كي يسمع المتملقين وهم يتغنون بها ويشيدون بها ويكتبون عنها القصائد والاشعار , ولان صاحبنا كان يخلط الحقيقة بكثير جدا من الخيال فقد كانت تواجهه مشكلة عدم تصديق الناس له مهما زاد تملقهم ورغبتهم في ارضائه وكان يجابه بالحرج الشديد عندما يرى النظرة الغير مصدقة لكلامه على وجوه ضيوفه او الابتسامات الساخرة والغمز واللمز عند خروجهم من بيته حتى نصحه ابنائه بعدم الخروج للناس تجنبا للحرج وشماتة الاعداء وضياع هيبة السلطان .
ولأن ترك العادة يجلب المرض كما يقال فقد حزن السلطان حزنا شديدا جعله يعكتف في بيته حتى اشار عليه ابنه الكبير ان هناك في المدينة رجلا حكيما يقال له سعيد له خبرة كبيرة في الحياة وسافر الى اقاصي الارض وقرأ من الكتب ماليس له عد ولا حصر وهو الوحيد القادر على ان يجد حلا لمشكلته عبر تفسير كذباته واعطائها صبغة علمية تجعل الناس تصدق انها حقيقة وليست من ضرب الخيال .
جاء سعيد الى السلطان واستمع اليه واتفق معه ان يقوم بهذا العمل عنده بعد ان ينجح في اول اختبار له ووعده السلطان بانه سيعطيه ماشاء ان هو نجح في الاختبار وجعل الناس يصدقون كذبته ,جمع السلطان الاعيان كعادته في القصر والكل متشوق لسماع القصة الجديدة التي سيرويها السلطان , نفخ السلطان صدره وقال :
- في احد الايام كنت ذاهبا في رحلة صيد في الادغال فإ ذا بسرب من البط يطير في الاعالى امسكت ببندقيتي واطلقت عليها النار فاصبت احداها ولما وصلت الى الارض كانت قد اصبحت بطة مشوية وجاهزة للاكل .
استغرب الحضار هذا الكلام اللامعقول وبدات كالعادة الهمهمة الساخرة بين الحاضرين حتى اشار السلطان الى سعيد بأن يتدخل , نهض سعيد من مكانه وقال :
- اطال الله عمر السلطان واستأذنه في توضيح ما قاله لمن ليست لديه المعلومات العلمية الكافية , فعندما اطلق مولانا السلطان النار على سرب البط تسبب بفزعها وتخبطها ونتفها لريش بعضها وهي في الجو وبذلك فأن البطة المصابة صارت بذلك منتوفة الريش ولأن بندقية مولانا السلطان غير عادية وتطلق رصاصات بحجم كبير جدا فإن الفتحة التي احدثتها في بدن البطة كانت كبيرة لدرجة ان احشاء البطة قد خرجت من جسدها فور اصابتها , ولان البط كان يحلق على علو شاهق فان احتكاكها بالجو اثناء السقوط سبب ارتفاع درجة حرارة البطة وبالتالي شوائها طبيعيا حتى وصلت الى الارض , اما اذا كان الحاضرين جهلاء ولايقنعون بالتفسير العلمي فذاك بحث اخر .
ثم جلس سعيد في مكانه بينما كانت علامات التعجب بادية على وجوه الحضار الذين بدأ بعضهم يصدق بامكانية حدوث مثل هذا الشيئ نظرا لان تفسيرات سعيد كانت قريبة الى المنطق ولان لا احد كان يرغب في ان يوصف بالجاهل الذي لايفقه شيئا من العلم , سر السلطان عندما رأى الناس بدأت تصدق رواياته الخيالية وقرب سعيدا اليه وعينه وزيرا خاصا لتبرير كذبه وتجميله امام العامة واسماه وزير الاعلام .
وهكذا ياسادتي ظهر هذا المنصب الحيوي عند العرب والذي لايستغني اي سلطان او رئيس عنه ابدا .