آخر الأخبار

مسألة الاصلاح لا يمكن للسلطة احتكارها





اقنعت السلطات في العالم العربي مجتمعاتها ان اي خطوة نحو الاصلاح في شتى مجالاته
وميادينه لا بد ان تنطلق منها وانها هي التي يجب ان تقص شريط اي اصلاح او حتى ندوة
تتحدث عن ذلك, غير ان المجتمعات العربية اليوم وبسبب جملة من العوامل المتنوعة
والمتعددة والتي تناولناها في مقالات سابقة, باتت تعي ان مسألة الاصلاح لا يمكن
للسلطة احتكارها او جعلها تقتصر على الحكومة, وانما للمجتمع مسؤولية ودور في
العملية الاصلاحية, وهذا الوعي يعبر في الواقع عن اقتناع المجتمع بعدم جدية السلطة
في قضية الاصلاح, لذا فالمجتمع عبر قواه وحركاته واحزابه بات اشبه بالمعني الوحيد
للاصلاح وذلك لغياب المؤسسات السياسية المجتمعية الاخرى, بيد ان هنالك جملة من
المعطيات الغائبة للاصلاح السياسي في عالمنا العربي , (هذا ابرز ما تناولناه ).

واستتباعا لتلك المعطيات الغائبة في واقعنا السياسي والتي تتعلق بطريقة واخرى
بالاحزاب والحركات والقوى السياسية المعني الاساسي والمعبر عن المجتمع وتوجهاته او
كما يفترض به ان يكون, فان من تلك المعطيات الغائبة ما يتعلق بذات وتكوين الاحزاب
السياسية ومعنى الاصلاح بالنسبة اليها, فغالبا ما تتكون الاحزاب والحركات في عالمنا
العربي على اساس ايديولوجي او على اساس (منفعي), فالاول يستمد قوته من الطبقة
المؤدلجة التي يمثلها وعادة ما تكون محدودة الاهداف لمحدودية المنطلق والانبعاث,
والثاني يستمد قوته من السلطة ومدى تقاربه منها ومن المكتسبات التي تقدمها له,
وهذان النوعان ينظران للاصلاح بنظرتين قاصرتين, حيث يجد الاول في نيل حقوق الطائفة
او القومية, الاصلاح الحقيقي والجاد, في حين يرى الاخر ان الاصلاح يتمثل في توليه
زمام الامور والحكم او المناصب الحساسة والقريبة من القرار السياسي.

لذلك لا يمكن بمكان الحديث عن اي اصلاح سياسي حقيقي يسعى من ضمن اهدافه على
التعددية السياسية والعدالة الاجتماعية والتدوال السلمي لبعض تلك السلطات
الاستبدادية في العالم العربي وغير ذلك, اذا المعطى الغائب هنا عدم جدية الاحزاب
والقوى السياسية في ما يتعلق بمسألة الاصلاح السياسي, الذي يمكن ان يمارسوا بعض
جوانبه لضغوط شعبية وسياسية كما كان في مسألة حقوق السياسية على سبيل المثال لا
الحصر.

المعطى الاخر الغائب يكمن في عدم وجود اتفاق ورؤية واضحة على شكل ومعنى الاصلاح,
حيث اننا ان تجاوزنا المعطى السابق وقلنا ان الاحزاب والتيارات تؤمن بالاصلاح
السياسي الناضج (او ترفع شعاره), فانها في الواقع لا تتفق على الشكل والمعنى, فهل
هو اصلاح الداخل او يمكن ان يرافقه الخارج ايضا, هل الاصلاح بنقل (وترانسفير) القيم
الليبرالية الغربية من الخارج الى الداخل, هل الاصلاح بوحدة قومية قطرية مع دول
عربية اخرى... .

لا يوجد شكل, معنى وفهم واضح لمسألة الاصلاح السياسي, لذلك نجد ان هنالك تخوفا من
قبل التيارات والاحزاب لاي اصلاح سياسي حقيقي خوفا من غلبة شكل ومعنى اصلاحي معين
لطرف وحزب اخر, والمستفيدة الوحيدة هي السلطة, حيث ان الجميع يباركون استفرادها في
الحكم وبقاءها ليس لاقتناعهم بانه حكم صالح, وانما خوفا من تولي طرف من الاطراف
الحكم حاملا تصوره الخاص للاصلاح.

المعطى الغائب الاخير حسب ما اتصور شخصيا يكمن في عدم وجود توافق وطني بين اطياف
المجتمع وتياراته, الامر الذي يعرقل اي جهد اصلاحي من قبل اي طرف, هذا من جانب ومن
جانب اخر يضعف ويشتت اي جهد ومشروع اصلاحي, حيث انه في اي عملية اصلاحية شاملة,
يكون العنصر الرئيسي كي يكتب له النجاح هو التوافق والاجماع الوطني, لهذا نجد بعض
المشاريع التي تعتبر ناضجة نسبيا والتي تطرح من قبل التيارات والاحزاب في العالم
العربي ضعيفة ولا تجد لها صدى ونجاح, لذا لا يمكن الاستفراد في اي عملية اصلاحية,
ويجب ان تدرك الاحزاب والقوى السياسية انها ان ارادت اصلاحا حقيقيا فعليها ان تكون
مجتمعة وتتنازل فيما بينها, حتى تستطيع طرح مشروع سياسي اصلاحي له وزنه وصداه ونضجه
في الواقع السياسي.

ليس بالضرورة ان تكون كل تلك المعطيات الغائبة في عالمنا العربي حاضرة ومجتمعة, لكن
يجب في الوقت ذاته ان تكون جميع تلك المعطيات الغائبة اسئلة نقدية قبل الحديث عن اي
اصلاح سياسي في عالمنا العربي .