آخر الأخبار

التطرّف والموسيقى

 قال لي ونحن نسير متجاورين: "غداً توجد حفلة بيانو لطلابي، فتعال غداً لأن الكثير سيأتون".

 

     أعتقدت أن ما سمعته كان على سبيل الدعابة، ففي مدينة حلب المحاصرة والتي كانت بدون كهرباء لأكثر من عشرة أيام، وبدون ماء، وكل يوم نخاف ونتقصى أخبار الجبهات الحلبية، فمن جبهة الزهراء الى الراموسة والسجن والطريق الشرقي والغربي، حتى أصبحنا نخاف أن ينزل علينا مسلحين من الفضاء، فهل من المعقول ان يفكر مدرب بيانو باجراء حفل لطلابه؟؟؟؟.

 

     كما اعتقدت انه لن يأتي أحد – مع التفاؤل الكبير للمدرب – لأنه مع وجود قذائف الهاون التي تزخ كالمطر وكل هذا الضغط على أعصاب أبناء المدينة، لا أتوقع أن يأتي الكثير من الناس، ولأجل ذلك ومن مبدأ جبر الخاطر، أصرّيت أن احضر لا بل أصطحبت شخصين معي للحضور على أساس أن نساعد بملء المقاعد.

 

     في اليوم التالي، وصلت مع أصدقائي قبل الساعة المحددة بعشرة دقائق وانا كلي اطمئنان أنه سيتم استقبالي استقبال الفاتحين نظراً لعدم وجود الكثير من الناس. إلا أن ما رأيته من ازدحام الحضور وامتلاء القاعة وعدم تمكني من ايجاد أماكن للجلوس (إلا بصعوبة) جعلني أتأكد أنني – يا دوب استطيع تأمين أمكنة جلوس - .

 

     أطفالٌ ويافعون من الجنسين، أبدعوا في العزف، فمن رحمانينوف وشوبان الى باخ وشوبرت، وفكرت كيف انهم على الاقل خلال السنتين اللتين مرّتا على حلب، كانوا يتدربون في ايام سيئة مررنا بها، لا كهرباء ولا طعام ومع ذلك كانوا يتدربون تحت الحصار.

 

     في الوقت الذي هرب الكثير من حلب، تحت حججٍ واهية مضحكة، وهم يتشندحون (من فعل تشندح الذي اخترعته) على حلب ويترحمون على ايامها ويكتبون على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي في الانترنيت، "حيفك يا حلب..... سنبقى صامدين..... نحبك يا حلب...، اضافة الى أغاني القدود الحلبية وصور حلب وغيرها.

 

     تمرّنوا على البيانو في حلب....

 

     بعض الأطفال عزفوا لمدة أقل من دقيقة، ولكنهم علموني أن محبة البلد لا تُحسب بالزمن.

 

     تأكدت منهم أنني عندما اخترت البقاء - لكثير من الأسباب- لم أكن مخطئاً، فمن أكون أنا أمام من هم في عمر الزهور والبراعم الذين لم يبقوا تحت القصف والحصار فقط، بل وتابعوا بموسيقاهم تعليمنا كيف نقف أمام الظلام ونضيء العالم.

 

     واخجلكم ايها الذين غادروا وبقوا هم يعلموننا العزف على محبة البلد.

 

     في كل مرة تنهمر أصابعهم الصغيرة أو الفتية على مفاتيح البيانو، أشعر انهم يعزفون لحن لبقاء الوطن.

 

     في كل مرة ينحنون ليحيوا الجمهور المكون من أهاليهم وأقربائهم والمهتمين، أشعر أنهم يهزمون التطرف .

 

     شكرا ايها المدرب أندريه شوحا..

إضافة تعليق جديد