آخر الأخبار

سورية لا تفاوض على وضعها الداخلي

لم أكن يوماً من المؤمنين بنظرية المؤامرة ، على الرغم من كثرة الأسئلة المحيطة التي تحتاج إلى أجوبة .
قد يسأل سائل ، ما هي العلاقة بين عملية الياسمينة الزرقاء وما يسمى اليوم " الربيع العربي " ؟ . .
ولماذا دوماً الولايات المتحدة في دائرة ومحرق الاتهام ؟ . .
وبعد البحث وربط بين مجموعة من الأحداث والوقائع والحقائق ، نضع بين أيديكم أسرار عملية الياسمينة الزرقاء والمقدمات التي أفضت إلى ما ينخدع العرب به اليوم بترويج أمريكي غربي لمقولة " الربيع العربي " التي تبدو في ظاهرها دعوة للتغيير وفي باطنها أهداف تقسيميه عجز عنها سابقاً المشروع الأمريكي لتحقيق مصالحه الكبرى في المنطقة ، فانبرى لتسويق تلك المقولة بتسمية أخرى تكون أسهل مروراً على المواطن العربي الذي يعاني كثيراً من السياسة الأمريكية ، وهو يراها تسعى لتدمير الوطن العربي وتفتيت وبعثرة مكوناته الحضارية والإنسانية لمصلحة الكيان الصهيوني .
ولأن سورية كانت العقدة في هذا المشروع ، فقد كانت الهدف الأول والأخير ، حيث جيشت الولايات المتحدة وسخرت كل إمكاناتها التكتيكية والإستراتيجية لضرب سورية ، ولم يكن الذي جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن إلا مقدمة للوصول إليها بهدف تقسيم الوطن العربي مرة أخرى إلى دويلات متصارعة متناحرة ، يسهل معها تمرير أي أهداف سياسية أو اقتصادية ، واستنزاف خيراته من النفط والغاز والثروات الأخرى ، والتحكم بمنطقة آسيا الوسطى والشرق الأوسط سياسياً واقتصادياً لتظل مرتبطة بمشروع الهيمنة الأمريكية.
مقدمة لابد منها. . ! فكانت :
الصفقة بين الولايات المتحدة وحمد آل ثاني . . وحمد بن جاسم :

في العام 1995 مر الكثير من الأحداث ، ولكن أبرز حدثين هما مقتل رئيس الحكومة الصهيونية ومعه دفنت ما سمي وديعة رابين ، وانقلاب في قطر من الابن على أبيه ، رغم أن الابن كان الحاكم الفعلي ، فلماذا حدث الانقلاب ؟ ولماذا قررت واشنطن القضاء على عملية السلام ، باغتيال رابين ؟ . . وليس ذلك فحسب بل تتلوها بحرب على لبنان في العام 1996 ، ما الخطر الذي حدث وجعل واشنطن تغير كل إستراتيجيتها في العالم العربي ، وتنقل قواعدها من السعودية إلى تلزيم قطر بإقامة علاقات مع إسرائيل .
1) تسمح قطر باستعمال أرضها في عمليات واشنطن العسكرية ، ولهذا نقلت القواعد من الدمام والقطيف إلى قطر وتم زيادة عدد القوات .
2) تلتزم واشنطن بمنح قطر دوراً إقليمياً مكان السعودية في الخليج .
3) تلتزم الولايات المتحدة بمنح قطر دور السعودية في لبنان ، ودوراً على دول مجلس التآمر الخليجي .
4) توافق قطر على تقسيم المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية .
5) تدير الاستخبارات الأمريكية والصهيونية عملها من قطر . ؟ .
الصفقة مع رجب طيب أردوغان وعبد الله غل . . ؟

لا يمكن لواشنطن تقسيم الشرق الأوسط وخلق نزعه الانفصال عند الأقليات دون إسلام تكفيري متشدد ، ولا يمكن وقف المد الإسلامي المناهض لواشنطن في تركيا دون إسلام متشدد ، ولا يمكن إعادة إشعال روسيا ( الشيشان وداغستان ) والصين ( الإيغوريين ) دون إسلام متشدد ، ولا يمكن بعد تقسيم المنطقة لجر الأقليات إلى الحضن الإسرائيلي دون إسلام متشدد ، وعبد الله غل أردوغان يعلمان أن واشنطن لا تسمح لأي حزب مناهض لها في تركيا بالوصول إلى السلطة والجيش بيدها ، فحلّت حزب الفضيلة وحزب الرفاه وقمعت الإسلاميين ، وتحت العصا تم التفاوض مع رجب طيب أردوغان وعبد الله غل وفق شروط إيصالهم إلى السلطة :

