسيانَك.
ذاكرتِي كادتْ تقتُلُنِي..والقتلُ أراهُ يوميًا.
كرِهتُ الحقَ يا والدِي..الموتُ حقٌ..أكرهُهُ. أكرهُهُ فقدْ أخذَكَ منِّي.
لمْ أرَكَ يومًا ساخطًا منْ قدرِ اللهِ وأحداثِه، رأيتُكَ دومًا مُهللاً بحمدِ اللهِ وتسبيحهِ.
لمْ أرَكَ إلا مبتسمًا...وأنَا ابنتُكَ فأبتًَسِمُ.
سنةٌ ماضيةٌ قدْ رحلَتْ تحملُ أحزانِي وتوعدُنِي بعدمِ العودةِ نِهائيًا، لتزيدُ وحشتُكَ في قلبِي_ التِي بدَأَتْ منْ بعدِ فراقِكَ بثوانٍ_ صقيعﹸﹸيملأُ قلبِي فالدنيا فضاءٌ مِنْ حَولِي، قد غابتْ شمسِي برحيلِكَ، وانطفَأَ قِنديلُ حياتِي .. مَن يوقِدُ لي قِنديِلِي؟!
مرت أعوامٌ وأعوامٌ، ويزدادُ حنينِي لرؤيَاكَ، كلمَا اشتقتُ لرؤياكَ أغمضتُ عينَايَ لأراكَ.
قدومُ السنواتِ يتسارعُ، يتسابقُ معَ عمرِي..كلاهُمَا يجْرِي، والآنَ ... الآنَ يتسللُ الشيبُ إلَى شِعرِي، وأستقبلُ عاماً جديداً بلا والدٍ ولا ولدِ.
والدِي أعلمُ أنَّ قوانينَ حياتِنَا قد اختلَفَتْ، لكنَّكَ وحيدٌ مِثْلِي، فكِلانَا الآنَ فِي غربةٍ، فِي وحشةٍ. دعنِي أحكِيْ لكَ بُرهةً. كمْ تعنِي البرهةٌ عندَك؟
عساكَ في دارِ الحقِ تتنعمُ، فأنَا بدارِ الباطلِ أتألمُ... كفرتُ بدنيَا فانيةٍ.. دارٍ للزيفِ للكذبِ والخدعِ.
فكمْ منْ مرةٍ اشتقتُ إلىْ قلبِكَ...لأرَىْ زَمَنِي بِلاقلبٍ.
لنْ أحْكِي لَكَ عن يُتمي، عن قَهْرِي، عنْ ظُلْمِي، ولا حُزْنِي. بلْ أحكِي لَكَ عنْ زمنِي.زمنِي وقد نزَعَ سلاحِي.... ثمَّ بدَأََ نِزَالِي، أَجْهضَ حِلمِي، ثمَّ تفنَّنَ فِي صفعِي.
لكنْ لِي ربٌ لا يغفلُ أبدًا، ماضٍ في حكمِه.
عقليِ يُرهقْنِي يا والدِي أُريدُ بديلاً يصغرُهُ لا توجدُ بهِ ذاكرةٌ، فيُريحنِي وأُريحُ أنَا قلبِي.
لنْ أشكُو إليكَ يا والدِي سوَى قَلْبِي.....قلبِي ضعيفًا لا يقوَى، بهِ جُرحٌ غاااائرٌ.....ما زالَ ينزفُ، ظننتُ أنهُ اندَمَلَ.
مرآتي والدِي لا تكذبُ، أنا في العَقدِ الثالثِ من عمرِي، لكنَّها قنعَتْ ببياضِ شعرةٍ واحدةٍ، وأخفتْ تجاعيدَ قلْبِي، هلْ تحملُ رسالةً؟! لاَ أعلمُ .
سبقتَني أنتَ للترابِ، سألْحقُكَ أنَا فيِ ميعادٍ، ولحينِ حلولِ الميعادِ فماذَا أفعلُ بقلبِي؟!
أحسبُكَ الآنَ فِي روضةٍ، عسَى أنْ تَصِلَكَ دعواتِيْ، سامِحْنِي يومًا إنْ قصَّرْتُ.
إنْ ضاعَ إرثِي فلن أُبالِي، مِيراثِي منْكَ فِي قلبِي، قلبِيْ يملؤُهُ حبُك... حبُكَ يُحبَبنِي فِي العالِمِ، والعالمُ يحيَى فِي كبَدِ.
قلتَ لِي السهرُ سيقتلُكَ، قتلَنِي فراقكَ لا السهرُ.
شيطانِي كثيرًا أقهرُه، أُرددُ مثلَكَ أذكارًًا تحمينِي منهُ وتحفظُنِي، وأُوتيتُ منَ العلمِ قليلاً، معِي كتابٌ وقلمٌ ، أُصلِي مكانَكَ يوميًا، مكتبَتِي تشهدُ عظمتَكَ
ملوكُ الدنيا تصغرُكَ، أنتَ شهيدٌ فِي نظرِي.. قد كنتَ تُناضلُ وتحاربُ من أجلِ أمانةٍ تحملُها، تعلمُهَا أنتَ وأعلمُهَا.
من جهتِي: أنتَ وفيتَ..يرحمُكَ اللهُ ويرحمُنِي!
أذكرُ يومَ رحيلِك. رأيتُكَ تُصلِي وتُسبِحُ، تشهَدُ بالوحدانِيَةِ للهِ وتشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسولُه، أتذكرُ آيةً: "قلْ إنَّ صلاتِي ونُسُكِي ومحيَايَ ومماتِي للهِ ربِ العالَمين" ومعَهَا لفَظْتَ آخرَ أنفاسِكَ.
ظننتُكَ غارقاً في النومِ، قبَّلتُكَ وقدْ رحلتَ. ظننتُكَ معِي، وقدْ انتقلتَ.
مشهدٌ. المشهد مازالَ يؤرقُنِي... يومَها كنتُ أودعُكَ ..أناديكَ بصراخِ والدِي... لا ترحلْ....فتمضِي مسرعًا لمثواكَ، ولأولِ مرةٍ لا تجُبْ ندائِي بلْ تمضِي. وبحُرقةِ قلبٍ أرجوكَ والدِي لا تترُكُنِي هنَا وحدِي. فوقفتُ قليلاً أتذّكر.... والركبُ ورائَكْ ينتظرُ مضيتُ ثانيةً تجرِي وتهرولُ وإلى الآنَ لمْ تعدِ!!.
لا أريدُ سماعَ صراخٍ، لا أريدُ سماعَ نواحٍ...لا أريدُ بُكاءً، عزائِي يومًا تجمعُنَا جنةُ خُلدٍ..فتشدُّ بيدِي ومنادٍ...يا أهلَ الجنةِ خلودٌ بلا موتٍ، والدِي لاَ يوجدُ موتٌ. في الجنَّةِ لا يوجدُ موتٌ!
مرآتِي.. فِي الجنَّةِ لا يوجدُ شيبٌ!، فِي الجنةِ شبابٌ! وولدَانٌ مخلدونَ بأكوابٍ وقواريرَ، وكأسٍ من معيِن، لا ظلمَ ولا قهرَ ولا يُتمٌ، عدلٌ وخلودٌ وما لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمِعَتْ، ما اشتهَتْ الأنفسُ في الجنة.
ابنتك الصغيرة الكبيرة
يسرية سلامة