قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية، إن الوضع في سورية يقترب من تحوّل الثورة، التي اندلعت قبل ثمانية أشهر، إلى حرب أهلية، الأمر الذي شجّع مهربي السلاح على بدء نشاطهم في زيادة تمرير السلاح والذخيرة إلى البلاد، من لبنان جنوبًا ومن تركيا والعراق شمالاً. ونشرت الصحيفة، شهادات مثيرة تبدأ على الشريط الحدودي الفاصل بين سورية وتركيا، حيث يصل العديد من المهربين خفية، حاملين أكياسًا بلاستيكية ضخمة مليئة بالسلاح والرصاص، يعبرون بها السّياج الصلب والأسلاك الحدودية الشائكة، حيث تنتظرهم مجموعة من المقاتلين المعارضين، ليتم تمرير الشحنة وتحميلها على البغال، استعدادًا للعودة بها إلى شمال سورية، وخلال هذه الرحلة، تلقى أحدهم اتصالاً هاتفيًا يُخبره بوجود دورية حكومية تجوب المنطقة، حيث بدأت مطاردة بينها وبين المعارضين في المنطقة المحيطة.
ونقلت الصحيفة عن أحد الرجال، أن السوريين اعتادوا تهريب السجائر المستوردة من لبنان، ولكن الأمر تحوّل الآن إلى تهريب السلاح فقط، بصورة تصل في بعض الأحيان إلى تمرير ثلاث شحنات يوميًا.
وتحدث مراسل الغارديان، في مدينة إدلب الشمالية، مع عضو في مجلس قيادة الثورة يُدعى محيي، ومع مقاتل آخر يُدعى أبو سليم، وظيفته البحث عن السلاح والرصاص للمقاتلين، لدعم مواجهاتهم مع قوات نظام الرئيس بشار الأسد. وروى أبو سليم، أن الأمر بدأ "عندما هجمت القوات الحكومية على مديتة بنش في المرة السابقة، ليتم نصب كمين لحافلة تحمل جنودًا، ولكن لامتلاكه مسدسًا وثماني رصاصات فقط، فكل ما تمكن من فعله هو الوقوف والمشاهدة، وهي اللحظة التي قرر فيها أن يسهم في تسليح المعارضة في مدينته"، مشيرًا إلى أنه بدأ في التنقل في الصحراء بين القرى، لمقابلة المهرّبين والتفتيش عن الأسلحة، ويعود كل يوم إلى مدينته بمسدس أو بندقية وبعض الرصاصات، وقال مفتخرًا "عندما هاجمت القوات الحكومية مدينة بنش للمرة الأولى لم يكن في المدينة أكثر من 30 بندقية كلاشينكوف، بينما تمكّن هو الآن من رفع العدد في المدينة إلى أكثر من 600 بندقية، وسط حالة عامة من قيام المواطنين ببيع مجوهراتهم وسياراتهم، بل أثاث بيوتهم، للحصول على السلاح، حتى إن الناس يقولون في إدلب: إن الرجل يفضّل النوم بجوار بندقيته بدلاً من النوم بجوار زوجته".
وسخر أبو سليم، لمراسل الغارديان، من مزاعم تلقي المقاتلين الدعم من الخارج، قائلاً إنه "قد رأى بعينيه شراء الأسلحة مقابل ألفي دولار للبندقية كلاشينكوف، ودولارين للرصاصة الواحدة".
وروت الصحيفة البريطانية، أنه "وفي الطريق لعقد صفقة أسلحة كان لا بد من الخروج من على الطريق الرئيس لتجنب الحواجز الأمنية، فسار أبو سليم ومعه المراسل في الطرق التُرابية الموحلة للقرى، فشاهدوا الأطفال وهم يغنون أغاني ثورية، ويرددون شعارات "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"الحرية" مكتوبة بالطلاء فوق شعارات حزب البعث الحاكم.
وعند أحد الشوارع الضيقة المؤدية إلى التلال التي يختبئ فيها مقاتلو المعارضة، لمح أبو سليم قافلة حكومية من ثلاث شاحنات خضراء تابعة للجيش، وسيارتي جيب عسكريتين، وستة مدنيين في سيارة دفع رباعي، وعدد من العربات المدرّعة، فانحرف أبو سليم سريعًا بسيارته، واختبأ في ساحة أحد المنازل، والذي وجد فيه سيدة تقوم بغربلة القمح والأرز، فقامت هذه السيدة بتلقائية بتغيير فتحة مدخل الفناء لحماية السيارة المختبئة من أنظار الدورية، قبل أن تعود وتعطيهم إشارة الأمان بعد دقائق ثم عاد أبو سليم ومرافقه بمواصلة طريقهم.
