آخر الأخبار

رحلة العرب من اللامعقول إلى المعقول منطقياً!

التجربة الإماراتية، البدون الكويتيون، الوطن الفلسطيني البديل.
تحولات من اللامعقول إلى المعقول وفق فلسفة المنطق للحياة المعاصرة.

أن لا يتجاوز عمر الإنسان المئة عام أو ينحصر ما بين الستين إلى السبعين هو اللامعقول في عهد الرسل والأنبياء السابقين الذين تجاوزت أعمارهم الألف عام. وأن يكون للعرب حضارة قائمة على فكرة "العقيدة" هو أيضاً اللامعقول في زمن كسرى العراق وقيصر الشام.

فالمعقول هو الحقيقة بفرض الواقع، ولكي يتحول اللامعقول إلى معقول؛ كان لابد أن يصعد اللامعقول على سلّم المنطق ليقترب من الموضوعية المطروحة في أحوال الناس، وهو كفيل لإن يُصبح اللامعقول هو المعقول بفرض الواقع له، وليكون هو الحقيقة التي يجب التعامل معها أو الإذعان لها.

إذاً: ليس من المستحيل أن يصبح اللامعقول معقولاً في يوم ما، وفي غير زمن الذين اعتقدوا أنه سوف يبقى غير معقول إلى يوم أن يرث الله الأرض وما عليها. فما هو اللامعقول في الوقت الراهن؟ وكيف يُمكن أن يكون هو المعقول في المستقبل؟. فلربما يُصبح عليه أحفادنا ويكون معقولاً في عصرهم ومقبولاً حسب أنماط التفكير عندهم.

ربما أخذ الكثير من المُفكرين العرب يتحدثون اليوم عن تصدي الشعب لـ"بيع الوطن"، وخاصة بعد العولمة، أو بما يُسمى بـ"خصخصة" مؤسسات الدولة وتمليك الأجانب الأرض والمواطنة مُقابل المال. وكأن هذه القضية أصبحت من المعقول على أرض الواقع بعد أن كانت من اللامعقول.

إن التنازل عن الأرض "الوطن" كان من اللامعقول على مر التاريخ. وما هو المعقول عند البشرية آنذاك أن الدول والحضارات تندثر بعد حروب طاحنة. ومثال على ذلك هو تنازل السلطان العثماني "أتاتورك" عن الأراضي "العربية" والإكتفاء بالعاصمة وضواحيها "تركيا حالياً" وسط تصفيق البرلمان العثماني الحار. فهذا هو اللامعقول، ولكنه أصبح معقولأً عندما أدركه العقل العربي كحقيقة وواقع.

ودون أدنى شك أننا سوف نتفق أن اللامعقول حالياً هو أن يبيع الشعب نفسه. ولكن أن يبيع أحفادنا الوطن بحجة حفظ النفس والإرتقاء بالذات؛ فقد ندرك وقتها بأن أحفادنا سوف يعملون بما هو المعقول في عهدهم الجديد، وما كنا نُسميه بيع غير معقول قد أصبح يسمى "تنمية" بما هو معقول. ومثال على ذلك هو المُقارنة بين المتوسط العمري للإنسان الطبيعي في الدول المُتقدمة الذي يتجاوز التسعين عاماً كما هو في اليابان، بينما في الدول المُتأخرة والفقيرة لا يتجاوز المتوسط الأربعين عاماً كالصومال العربي. والشاهد الإفتراضي هنا القول لو أن حكومة اليابان قدمت عرضاً فريداً من نوعه على شعب الصومال، وهو الإنضمام إلى اليابان شعباً وأرضاً في مقابل إطالة متوسط عمر الإنسان من الأربعين إلى التسعين وفق منظومة تعليم أكاديمي ورعاية صحية كما هو في اليابان تماماً. وعلى الرغم أن الشاهد إفتراضياً؛ إلا أننا لسنا بصدد الإجابة عليه نيابة عن شعب الصومال، والإجابة مرهونة مع الأجيال القادمة، وهم من سوف يُقرر الإنضمام لليابان من أجل اكتساب أربعين سنة تزيد على أعمارهم يقضونها في رفاهية الحياة، أو الموت ما قبل الأربعين بسبب الأمراض وسوء الرعاية الصحية من أجل الوطن التقليدي حسب نصوص التاريخ الذي ورثوه عن أجدادهم.