( 1 تلتزم واشنطن بعزل اليونان ونفوذها في قبرص لصالح تركيا ، تركيا تستفيد وأمريكا تكون خلقت الثغرة التي ستسقط الاتحاد الأوروبي واليورو .
( 2 تقبل تركيا بتقسيم المنطقة بما فيها أجزاء من تركيا .
( 3 تعوض تركيا باحتلال جزء من سورية وبنفوذ في دويلات سنية في مصر وسورية التي ستمنح مساحات منها تعويضا عما ستفقده في دويلة كردية ودويلة علوية ستصل حتى حدودها .
( 4 تقوم أمريكا بتحويل تركيا إلى عقدة غاز عالمية تؤمن لها الرفاه الاقتصادي .
( 5 تلتزم واشنطن بمنح أردوغان وغل دوراً عالمياً ، كما حصل مع أمير قطر ( كانت الخطة بإخراجه كفاتح للشام .)
( 6 توافق تركيا على تصفية القضية الفلسطينية .
( 7 تساعد تركيا في الخفاء واشنطن في احتلال العراق وأفغانستان ولاحقاً سورية .
( 8 تسهل دخول الأمريكي إلى وسط آسيا ، والأهم نشر الفوضى في البلقان .
( 9 تحصل تركيا على النفط السوري مقابل الغاز اللبناني لإسرائيل . ويكون الغاز القبرصي تحت النفوذ التركي .

خمس مناطق من المناطق التي انتخبها الناتو حول دمشق شهدت احتجاجات ( دوما وحرستا والتل والحجر الأسود مع القدم وجديدة عرطوز رغم أن الأكثرية فيها مؤيدة ) ، والمكان السادس حدث فيه أمر آخر وهو قيام بلدية ريف دمشق بقطع الطريق بحجة الترميم ، وهناك من سخر من خبر قيام بلدية ريف دمشق بإغلاق طريق جرمانا للترميم ، وقيل وقتها : هل يعقل أن سورية تشتعل وبلدية ريف دمشق تعبد شارعاً ، ولكن قد يكشف يوماً أن إغلاق هذا الطريق خلال فترة الأزمة أنقذ أرواح مئات الأبرياء وربما آلاف الأبرياء ، وبحسب المصدر فإن إغلاق طريق جرمانا أزعج الأمريكيين كثيراً وشكوا بأن السلطات السورية بدأت بتفكيك العملية ( الياسمينة الزرقاء ) ، ولكن لم يتأكدوا .
والأهم هو ركن الدين حيث كان إشعال الاحتجاجات ضرورياً لإشغال الحرس الجمهوري عن إنقاذ القوات الصاروخية ، وقطع الطريق عليه .

لعبة الدومينو في ( سوريا ) وأهداف الناتو :

