من حسن حظ الدول الفقيرة التي لا بترول ولا حتى غاز في أراضيها وشطآنها، ان العجائب تكثر فيها في حين يكثر في بلدان الذهب الأسود الانحدار الى التطرّف كي لا نقول التخلف، فنحن في لبنان شغلنا الفاتيكان خلال العقود الاخيرة بتطويب قديسينا الذين نحبهم ونفتخر بهم كتعويض عن البترول ورؤوس اهل السياسة والمسؤولية الفارغة. كل اسبوع تقريباً ينضح زيت من صورة لسيدتنا العذراء مريم، ولا يظنن أحد ان في كلامي هذا تقليلاً من احترام السيدة وكل القديسين والانبياء السابقين والآتين (ربما)، وكلما سمعت خبراً عن زيت يرشح من صورة قديس او قديسة، كنت اول الواصلين الى مكان الظاهرة، فأنا كما الوطن، بحاجة الى اعجوبة.
وإن كنت آمل كثيراً بأعجوبة القديسين، فلا اعتقد ان للوطن حظاً كحظي، فالمعتر (أي الوطن) امل ان اعجوبة حدثت في 14 آذار، اعجوبة تحوله الى وطن حضاري حديث، فإذا مفعول ذاك التاريخ جاء عكسياً. وما نشاهده الآن هو قبائل مذهبية ونفاق سياسي ضارب اطنابه . فكلهم تحت سقف الطائف، سقفه مفخوط وهو لا يريد احداً تحت سقفه. اخترعوه لاجل هذه المهمة... وعادت نغمة ان على كل لبناني أن يقتل فلسطينياً، وفي ذكرى بشير الجميل الذي حتى الآن ما تحول مكان اغتياله مزاراً هبّ وطنيون يطالبون بإعادة الاعتبار الى قتلة البشير. فمنهم من طالب ان يدرّس تاريخ القتلة في كتب التاريخ. ففخر الدين ليس افضل منهم (حسب رأيهم) والمير بشير الكبير (يمرقها ولا يزعل). اما اسخف المطالبين اولئك الذين طالبوا بتسمية بعض شوارع العاصمة باسمهم. فالزاروب الذي اغتيل فيه البشير لا يحمل اسمه ولا الطريق التي اغتيل فيها الرئيس معوض تحمل اسمه، ولا كل الشهداء الآخرين طبعاً لم يعد في لبنان او بيروت شوارع شاغرة التسميات لانها ملأى بتسميات كانت قبلاً شوارع باسم الرئيس عبد الناصر ثم تعدّدت التسميات على مرّ الزمن.
وكتسامح اكبر اقترح أن يعمل الاشاوس مشواراً الى بلدات المتن الاعلى او جرود بعلبك الهرمل حيث يمكن بالطريقة ذاتها استبدال بعض تسميات الشوارع والنصب بأسماء الابطال الذين اغتالوا بشير الجميل لاسترجاع فلسطين والجولان وربما الاندلس، يضربون عينهم على شوارع لبنان لتمجيد ابطالهم فالشوارع تغيب شيئاً فشيئاً وكذلك بيوت الشوارع وسكانها، ويغيب الوطن الذي وعدنا به والمدارس تقفل والناس جياع والحقيقة ستخبأ عند ظهورها لاسباب لا تسيء الى احد، فقط تسيء الى لبنان الضحية والشهيد الاوحد.
بالكلام عن الاعجوبة اتذكر اليوم فيلماً للمخرج الايطالي الكبير فيتوريودي شيكا الذي اخرج في منتصف القرن الماضي فيلماً عنوانه أعجوبة في ميلانو ، اذ هناك في حي فقير جداً من احياء ميلانو بعد الحرب العالمية الثانية يعيش بائع بالونات كان مضى عليه اسبوع لم يذق فيه لقمة حاف او قطعة بيتزا معفنة، ولشدة ضعفه شدته البالونات الى الاعلى فخرج اهل الحي يصفقون للظاهرة ولبائع البالونات القديس . المواطن اللبناني المتكل على التحقيق وامراء العهد الجديد رغم تحول الجمهورية الى مملكة، ما عادت ملايين البالونات باستطاعتها أن تشده الى فوق ولا المواطنون ايضاً فلقد انفخطت البالونات وزغاليل السياسة تفرقوا فروّحوا على الوطن أعجوبة التغيير.