آخر الأخبار

أيـــام زمـــان...

، وإن اختلفوا حول تحديد الأعمار التي عندها يمكن للإنسان استرجاع أحداثها، والتي تمتد من سنتين وسبعة أشهر إلى 8 سنوات.

وإن اتفق العلماء أو اختلفوا، المهم أنه حين نتقدم بالسن يكون وقع الذكريات أقوى، وتكون تفاصيلها أوضح، حينها تكون التنهيدة أطول، والابتسامة أعرض. وهنا سأذكركم بأسماء وأشياء لن تجدوها في غوغل، لأنه ببساطة كانت سابقة له.

حسن أبو زايد

ومن الطفولة، مازالت أحمل معظمها، إن لم يكن كلها. فمازالت إذاعة "صوت إسرائيل" ترن في أذناي. إذ لم يكن متاحاً غيرها لجيل الثمانينات، والتسعينات، حتى بدأت الألفية، وانفجرت ماسورة الفضائيات. فمن منا لم يستمع لنشرات أخبار المذيع الشهير "فرانسيس شوفاني"، وتقارير مراسل الإذاعة من غزة "حسن أبو زايد"، وصوت محلل شؤون الشرق الأوسط فيها "شاؤول منشي"، ومراسلها للشؤون العسكرية "إيال عليما".

ومن برامجها الإخبارية الدسمة التي مازالت تذاع إلى اليوم: "هذا الصباح"، ويقدمه سعيد معدي. "يوم جديد" الذي يستطلع عناوين الصحف العبرية، بصوت محمد بكرية، وسماح حسنين بكرية. "مع أحداث الظهيرة" تقديم ماريا عبد ربه. "مع أحداث المساء" مع روزيت حكيم.

ومنها أيضاً، "استديو الأمل"، بصوت محمد الشيخ خليل، و"عالم الأبراج" مع إبراهيم حزبون، وهما برنامجان ليليان. وكذلك، "رسائل المستمعين العرب إلى ذويهم"، وهو برنامج كان ينقل رسائل من فلسطينيين داخل إسرائيل إلى أقربائهم خارج البلاد. حتى أنه يُقال إن هذا البرنامج كان أحد أدوات الاستخبارات في التواصل مع الجواسيس خارج إسرائيل بأسماء مستعارة، حيث يصل إرسال الإذاعة إلى دول الطوق.

فرشات عميناح

هذه البرامج وغيرها، كان يتخللها إعلانات مازلت أذكر بعض جُملها: "إلي بيشترى عميناح بينام مرتاح"، وهو إعلان لفرشة نوم صحية. وعميناح تعني "يمكن الاعتماد عليها". "إلي بيعبي اللوتو بيعمر بيتو". "مركز متابعة حركة السير برعاية سيلكوم". وسيلكوم أشهر شركات الاتصال الإسرائيلية.

فضلاً عن أغانٍ معظمها لمغنين لبنانيين، مثل عاصي الحلاني، وفيروز، ونجوى كرم. ومازالت الإذاعة إلى اليوم تفتتح إرسالها بالقرآن الكريم، وتختمه بالسلام الإسرائيلي "هاتيكفا"، ويعني "الأمل".

مطعم أبو رامي

وفي يوم الجمعة كانت الإذاعة تنقل وقائع صلاة الجمعة من أشهر مساجد بيت لحم أو حيفا أو المثلث الشمالي بصوت "أبو جرير"، والذي كان يعد أيضاً برنامج "المسابقة الرمضانية"، وكان يختم كل حلقة بسؤال فقهي على مدار الشهر، ويعلن اسم الفائر فيها بعد انتهاء رمضان.

أما في عالم التلفزيون، فلم نكن نعرف سوى "التلفزيون الإسرائيلي - القناة الأولى"، بشعارها الشهير "الشمعدان"، الذي كان يعلوا الشاشة في طرفها الأيمن. كنا نتحلق حول برامج يوم الجمعة تحديداً، ومنها "الأسبوع في ساعة"، يليه الفيلم العربي، الذي بمجرد بدئه كان يفرض ما يشبه حظراً للتجول في شوارع غزة. بعده يأتي برنامج "الرياضة في أسبوع"، يتبعه المسلسل الكوميدي "مطعم أبو رامي"، فضلاً عن برنامج الأطفال "بيل وسيباستيان".

الرابش ومحلات مخراز

مازلت أتذكر همسات "عمال إسرائيل" عند الفجر قبل انطلاقهم للعمل داخل إسرائيل في البناء والزراعة. كانوا يعودوا ليلاً محملين بأجهزة كهربائية مستعملة يُلقي بها "اليهود" في مكبات النفايات على الطرقات. كان لهذه البضاعة سوق في رفح وغزة كل يوم جمعة يُطلق عليه "سوق الرابش".

فيما بعد تطور "الرابش" وأصبح له محلات تعرف باسم "محلات مخراز". كما كانت تقام أسواق مرة واحدة أسبوعياً في كل مدينة من القطاع للملابس الإسرائيلية المستعملة التي يجمعها العمال الفلسطينيون، وتعرف باسم "البالة".