( 1 إشعال احتجاجات في درعا وحمص والساحل بشكل خاص بانياس واللاذقية ( لاحظوا عدم خروج أي احتجاج في حماة أو جسر الشغور أو دير الزور ولا في طرطوس خلال هذه الأحداث ، وبدأت الأحداث في بعض تلك المحافظات بعد سقوط الياسمينة الزرقاء ( .
( 2إحراق المحاكم لاستقطاب المطلوبين أمنيا إلى المعركة لتشكيل خلايا قتالية ( وقد نفذَ هذا على أرض الواقع ، وكنا نظن أن من أحرق قصور العدل هم مطلوبون ، ولكن الحقيقة كانت إحراق قصور العدل لجر المطلوبين إلى المعركة ، وكان لدى واشنطن قوائم بأسماء معظم المطلوبين في سورية ( .
( 3تنفيذ جرائم تسبب احتقانا طائفيا ( وحدثت فعلاً كجريمة الشهيد نضال جنود والعميد التلاوي وصورت وأرسلت الأفلام إلى الانترنيت لتسبب الاحتقان الطائفي ، فهل يعقل أن يصور المجرم نفسه ويرسل صورته إلى الانترنيت ؟!. (
( 4جر الجيش إلى الصراع عبر زرع بلبلة من خلال قتل متظاهرين واتهام الأمن ، وانتشار عصابات مسلحة صغيرة . وقد بدأت فعلاً الاعترافات تثبت ذلك خلال التحقيق مع الموقوفين .
( 5استنزاف الجيش في حروب شوارع عبر مجموعات مسلحة مدربة ومجهزة تماما وغالبها غير سوري .
( 6استفزاز الجيش بحيث يقاتل من دون وعي ( فعلا تم استهداف الكثير من مساكن الضباط ، والهدف استفزاز الضباط للتصرف بعنف وبرد فعل ليسقط أكبر عدد من المدنيين ويهجر أكبر عدد من الأهالي ، ولهذا السبب كاميرا الجزيرة استنفرت على الحدود الأردنية قبل أيام من دخول الجيش إلى درعا متوقّعة رحيل كل أهالي درعا ، كما كان مخططا له ألا يبقى سنّة جنوب سورية ( .
7) نقل الصراع إلى مداخل العاصمة وهي النقاط المحددة لمحاصرة العاصمة .
( 8ارتكاب مجازر وأعمال عنف طائفي كبرى وأعمال تستفز طوائف ( فقد رصدت أخبار عن عملية محاولة اغتصاب مجموعة مدرسات من السويداء يعملن في درعا ، لكن صرحت إحدى الفتيات بأن المهاجمين معظمهم غير سوري ، ويعتقد أن بينهم عدة سوريين تمت تصفيتهم لاحقاً من قبل العصابات نفسها ، ويذكر أن مثل هذه الحادثة كان من الممكن أن تتسبب بزلزال وحرب طائفية لا مثيل لها ( .
( 9بدء هجوم خلايا إرهابية مستقدمة من لبنان لمهاجمة مراكز القوى الصاروخية الإستراتيجية واحتلالها .
( 10نقل الصراع الطائفي إلى العاصمة السورية بحيث يشتعل جنوب ريف دمشق بشكل عنيف .
( 11المرحلة الأخيرة بعد أن يتمزق الجيش ، تتدخل إسرائيل من الجنوب بحجة حماية الدروز وتركيا من الشمال بحجة حماية السنة ، والناتو من البحر بحجة حماية العلويين ، للإشراف على إعادة التوزيع الطائفي لترحيل من لم يرحل في الأحداث . ( هنا وعد أردوغان أن يصبح بطل الأمة الإسلامية على دماء العرب ) والذي سيحارب على وقع اشتعال عدة مناطق في تركيا .
(12تقوم الجزيرة بتبهير خطابات لمجموعة من عملاء واشنطن على أنهم زعماء طائفيين ، كلهم من شيوخ الدين ، وجهزت لهم خطابات دينية طائفية مقيتة تنقل الصراع إلى محيط سورية.
( 13إبان الأحداث ستكون المحكمة الدولية قد أصدرت قرارها الظني واشتعلت احتجاجات في لبنان وبدأت حرب طائفية.
( 14ستشتعل الأعمال القتالية شمال الأردن وجنوب تركيا وتبدأ أمريكا ببلورة مشروع دويلات متصارعة ، السنية منها ملزمة بقبول التركي كعراب لها ليسلحها ، والأقليات ملزمة بالوقوع في الحضن الصهيوني لتحمي نفسها .

