"يارب أرزقني الزوج الصالح"، تلك هي دعوة "رنيم" الدائمة، وهي فتاه فى العشرينات من عمرها جامعية محجبة أو محتشمة بلغة العصر، فائقة الجمال، تنتمي لأسرة فقيرة وتتسم بدماثة الخلق، ظلت تبحث عن فرصة عمل إلى أن وجدت فرصة مناسبة للعمل في مكتب مرموق للمحاماة يمتلكه الأستاذ "معاذ" محامي النقض ذائع الصيت المنتمي لعائلة ذات أصول عريقة، وينتمي أيضًا لجماعة الإخوان المسلمين، قبلها على الفور واتفق معها على كل التفاصيل، أصبحت رنيم مديرة مكتب الأستاذ معاذ الذي بهرها بشخصيته الرائعة وكلامه المنمق المقنع والذي يستشهد على صحته من القرآن والسنة، شعرت رنيم بالسعادة البالغة حينما دعى الأستاذ معاذ جميع المحامين بالمكتب والسكرتارية للصلاة جماعة في مكتبه وكانت صلاة المغرب، ظلت تنصت لتلاوته بصوت رخيم فائق الجمال، يزداد انبهارها به ويعمق إعجابها به الذي يزداد يومًا بعد يوم، معاذ أيضًا لا يخفي إعجابه برنيم التي ترتدي البنطال وتضع المساحيق وتهتم بتنسيق ملابسها بعناية ومظهرها بوجه عام، اتصل معاذ برنيم على تليفون المنزل أكثر من مرة فى مكالمات قصيرة ليعطي انطباعات لأهلها أنه يتحدث في أمور تتعلق بالعمل، لكنه في حقيقة الأمر كان يعترف لرنيم أنه اشتاق لسماع صوتها فلم يتردد في الاتصال، ويريد أن يصبح اتصاله المتكرر شئ معتاد، طلب معاذ من رنيم أن تنتظر تليفونه من بعد الثانية عشر مساءً بعد أن يفرغ من مناقشات الموكلين في المكتب وبعد أن ينام والديها، وبالفعل ظلا يتجاذبا أطراف الحديث لعدة أيام وصلت إلي شهرين، قص عليها بالتفصيل كل بياناته وعمره الذي تجاوز الاربعين بسنة أو اثنتين، وأنه يعيش حياة زوجية تعسة بعد أن تم إستئصال رحم زوجته مما أثر على علاقته بها، قال لرنيم أنه يشعر بوحدة وغربة بالغتين في غيابها عنه لأنها أكثر إنسانة تستطيع أن تتفهمه .. أكثر من زوجته التى ما أن يندمج في الكلام معها يفاجأ بها وقد أصابها الحول وانتابتها حالة من الرغبة في النُعاس.
معاذ: تعرفي يا رنيم أنا كنت بظبط الكاميرا عليكي وأفضل في مكتبي أراقب قسماتك وتعبيرات وجهك وأبص عليك طول الوقت.
رنيم: وقد ذهلت من هول المفاجأة..كاميرا؟
معاذ: أيوة ما هو أنا حاطط كاميرات في كل مكان في مكتبي حتى المدخل وموصلهم على الشاشة دي صوت وصورة.
رنيم: أنا اعتقدت إنك بتشوف قناة الجزيرة طول الوقت زي ما بسمع كل ما ادخل مكتبك، طيب ليه ما تديش الموظفين علم؟
معاذ: وماله، متفرقش كتير، في منهم عارف ومنهم لأ، مش مشكلة ده أمر طبيعي في كل أماكن العمل والشركات.
حاول معاذ أن يبث أفكاره طوال الوقت في رنيم ليقنعها بأن الأصل في الزواج هو التعدد بل أن هناك قضية شائكة لم يتعرض لها علماء المسلمين بالمناقشة لكنها موجودة في بعض الدول العربية وهي (ما ملكت أيمانهم).
