نعوم تشومسكي
نعوم تشومسكي, الفيلسوف الأمريكي المتميز, الناشط السياسي والبروفسور الفخري للغويات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT), قام بوضع قائمة لعشر استراتيجيات تعتبر الأقوى والأكثر فعالية والتي يستخدمها "زعماء العالم" للتلاعب بالجماهير من خلال الإعلام.
هذه الاستراتيجيات مدروسة جيداً بحيث تنصاع البلدان التي تمتلك أفضل الانظمة التعليمية لقوة وإرهاب هذه المافيات الإعلامية. هنالك العديد من الأمور التي ترد في تقارير الأخبار, ولكن جزء بسيط منها فقط يتم توضيحه.
تقود النزعة الصحفية لتحقيق التوازن بين اثنين من الآراء المتعارضة الى "بناء قصص حول مواجهات بين الأنصار والخصوم" (Ricci 1993:95). تحظى قضايا النفايات والصرف الصحي بالتغطية, وبالرغم من أهميتها, عند وجود جدل حول تحديد موقع المحرقة أو مكب النفايات, تكون التغطية عن "غضب ومعاناة المواطنين المتضررين, أو التصريحات والادعاءات المتضاربة للتحدث باسم الشركة, الجهات الحكومية المنظمة, والناشطين البيئيين" بدلاً من التركيز على المشاكل والمعلومات الأساسية التقنية لديهم (Gersh 1992:16).
إن وظيفة وسائل الإعلام ليست الابلاغ, بل التضليل: تحويل اهتمام الناس عن القضايا الهامة والتغييرات التي تقرها النخب السياسية والاقتصادية, عبر تقنيات الفيض أو الفيض المتواصل من التشتيت والمعلومات التافهة.
بالنسبة للصحفيين الذين لديهم إمكانية الوصول الى مناصب حكومية عالية أو مصادر الشركات, فلا يتم ابلاغ أي شيء سلبي عنهم أو عن مؤسساتهم. وإلا ستتم خسارتهم كمصادر للمعلومات, مقابل هذا الولاء, فإن مصادرهم تعطيهم أحياناً بعض القصص الجيدة, كالتسريبات والمقابلات الخاصة. المعلومات غير الرسمية, أو التسريبات, تعطي انطباعاً على أنها نتيجة التحقيقات الصحفية, ولكنها غالباً ما تكون مناورات استراتيجية من قبل السلطة (Ricci 19943:99). "انها لمفارقة مريرة بالنسبة لصحافة المصدر أن يكون أكثر الصحفيين احتراما هم نفسهم الأكثر اذلالا. لأنهم يجعلون من أنفسهم مفيدين للقوى التي تمتلك امكانية الوصول الى المصادر الأفضل" (Lee & Soloman 1990:18).
الاستراتيجيات العشر هي :
1- استراتيجية التشتيت
تعد استراتيجية تشتيت الانتباه العنصر الرئيسي لتحقيق الرقابة الاجتماعية, والتي تعتمد على تحويل اهتمام الناس عن القضايا الهامة والتغييرات التي تقرها النخب السياسية والاقتصادية, عبر تقنيات الفيض أو الفيض المتواصل من التشتيت والمعلومات التافهة.
كما تعتبر استراتيجية التشتيت ضرورية لصرف انتباه الجمهور عن المعارف الأساسية في مجالات العلوم, الاقتصاد, الفلسفة, علم الأعصاب والتحكم الآلي.
"يجب صرف انتباه الرأي العام على الدوام بعيداً عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية, وإلهائهم بمشاكل غير هامة. أبقي الناس مشغولين, مشغولين, مشغولين, لا وقت للتفكير, كالعودة الى ثقافة المزرعة والحيوانات الأخرى" (مقتبس من نص الأسلحة الصامتة للحروب الهادئة- Silent Weapons for Quiet Wars).
2- اختلاق المشاكل, ثم عرض حلولاً لها
تسمى هذه الطريقة أيضاً ب" المشكلة- رد الفعل - الحل".
يتم اختلاق المشكلة, بعدها يتم الاشارة الى "حل" لاثارة بعض ردود الأفعال من قبل الجمهور, لذلك تعتبر هذه الطريقة بأنها مبدأ الخطوات الى تريد أن تقبل بها.
على سبيل المثال: السماح بتطور وتكثيف العنف في المناطق المدنية, أو من خلال التخطيط لهجمات دموية بحيث يطلب الناس تطبيق قوانين وسياسات تحقيق الأمن على حساب حريتهم.
أو عبر خلق أزمة اقتصادية بحيث يضطر الناس للقبول بالخيار الأقل شراً التي تؤدي للتخلي عن الحقوق الاجتماعية وازالة الخدمات العامة.
