أسبوع الأصم العربي السابع والثلاثين: 21 - 27 نيسان / إبريل 2012
في كل عام، وخلال الأسبوع الأخير من شهر نيسان (أبريل)، تقيم الهيئات العاملة مع الصم في الوطن العربي أسبوعاً يدعى أسبوع الأصم الذي يعد أسبوعاً حقوقياً مكثفاً وتظاهرة إعلامية شاملة للتعريف بالصمم والوقاية منه، و كذلك التعريف بالأصم وقدراته و وسائل رعايته وتربيته وتأهيله، وقنوات تواصله اللغوي النطقي و الإشاري بين أقرانه ومع المجتمع، وتوجيه وسائل الإعلام لتسليط الضوء، وشرح حقوقه الأساسية الصحية والتربوية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والتأهيلية.
في هذا العام 2012 أطلق الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم على هذا الأسبوع شعار تعزيز حقوق الأشخاص الصم في العمل ، وذلك لأهميته في حياتهم وبهدف تمكينهم من القيام بدور فاعل وإيجابي في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة والمستدامة.
أ- الحق في العمل الملائم على قائمة الأولويات:
لايمكن تجاهل هذا الحق في كل برنامج عمل شامل ومتكامل يسعى إلى تمكين الأشخاص الصم من المشاركة بفعالية في مجتمعاتهم المحلية، فالعمل لكل إنسان يعني الكرامة والمكانة الاجتماعية وهو مكون مركزي في بناء صحتنا الجسمية والنفسية، ونظراً لأهمية حق الأشخاص الصم في العمل ينبغي دائماً التأكيد على ضمان ظروف عمل عادلة وملائمة، على قدم المساواة مع الآخرين، لذلك سعى الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم - شأنه في ذلك شأن العديد من جمعيات الصم- إلى التأكيد على هذا الحق، وجعله على قائمة أبرز الأولويات من خلال مطالبته التي لم تنقطع ببناء بيئة ممكنة للأشخاص الصم بكل جوانبها التشريعية والتأهيلية والاجتماعية والثقافية والإعلامية وغيرها.
نعم لقد بدأ تسليط الضوء على هذه الجوانب منذ الأسبوع العربي الأول للأشخاص الصم الذي أطلقه الاتحاد في عام 1976، وكذلك الأسبوع السادس عام 1981 الذي ركز على التأهيل المهني للصم، والأسبوع الثامن عام 1983 الذي رفع شعار دور الرعاية و التربية و التأهيل و التشغيل في دمج الأصم في المجتمع ، و الأسبوع السادس عشر عام 1991 عن مشاركة الأصم في عملية التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، و الأسبوع الحادي و العشرين عام 1996 وشعاره نحو التسيير الذاتي للصم العرب ، والأسبوع الخامس والعشرين عام 2000 الذي نادى بتأمين فرص عمل للصم ، أما أسبوع الأصم الثامن والعشرين في عام 2003 فقد سلط الضوء على أهمية توافر فرص عمل لائقة للصم من خلال إيجاد مشاريع صغيرة في مجتمعاتهم المحلية، وكذلك هو الحال في العديد من الأسابيع الأخرى.
من جهة أخرى أكد ميثاق حقوق الأصم في الوطن العربي ، الذي طُرح مشروعه لأول مرة في المؤتمر العام الخامس للاتحاد في عمان بالأردن، عام 1986، وشهد النور عندما أقره الاتحاد بشكله النهائي في عام 1992 على كافة عناصر ومتطلبات بناء بيئة ممكنة للأشخاص الصم وخاصة المادة السادسة منه التي تنص على حق الشخص الأصم وضعيف السمع في الحصول على الأمن النفسي والصحي والاجتماعي والاقتصادي وبتوفير فرص التدريب له وربطه بالتأهيل على مختلف الأعمال والمهن الملائمة لدرجة إعاقته، وتأمين العمل المناسب الذي يتلاءم مع قدراته.
ب- العمل والعمالة في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة:
لقد استجابت معظمُ الدولِ العربيةِ ووقعت وصادقت على هذه الاتفاقية التي دخلت حيّز التنفيذِ في 3 أيار/ مايو 2008، وفيها تعترف الدول الأطراف بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل، على قدم المساواة مع الآخرين؛ ويشمل هذا الحق إتاحة الفرصة لهم في عمل يختارونه أو يقبلونه بحرية في سوق عمل وبيئة عمل منفتحتين أمامهم، يسهل انخراطهم فيهما. وتحمي الدول الأطراف إعمال الحق في العمل وتعززه، وذلك عن طريق اتخاذ الخطوات المناسبة، بما في ذلك سن التشريعات، لتحقيق عدة أهداف منها ما جاء في المادة 27 حول العمل والعمالة أذكر منها:
- حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في ظروف عمل عادلة وملائمة، على قدم المساواة مع الآخرين، بما في ذلك تكافؤ الفرص وتقاضي أجر متساو لقاء القيام بعمل متساوي القيمة، وظروف العمل المأمونة والصحية، بما في ذلك الحماية من التحرش، والانتصاف من المظالم؛
- كفالة تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من ممارسة حقوقهم العُمالية والنقابية على قدم المساواة مع الآخرين؛
- تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الحصول بصورة فعالة على البرامج العامة للتوجيه التقني والمهني، وخدمات التوظيف، والتدريب المهني والمستمر؛
- تعزيز فرص العمل الحرّ، وتكوين التعاونيات، والشروع في الأعمال التجارية الخاصة؛
- تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاعين العام والخاص؛ وغيرها
ج- أسبوع الأصم في سنة التعاونيات 2012:
يأتي أسبوع الأصم السابع والثلاثين هذا في السنة الدولية للتعاونيات 2012 التي انطلقت في العالم تحت شعار المؤسسات التعاونية تسهم في بناء عالم أفضل ، من أجل تسليط الضوء على عمل التعاونيات، وأهمية دورها في تمكين النساء، والشباب، والأشخاص ذوي الإعاقة، وكبار السن، وبسبب ارتكازها على مباديء وقيم العون الذاتي، والمسؤولية الاجتماعية والمساواة، الأمر الذي يعزز فرص الاندماج الاجتماعي وتلاحم ورفاه المجتمع كله، حيث تقام الفعاليات على الأصعدة الوطنية والإقليمية والعالمية.