ثم أتى مقاتل سابق على دراجة نارية، وسلاح متدلٍ من ظهره فاصطحب الرجلين مع عدد آخر من رجاله، إلى منزل آمن سيشهد اجتماعًا لمجلس قيادة الثورة في وقت لاحق من اليوم، وهو المنزل الذي امتلأ بنحو 20 مقاتلاً يتجاذبون أطراف الحديث ويأكلون ويصلّون، وبعضهم يكتفي بالنوم، وجلس المقاتل محيو مع مقاتل عجوز في الخمسينات، روى له ما حدث عندما تم اعتقاله قديمًا على أيدي قوات الرئيس الأب حافظ الأسد، وأنهم كانوا يضعون الطعام أمام الجميع في ساحة السجن مع منع أحد من الاقتراب، ومن يحاول يتم ضربه وتعذيبه.
وفي المساء اجتمعت القيادة الثورية، وهم مزيج انتقائي من رجال القبائل والمزارعين وسكان المدن، منهم الإسلاميون والقوميون والكبار والصغار والملتحون وحليقو اللحية، ليتحدث أحد القادة ويُدعى عمار، أن الثورة بدأت من أجل الإنسانية ونيل الحقوق المسلوبة للشعب السوري، الذي يعامله الأسد وجماعته كمواطنين من الدرجة العاشرة، ليوضح مقاتل آخر أن هذه الثورة قادها الأبناء والأطفال، الذين لم يشاهدوا الأهوال التي حدثت للمعارضين خلال ثمانينات القرن الماضي، وأنه لولاهم لما أقدم الكبار على أي فعل معارض.
وأكد الرجل أن الثورة السورية لا تشبه ما حدث في ليبيا، بوجود عاصمة للمعارضة في بنغازي، تمتلك جيشًا تقاتل به النظام، مؤكدًا أن المجلس الوطني المقام في تركيا مجرد أشخاص في الخارج ليس لهم أي وزن، وأن من يقود الثورة هم الشعب داخل البلاد، الذين يعملون بنشاط، لكن يخشون الحديث علانيةً خوفًا من انتقام النظام، واتهم الرجل النظام بأنه حوّل البلاد إلى سجن كبير، والجميع إلى جواسيس، وحتى في غرفة اجتماع الثوّار فإن أحدًا لا يثق في الآخر، وإنه لا بد من وجود جاسوس حكومي بين حاضري الاجتماع".
وقال القائد المسن في الاجتماع إنه لا يعول كثيرًا على انشقاق الجيش، لكنه يأمل أنه في حالة توفير منطقة ملاذ آمن أو منطقة ممنوع الطيران فيها، فسيقوم الكثير من الضباط ذوي الرتب الصغيرة وضباط الصف بالانضمام إلى المعارضة، وهم العمود الفقري للجيش، حتى قطع الاجتماع وصول رجلين بدويين قام الجميع لتحيتهما، وهما من قبيلة شمّر، الممتدة من شرق سورية إلى الموصل في شمال العراق، وإلى السعودية جنوبًا، ليقوم الرجلان بوضع بضاعتهم على الأرض، وهي عشر بنادق كلاشينكوف، ومدفعا آر بي جي، مع ستة قذائف لها، ومدفع رشاش متوسط الحجم، وفورًا قام الأطفال الجالسون وراء القادة بتنظيف الأسلحة والتأكد من عملها.
وقال لهم أحد البدويين، ويُدعى أبو علي، إنه أحضر الأسلحة خصيصًا من العراق لدعم الثورة السورية، فسألوه عن الثمن فيقول بلهجة بدوية إن سعر الكلاشينكوف 1600 دولار، وسعر الـ"آر بي جي" والمدفع الرشاش خمسة آلاف دولار، فبدأت بعدها مساومة مع المقاتلين الذين لم يعجبهم ارتفاع السعر، الذي حاول المهربون تبريره بصعوبة جلب السلاح وعبور الحدود به، ولكنها مساومة محسومة بدفع المبلغ المطلوب إلى المهرّب وأخذ السلاح، ومطالبته بجلب الذخيرة المناسبة له".