يجعل من إسرائيل قزماً آيلا ً للفناء .كانت النسخة التركية من الإخوان المسلمين , تستخدم مكياجاً ثقيلاً لإخفاء البضاعة التي خبرها السوريون جيداً في الثمانينات .. وكما في التراث الفكاهي العربي -التركي :كانت الأحداث الأخيرة في سورية بمثابة زخة المطر التي سهلت لجحا التعرف على حماره ..فإذا هو بقضه وقضيضه جاهزٌ لإعارة ظهره لمن يمتطي .كيف لا وأصوله ولدت في حضن الإستخبارات البريطانية قبل قرن إلا قليلاً , لمواجهة ماأنتجته ثورة 1919-في مصر من وطنية مصرية وجدت إطارها السياسي آنذاك في حزب الوفد ..
لقد سال الكثير من الحبر في السنين العشرة الأخيرة حول ظاهرة الإسلام التركي المعتدل . وتشجيع الأمريكان لهذه الظاهرة بذريعة أنها تحمل مشروعاً لمصالحة المسلمين مع العصر ...لكأن الأمريكان لاينام لهم جفن أرقاً على مصالح المسلمين وإشفاقاً على رقة حالهم في هذا العالم . وكان بيت القصيد في هذه البروبغندا : التفاهم الإخواني - الأمريكي على شراكة استراتيجية لإدراج القوس العربي -الإسلامي في التخطيط الأمريكي للبقاء على رأس العالم كقوة عظمى وحيدة ,وذلك بممارسة الخنق الجيواستراتيجي لأي مشروع منافس, قد يتمخض عن النهوض الروسي أو الصيني أو الأوربي ..إذا نظرنا للمجريات الأخيرة في العالم العربي وحجم التوظيفات الأمريكية في موجة التحول الديمقراطي يمكن بسهولة رؤية الجزء العائم من جبل الجليد الذي شكلته منظمات الإسلام السياسي وأعرقها في التعامل مع دوائر الإستخبارات الغربية "التنظيم العالمي للإخوان المسلمين " ..
فمن تونس إلى مصر إلى سورية يبدو الأخوان المسلمون "شاب القا لوش " في لعبة الباصرة الأمريكية ..
ليست الإستدارة التركية التي رافقت الحدثين المصري والليبي ,و أخذت أقصى أبعادها عند الحدث السوري سوى فصل من فصول الصفقه الأمريكية التي تعمل إدارة أوباما على إبرامها مع الإخوان تجنباً لإفلات العاصفة الديمقراطية العربية من السيطرة ..
وفي هذا الإطار يمكن عرض الميزات التي تعطيها مثل هذه الصفقة للأمريكان ..أولى هذه الميزات هي ما أوحى به هنري كيسنجر في محاضرة له في الفاتيكان قبل سنتين : زج العالم العربي -الإسلامي في مئة عام من الحرب السنية /الشيعية .في إشارة منه إلى حرب المئة عام بين الكاثوليك والبروتستانت في أوربا التي سبقت علمنتها ..حروب أهلية تمنح الإمريكان الفرصة لإعادة رسم الخرائط السياسية للدول التي عكست في حينها توازنات القوة ُبعيد الحرب العظمى الثانية "عالم ثنائي الأقطاب " .
ليس العامل الإسرائيلي بعيداً عن الدفع بهذا الخيار إلى مقدمة الخيارات الإستراتيجية الأمريكية لإدارة العالم بعد الإنهيار السوفييتي . لكنه ليس أكثر من تقاطع أجندة بين اللوبي اليهودي في واشنطن ومصالح الطغمة المالية المتحكمة بإعادة إنتاج السلطة عبر هيمنة أيديولوجية عنوانها "نمط الحياة الأمريكي " وعبر المؤسسات الإعلامية العملاقة الموضوعة في خدمة هذه الأيديولوجيا .وعبر الإنفاق الهائل على الماكينة الإنتخابية للحزبين الرئسيين :الجمهوري والديمقراطي اللذين يتقاسمان كعكة السلطة منذ الإستقلال . ..
يجرب الإخوان المسلمون إغراءاتهم للإدارة الأمريكية بما يحملونه للحياة السياسية العربية -الإسلامية من أجندة حروب مذهبية تقطع الطريق ولآماد غير منظورة على أي مشروع وطني لبناء دولة حديثة . فاليوتوبيا التي سبق وأن أعاقت المسلمين على مدار تاريخهم من تطوير تصور للدولة وللسياسة كانت "يوتوبيا الخلافة " كما يقول عبدالله العروي في مؤلفه الهام "في الدولة " .ولازالت هذه اليوتوبيا دودة خل تصور الإخوان المسلمين للدولة الدينية التي يتوخون بناءها ..ما يزيد الطين بلة في هذه الإعاقة العقلية للإخوان إفتراق المسلمين إلى جماعات عقيدية تنظر جميعا إلى نفسها كممثلة للإسلام الصحيح . وترى في غيرها غير ذلك ."هرطقة ..وإبتعاد عن ينبوع الإيمان الحقيقي..إلى آخر هذه المعزوفة المألوفة في عالم الأديان " .
ما يسمم الحياة السياسية هو خلط الخلاف اللاهوتي بصراع المصالح مما يعطي لهذه الأخيرة قواماً غير مطواع للحلول السياسية .ويفتح بالتالي الطريق إلى العنف كمخرج وحيد .عنف يجرب الأمريكيون سوق المجتمعات الإسلامية إليه كفاتورة باهظة ينبغي عليها أن تدفعها قبل أن تكتشف العلمنة ..
*كاتب سوري