في أواخر العام ,وأوائل العام الآتي ,تحاول جديا أن تقوم بجردة حساب ..حسبة بسيطة لمداخيلك ومصاريفك
أين أنفقت زيادة عمّا يجب ...علك تهتدي أخيرا الى السبب الذي يجعل ميزانك خاسرا بشكل دائم , ومديونيتك عالية , وتستكشف أسباب العجز المزمن في ميزانيتك.
مع علمك الأكيد, أنك لم تصرف أموالك في التسلية والسياحة..وأنك لا تتذكر المرة الأخيرة التي ذهبت فيها للترفيه والسياحة إلى منطقة أخرى خارج محافظتك.
ولا تتذكرأنك قدرت, ولو لمرة أن تماشي الموضة, في اللباس و التيب وفرش المنزل ...بل كنت تحتفظ بأحد أحذيتك المدببة الرأس ..لوقت تعود فية هذة الموضة الى هذا النوع عادت ولكن لدهشتك طوّلوا بوزها بشكل كبير حتى أصبحت تشبه حذاء أبي القاسم الطنبوري .
وتتذكر أنك كنت توفر على نفسك الذهاب الى الطبيب حينما تصاب بوعكة صحية , وذلك بقصد التوفير ..
وتلجأ الى ما تيسر من المضادات الحيوية ..أو الى الأعشاب الطبية .معتمدا على خبرتك الطويلة في التعامل مع هذة الأمراض ..وعندما يطول بك المرض..
و يستحثك أحدهم لعرض نفسك على طبيب العمل ...فالطبابة مجانية في عملك ..تقتنع وتذهب , لتفاجىء بطابور طويل أمام غرفته ..وتخشى أن وباءا ما قد استفحل بينهم ..وأنت تعلم جيدا أنهم بغالبيتهم أصحاء ..ولكنهم وتحت ضغط الحاجة يبدلون الوصفات الطبية من الصيدلية العمالية... بصابون وشامبو وحفاضات للأطفال..
فتهرب من نظراتهم المليئة بالشك ..خوفا من أن يقولوا ..ها أنت أيضا ..
وستذكر لا شك المواقف التي اضطررت لدفع مبالغ أضافية في مواقف متعددة ..على مبدأ ذل مالك ولا تذل نفسك ,وذلك في كل مرة تحتاج للحصول على ورقة رسمية أو معاملة ما.
وكيف أنك في النهاية كنت تذل مالك...ولا تنجو من ذل نفسك.
وكيف قرطك معلم الألمنيوم عندما أردت استبدال المنجور الخشبي المتداعي في بيتك ..بحجة أن الأسعار ارتفعت فجأة ..وهويشرح لك كيف أن عمله قد انخفض نتيجة ذلك .ويجب أن تعذره.
وكيف طلب مصلح الغسالات زيادة عن السعر المتفق بحجة أن موديل الغسالة قديم وقطع التبديل غير متوفرة.
وكيف سررت عندما أبلغوك أنهم سمنحوك 50 دقيقة مجانية , في شركة الخليوي ..ولكن لم تكتمل فرحتك عندما وجدت فاتورتك لم تنقص عما هي ..وتتسائل هل أصبحت الدقيقة 30 ثانية في علم الخليوي ..وهل نبت لك أقارب في بلاد الاغتراب حتى ترسل لهم رسائل قصيرة ..!!!
وتستحثك شركة الكهرباء على عدم العبث بالعداد ..وإلا فالسجن بانتظارك ..وتعاقبك شركة الهاتف الثابت بالغرامة وبقطع الخط ان أنت تأخرت يوما واحدا عن الدفع.
وكم مرة تبرعت لنضال الشعوب , في جميع أنحاء الوطن العربي , وتبرعت لعائلات من توفي من زملائك في العمل أو لإعانتهم عند وقوع أصابة دائمة لهم.
وبعد استحضار كل هذة المواقف , يبدو لك في النتيجة ..أنك مقروط من جميع فعاليات المجتمع المدني ..
وأن على راتبك الضئيل , يعيش كل هؤلاء القوم ..وتقام الميزانيات..وتحسب الضرائب ,وتقر الخطط.
تحزن...ولكن ينتابك احساس بالأهمية المفاجئة التي نجمت عن حساباتك , لك ولراتبك.
-2-
تهرب من هذة الحسابات التي تثير الذكريات المرة , الى التلفزيون لترى ما يحدث في هذا العالم..
تسمع أن مظاهرة أو اعتصاما .. سيقام احتجاجا على التدخلات الأجنبية في المنطقة..
تخرج في اليوم التالي إلى ساحة التجمهر المفترضة..وتنضم إلى الجموع .
الوطن يناديك ..والمجتمع المدني يناشدك ..
كم كنت واهما عندما ظننت أنه لم يعد أحد في هذا البلد بحاجتك...
تندفع مع الجموع الهادرة ..هادرا معهم ..
تحس بأنك مع كل صرخة تطلقها..تدفع بالأعداء أمتارا إلى الوراء..
ومع كل تلويحة يد .. تقرر مصير البلد ..والمنطقة برمتها.