المقاربة في التاريخ و الاقتصاد و السياسة و غيرها من منطلق تجريبي وعلمي
و عقلاني تتبلور معها الأفكار و تستخلص منها صيرورة الأحداث ...
و كما اعتمدت المحاكاة كمنطلق للفكر البحثي الذي ساهم قي تكريس الاستنتاج
و تعميق الفكر و تهييج المخيلة للوصول إلى الحقيقة , تأتي المقاربة لتشكل
أيضا ً إلى جانب المحاكاة منطلقا ً آخر يعتمد على ربط الأحداث و التواريخ
بالذاكرة للوصول إلى الحقيقة أيضا ً ...
ذاكرة وأحداث نادرا ً ما سعت المجتمعات المكونة لشعوب المنطقة و منذ عهود
الانتدابات الأولى إلى تدوينها و تثبيتها بشفافية عالية . حيث عانت هذه الذاكرة
من التجاذب اللا نمطي للاتجاهات الفكرية و العقائدية التي حالت دون تحقيق
الغايات العليا لهذه الشعوب ..
اليوم , نحن بغاية الحاجة إلى استنهاض الذاكرة بكثير من الوعي و الإدراك و
العقلانية و إعادة ترتيب العقل قبل ترتيب البيت ليناط به رسم ملامح الخطوط
العريضة لمستقبل الأوطان ..
و من هنا , كان لا بد من المقاربة بين ما جرى في عراق الأمس و ما يجري
في عراق اليوم و ما يمكن أن يجري في عراق المستقبل ..!!
إن ما يجري اليوم في العراق يقارب كثيرا ً ما كان يجري في عراق الأمس .
و عليه , فإن القول بحرب الولايات المتحدة الأمريكية لتحرير العراق هو قول
لا تنفع معه المقاربة بشيء ..!
فبمقاربة بسيطة بين ما اقترفت أيدي النظام العراقي السابق في أقليم حلبجة
و ما تقترفه أيدي القوات الأمريكية في المدن العراقية الأخرى , فإننا لا نرى
سوى فرقا ً واحدا ً . هو الفرق ما بين غاز الخردل و ... الفوسفور الأبيض !
و كما اعتمد نظام الأمس على تعميق فكر الاعتقال و التغييب , اعتمد النظام
الأمريكي الفكر ذاته . و هنا أيضا ً لا نجد فرقا ً بين أبو غريب الأمس و أبو
غريب اليوم !!
إن فعل الإبادة الذي تعرض له أبناء قرية الدجيل ومن ثم إعطاء الأوامر بطرد
ما تبقى من الأهالي ليصار أخيرا ً إلى تدمير القرية عن بكرة أبيها , يقارب
بشكل كبير ما اقترفت آلة الحرب الأمريكية في مدينة الفلوجة من إبادة لأهلها
و طردهم و تهجيرهم بذريعة أو بأخرى ..
و كما دكت طائرات و دبابات نظام الأمس مدينتي النجف و الكوفة و قصفت
العتبات المقدسة و اغتالت الصدرين , جاءت الآلة الحربية الأمريكية لتدك
النجف و الكوفة و تقصف العتبات المقدسة و تحاصر التيار الصدري .!
و عليه , فإن مقاربة عمل نظام الأمس بحرمان شعبه من عائدات و خيرات
العراق و على رأسها النفط . حيث استفرد هذا النظام بصرف الكوبونات هنا
و هناك لينعم منفردا ً بعائداتها مما زاد الشعب فقرا ً و ضعفا ً و قهرا ً .
يأتي عمل و مهمة السلطات السياسية و العسكرية الأمريكية بحرمان الشعب
العراقي الأبي من نفطه و ثرواته و نهضته و فوق كل ذلك ... كرامته و أمنه ..
إن ما حرك في نفسي هذا الغيض من فيض المقاربة , هو ما شاهدته بالأمس
تعليقا ً على ما كشف من مجريات في أحد سجون الداخلية العراقية عندما
تحدث رجل عراقي عن تجربته حين قال :
لقد قتلت استخبارات وزارة الداخلية العراقية قريبي ياسر صالح السامرائي
بعدما تعرض للتنكيل و الضرب و التعذيب , و قبلها كان والد ياسر , الشيخ
صالح السامرائي ممن قتلوا على يد النظام البائد .. !.
بين حلبجة و الفلوجة . .. و غاز الخردل و الفوسفور الأبيض ..
و بين الدجيل و الفلوجة أيضا ً ... و أبو غريب و أبو غريب ...
و بين النجف و الكوفة .... و النجف و الكوفة ...
و بين الصدر الجد ... و الأب ...و الأبن ....
وكوبونات صدام ...و كوبونات بوش و تشيني ...
و ياسر السامرائي ....و صالح السامرائي ....
لا أرى فرقا ً على الإطلاق ..!!!!!
أما إذا قاربنا بين عراق اليوم و عراق المستقبل مقاربة بعراق الأمس , فهل
يسعنا أن نفكر بأن سيارات مفخخة و تفجيرات و جماعات متطرفة
و مؤامرات يمكن لها أن تُدبر في الداخل السوري و لا سيما بعد التصريحات
النارية التي أطلقها وزير الدفاع العراقي سعدون الدليمي و التي أكد فيها
أن ما بين العراق و سوريا ليس فقط مشكلة واحدة بل ستمائة و عشرين
مشكلة .!!!
يبدو لي هنا أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى بقوة لتحقيق المقاربة الكبرى
بينها و بين النظام السابق ألا و هي :
سوريا و العراق .............الاستعداء الدائم ..!!!!.