آخر الأخبار

مفهوم السياسة في بلادنا

طيب فهمنا لم لا نشيد، لكن لماذا نعجز حتى عن إدارة بلدنا بأسلوب و لو نتوفة ديمقراطي؟

يعني لاك حتى زيمبابوي صار عندها ديمقراطية و لا نجد في بلدنا أثرا للديمقراطية، ليش؟ ليش يا ألله؟

السبب وفقا لما أراه هو مفهوم السياسة في بلدنا (الكلام قابل للتعميم طبعا) : منذ كليب وائل وصولا لمحمد بن عبد الله و حتى جمال عبد الناصر و صدام حسين، كانت السياسة في بلدان العرب هي اتباع القائد الفذ، الزعيم الخارق، القائد الضرورة، باحتقار كامل للشعب الذي هو الرعية .

و الشق المكمل لهذا التفكير هو احتقار الفرد و اعتباره قابلا للإلغاء من أجل الأمة . لاحظ و بدقة: الأمة التي تتم التضحية بالفرد لحسابها ليست الشعب ، هي ليست مجموع أفراد الشعب.

الأمة هي عبارة عن كائن خرافي يؤمن البعض بوجوده: أمة العرب، أمة المسلمين، الأمة السورية، الأمة الأممية عند الرفاق الشيوعيين. في كافة الأحوال هي شيء خرافي لا وجود له في الواقع إلا... عن طريق الزعيم الفذ الذي يبشر بوجودها! فأمة سوريا هي أقوال سعادة، أمة العرب هي جمال عبد الناصر (أو: حافظ الأسد، أو صدام حسين)، أمة الإسلام هي محمد و الخلفاء و الصحابة، أمة الأممية هي لينين أو ستالين أو ثم نشطب ستالين بعد أن اتضح أنه وحش أوي بعد المؤتمر العشرين فنعود للينين و هكذا و هلم جرا.

 

لا هذا، و لا ذاك، و لا غيره لم يضع بالحسبان الشعب السوري الذي يعيش حقا في الواقع المحسوس إلا بمقدار ما يتلاءم هذا الشعب مع حاجات الزعيم الفذ (المرحلية): فالقوميون العرب يصرون إلحاحا أن سوريا عربية. لاك يا عمي هاذولاء التنين مليون كردي و هاذولاء النص مليون أرمني أعمل بهم إيه؟ أما الخونجية، فهم بكل بساطة يرغبون بتصفية ربع الشعب لأنهم كفرة. فإن عجزوا عن تصفيتهم جسديا فهم يكتفون بأن يأمروهم أن يطورقوا. أما الرفاق فهم يحاولون أن يقنعونا، و قرفا عن رقبة الرب الذي خلق الواقع، أن هناك طبقة عاملة و صراع طبقي في سوريا!

 

تمت ممارسة السياسة في سوريا وفقا لنموذج الزعيم الخارق، الزعيم الملهم الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه و لا من بين فخذيه. و كانت نتيجة ذلك هي أن السياسة في سوريا تتميز بضحالة فكرية مرعبة. محمد سيد رصاص يسخر في إحدى مقالاته من أولئك الذين يتشقلبون من الشيوعية اللينينية إلى الليبرالية المثالية ما بين ليلة و ضواحيها... كان يمكن له أن يعمم المثال: - الخونجية الذين انقلبوا من الجهاد في سبيل الله إلى الديمقراطية من دون أن يوضحوا لنا إن كان هذا يعني أن الجهاد هو شرمطة أم ماذا يعني؟ - البعثيون الذين تشقلبوا ما بين الوحدة مع عبد الناصر للوحدة ضد عبد الناصر و اقتصر شرحهم لكل ذلك على أن يصفوا بعضهم البعض بأنهم يميني ، يساري ، رجعي ، المصطلح الوحيد الذي تناسوه هو ط... ، و نتساءل عن السبب. - إلخ.

 

هذا بالمناسبة لم يتوقف: ألا نسمع اليوم دعايات للديمقراطية؟ ألا نسمع حديثا عن المجتمع المدني ؟ ألا نسمع... إلخ؟ هذا كله من ذلك: السياسة لم تكن يوما في بلدنا تفكيرا، هي كانت دائما و أبدا مجموعة شعارات يتم تلقفها على عجل بهدف اختراع تبرير نظري للزعيم الخارق الذي سيقودنا للمجد و السؤدد و سيملأ الدنيا عدلا كما ملئت ظلما و يجعلنا نربط خيولنا في بواتييه و من دون أن ندفع الـ

Péage (*)

. لهذا السبب، لهذا السبب كان كل الحديث السياسي في سوريا هو مجرد مصطلحات لا طعم لها و لا رائحة. و لعل القراء يستمتعون بقراءة مقال اخترعه أحدهم كي يشرح لنا أن الديمقراطية كويسه كثيرا... فكما نلاحظ، هذا الشاب البريء يشرح لنا أن الإنتخابات هي الديمقراطية، يعني كما كان والده -مثلا- يشرح لنا أن تأميم معمل نكاشات البوابير هو الإشتراكية. و لا نستغرب أن ابنه سيأتي غدا ليشرح لنا أن قطع أيدي السارقين هو الخلافة الكويسية،

و طبعا كل منهم يريدنا أن نصدقه أن ما يطالب به سيحول سوريا لسويسرة: لاك يعني عن جد! إن عملنا انتخابات في سوريا و غيرنا بشار الأسد... ألن تصبح سوريا أحسن من سويسرا؟ عفوا... عفوا...

أعني: إن أممنا معمل نكاشات البوابير... ألن نتفوق على سويسرا؟ بالأحرى... إن قطعنا الأيدي و الأرجل من خلاف! فلا حول و لا قوة إلا بالخلاف!

 

(*)في فرنسا: حق العبور، هو ما تدفعه السيارات كي يحق لها أن تسير في الطرق السريعة