قبل أن يسقط بعض الأنظمة الشمولية العربية، كانت القضية الفلسطينية المسرح الذي يستعرض عليه الكثير من أحزاب المعارضة العربية، المسموحة والممسوحة، عضلاته لدرجة جعلت المرء يخال أن الهمّ الأوحد لتلك الأحزاب لم يكن إلا فلسطين.
من ضمن الشعارات التي شبعنا منها، حد التخمة، هي تلك التي كانت تلعلع عندما تحدث مجزرة إسرائيلية ضد الفلسطينيين، أو يكون اجتياح أو قصف. كانت الشعارات تقول افتحوا لنا الحدود سنجاهد، علماً أن المجاهد لن يكون في حاجة إلى فتح حدود أو تأشيرة دخول، لكن يبدو أنّ ثمة أشخاصاً يجرؤون على طلب أمر يدركون عدم حصوله، كمن يقول أعطني مقاتلة إف 16 وغداً سأقاتل. ومن يعود بالشريط ليس بعيداً إلى الوراء، يتذكر كيف كانت تنتهي صلوات الجمعة في الكثير من مساجد المدن العربية، حيث يتجمهر المصلون متظاهرين ومحتجين من أجل فلسطين.
الآن، بعض تلك الأحزاب، أو الجماعات، ظفرت بالسلطة أو بنصيب وافر منها، خصوصاً الإسلامية منها، وستكون، إذنْ، على المحك كي تبرهن ماذا كانت تعني فلسطين لهم إبان عهدهم المقموع، وماذا تعني لهم الآن في ظل زمنهم المُظفّر.
حتى لا يُفهم الكلام على غير مقصده، فليست هنا مطالبة لكي يُؤْثر العرب قضية فلسطين على همومهم وقضاياهم، خصوصاً أن العرب من بعد سقوط بعض الأنظمة في وضع لا يُحسدون عليه من حيث الحاجة إلى خلق حياة كريمة ولو بنصف حياة الأمم الأخرى، بعد ان افتقدوها على مدى عقود من الظلم والاستبداد.
وليست هنا مناشدة لكي يتظاهر المواطن العربي من أجل فلسطين، فأولى له أن يتظاهر من أجل رغيف الخبز وفرصة عمل وتعليم وتطبيب مجاني في بلده، والبحث عن مستقبل أولاده. وليس هنا نداء كي يلغي المواطن العربي كل الفضائيات الترفيهية العربية، التي يحتاجها ليخفف عن نفسه عبء العيش، ويبقي فقط على أخبار فلسطين وما يفعله الاحتلال الإسرائيلي بصمت أو في العلن.
المسألة فقط هي ذوبان الثلج عن مرج تلك الجماعات التي بدا جليا أن قضية فلسطين لم تكن لها سوى جسر العبور نحو السلطة، فأولوياتها، بحسب تصريحات عدد من مسؤوليهم، تغطية أوجه تماثيل الفراعنة، وإلغاء مادة اللغة الانجليزية من المدارس باعتبارها مؤامرة، وتحطيم المسارح ومهاجمة الفنانين، وربما إلغاء أكاديميات الفنون الجميلة...... وأيضاً عمليات تجميل الأنوف.
فهل من يُصدّق، بعد اليوم، أكذوبة خطابات الحرص على فلسطين، في وقت لم يعد الفلسطيني، أصلاً، يصدق خطابات قيادات بني جلدته!!