التعاونيات المقصودة هنا هي مؤسسات اقتصادية يملكها أعضاؤها تعمل على تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية لهم بالإضافة إلى مجتمعاتهم المحلية، يديرونها ويراقبونها بشكل جماعي، وفق نظام معتمد، وهي تنتشر في مجتمعاتنا على نطاق ضيق، منذ عدة عقود، أذكر منها التعاونيات الزراعية، والصناعية، والاستهلاكية، والسكنية، وغيرها، وهي تقدم فرص عمل كريمة للعاملين، من جهة، وتقدم السلع والخدمات التجارية، بأسعار مدروسة للمجتمعات المحلية والمجتمع بشكل عام الأمر الذي يزيد من أهميتها والحاجة إليها يوماً بعد يوم، خاصةً مع انتشار ثقافة الاستهلاك، والاستغلال، والإثراء السريع، الذي لايعرف فيه جشع البعض إلا الربح والربح فقط.
تشكل سنة التعاونيات هذه فرصة أمام الحكومات، والقطاعين الأهلي والخاص، ووسائل الإعلام لمراجعة الإنجازات والتحديات، والاستفادة من التجارب الوطنية والإقليمية والعالمية الأمر الذي يؤدي إلى التوسع في إنشاء التعاونيات وتعزيز عملها لاسيما تلك التي تمكّن المرأة والأشخاص ذوي الإعاقة، والتي تضع على رأس أولوياتها تحقيق الجدوى الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية، وتجعل منهما جناحيها القويين، اللذين يحلقان بها إلى مجتمع المساواة والتنمية المستدامة.
ج- دعوة إلى العمل:
نعم .. في أسبوع الأصم العربي هذا العام، هناك حاجة ماسة لدراسة واقع التعاونيات وأنواعها، على امتداد وطننا العربي، لاسيما تلك التي يسهم الأشخاص الصم وجمعياتهم في إنشائها وإدارتها وتسويق منتجاتها وتقويم عملها، من أجل تحقيق أهداف تمكينهم من حقوقهم في حياة كريمة جنبا إلى جنب مع أبناء مجتمعاتهم.
ولابد أيضاً من مراجعة وتحديث تشريعاتنا الوطنية، والاستفادةِ من مواد الاتفاقيةِ الدوليةٍ لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، خاصّة أنها قد وضعت آليةً تنفيذٍ ورصدٍ ومتابعة، على الصعيدين الوطني والدولي، وتؤكّد على مشاركةِ منظمات الأشخاصِ ذوي الإعاقة ومنها منظمات الأشخاص الصم في آليات رصد تنفيذها، من أجل تعزيز حقوقهم و حمايتهم و حفظ كرامتهم.
أدعو بمناسبةً هذا الأسبوع إلى تعزيزٍ الدراسات حولَ واقعٍ العمل بين الأشخاص الصم لاسيما على مستوى المراكز المتخصّصة الحكومية والأهلية والخاصّة، و دعمٍ برامجٍ التأهيلِ المجتمعيِّ الذي يكفل مشاركةً قويةً للأشخاص الصّم في اتخاذِ القرارات الإنمائية في مجتمعاتهم المحلّية كما ندعو إلى الاستفادةِ من توصياتِ مؤتمراتِ وندواتِ الاتحاد العربي للهيئات العاملةِ مع الصّمِ التي طرحت أكثر من مرة هذه الجوانب المهمة في وطنِنا العربي.
نأمل أن يشكّلَ هذا الأسبوعُ مناسبةً للاحتفالِ في الوطن العربي بإنجازات الأشخاص الصم ونجاحاتهم، و مناسبةً لتكريمهم وتعزيز دورهم، وعرض التحديات والصعوبات التي تواجههم وسبل التغلبِ عليها، ومناسبةً أيضا لعرضِ الجهودِ والتشريعات والدراسات التي تسعى إلى تمكينِهم والنهوضِ بواقعهم نحو الأفضل.
[i] د. غسان شحرور، أمين سر الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم