آخر الأخبار

القرن الأمريكي الجديد

مع الثقة الصلبة بأمريكا كمثال للديموقراطية وحماية الحرية، ينظر القوميون الجدد بعين الريبة إلى

المؤسسات المتعددة الجنسية كهيئة الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، معتبرين أنّها غير فعالة، في الوقت الذي يرسلون فيه القوى المسلحة الأمريكية كمنفذ رئيس وضامن للأمن العالمي.

يحاول بعض المحافظين الجدد، كأولئك الذين يدخلون في مشروع القرن الأمريكي الجديد (The Project for New American Century) توسيع منطقة العالم الديموقراطي لمحاربة وعزل الأنظمة غير الديموقراطية والمعادية للغرب، وبشكل خاص في الشرق الأوسط. على الرغم من أنّ المحافظين الجدد يجدون بصعوبة لغة مشتركة في كل مشكلة، فإنّهم ميالون لدراسة العلاقات الدولية باللون الأسود ـ أبيض. مثلاً، بالنسبة لهم لا يوجد تطابق أخلاقي بين تفجيرات الانتحاريين الفلسطينيين، وما يرونه من حق لإسرائيل في الدفاع عن نفسها.

يجب أن تدل السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة لكوريا الشمالية، وإيران والعراق، كما يتحدث المحافظون الجدد فيما بينهم في الصيغة الملطفة على: الطهارة الأخلاقية . يقترح معجم المبادئ، المنشور في 3 حزيران / يونيو 1997، وهو الصيغة المهذبة للمشروع الجديد للقرن الأمريكي، ما يلي: طبعاً على الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون واعية لكيفية تحقيق السلطة الجديدة. لكننا لا نستطيع التهرب من مسؤوليات القائد العالمي، أو الخسائر المتعلقة بتحقيقه. تلعب أمريكا دوراً مصيرياً حياتياً في حفظ السلام والأمن في أوروبا وآسيا وفي الشرق الأوسط. إذا انحرفنا عن مسؤولياتنا، سنخلق مشاكل تهدد مصالحنا الأساسية.

في عام 1996 عرض ريتشارد بيرل، القائد السابق لمجوعة الأبحاث في معهد الأبحاث المستقبلية والاستراتيجية والسياسية (the Institute for Advanced Strategic and Political Study) عرض مسألة خروج حكومة الليكود برئاسة بينيامين نتنياهو في عمله الانهيار الشامل: الاستراتيجية الجديدة لأمن الدولة . أصبحت هذه الوثيقة مصدر نقاش واسع، لأنّ جزء ملموس منها أصبح يعرف في الوقت الحالي باسم مذهب بوش ، ومن الواضح أنه قدم الحجج في صالح تغيير النظام العراقي، ونتيجة لذلك يعرض للشك البرنامج الحالي للمستشارين الكبار للرئيس الأمريكي.

بالإضافة إلى نقده لحزب العمل الإسرائيلي على بحثه عن طرق التسوية السلمية مع الجوار الفلسطيني، أقنع التقرير نتنياهو بالتعاون الوثيق مع تركيا والأردن لكبح عدم الاستقرار واستبعاد بعض أهم التهديدات خطورة. واحتلت مواجهة الأعداء العرب والمسلمين مثل إيران، وقبل كل شيء سوريا وصنيعتها اللبناني حزب الله، المكانة الأولوية. بالتالي فطرد القائد البغدادي هي الخطوة الأولى، الملائمة بشكل مثالي لتحقيق هذه الأهداف:

يمكن لإسرائيل أن تصوغ ظروفها الاستراتيجية بالتحالف مع تركيا والأردن، بإضعافها، وكبحها بل دفعها لسوريا إلى الوراء. يمكن تركيز هذه الجهود لإبعاد صدام حسين من السلطة في العراق، وهذه هي الاستراتيجية الهامة لإسرائيل لتأمين حقوقها، وكذلك كوسيلة لكبح الغطرسة والعنفوان والكبرياء الإقليمي لسورية. طرح الأردن منذ فترة دعوة لكبح الغطرسة الإقليمية لسورية باقتراح إحياء السلالة الهاشمية في العراق (ملاحظة: قاد الهاشميون غرب العربية السعودية باسم الحكم العثماني حتى بداية الحرب العالمية الأولى). أثار ذلك المنافسة السورية ـ الأردنية، والتي أجاب عليها حافظ الأسد (الرئيس السوري السابق) بنشر القوات لزعزعة الاستقرار في المملكة الهاشمية...

لمساعدة إسرائيل في عزل شيعة جنوب لبنان عن حزب الله، وإيران وسوريا.

أيد ريتشارد بيرل ومجموعته استخدام القوة العسكرية ضد أعداء إسرائيل، ونصحوا باعتماد هذا التكتيك كسياسة حكومية. وينصح في عمله بتطوير الدعم الأمريكي كوسيلة ردع، باعتماد الفلسفة الملائمة من خلال القوة، ويعكس ذلك الصلة الوثقى بتلك القيم الغربية كالكبرياء والثقة بالنفس.

حصل دوغلاس فيت على جائزة من المنظمة الصهيونية الأمريكية (the Zionist Organization of America)، مسمية إياه كناشط داعم لإسرائيل. وفيت بالتحديد، بالتعاون مع ديفيد فورمسير (في المرحلة الأولى على أي حال) أنشأ مكتب الخطط الخاصة في البنتاغون (Office of Special Plans)، الذي كما يعتقد حالياً، أعد المعلومات حول الخطط العراقية لصناعة أسلحة التدمير الشامل وقدمها لإدارة نائب الرئيس بمعزل عن وكالة الأمن القومي، أو القيادة الاستخباراتية في وزارة الدفاع.

شغل فورمسير وفيت مواقع مفتاحية في بنية الأمن القومي للولايات المتحدة، وكان لهم علاقات وثيقة مع معاهد السياسة الاجتماعية، التي تتبع سياسة قريبة من خط الليكود وترى تطابقاً ومساواة في الأهداف السياسية الخارجية لإسرائيل وأمريكا.

قبل عودته إلى البنتاغون في عام 2000 عمل فيت في المعهد اليهودي لقضايا الأمن القومي، وفي مركز سياسة الأمن (Center for Security) الذي يتبع سياسة موالية بصرامة لحزب الليكود، أما فورمسير فقد درس قضايا الشرق الأوسط في معهد الصناعة الأمريكية، الحليف الآخر لليكود.

جاء في إعلان برنامج المعهد اليهودي لقضايا الأمن، أن التعاون الاستراتيجي الأمريكي ـ الإسرائيلي يعد عنصراً حياتياً هاماً لتحقيق أمن الولايات المتحدة الأمريكية، وهو التوجه الأساسي في نشاط المعهد اليهودي لقضايا الأمن منذ تأسيسه في عام 1976.

يبقى الشرق الأوسط في مركز السياسة الأمريكية نتيجة تداخل طاقة الرأسمال والسلاح والأيدولوجيا. إنّ عدم الاستقرار الدائم في المنطقة الناجم قبل كل شيء عن المنافسة العربية والتشرذم والتمزق بين العلمانيين والمتدينين في العديد من المجتمعات الإسلامية، يجعل مستقبل المنطقة غير واضح.

يقول زيليكو أيضا، إنّ صدام حسين كما تبين صرف الكثير من الإمكانات لتدعيم البنية التحتية لمواجهة التفجيرات النووية. وضعت هذه التجهيزات، حسب رأيه، لتبادل الضربات النووية مع إسرائيل وليس مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حال وقوع السلاح الكيميائي والبيولوجي في أيدي حركة حماس، فهذا السلاح سيهدد إسرائيل وليس الولايات المتحدة الأمريكية.

من الصعب الحديث عن الدور الذي لعبه الولاء للسياسة القومية والروح العسكرية الجلية المرتبطة بالليكود في اعتماد الرئيس لقراره القيام بعملية حرية العراق . كتب منتقد الحرب في العراق مايكل ليند، الموظف العلمي الكبير في صندوق أمريكا الحديثة (the New America Foundation)، في نيسان / أبريل من العام الماضي: ألا يفهم جورج بوش بوضوح الاستراتيجية الكبرى التي ينشرها فولفيتس والمساعدون الآخرون.

افترض بوش بحماس، حسب رأي ليند، وجود تهديد حتمي للولايات المتحدة الأمريكية من قبل أسلحة الدمار الشامل التي يملكها صدام حسين. في مرحلة حكم كلينتون حثّ مشروع القرن الأمريكي الجديد الرأي العام للتدخل في العراق، لأسباب، لم يكن لها أية علاقة بإمكانية وجود علاقة بين صدام حسين وابن لادن.

يكتب ليند أيضاً، أنّ الرسائل المفتوحة الموقعة من قبل فولفيتس وغيره، دعت إلى التدخل في العراق، وقصف قواعد حزب الله في لبنان وتهديد سوريا وإيران بالهجوم عليها، إذا استمرت في دعم الإرهاب. وقوبلت الملاحظات القائلة بأنّ هدف هذه العمليات ليس حماية المواطنين الأمريكيين، بل تحقيق أمن إسرائيل، قوبلت بالاتهام بالمعاداة للسامية.

إلاّ أنّ سوريا، وإيران والعراق هي دول معادية الواحدة منها للأخرى، وأسلحتها موجهة الواحدة ضد الأخرى، والإرهابيون الذين تدعمهم موجهون على الأصح ـ ضد إسرائيل وليس ضد الولايات المتحدة الأمريكية. على الرغم من كل ذلك يستعجل المحافظون الجدد لإشعال الحرب التالية ضد إيران، علماً بأنّ المخزون النووي لكوريا الشمالية، حسب المنطق السليم، يعد مشكلة حقيقية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.

في عام 2000 وضع الفريق المكون من أعضاء مشروع القرن الأمريكي الجديد (ريتشارد بيرل، باول فولفيتس، ربتشارد أرميتاج، جون بلوتون، جيمس فولسي، وليام كريستول، لويس ليبي) مهمة إعادة بناء القدرة الدفاعية الأمريكية: الاستراتيجية، القوات المسلحة والموارد في القرن الجديد ، التي تعرف اليوم بموضوع التفوق الأمريكي الاقتصادي والعسكري، والتركيز على صياغة الأحداث الإقليمية بدلاً من التفاعل معها والرد عليها، وإقامة مناطق السلام .

وتتضمن تلك المقترحات، التي أصبحت الهدف الرئيس في سياسة الإدارة الثانية لبوش على: رفع الإنفاق على الدفاع، وإعادة بناء القوات العسكرية وتوسيع إمكانياتها في الانتشار في أية نقطة من العالم، وتطوير السلاح التكتيكي النووي، وكذلك المسألة العزيزة على قلب كل محافظ جديد، ألا وهي: بناء منظومة الدفاع الصاروخية العالمية، والدعوة لوضع الولايات المتحدة الأمريكية يدها على الخليج الفارسي.

بالإضافة لذلك ذكرت لأول مرة في عمل إعادة بناء القدرات الدفاعية أسماء الدول الثلاث المعادية، التي تهدد ليس فقط الأمن العالمي، بل والولايات المتحدة الأمريكية بالذات: لا نستطيع السماح لكوريا الشمالية، إيران والعراق والدول المشابهة بضرب الدور القيادي الأمريكي، وتخويف حلفاء أمريكا أو تهديد الوطن الأمريكي...

على الرغم من عدم وجود إشارة محددة لسياسة الأفعال الاستباقية في الوثيقة، فقد بينت أنّ الوقت سيكون متأخراً إذا تم توجيه ضربة للولايات المتحدة الأمريكية.

وحل 11 أيلول / سبتمبر.

أصبح 11 أيلول بالنسبة للرئيس بوش كـ بيرل ـ هاربر القرن الواحد والعشرين ـ الذريعة الأولى في العصر الحديث للحرب المشابهة ضد العدو، الذي يسعى للقضاء على الحضارة الغربية ويكثف الجهود لتحقيق هذا الهدف.

قال بوش في هذا الخصوص:

تبدأ حربنا على الإرهاب مع القاعدة، لكنّها لن تنتهي هنا. إنّها لن تنتهي طالما لم يقبض على جميع المجموعات الإرهابية العالمية، وتوقف وتهزم... جوابنا سيكون أكبر من انتقام فجائي وسريع وضربات محدودة. على الأمريكيين أن يكونوا مستعدين ليس لمعركة واحدة فحسب، بل لحملة طويلة، تختلف عن تلك التي شاهدناها من قبل.

سنقطع مصادر تمويل الإرهابيين، سنجعلهم يواجهون بعضهم بعضاً، سنلاحقهم من مكان إلى مكان، حتى لا يبقى لديهم أي ملجأ، ولا إمكانية للراحة. وسنلاحق الأمم التي تقدم المساعدة والعون أو الملجأ الآمن للإرهاب. تستطيع كل أمة في أي منطقة من العالم أن تقرر الآن ما العمل. إما أن تكونوا معنا أو مع الإرهابيين. اعتباراً من هذا اليوم، ستقيّم أية أمة تواصل تقديم الملجأ أو الدعم للإرهاب، (ستقيّم) من قبل الولايات المتحدة الأمريكية كنظام معادٍ.

بهذا الشكل لخص الرئيس عملياً مبادئ السلوك مع تلك الدول التي تمول أو تحمي الإرهابيين.

إذا كان الرئيس بوش طرح في البداية للنقاش كيفية التصرف ضد العراق، فإنّه منذ اللحظة الأولى في خطابه للأمة بعد 11 أيلول المشهور بـ محور الشر وسع بشكل كبير برنامج الرئيس للأمن القومي (the President's national security prospectus).

مع تحديده لإيران وكوريا الشمالية والعراق، وجه الرئيس بوش ملاحظة رسمية، مفادها أنّ الأنظمة التي تمول الإرهاب ستقع الآن في مرمى هدف الإدارة. لقد بين خطر السلاح الكيميائي والبيولوجي والنووي، هذا الخطر الذي سيصبح الذريعة الشكلية لإعلان الحرب من قبل الإدارة، والوسيلة الأساسية لإقناع الرأي العام في ضرورة الاستعداد لإمكانية الحرب على العراق.

على الرغم من أنّه لم يذكر الإجراءات الاستباقية، إلاّ أنّ كلمات الرئيس لم تدع مجالاً للشك في نواياه الواسعة. على جميع الأمم أن تعلم: ستقوم أمريكا بفعل كل ما هو ضروري لحماية أمنها. سنبقى يقظين، على الرغم من أنّ الوقت ليس في صالحنا. لن أنتظر الأدلة الكبيرة الدامغة، حتى يداهمنا الخط