أكثر من خمسة آلاف موظف في احد معامل الزيوت النباتية في بلادنا، التي يفترض انها تصنع تلك الزيوت كونها تنتج موادها الأولية من بذور عباد الشمس والذرة الصفراء وغيرهما، رغم أنني اشك في ذلك لكونها تقوم باستيراد معظمها ومن ثم تعبئتها بعلب وصفائح تحمل عبارة صنع في العراق ليس الا!؟
وما يعزز تلك الشكوك هو فقدان حلقات مهمة في تصنيع تلك المادة خصوصا ما يتعلق بالمواد الأولية لها، وكانت قد تحولت خلال السنوات الأخيرة قبل سقوط النظام الى مجرد مخازن لحفظ الزيوت المستوردة على شكل حاويات كبيرة، ومن ثم إعادة تعبئتها بقناني وأوعية صغيرة مع تثبيت عبارة ( صنع في العراق ) على أغلفتها، كما كان يحصل حينما يوزعوا مفردات البطاقة التموينية وخاصة الحليب المجفف المستورد من معامل ومزارع اليمن وعُمان، تصوروا(!؟).
المهم ان العدد الحقيقي للعاملين المنتجين فعلا لا يتجاوز الـ 200 عامل ومهندس واداري، بينما يتقاضى أكثر من خمسة آلاف موظف رواتبهم الشهرية من هذا المعمل كملاكات لا يعرف وظائفها وواجباتها إلا من له مصلحة في ذلك، وهي تذكرنا بتشكيلات سرايا أبو فراس الحمداني أو الأفواج الخفيفة أو كما كان يطلق عليها في كوردستان بأفواج الجحوش، حيث يتقاضى شيخ العشيرة أو الأغا الذي يترأس الفوج رواتب أفرادها كاملة أو مناصفة حسب الاتفاق، ويعطي أرقاما غير حقيقية لأفراد فوجه أو سريته؟
ذكرني هذا المعمل بمئات الآلاف من المعينين على وزارتي الداخلية والدفاع تحت مسميات مختلفة، اقلها ربما ما يعرف بحمايات المؤسسات والمسؤولين وميليشيات الإسناد والصحوة، التي تستهلك أموالا طائلة من المال العام دون ان تحدث تغييرا نوعيا في حياة المجتمع والدولة قياسا بأعدادها والمبالغ المصروفة لها، وهي ذات المعاناة التي كان يعاني منها العراق بسبب تضخم أعداد القوات المسلحة والميليشيات التابعة لحزب السلطة وأجهزتها الخاصة، والتي أهدرت مئات المليارات من المال العام دون ان تضيف مليمترا واحدا على أي منحى من مناحي الحياة الا اللهم ميزتها في توسيع المقابر والسجون والمهاجرين؟
وقياسا أو مقارنة بين عدد المعينين في كل المفاصل العسكرية منها والمدنية، الإنتاجية منها والخدمية، لا نرى أي تقدم نوعي يذكر على مختلف الأصعدة، بل ان كثير من المؤسسات والمشاريع تدهورت بشكل مريع وخاصة الإنتاجية منها والزراعية، حيث أغرقت الأسواق بالسلع الاستهلاكية والمنتجات الزراعية المستوردة والتي تسببت في اضمحلال الإنتاج المحلي وتدهوره وتدحرج الصناعة والزراعة إلى مستويات بدائية جدا في بلاد حباها الله بكل ما يجعلها أن تكون في مقدمة الدول تجاريا وصناعيا وزراعيا لو اخلص القائمين على إدارتها؟
وإزاء ذلك يبقى السؤال الأكثر مرارة هو ماذا تفعل أفواج المستشارين في الرئاسات الثلاث وملحقاتها في السلطات الثلاث والتي تستنزف كميات هائلة من الأموال والإعلام والامتيازات والتصريحات والخطب العصماء!؟
وأخشى ما أخشاه انهم لا يختلفون كثيرا عن مستشاري الأفواج الخفيفة سيئة الصيت في كوردستان العراق قبل 2003م؟
وكان الله في عونك يا بلاد الرافدين على أناس انتخبهم ملايين الحالمين بغد أفضل فصنعوا لنا يوما كأمسنا وأسوء؟