كانت هذه المقدمات الطويلة تمهيدًا لطلب الزواج منها، والذي سعدت به جدًا لأنها اعتقدت أنه الزوج الصالح الذي سيعينها على الدنيا والآخرة. وحاولت التغلب على مشاعر القلق والريبة التي تنتابها من وقت إلى آخر بسبب مواقفه الغريبة والتي يكون رده عليها بمنتهى الثبات مستميتًا في لي عنق الحقائق وإثبات صحة وجهة نظره وإقناعها بها بشتى السبل بادئًا بتأييدها ثم يسهب في عرض أفكاره، وكأن هاروت وماروت يلقناه كلماته التي يلقيها في أذنها طوال الوقت من بث مشاعر دافئة وأفكار غريبة، وجاء ذات مرة غاضبًا إثر نشوب مشاكل وخلافات في جماعة الإخوان المسلمين دفعته لتقديم استقالته منها، ولم تفهم رنيم الكثير عن هذا الموقف حيث أنها اعتادت أن تقديم الاستقالة يكون من عمل وظيفى أو مؤسسى، لكن لماذا في حالة الخروج من الجماعة؟ لا تدري! وهو إسمه في حقيقة الأمر لدى الأعضاء "إنشقاق". أصبح بقبول الاستقالة منشقا عن الجماعة التى تربى في أكنافها وشكلت وجدانه.
يلاصق مبني مسجد إمام شهير مكتب الأستاذ معاذ، فحين يرتفع صوت الآذان يملأ المكان، ولاحظت رنيم عدم نزول معاذ للصلاة في المسجد في جماعة كما يحث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما يعرفه الرجل العادي من فضلها فما بالك بمن يستشهد طوال الوقت بمبادئ الدين !.
بدأت رنيم في مراقبة أداء معاذ كزوج للمستقبل وتقييمه لما رأته منه من مناورات وحيل في محاولة توظيف كل شئ حوله لخدمة مصلحته فقط، فبرغم أنه ميسور جدًا ماديًا يمتلك العديد من الثروات التي آلت إليه بالميراث علاوه على ما يدره عليه عمله في المحاماة من ربح، إلا أنه عرض عليها الزواج في شقة "إيجار قانون جديد" ويحاول الإقتصاد في كل شئ طالبًا منها المشاركة في أثاث المنزل، ويفاصل في الحقوق التي شرعها الله كمقدم ومؤخر الصداق..لأنه يريد زواجا للمتعة فقط، فليختبر إذا نجح يشتري شقة تمليك ويكمل الحياة وإذا فشل فلن يخسر كثيرًا، سوى "شوية عفش".
سألته لماذا يصلي منفردًا في المكتب برغم أن الصلاة فى المسجد لن تكلفه سوى أن يضغط على زر المصعد مسافة دور واحد للأرضي.
فأجاب : نعم صدقتي أنت عندك حق. أنا فعلا كنت مواظب ومقصر اليومين دول بس عشان انشغلت شوية لكن لازم أرجع تاني أصلي في المسجد..شكرا يا رنيم على ملحوظتك.
و ذات يوم جاء رجل مسن يطلب استشارة قانونية ولما عرف أن الاستشارة ستكلفه مائة جنيه قال لرنيم بلهجة استعطاف مزقت قلبها: طب ممكن تستأذني الأستاذ في الاستشارة أنا عاوزه في كلمة واحدة ومفيش في جيبي غير 40 جنيه.
دخلت رنيم ناقلة ما قاله الرجل العجوز وبنفس اللهجة الضعيفة المتوسلة، ومع ذلك رفض الاستاذ الجهبز حجة القانون مقابلته قائلاً وهو يشير بكف يده قاطعًا: الاستشارة 100 جنيه يجي وقت تاني.
خرجت رنيم من مكتبه آسفة جدًا ولا تعلم كيف ستنقل الرد لهذا الرجل..خرج وكأنه قد جاء يسأل الله حسنة فطرده العبد.
مرت بضعة أيام وحضر شاب كويتي يدرس في الأكاديمية العربية، ومعه فتاة تكبره بعدة أعوام طالبًا تحريرعقد زواج عرفي، ولم يفكر الاستاذ لبرهة بل قبل كتابة العقد على الفور دون أدنى تفكير.