وكان العمال الفلسطينيون مصنفين، فهناك "عمال المنطقة الصناعية - إيرز"، والذين كان يكفيهم "تصريح ممغنط" لدخولها، وكانوا يعملون في "مصانع الخياطة" هناك. كان آخرون يحملون "تصريح مَبيت" للعمل في مدن إسرائيل الكبرى. أما "عمال مفتاحيم"، فكانوا يعملون خصوصاً في الفلاحة والزراعة، ويعودوا محملين بشتى أنواع الخضار والفاكهة عند "الحَلِّة".

مناشير

كانت جدران القطاع كلها وسيلة التعبير الأساسية للفصائل الفلسطينية المقاومة، حيث لم تكن بعد تشتغل بالسياسة. وكان أقصى انقسام يمكن أن يحصل بين الفصائل هو الصراع لكسب "معركة الجدران" للكتابة عليها في المناسبات، مثل الأعياد أو رمضان أو حلول ذكريات مهمة في تاريخ المقاومة الفلسطينية. ولهذا ما يبرره، فقد كانت الجدران في تلك الفترة بمثابة الفضائيات أو "فيسبوك" أو "تويتر" في أيامنا هذه.

كانت بيانات الفصائل توزع في الطرقات والأسواق والجوامع. كان يُلقي بها شخص يكون ملثماً ويختفي بسرعة البرق. كنا نسميها "مناشير". وفي الجوامع كنا دائماً نتوقع سقوطها على الرؤوس عند السجود. البعض كان يقرأ المنشور بين السجدات. وكان كل مصلٍ يحاول بحركة خفيفة أن يحظى بمنشور بجره إلى أسفل ركبته أو قدمه، كل حسب وضعيته في الصلاة. هذه البيانات كانت تحمل في غالبها كلاماً تعبوياً، أو إعلاناً عن إضراب. وكان أشهر يومين للإضراب هما ٦و٩ من كل شهر.

أجا الجيش

كل يوم بعد العصر تبدأ معركة المطاردة بين الجيش الإسرائيلي وشباب الحواري. وكان يكفي أن يصرخ أحد الشباب "أجا الجيش"، أو يَصفر، لتبدأ المعركة. كان الجنود الإسرائيليون يعتلون بعض العمارات العالية في أماكن تشرف على تحركات الناس، وعندما كانت تأتي الجيبات العسكرية لنقلهم مع غروب الشمس، كانت تحدث معارك سلاحها الحجارة والغاز والرصاص المطاطي، وفي بعض الأحيان الحي.

جيب القيادة وأم المطاط

أما الجيبات الإسرائيلية فكانت مصنفة عند ملقي الحجارة. فهناك "جيب القيادة"، وكان لونه رمادياً، وكان ظهوره يعني وجود قيادات عليا تشرف على ميدان المواجهات. "أم المطاط" وهي عربة أكبر من الجيب مثبت في مؤخرتها مدفعية لإطلاق الرصاص المطاط. "أم الحجار"، وهي عربة مصفحة طورها الاحتلال الإسرائيلي لإطلاق الحجارة الصخرية على المتظاهرين. "جيب الباور" أو "التمساحة"، وهي عربة كبيرة لنقل الجنود، مغطاة بألواح بلاستيكية مقواة. وأذكر أيضاً، جنود "مشمارق فول"، وهم عناصر من النخبة في الجيش الإسرائيلي، وكانوا يستقلون جيبات لونها أخضر غامق، وكانوا معروفين بشراستهم.

حسام ونسوان حارتنا

قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي كان اسمه "رامي"، ثم تغير ليخلفه "حسام". وكان الأخير يعرف كل أسماء نسوان حارتنا. وكان حين يتجول بين أزقة المخيم ويصل بيت إحداهن ينادي عليها باسمها. وكان يقوم بزيارات دورية لـ"الإدارة المدنية" للجيش في مناطق متفرقة من قطاع غزة.

مازلت أذكر منع التجول الليلي اليومي من السابعة مساء حتى السادسة صباحاً. في بعض الأحيان كان يفرض لعدة أيام يسمح خلالها بالتزود بالمواد الغذائية لمدة ساعتين في اليوم، فيخرج الناس إلى الطرقات، ويفترش التجار الأرصفة ببضائعهم، وتتحول الشوارع في دقائق إلى أسواق.

الشمينت

مازلت أذكر "تصاريح الشوا"، وتصريح "لاسيباسيه"، بديل جواز السفر. مازالت أذكر بعض المنتجات الإسرائيلية مثل، "الشمينت"، عصير "توبازينا"، قهوة "عليت"، شركة "سونول" للبترول، وتزود شركة بهلول في القطاع، و"دور" وتزود شركتي عكيلة وأبو جبة بالبترول.

في تلك الأيام لم تكن تعرف غزة انقطاًعا للتيار الكهربائي، أو الماء، أو نقصاً في المواد الغذائية، وكانت البطالة تقترب من الصفر. كان الاحتلال ناعماً، يُشغلك عنده ويعطيك نقوداً ثم يستردها ببيعك منتجاته. أما الآن فقد أصبح الاحتلال أكثر غباءً وقسوة، وبات أهل غزة حائرون بين حنين للماضي ورغبة في الخلاص من وضع حالي يزداد سوءاً.

دبي

1 أبريل 2012