ماذا تقدم لوطنك وكيف تقف أمامه حين يتوجع ويتهدد, هل تكتب شعرا أم تكيل له المدائح ؟
أم تستل سكينك مع المستلين و تبدأ بتجريف تلك الإستطالات المشوهة التي نمت على جسده ...
أم تصمت , وتعترف بعجزك أمام هذا الطغيان الإعلامي وهذا التهافت العالمي .
كيف تغلب لغة العقل على عاطفتك المحمومة تجاهة , وكيف ترتدي لبوس الحكيم في حين لا وقت متاح لالتقاط أنفاسك ؟
كيف تتسلح بعيني زرقاء اليمامة كي ترى الآتي و تصرخ في كل برية ووادي كما صرخ أيليا أبو ماضي يوما ما بقومه :(انقذوا سوريا).
وحين ضاعت صرخته علمنا بعدئذ كيف قسّمت سوريا.
ندرك الآن أن الفشل في بناء الدول الوطنية وغياب أية رؤية تنموية ,أدى لفقدان المرجعية والإنتماء والعودة إلى الهويات الغرائزية البدائية وإلى مرحلة ماقبل الدولة
وهذا الأمر يشمل كل الدول العربية .
ولكن ربما هذا ليس وقت تشريح الأخطاء , وقد وصلنا بمساعي الجميع لمرحلة الخضوع للغير ..شرقا وغربا.
من لا يعرف لماذا وضع غورو قدمه على قبر صلاح الدين وقال:"هاقد عدنا يا صلاح الدين ".
ومن لا يعرف لماذا قالت كاترينا العظيمة :"إنّ سوريا هي مفتاح بيتي".
قد لا يهمه هذا الكلام ولا يعنيه.
عرف ذلك بولس , إذ يوم خرج إليها كانت معبرا لكي يدين بالمسيحية ربع سكان العالم .
وعرفه محمد النبي العربي إذ يوم وصلت رسالته إليها انداحت شرقا وغربا وأصبح ربع العالم يدين بها أيضا .
وعرفه التلموديون حين قالوا :"الخطر يأتيك من الشمال دائما".
عرفته فرنسا يوم قسمت جسد سوريا وأباحت لنفسها التصرف به وبيعه , وهي المكلفة من عصبة الأمم بمساعدة السوريين لبناء بلدهم .
وعرفه الملك عبد العزيز حين أوصى أولاده:"عينكم على سوريا".
وهذا ليس بفضل سلطة أو نظام سياسي سابق أو حالي ,بل كان حقيقة ,اشترك فيها الناس والتنوع والتاريخ والموقع ..وبكورة التسلق .
لقد أنجز كل ذلك حرية اجتماعية وحرية دينية وحرية اقتصادية والأهم من هذا تحررا من هيمنة الخارج ووصايته , وكانت سوريا سابقة دوما في كل ذلك
ولكنها عجزت عن أن تخطو الخطوة الأخيرة نحو الحرية السياسية .
وكلما كانت بوادر خطى وئيدة باتجاه ذلك كانت تفشل في مهدها .
والآن ,لا يجادل أحد بأن هذا ضروري وشيء يحتاجه هواء سوريا , ولكن هل يجب أن يكون ذلك على حساب كل تلك الحريات والتحررات المنجزة ؟
وهل يجب أن يكون ذلك بهدم وتمزيق المجتمع , وبعدها أي معنى لأي حرية موعودة تأتي !
كيف لنا أن نصدق أن من لم يعرف تلك الحريات الوجودية ومن لا يؤمن بهاويمارس نقيضها , ستأتي على يديه الحرية السياسية ؟!
وكيف لنا أن نصدق أن من يعيش في ثوب الغربي ويستدعيه لوطنه , سوف يأتي تحررا من وصايته على يديه؟!
كيف تقبل عقلنا المتشكك فجأة فكرة أن الغرب قد أصبح يهتم لأمرنا ولحقوقنا ولآلامنا
وهو الذي لا زال في نفس الوقت يحتل بلدانا ويهدد أخرى ؟! .
كيف صدقنا أن مجلس الأمن يهمه أن يسود الأمن والسلام على سطح هذه الكرة وهو الذي شرّع لآخر أربعة حروب إقليمية وخلال عشر سنوات فقط ؟!
ونحن نعلم أن ملايين المتظاهرين الذين ملأوا شوارع العالم ضد الحرب على العراق لم يستطيعوا أن يردوا طلقة أو يحموا طفلا من الموت .
كيف تفسر أن بلدا مثل السعودية يعاني ما يعانيه من أبجديات حقوق الإنسان (يشحن)ويموّل عشرات المحطات الفضائية وهي موجهة خصيصا لسوريا وللترويج (للديموقراطية) فيها!
أم أنه التغيير تحت أية يافطة ممكنة , وباتجاه أي مستقبل محتمل ؟ ..
سوريا تتزنر بالنار مرة أخرى , وأولادها يذكون نيرانهم الخاصة...
كم عشقنا نارها الأرجوانية أيام تشرين الخريفية وعشقنا نارها أيام حزيران الصيفية وعشقنا نارها التي أذكتها في مواجهة صلف الغرب .
كانت تلك النار تصلب طيننا وتجعله مثل رقيمات إيبلا وماري وأوغاريت , قويا ,عصيا على الكسر , والأهم ...على التزوير .
كانت تلك النار ..تتحول لنور يجوب الأركان المظلمة ويقدم لها الحياة والبصر والبصيرة.
ما لهذه النار لا تضيء , بل تعتم .
ما لهذه النار تحرق وتدمر ...
سوريا ....قيمة وأمّ
يدرك ذلك الغرب والشرق , وعلى نارها سوف يجتمع العالم كله كي يقرر:
كيف لها أن تضيء أو تحرق .