3- الاستراتيجية التدريجية :
القبول بدرجة غير مقبولة, يجب تطبيق ذلك بشكل تدريجي, بالتقطير, لسنوات متتالية.
هذه هي الطريقة التي فُرضت فيها الظروف الاجتماعية والاقتصادية الجديدة (الليبرالية الجديدة) خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي:
الحد الأدنى من تواجد الدولة
الخصخصة
عدم الاستقرار
المرونة
معدلات البطالة المرتفعة
شن الحروب
ضمان مستوى دخل منخفض
هنالك العديد من التغييرات التي يؤدي تطبيقها بشكل مباشر الى التسبب باندلاع ثورات...
4- استراتيجية التأجيل
طريقة أخرى لقبول قرار لا يحظى بالشعبية هو تقديمه على أنه "أمر ضروري ومؤلم". والحصول على قبول الرأي العام, من أجل تطبيقه في المستقبل. فمن الأسهل قبول التضحية في المستقبل بدلاً من الأذية الفورية.
بدايةً, لا يتم استخدام الجهود بشكل فوري
بعدها, وبسبب الرأي العام, فإن الجموع عادة ما تميل الى التوقع وبسذاجة الى أن "كل شيء سيكون أفضل غداً" مما يتيح احتمال تجنب تقديم التضحية المطلوبة.
وهذا ما يعطي الناس المزيد من الوقت للاعتياد على فكرة التغيير وقبولها بدون مقاومة مع حلول وقتها.
5- مخاطبة الجمهور على أنه طفل صغير
تستخدم معظم الاعلانات الموجهة الى الرأي العام الحجج, ترانيم الناس وبخاصة الأطفال, تلك القريبة منها الى الضعف في غالب الأحيان, كما لو أن المتلقي طفل صغير أو معاق عقلياً.
كلما صعبت محاولة خداع المشاهد, فإن الاعلانات تميل الى تبني لهجة مصغرة أكثر.
لماذا ؟
"اذا تمت مخاطبة الآخر كما لو أن عمره 12 سنة أو أقل, عندها, وبسبب الإيحاء, فإن المتلقي يميل الى الاستجابة وتكوين رد فعل خالي من أي شعور حاسم ومحدد كما لو كان عمره 12 سنة أو أقل" (انظر الأسلحة الصامتة للحروب الهادئة).
6- استخدام الجانب العاطفي أكثر من الفكري
تعد الاستفادة من الجانب العاطفي من الأساليب التقليدية للتسبب بفقدان التحليل العقلاني, وصولاً الى الحس النقدي للفرد.
علاوةً على ذلك, فإن استخدام السجل العاطفي يفتح الباب أمام اللاوعي مما يتيح غرس أو تعديل الأفكار, الرغبات, المخاوف والهموم, الدوافع, أو تحفيز السلوكيات ...
7- إبقاء الرأي العام في حالة من الجهل والوسطية
يجب جعل الجمهور غير قادر على فهم التقنيات والاساليب المستخدمة للسيطرة والاستعباد.
"يجب أن يكون مستوى التعليم المقدم للطبقات الاجتماعية الدنيا ضعيفاً ومتوسطاً قدر الامكان بحيث تتسع فجوة الجهل بين الطبقات الدنيا والطبقات العليا مما يجعل بلوغ الطبقات الدنيا مستويات أعلى من الوعي أمرا مستحيلاً" (انظر الأسلحة الصامتة للحروب الهادئة).
8- تشجيع الرأي العام على القبول والرضا عن وسطية الأمور
يتم تشجيع الجمهور على الاعتقاد بأن موضة العصر هي أن تكون غبياً, مبتذلاً, وغير متعلم...
9- تعزيز شعور اللوم الذاتي
يجب جعل الأفراد يلومون حظهم السيء, أو بسبب فشل ذكائهم, قدراتهم, أو جهودهم.
اذا, بدلاً من التمرد على النظام الاقتصادي, فإن الفرد يحط من قيمته ويلوم نفسه, مما يؤدي الى الاكتئاب, والتي من آثاره الخمول وعدم القيام بأي نشاط.
وبدون نشاط, لا يوجد ثورة !
10- معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم
على مدى السنوات الخمسين الماضية, ولدت التطورات المتسارعة في العلوم فجوة متزايدة بين وعي ومعرفة الرأي العام وبين تلك التي تملكها وتديرها النخب الحاكمة.
بفضل علم الأحياء, علوم الأعصاب والفيزياء التطبيقية, تمتع "النظام" بفهم متطور للبشر, سواء من الناحية النفسية أو الجسدية. مما أتاح للنظام أن يعرف المواطن العادي أكثر مما يعرف نفسه. هذا يعني, أنه في معظم الحالات, يمارس النظام قدراً أكبر من السيطرة والقوة على الأفراد, أكبر من تلك التي يطبقها الأفراد على أنفسهم.