كنا في استقبال أخي العائد حديثا من كندا وتحديدا من كيبيك . موفدا من الجامعة في مهمة علمية.
كيبيك المقاطعةالتي كانت تنوي الانفصال عن العموم الكندي الانكليزي .
واستفاض بالحديث عن كيبيك وجمالها ..شارحا تفاصيل الصور ,مستعرضا انطباعاته ..كيف تكتسي المدينة هذة الأيام حلة بديعة وتتزين بشتى أنواع الزينات استعدادا لموسم الأعياد..
أما عن أهم ما لفت انتباهه هناك .. يكاد يكون جواب واحد لكل من سألت بعد عودته من الخارج
هو النظافة ..والبيئه الطبيعية التي يحافظون عليها بشكل كبير ..
حتى زميلنا أبو حسين القبواوي -تصادف وجوده في عمان أثناء التفجيرات الأخيرة , وعلق بين سين وجيم من قبل الأمن الأردني وخاصة وأنها المرة الأولى التي يسافر فيها الى الأردن..فأطلقنا عليه هذة التسمية نكاية بأبي مصعب الزرقاوي.
قد لاحظ الفرق في النظافة بين عمان ودمشق مثلا..
وفي نهاية حديثه عن كيبيك ...
أسف للوقت المهدور هنا في البحث عن أساسيات الحياة..وكيف أن المرء يستغرق فترة شبابه بالكامل في البحث عن أمور تعد أساسية بل ويدخل في سن الشيخوخة ولم يحقق معظم هذه الأساسيات.
علّقت قائلا: اننا نعشق البلد ..ونحن نئن تحت وطأة الخدمات السيئة والفساد والرشاوي واستنزاف الطبيعة وتلويثها ..والمخالفات العشوائية واحتلال الأرصفة من قبل المطاعم والفراريج والعربيات وباعة الشحاطات ...
فما بالك لو تأمنت لنا في هذا الوطن ولو نتفا من رفاهية كيبيك ..ألا يستحق هذا الوطن أن نعبده وقتها عبادة.

-2-

من عادتي , عندما أحس بالتخمة من الفضائيات واستعراض الأخبار التي لا تنفك تطاردني حتى في الأحلام..أن اصطحب ابنتي الصغيرة وأقصد الكورنيش وأتركها لتقودني على بلاطاته بدون هدف.
البارحة في زحمة الأخبار والأحداث ..اصطحبتها معي وقصدت السوق القديم في جبلة , والذي يسمى أيضا بالسوق المقبي ..وهو يشبه كثيرا أسواق دمشق القديمة الحميدية والبزورية انما على أصغر.
وبالمناسبة هو وجبلة القديمة كانت قد صنفت من قبل اليونيسكو كمنطقة أثرية من الدرجة الأولى وطالبت بحمايتهما بالاضافة للشاطىء الصخري ..
ولكن يبدو أن النتائج تأتي دائما عكس المطلوب..
فكأن اليونيسكو هذة قد قالت لبلدية جبلة:
امنحي تراخيص للمقاهي الشعبية على هذا الشاطىء ولا بأس ببعض أعمال البيتون والبلوك ليتشوه المنظر قليلا ..ولا مانع من نصب الأعمدة الحديدية والشماسي على هذا الشاطىء ..
وتعالوا يا بائعين الى قدام المدرج الأثري واعرضوا ما شئتم , ..فما هو إلا كومة حجار - وهذا التعبير لأحد كبار أعضاء المجلس البلدي- ..
دخلت السوق القديم وعلى الفور انبعثت رائحة القهوة الطازجة المطحونة حديثا , والممتزجة برائحة الهيل ..وعبق الجو بمختلف أنواع الروائح...
يسيطر عليك احساس قوي بعتق المدينة ..والناس .
ثمة لافتات تطالعك .. سوريا لن تركع .. سوريا اللة حاميها .. وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة.. -تجار جبلة.
كان البعض يلملم بضاعته استعدادا للإغلاق,فيما البعض الآخر جالسا أمام تلفزيون صغير يتابع الأخبار..خاصة وأنها حافلة من اغتيال جبران تويني إلى تقرير ميليس الثاني إلى انعقاد مجلس الأمن..
تمشيت متعمدا البطء لأسمع تعليقاتهم وانفعالاتهم الفورية أثناء تجوالي ..ولأقرأ الأخبار على وجوههم
وانتابني ذلك الشعور الجماعي الذي تحس به وأنت تتابع مباراة لكرة القدم..
في طريق العودة لفتني تعليق:
القصة فارطة...بس هيدا شيراك ..ورّط جماعتو ..وما طلع معو شي

..حملت ابنتي وغادرت السوق من جهة المدرج
كانت زحمة الباعة والسيارات قد خفت من حوله ..
نظرت اليه وكأني أراه للمرة الأولى .. كان سعيدا بعريه وبدا وكأنه يستحم بضوء القمر..وبدا القمر وكأنه يسترق النظر الى جسده المستحم في أوراق الكينا والغار.