المخطط تحويل المنطقة العربية إلى رقعه شطرنج يلعب بها أردوغان و نتنياهو ، وتصبح مهزلة الصراع الكلامي صراعاً بدماء العرب .
( 15التخلص من الشريك في المؤامرة ، وخلال فترة تنفيذ الياسمينة الزرقاء كانت بعض رموز المعارضة القطرية من الأسرة الحاكمة في تركيا ، وقبل الأحداث حين كان السفير التركي ينسق مع القطري ضد سورية كان ابن السفير التركي ومعه رجل استخبارات تركي ينسق مع المعارضة القطرية .
( 16تدخل واشنطن لحماية الشيعة في البحرين من الاحتلال السعودي والتمهيد لقيام دويلة شيعية تضم البحرين وجزءا من السعودية .
( 17الانقضاض على الأردن لحرقه ونقل ملكية الهاشميين إلى الحجاز ليبقى الأردن وطنا بديلاً للفلسطينيين
( ليس فلسطينيي الشتات بل فلسطينيو الداخل الذي سيرحلون ) ، وهذه المعلومة تم الحصول عليها من أكثر من مصدر وذلك قبل العام 2005 وفي حوار مع شيخ من أسرة حاكمة خليجية حول مشروع الشرق الأوسط الجديد كما كان يسرب فقال : ( إي الحجاز طول عمره للهاشميين ليه أخذوه منهم آل سعود .. وأمريكا تبي ترجع الحق لأهله( .
( 18وقبل سقوط سورية ستكون مصر مشتعلة بين الأقباط والمسلمين ليصار لاحقاً إلى ترحيل الأقباط ليكونوا دولة على حدود فلسطين المحتلة ،
وبهذا تكون الأمة العربية أصبحت قطعاً لا يمكن لأي دويلة منها أن تنهض ، فأمريكا ستبتز هذه الدويلة بالبترول وتلك الدويلة بالقمح . . . وتلك بغيره ، وتبتزهم جميعاً بالسلاح الذي سيتقاتلون به ، ليصبح أمام الإيراني إما الخضوع ومنحه نفوذاً في الدويلات الشيعية أو الهدف القادم ، وبهذا تكون واشنطن أكملت الإطباق على الشرق الأوسط كاملا .
بدء الهجوم على سورية :
رغم أن قصة اعتقال ما قيل عنهم أطفال في درعا هي خارج الأحداث على الأرض ، لكنها صارت منطلق الإعلام المعادي لتضخيم تلك الأحداث ، وما أشيع عن التعذيب كان غير صحيح في السجون بشكل عام منذ نهاية التسعينات ، على الأقل لم تشهد السجون سحب أظافر وتعذيباً وحشياً كما قيل ، وما نُقل لم يفعله المحقّقون ، فمن الواضح أن مشكلة الأطفال ( الشباب ) قد حدثت ولكن ضخمت لدرجة لا يقبلها العقل ، حيث ذكر المصدر أن هناك من دفع الأطفال ( الشباب ) لكتابة شعارات ضد النظام ومن أكثر من جهة للتعجيل في إيجاد ذريعة لبدء الاحتجاجات في درعا .
ما بين احتجاجات بسبب اعتقال الفتية وبين متظاهرين دخلوا على خط هذه الاحتجاجات ، ظهرت مظاهرات ضد رجل الأعمال السوري رامي مخلوف ، وطبعاً رامي مخلوف ومحمد حمشو هما أول المستهدفين ، ولكن التركيز كان على رامي مخلوف كونه من أقارب الرئيس السوري ، أما في باقي المحافظات فهناك جيش من العملاء يقوم بنشر الإشاعات والتحريض .

وهنا نتذكر حادثة أنه بينما كنت نشاهد فيلماً عن مظاهرات خرجت يوم 18 آذار في درعا كانت ضد رامي مخلوف ، سألنا شخص غير سوري ، هل هؤلاء رجال أعمال يزاحمهم رامي مخلوف ، لماذا لا يتظاهرون ضد منح شركة اتصالات أجنبية خدمة تشغيل المخدم الثالث للخلوي . . ؟ حيث كان مقرراً أن تتقدم شركة قطرية وأخرى سعودية لتشغيل المخدم الثالث للهاتف الخلوي في سورية .

طبعاً لا يوجد عاقل قادر على تبرير المظاهرات ضد رجل الأعمال رامي مخلوف ، ولكن رامي مخلوف والعميد ماهر الأسد كانا ضمن الاستهداف في مخطّط الياسمينة الزرقاء ، وهنا نرجع بالأحداث إلى مقتل الحريري ، لماذا فُرضت عقوبات على رامي مخلوف ومحمد حمشو أيامها ؟ ! . . نعم هي العقوبات ذاتها ولكن في أول محاولة فشلت الياسمينة الزرقاء بسبب انتصار حزب الله في الحرب ، وحين تقرر إشعال سورية في العام 2011 كان استهداف هؤلاء الأشخاص ، وحتى الفرقة الرابعة حيث صور الإعلام العميد ماهر الأسد على أنه قائد الفرقة وصور كل عسكري في الجيش على أنه من الفرقة الرابعة رغم أنها لم تتحرك من ثكناتها ، وكان التحريض ضد رامي مخلوف قد بدأ قبل عدوان تموز في العام 2006 ، لتسهل عملية التحريض الطائفي ، فلا يوجد حول الأسد لا علويين ولا أقارب ، فتم اختيار شقيق الرئيس وهو ضابط في الجيش ، واختيار رجل أعمال يتصل بصلة قرابة مع الرئيس .

