البعض علّق على الحملة الوطنية لإيقاف قتل النساء قائلاً: لماذا تشوهون صورتنا في الخارج؟! بل إن أحدهم أكد أننا، من حيث ندري أو لا ندري، نساهم في حملة الضغوط على سورية! بل إن إحدى السيدات كانت ستقدم فائدة إعلامية مهمة لهذا العمل لولا أنها تعتقد أن دعمها ذاك سيشوه (صورتنا في الخارج)! غريب كيف نقلب الأمور! وكيف تصير الضحية جلاداً مرة أخرى! ويصير على الذين يموتون أن يصمتوا، بعد صمتهم الجسدي الأبدي! وعلى (الأبطال الميامين) أن يتبختروا! لكي لا تقول عنا أوربا أو أمريكا: انظروا.. إنهم يقتلون نساءهم! كأن أوربا أو أمريكا أو حتى أوغندا عاجزة عن معرفة ما يجري عندنا! كأنهم يئسوا من إيجاد سلبية في بلدنا فراحوا ينتظرون حمقى مثلنا ليستفيدوا منهم! ولنفرض أن ذلك صحيح، وأن الجميع ينتظرون على أحر من الجمر أن نقول كلمة ليستغلوها، هل يعني هذا أن نتوقف عن معالجة قضايا مجتمعنا، كما فعلنا طويلاً تحت راية (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)؟! تلك الراية التي لم تفعل سوى أن فاقمت مشاكلنا وأضعفت إلى أقصى حد صوت المعركة حتى كادت تخفيه! هل يعني هذا أن نتبنى ما قاله الشافعي ذات مساء على قناة الجزيرة، دون أن يرف له جفن: (نعم، ليمت نصف الأمة لأجل نصفها الآخر)؟! وترجمة ذلك هنا: (نعم، ليمت نصف النساء لأجل الرجال)! لقد مضى هذا الزمن الأغبر الذي كانت فيه الحياة تمر بالضرورة من ثقب صغير، وعليها أن تقصّ الكثير منها وتقصي الكثير الآخر، وتعدم هذا الغصن، وتلوي ذلك، لأجل (قضية) واحدة! ولم يعد هناك من يمتلك حجةً واحدةً صالحةً في هذا الإطار، خاصة في عصر لم تعد فيه هناك أية خصوصية يمكن حجبها عن الأعين! وفي قضيتنا هذه، منذ وقت ليس بالبعيد صَنفت إحدى منظمات الأمم المتحدة سوريةَ على أنها البلد الخامس عالمياً من حيث ارتكاب جرائم الشرف فيها! وقد نشرنا في ذلك الحين تقريراً عن هذا الأمر! يعني أننا لا نكشف سراً! هذا غسيلنا الوسخ؟! نعم. إنه كذلك. لكن أي عجوز في أقصى أرياف بلدنا تعرف أن الغسيل الوسخ يحتاج ليس فقط إلى تنظيف، بل أيضاً إلى أن يُنشر على حبل تطوله أشعة الشمس! وحبل كهذا هو حبل مرئي بالضرورة! فهل علينا أن نعلّم المثقفين والسياسيين ما يعرفه البشر جميعاً؟! أما البعض الآخر، فسارع ليشحذ أسلحته الصدئة التي لم تعد قابلة للشحذ، صارخاً: ماذا تفعلون؟! أتريدون أن يسود السحاق واللِّواط في بلدنا كما في أمريكا؟! في الحقيقة لا أدري إن كان هذا هو السائد في أمريكا أو في أوربا! وإن كنت أتساءل من أين لهم بالمواليد الجدد إن كان هذا هو السائد؟! ولا أدري إن كان هذا هو معيار الأخلاق في تلك البلدان التي لا يتأخر فيها موظف دقيقة عن عمله! ولا يقضي 90% من وقت العمل هذا في (طق الحنك)! ولاتبقى الدعاوى العادية فيها سنين كي تحسم لصالح (الأثقل)! ولا... لكنني أعرف جيداً، ويعرف كل من يريد أن يعمل شيئاً لصالح هذا المجتمع غير الصراخ، أننا لا نريد ذلك. وأن تلك المادة المشينة لم تفعل شيئاً لمصلحة الأخلاق بأي معنى من المعاني! وأنها لم تساهم بإغلاق بيت واحد من بيوت الدعارة التي لا أستطيع أنا، ولا تستطيعون أنتم، حتى أن تذكروا أسماء (قوادها)! وأنها لم توقف ملهى ليلياً واحداً ممن يشغّلون القاصرات راقصات على المنصة، وعاهرات بعد ذلك! ويعرف أولئك الندابون ذلك جيداً! بل على العكس مما يدعون، نعتقد أن إلغاء هذه المادة، بل وكل المواد التمييزية ضد المرأة في كل القوانين السورية، وكل المواد التي تمنح القتلة أعذاراً مخففة مسبقة، سيساهم أكثر في استقرار هذا المجتمع وإطلاق طاقاته! وسيساهم في أخلاق أكثر رفعة من أسطوانة الأخلاق المشروخة التي نعيدها ونكررها وهي تصدع رؤوسنا! هذه الأسطوانة التي تفارق واقعنا مفارقة تامة! والشيء بالشيء يذكر. ألم يدُر حديث شبيه بهذا حين رفعت (الحصانة) عن جرائم الثأر؟! ألم تقم قيامة البعض معتقدين أن هذا ليس إلا اختراقاً غربياً لأخلاقنا الحصينة؟! ألم يقدس هؤلاء ذاك القتل الهمجي الذي كثيراً ما حصد أرواح الأبرياء؟! ومنهم أطباء وصيادلة وأساتذة جامعة لمجرد قرابتهم اللصيقة بالقاتل؟! ثم ألم يكن لإلغاء تلك (الحصانة) دور مهم في تقليل عدد جرائم الثأر؟! إذاً، كفانا مراوغة! إن غسيلنا وسخ! بل وسخ إلى درجة أننا نهرش أجسادنا ليل نهار! حان الوقت لنغسله دون خوف، وننشره دون خوف! بل حان الوقت لنتأكد عملياً أن (الأعداء) ينفذون من الثغرات الموجودة، وليس من اعترافنا بهذه الثغرات ومحاولة سدها!