وفكرة أن يبيع الشعب نفسه ما زالت من اللامعقول إلى هذا الوقت، وإن كانت هناك بعض المؤشرات تُشير إلى تواجدها بشكل خفي غير مُعلن عنه، أو أن البعض يعتقد بأنها من المعقول دون التصريح بذلك علانيةً؛ فأقباط مصر يعتقدون بأنهم الأوفياء الذين لم يبيعوا قبطيتهم المصرية للدين الإسلامي الذي زحف من الجزيرة العربية، وهو ما يعتقد به الهندوس أيضاً. وربما ما قصده الخميني من نشر مفهوم "ولاية الفقيه" هو من أجل إعادة شراء نفوس الفرس بعد أن باعوها إلى ما يدين به الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وربما هذا ما يُفسر لنا ظاهرة الخلط والمزج بين مفاهيم الولاء والبراء في المنظومة العربية وخاصة بعد "الربيع العربي". والشاهد هنا في المعقول واللامعقول حول الهوية العربية أو أن يبيع الشعب نفسه، لا يعني حصر الفكرة بالصورة التقليدية، كأن يتم البيع من خلال عقد بيع وشراء، أو عريضة يُوقع عليها الشعب. بل علينا التوسع في التفكير. فالأمر هو أشبه بحرب الهويات أو رحلة البحث عن الهوية.
وهناك الكثير من اللامعقولات المُحيطة بالمنطقة العربية، كالوطن البديل للفلسطينين خارج الإطار التقليدي في دول الجوار الفلسطيني، وهو من اللامعقول حالياً، ولكن هجرة الفلسطينيين إلى خارج الوطن العربي عبر أجيال وعقود من الزمن، وحتمية إندماج الفلسطينين في بلاد المهجر التي لا تمنح المواطنة الغربية إلا بعد مزجها بالهوية الثقافية الغربية هو ما قد يجعل اللامعقول عندنا هو المعقول بعد سنوات وسنوات؛ أي أن يبحث الفلسطينيون عن أرض قريبة من بلاد المهجر لتكون وطنهم البديل عن فلسطين ودون التفكير بالوطن البديل القائم بالقرب من دول الجوار الفلسطيني. والتي تُسمى بـ"معقول اللا عودة" إلى الوطن العربي.

ومحاولة الكويت توطين "البدون" في جمهورية جزر القمر هي دلالة واضحة بأن اللامعقول ليس ببعيد ليكون معقولاً منطقياً؛ فقبول "البدون" الكويتيين للهجرة إلى جزر القمر مع الإحتفاظ بهويتهم الثقافية الكويتية ومع ترحيب الشعب القمري لإستضافتهم هو من أجل تحقيق تنمية شاملة ومُتبادلة، وهو الطريق لقبول اللامعقول بأن جزر القمر وشعبها جزء من الكويت أو تحت الوصاية.

وما هو من اللامعقول أيضاً، هو الحديث عن رفع علم وشعار الإمارات على بعض المحافل الأوروبية، أو تحكم الإمارات في مداخل ومخارج القارة الأوروبية. ولكن عبر حزمة من الإستثمارات الإماراتية الضخمة، تحول اللامعقول الصعب إلى المعقول المرغوب، فأخذ العلم الإماراتي يُرفع على أهم المحافل الأوروبية وهي الرياضية، كما أن أسطول الطيران الإماراتي أخذ يتحكم في حركات المسافرين من وإلى أوروبا مع العالم الخارجي طوعاً وليس كُرهاً.

فنحن أمام شواهد تاريخية حقيقية، بأن اللامعقول يتسابق على سلّم المنطق والواقع بغلاف الموضوعية ويطرح نفسه كمعقول لابد من الإندماج فيه. ولكل قارئ عربي أن ينظر من حوله وما هو اللامعقول في مُحيطه ثم يبحث كيف سيكون هو المعقول في المستقبل وفق منظومة المؤشرات الإجتماعية والمؤثرات على الفرد العربي. وفي خلاصة القول أنه علينا أن ندرك أن اللامعقول هو تحدٍ بحد ذاته، وأن نُدركه وهو في طور اللامعقول أفضل من أن يسبقنا الآخرين إليه ليصبح معقولاً حسب ما يرغبون وفق أجنداتهم. وماهو جدير البحث فيه أو لفت النظر إليه هو مدى إستيعاب فكرة المعقول واللامعقول في مؤسسات البحث العربي. وخاصة لو أدركنا أن اللامعقول هو المستقبل أو المؤشر لتطلعاته، وأن فكرة بيع الشعب لنفسه أو بيع الوطن ليست بالضرورة أن تكون فلسفة نظرية. فالشعوب جميعها أخذت تنطوي تحت الحضارة المادية، والبيع والشراء أخذ يرتهن بالتقدم العلمي والإزدهار المعيشي. فأين مؤسسات البحث العربي من رحلة العرب من اللامعقول إلى ما هو المعقول وفق منطق الحضارة المادية التي أخذت تغزو قلوب الشباب وعقولها.

إضافة تعليق جديد