تهجير أهالي درعا وزرع الفتنة :
الكلام عن تهجير أكثر من مليون مواطن أمر صعب نظرياً ، ولكن مع الياسمينة الزرقاء كان الأمر مختلفاً تماماً ، فهو مسألة وقت فقط ، وقد نجح الفصل السكاني في العراق وفي يوغسلافيا وفي كثير من المناطق ، ولكن هل أدركت السلطات السورية المخطّط ؟ .
نعم وهذا مؤكد ويثبته سير الأحداث ، فما الذي حدث ومنع نجاح مشروع إشعال درعا وتهجير أهلها ، ولماذا ارتبك الأمريكي ؟ .

شعبان تستدرج الأعداء والأسد يوجه الضربة :
قُتل الكثير من رجال الأمن في درعا ، والإعلام المعادي يفبرك أرقاماً خيالية عن مقتل مدنيين على يد رجال الأمن ، ولكن رغم ذلك لم يدخل الجيش إلى درعا ، بل خرجت السيدة بثينة شعبان لتنقل عن الرئيس الأسد إعلانه حزمة إصلاحات ، وبإيهام المتابع الأمريكي أنها خرجت بموقف لا يدل إلا على ضعف القيادة في سورية ، بل ويوحي بالخوف ، وجاء ذلك بعد أربعة أيام على تفجّر الاحتجاجات ، وشجع هذا واشنطن على كشف أوراقها ، وهنا واشنطن بدأت تحرك أوراقها وتكشفها تباعاً ، معتقدة أن الأسد أصابه الهلع ، ومن ثم جاء اللقاء الذي جمع الرئيس الأسد مع وفد من أهالي درعا ، وهنا وبما حملته لبعض من كانوا ضمن الوفد حفرت واشنطن قبرها ، حين طلبوا من الرئيس الأسد سحب عناصر الأمن ، ومع سحب عناصر الأمن نزل المسلحون إلى الشوارع ، فمن جهة واشنطن كسرت حاجز الخوف في قلوب العصابات المسلحة ، فنزلت إلى الشارع علنا ، ومن جهة أخرى أصبح لزاماً على الجيش الدخول لتحرير المدينة ، ويوم سحب الأمن من درعا بدأت الجزيرة تنتظر على الحدود الأردنية قدوم آلاف النازحين ، وكشفت كل الأوراق ، ولكن رغم ذلك لم يدخل الجيش ، وبقيت درعا تحت
تصرف العصابات المسلحة عدة أيام ، إلى أن قامت عصابة مسلحة بقتل خمسة جنود للجيش العربي السوري بالقرب من مدينة نوى ، ولم يكن مقتل الجنود هو مبرر الدخول ، بل كانت السلطات أكملت جمع المعلومات عن العصابات وأماكن انتشارها ، ولم يكن قتل الجنود إلا لاستدراج الجيش إلى درعا . إذاً الجيش لم يدخل لأن الجنود استشهدوا فقط ، بل لأنه أصبح يملك المعلومات التي يحتاجها لتنظيف درعا دون خسائر ، وحين بدأ الجيش الدخول إلى مكان آخر بمساكن الضباط شنت عصابات مسلحة هجوماً على المساكن ، وطبعاً الهدف من الهجوم على مساكن الضباط ترويع الضباط على عائلاتهم ليتصرف الضابط برد فعل ، حيث كان المطلوب الرد على كل طلقة من مسلح بقذيفة ، ولكن ما الذي حدث هل جن جنون الضباط . . ؟ .

كما ذكر سابقا فإن مخطط الناتو أخذ بعين الاعتبار توزع القطعات العسكرية ، وحين اختار الهجوم على مساكن ضباط كان يتوقع وجود هؤلاء الضباط في ميدان القتال بدرعا وسيصلهم الخبر وتبدأ مذابح في المدينة ، ولكن لم يتوقعوا أن القطع العسكرية التي ستدخل درعا هي من الفرقة 16 غير المرابطة أصلاً في درعا ومساكن ضباطها ليسوا في درعا ، ولم تتوقع كذلك أن القطع الموجودة بجانب المساكن ستتحرك بسرعة وتحسم المعركة وتنقذ النساء والأطفال ، وهنا يقول المصدر : تفاجأ الأمريكي لماذا تدخلت وحدات من الفرقة 16 ولم تتدخل وحدات من الفرق والقطع المرابطة في درعا ؟ ! .