غمر رنيم الذهول من أداء الخطيب المفوه الذي يخطب في الناس كل صلاة جمعة في المسجد، ولما سألته معاتبة إياه أجاب: الزواج العرفي حلال مش حرام، أيام الرسول صلى الله عليه وسلم كان الزواج بالفاتحة كان كله عرفي وفي معظم القبائل البدوية كله عرفي، وبعدين لو أنا رفضت أكتب العقد هيروحوا لأي محامى تاني يكتب لهم العقد وهيوافق.
رنيم: طب وإيه يعني ما يوافق يعني انت بتبص للفلوس بس وناسي شرع ربنا الي بتتكلم عنه ليل ونهار ما انت عارف إنه بعد شوية هيطلقها لإنه كده كده هيخلص دراسة وراجع بلده بكرة أو بعده.
معاذ: وإيه المشكلة؟ مش بالتراضي بينهم؟ الاتنين برغبتهم وبيكتبوا عقد حلال، ده الطلبة في كلية الحقوق عندهم صيغة العقد اللي انتي زعلانة منه ده.
فشلت رنيم في إزاحة تلك العلامات العميقة التى تخدش مكانته في قلبها، إلى أن وجدته يطيل المكالمات يوميًا حتى طلوع النهار دون اتخاذ خطوات جدية في الزواج منها وهو ما أصبح يضايقها جدًا خاصة بعد أن وجدته يخرج من كل المآزق بمهارة السوفسطائيين والمحتالين، وبانفصام كامل ما بين القول والفعل ..
ومن ضمن حواراته معها..
معاذ: رنيم إنتِ بتعرفي ترقصي؟
رنيم: أيوة طبعًا.
معاذ: زي مين؟ فيفي عبده واللا دينا واللا سهير زكي؟
رنيم: دينا - أصل أنا وسطية
معاذ: الله الله وانا هطبلك.
رنيم: "وقد استفزها استباحتة كل شئ في الحوار" معاذ ترضى حد يتكلم مع بنتك كده لما تكبر كل يوم طول الليل لحد الصبح؟
معاذ: وإيه المشكلة المكالمات مش على حسابي؟
رنيم: حسابك؟ هو ده الدين بقى؟
معاذ: رنيم انا بحبك وهتجوزك
رنيم: بلهجة حادة وقد ارتفعت نبرات صوتها..تتجوزني في شقة قانون جديد وانت مش محتاج؟ وفي السرعلى أساس إني راقصة ما تيجي بالمرة عرفي؟
رنيم: حددي ميعاد أنا هاجي اقابل والدك.
حددت رنيم ميعاد وجاء معاذ حاملا معه علبة شوكولاتة فاخرة، وتحدث وحده في حضور خمسة أشخاص من عائلتها ممسكًا بتلابيب الحوار طوال الوقت، يرد على جميع الاسئلة ببراعة، لكنه يحاول مستميتًا أن يخفض في التكاليف قدر الإمكان، لكن أهل رنيم تشددوا في التمسك بحقوق ابنتهم الشرعية التي يريد أن يهضمها معاذ ويخفضها.
مرضت رنيم بدور انفلونزا شديد صاحبته حمى وارتفاع في درجة الحرارة،وانتظرت من معاذ كلمة سلامتك ففوجئت به يقول لها بلهجة غاضبة وهو يهز رأسه بشكل دائري: إيه ده هتفضلي عيانة كده الناس تقول إيه العروس عيانة؟
ردت رنيم :على فكرة أنا هقولك معلومة عن نفسك جديدة جدًا..إنت منافق وأفاق ومُخادع وكذاب لأني وأنا بجمع الورق من على مكتبك وجدت صورة الرقم القومي وعمرك 49 سنة ويعلوا صوتها يشبه الصراخ قليلا ..انت زيك زينا عادي خالص وكمان أقل مننا في تصرفاتك، أنا مش هتجوزك عشان تكون عارف ومش عاوزة اشوفك تاني انت إنسان مريض، ولو اتجوزنا هتجيب لي انفصام في الشخصية زيك.