الضربة القاضية :
بعد قطع الهاتف عن درعا ما يقارب يومين وتطهير المدينة بسرعة خارقة ، أصدر الرئيس السوري عفواً يشمل كل من يسلم سلاحه ويقدم ما لديه من معلومات ، وهنا كانت الضربة القاضية غير المتوقعة ، نعم السيدة شعبان استدرجت الأمريكي لكشف أوراقه ، وحين كشف أوراقه كانت الضربة القاضية من الأسد بعفو عام على كل من يسلّم سلاحه خلال فترة معينة ، فمع خروج الأمن من درعا كشفت واشنطن كل الأوراق ، ولكن بنفس الوقت خسرت العصابات المسلحة الغطاء الشعبي تماماً ، حيث أدرك الأهالي أن الأمن لم يكن هو من قتل المتظاهرين ، وأن هناك عصابات مسلحة منظمة ، وحين صدر العفو خسروا غطاء المراهقين ومن غرر به في الأحداث وخصوصاً بعد أن شاهدوا القوات السورية وخلال ساعتين تصل إلى قلب المدينة وتطهرها بعملية بيضاء ، وبدأت ملاحقة فلول العصابات المعزولة وخرجت درعا من الخطر وبقي الأهالي في بيوتهم ، ولم يتسن للجزيرة تحقيق حلمها ، في مشاهدة مئات آلاف النازحين من درعا .
مع فشل الياسمينة الزرقاء عام 2006 و 2011 انتقل الأمريكي إلى مرحلة جديدة من العدوان على سورية .

المرحلة الثانية من العدوان على سورية :
الخطة البديلة :
الإسرائيلي يحرك الإخوان لتأمين تغطية لدخول الجيش التركي .
بعد فشل عدوان تموز وعدم وجود بدائل ، كان العدوان عام 2011 مجهزاً ببديل في حال فشله وهو فتح ثغرة على الحدود التركية تصبح ورقة ضغط على سورية لابتزازها سياسياً بعد أن فشل مشروع حرق وتقسيم سورية ، فكان المخطّط إشعال حماة وجسر الشغور ، مع التركيز على حماة ، ثم إرسال عصابات مسلحة تحتل جسر الشغور ، تدخل وحدات عسكرية سورية لتحرير المدينة فيتدخل الجيش التركي بحجة حماية المدنيين ويفتح ثغرة تشكل منطقة عازلة ويؤسس مجلساً انتقالياً تعترف به أوروبا وأمريكا والدول العربية ، ويبدأ ابتزاز دمشق ، إما الخضوع أو استمرار الإرهاب في الشمال ، وتهاوى الهدف الأمريكي من حرق وتدمير سورية إلى إرغام سورية على توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل على حساب فلسطين ، وإشراك الإخوان المسلمين بالسلطة كوصاية لواشنطن على عمل الحكومة ، فضلاً عن التمديد للقوات الأمريكية في العراق وملف ليبيا واليمن ، وفعلاً بدأ العمل على الأرض .

بدأ الهجوم من خلال اشتباكات مع رجال الشرطة وعناصر الأمن في جسر الشغور ، وقُتل أكثر من 80 شرطياً لم تنجح سورية في إنقاذهم ، و سقط ما يقارب من 40 شرطياً من قوات الدعم على مدخل المدينة في كمين للعصابات المسلحة ، وأصيبت مروحية حاولت إنقاذ رجال الأمن ، حيث قام 400 مسلح باحتلال المدينة بشكل كامل ، وبنفس اليوم بدأ أردوغان ببناء مخيمات على الحدود وأرسل وحدات عسكرية ، وقطر أرسلت قناة الجزيرة ترصد هروب الأهالي من حرب الشوارع بين الجيش والعصابات المسلحة ، ولكن الجيش لم يدخل ! ! . . إذ أُنهكت العصابات المسلحة ، حيث كل يوم كان يوحى بأن الجيش سيدخل ولم يدخل الجيش ، وكل يوم مزيد من الاتصالات ، لكن وفجأة يظهر خبر عاجل على شريط التلفزيون السوري ، الجيش العربي السوري يطهر المشفى الوطني من العصابات المسلحة ، وكانت رسالة لتركيا ومن وراءها ، لقد قُبض على كل قيادات العصابات أحياء بعملية نوعية ، وسيبدأ تفكيك العبوات الناسفة ولن يهجر الأهالي ، ومع فشل أردوغان وخيبته رغم ذلك طلب دخول الجيش بحجة حماية المدنيين ، ولكن الجيش تفاجأ بالقوات السورية على الحدود ، حيث فجأة أصبحت الحدود
غير خالية فطلب الجيش التركي أمر حرب ، وسقط المشروع ، إذ لا يمكن الدخول بحجة حماية المدنيين ! .
العصابات المسلحة سقطت وبدأ الجيش السوري بتطهير المدينة يرافقه 25 وسيلة إعلامية ، عوضاً عن مرافقة الجزيرة للجيش التركي ، فنقل العمل المسلح إلى حماة ، وبعد أن شهدت المدينة إضرابا تاما تمت السيطرة عليها من المجموعات الإرهابية المسلحة المدعومة من تركيا ، والتي قتلت رجال الأمن بل ورمي بعضهم في نهر العاصي ، طلب اوغلو موعداً لعلّه يفاوض على حماة ، فجاء الرد السوري بتأجيل الموعد ثلاثة أيام ، ولكن حين جاء اوغلو كانت حماة تعيش حياة طبيعية ، حيث دخل الجيش ، قبض على المسلحين وخرج ، وذكرت وسائل إعلام أن أردوغان طلب من الرئيس الأسد إشراك الإخوان المسلمين في السلطة مقابل وقف الهجوم على سورية ، ولكن هل يعقل أن من خسر الحرب يقدم شروطه ؟ ! . . هذه هي المهزلة التي لم تتحقق : سورية لا تفاوض على وضعها الداخلي .
القطري يضرب على صدره :
بعد أن خفت المطالب بدأ تخفيض الأحلام ، و عوضاً عن احتلال جسر الشغور قرر القطري الاعتراف بمجلس وطني ولو بقرية أو 100 متر داخل الحدود ، وتأمين اعتراف عربي له ، وبدأ الضغط على حلفاء أمريكا بفضائحهم ، حيث أُعلن عن حزمة جديدة من وثائق ويكيليكس ، وبدأ التحضير في منتصف رمضان ، إذ قامت الجزيرة والعربية ببروفة علنية من خلال نشر أخبار عن مظاهرات في دمشق تملأ الشوارع ، والجامعة العربية تقوم ببروفة إصدار بيان غير متفق عليه ، وفي منتصف رمضان بدأ التحضير لما سمي ( مجلس انتقالي ) على شاكلة المجلس الانتقالي الليبي ، ومجلس عسكري انتخب المقدم حسين الهرموش لقيادته ، وتم الإعلان عن المجلس قبل أن يتشكل . . ولم تمر أيام إلا وتم فرض المجلس الذي في البداية تبرأ منه معظم أعضائه ، وفي قطر سيقوم أميرها بتصريحات تصعيديه ، على وقع زيارة نبيل العربي إلى سورية ، يبدأ ما سمي المجلس العسكري باحتلال شريط صغير ، وتمت تهيئة الرأي العام له مسبقاً ، حيث سحبت دول خليجية سفراءها من دمشق قبل البدء ، كالسعودية والبحرين وقطر ، تلتها تصريحات نارية تارة من ملك السعودية وتارة من شيخ الأزهر ، وأخرى من ت
ونس . . . والكثير من التصريحات التي تم إطلاقها قبل ساعة الصفر ، وقبل ساعة الصفر سرب السوري عبر ما سمي وسائل إعلام الفيسبوك تفاصيل ساعة الصفر ، ولكن ضخموها بشكل كبير بحيث ذكر أن وقف الفضائيات السورية سيكون ضمن هذه الفترة في رسالة للقطري تنصحه بعدم المغامرة ولكن أصر على المغامرة ، وهنا حين صرح أمير قطر أن الاحتجاجات لن تتوقف في سورية حتى تلبية المطالب ، ظهر إعلان على التلفزيون السوري بخبر بث اعترافات حسين الهرموش التي تركت الكثير من التساؤلات ، فأدركت واشنطن وأدواتها أن وقت اللعب قد انتهى وبدأت بتغيير كل إستراتيجياتها ، مع ظهور ملامح التغيير في المطالب الأمريكية .

وظهور ما سمي المبادرة العربية التي لا تعبر سوى عن مراوحة في المكان لاستمرار الضغط السياسي بعد سقوط كل الخيارات وتوجه الشارع نحو الهدوء .

وبهذا يمكن القول : إن مشروع الشرق الأوسط الجديد قد تأجل إلى أجل غير مسمى .
خيار الحرب العسكرية على سورية :
بغض النظر عن أي حلفاء لسورية ، فبمجرد شن حرب على سورية يعني وضع إيران في الحضن الروسي تماما ، وهذا في العلم يعني وصول موسكو إلى الخليج العربي ، ولذلك هذا الخيار مستبعد من دون التفاصيل ، فكيف مع التحالف الإيراني السوري الذي قد يشعل المنطقة ، فالحرب لا تنتج إسلاما متطرفا يساهم بتقسيم المنطقة ، بل تنتج إسلاما مقاوما للمشروع الأمريكي . فضلاً عن أن الناتو يحمي إسرائيل ، وحين يأتي الناتو إلى سورية لن تتوانى سورية عن توسيع الحرب إلى إسرائيل ، بل ومسح تل أبيب لأن واشنطن لا يمكنها أن تحارب مع إسرائيل علنا . وهنا أذكر القارئ العزيز بأن إسرائيل لم ترد على صواريخ العراق التي أطلقها صدام إبان حرب الخليج، لأن أي حرب تشنها أمريكا مع إسرائيل يستحيل أن تلاقي دعماً عربياً، وإذا كانت عدّة صواريخ عراقية أثارت الشارع العربي حين سقطت على إسرائيل ، فكيف سيكون الحال مع مطر الصواريخ السورية التي تزيد عن 100 ألف صاروخ مرعب
( اس اس 21 ، سكود أ ، سكود سي ، وإسكندر ) التي تحمل شحنات لا تقل عن 500 كغ وتصل إلى 1300 كم . بالإضافة إلى أن حلفاء سورية في لبنان وفلسطين والمنطقة لن يقفوا على الحياد ، فأي حرب على سورية ستقضي على المشروع الأمريكي حتى لو دمرت سورية ، وبالتالي الحرب على سورية هي خيار انتحاري مستحيل ، ويتيح لسورية مسح إسرائيل .

الحل فقط لواشنطن ضرب سورية من الداخل وتقسيمها :
لأن كل الخيارات العسكرية ضد سوريا أو إيران غير متاحة، لجأت واشنطن إلى مشروع الياسمينة الزرقاء لتفتيت سورية من الداخل ، فمع إشعال الحرب الطائفية في سوريا فإن الأمريكي لن يقضي على القضية الفلسطينية فحسب ، بل يكون قد سيطر على أهم المعابر الإستراتيجية في العالم من أوكرانيا نزولاً لسورية وثم إلى تونس ولا يبقى أمامه عقبات سوى روسيا البيضاء والجزائر الذين سيكونون تحصيل حاصل للفوضى الخلاقة ، ومع الفوضى الطائفية ستشعل واشنطن روسيا نفسها والصين بالإسلام التكفيري ، وبالتالي كان مشروع الفوضى الخلاقة هو الحل الوحيد أمام الأمريكي من خلال إشعال العالم وإعادة ترتيبه ولكن سقط المشروع بعد العدوان على لبنان ، وسقط أيضاً بعد العدوان على سوريا ، وأصبح الأمريكي في سباق مع الزمن، بل إن أي خطوة سيخطوها لا يمكن التراجع عنها .

لهذا السبب الحل العسكري وتدخل الناتو في سوريا أمر مستحيل ، ولهذا السبب حاولوا توريط أردوغان في سورية ، لكن ورغم كل الضغوط على تركيا لم تتجرأ على التدخل بمنطقة عازلة لمفاوضة سورية عليها ، مما دفع الأمريكي للجوء إلى جامعة الدول العربية لتغطية الانسحاب من العراق وأملاً بتمديد الأزمة السورية لنهاية العام ومحاولة محاصرة سورية اقتصادياً ، وهذا الأمر سينقلب على حلفاء واشنطن .

ولهذه الأسباب فإن قرار الجامعة العربية لن يكون إلا قبراً للجامعة العربية بأحسن الأحوال ...
وفقاقيع الصابون سرعان ماستختفي ...