آخر الأخبار

مسرحية يعيش...يعيش (نص)

مسرح قصر البيكاديللي - بيروت - 1970

 

هيفاء:       الدِّنـْيي بـْتـِمْشي. الشـَّعب بـْيـِمـْشي.

وْما حـَدا وِجـُّو لـَخـَلـْف. كلـُّنْ وِجـُّنْ لـَقـِدَّام.

الـِوْلاد. النـَّاس. الإيـَّام

كلـُّنْ وِجـُّنْ لـَقـِدَّام.

 

هذه العبارة البسيطة أدخلت الشخص الذي يجلس على أحد كراسي الدكّان المتواضعة إلى عالمٍ تجدّدت فيه أحلامٌ كانت قبل قليل قريبة من العدم!

فهيفاء، مدبـِّرة شؤون الدكان ذي الخصوصية المثيرة للجدل، قادها حديثها مع برهوم، الذي نزل ضيفاً عليهم عبر صديق للجدَّ (أبو ديب)، إلى منطقة لم تأبه لخطورة الغوص في دهاليزها بادىء الأمر!

وهيفاء، لطبيعة خاصة تميّزها، وبسبب كون الدكان الذي تعمل فيه مع جدِّها أبي ديب يقع عند حدود (مـِيدا) مع البلد الجار مما يحدد عدد الزبائن ونوعيتهم، أخذ عليها جدُّها كثرة الكلام ومحادثة الزبائن والضيوف دون حذر. وهي لذلك لم تتردد بعرض فلسفتها ورؤيتها لمسألة العلاقة بين الناس وحركة التطور والحكم والحكام للضيف الذي قـُدِّم إليهم شخصاً عادياً تلاحقه الجهات المختصة نتيجة تطاوله بالضرب على زوجته ووالدتها.

لجميع دكاكين المناطق الحدودية في البلدان الصغيرة مواصفات خاصة تدخل في تشكيلها عناصرُ ذات امتدادات جغرافية وثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية وأمنية أيضاً.

وللناس في المناطق الحدودية خصوصيتهم المبنية على معرفتهم بجغرافيا وأمن الحدود وحكايات أجهزته وتهريب البضائع وفرار الملاحقين بالإضافة إلى التعاطف الذي يجمع أهالي مناطق من هذا النوع نتيجة لما يقاسونه من إهمال السلطات الرسمية ولما يعانونه من خوف من المطاردة والاقتحام وحملات المكافحة إلخ.

وتوفِّر مناطقُ الحدود ومعابرُها الفرصةَ الكبيرة لنسج الحكايات ونشر الشائعات والمنظارَ القدير الذي يتمكن به المبدعون والصحفيون والساسة والأدباء والفنانون من رصد قضايا غايةً في الأهمية، مسارحُها القصورُ الرسمية وأروقةُ المسؤولين ودوائرُ الإعلام ومؤسسات الحكومة وشخصياتها، من جهة، والجبالُ والطرقاتُ الوعرة والمخابىء وتفاصيل الصفقات وأسرار عـَليـَّة المجتمع ونجومه، من جهة أخرى!

هنا، في دكان من هذه النوعية وعند حدود البلد المجاور لدولة (ميدا) الافتراضية، رصد الأخوان رحباني في عام 1970 انقلاباً عسكرياً ضد إمبراطور الدولة قام به مجموعة من الأشخاص المتحالفين مشكلين مجلساً مؤقتاً للحكم ريثما يتّفقون بعد ضمان نجاحهم على تعيين قائد بصفة دائمة، فكانت المسرحية السياسية الاجتماعية (يعيش يعيش) التي عُرضت على خشبة قصر البيكاديلي في بيروت في شتاء العام نفسه ولم تعرض في دمشق، وقد تمنّى السوريون مشاهدتها، ضمن نشاطات المهرجان الثقافي المرافق لمعرض دمشق الدولي في العام 1971 وإنما عرضت بدلاً عنها مسرحية (صح النوم) وضاعت فرصة كبيرة أمام الجمهور الرحباني في سوريا والذي حرص دوماً على إظهار تعلّقه بالأعمال الرحبانية. ولكن مسرحية (يعيش يعيش) دخلت البيوت السورية عبر أجهزة الراديو والتسجيل وأدخلت معها المفاهيم والرؤى الرحبانية ذات الدلالات والبصيرة والتأثير التربوي العظيم!

والأخوان عاصي ومنصور، اللذان أتحفا التراث الأدبي الفني بأعمال مسرحية غنائية عظيمة سجلت قيماً انتقادية بناءة في مجالات العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية قبل (يعيش يعيش)، توَّجا عـَقداً من التطور بهذه المسرحية القوية التي حافظت على ألقها وجمالها الفني والأدبي وقوة مضمونها السياسي. وما زال الناس يستمعون إليها بتفاصيلها وحذافيرها مسقطينها على الزمان والمكان ما يحلو لهم ودونما قلق. فدولة (ميدا) مكان فوق المكان وزمانها فوق الزمان ونص المسرحية شمسٌ خالدة النور، والمسرحية بجميع عناصرها شاهدٌ آخر على عبقرية فذّة وعلى عمقٍ وشموليةٍ وفراسةٍ تزداد بها قناعة الجمهور الرحباني بهذه المدرسة العظيمة وبالقدرات الإبداعية الكبيرة لروادها.

لقد أراد الرحبانيان أن يقولا أشياء كثيرة من خلال مَشاهد وحوارات وأغاني المسرحية. ولكن أهم ما أبرزاه من هذه الأشياء تأكيدهما القناعةَ الراسخةَ بحتمية التطور، وإن غلبت آمالـَنا المفاجآت: (الدِّنـْيي بـْتـِمْشي. الشـَّعب بـْيـِمـْشي. وْما حـَدا وِجـُّو لـَخـَلـْف. كلـُّنْ وِجـُّنْ لـَقـِدَّام : الـِوْلاد. النـَّاس. الإيـَّام. كلـُّنْ وِجـُّنْ لـَقـِدَّام. )!.

 

يبدأ الفصل الأول من المسرحية ذات الفصلين كالعادة بمقدمة ذات طابع تنبيهي بلحنٍ شرقيٍّ تشترك في أداء إيقاعاته العديدُ من آلات القرع كالدربكة والدفّ والرقّ والصنجات والإكسيليفون مع الدرامز ويأتي اللحن متموّجاً تتحاور فيه الآلات الموسيقية مظهرة حالة التوجّه الحذر من السلطة إلى الناس. فاللحن يأتي من سماعة الراديو المفتوحة على باحة الدكان وقد غصـَّت بالمستمعين المتوجّسين والذين لم يُخفِ قلقـُهم حالةَ الانقسام التي أظهرت علائمَ الرّضى على وجوه بعضهم واليأس على وجوه الآخرين.

يلي هذه المقدمة لحنٌ من نوع خاص اعتاد عليه الناس في سوريا ولبنان خلال العقدين اللذين سبقا سنة عرض المسرحية. إنه لحن (البلاغ رقم واحد)!!

والبلاغ رقم واحد اصطلاح تبدأ به أية حركة انقلابية من جهة ما داخل أو خارج السلطة الحاكمة مـُطيحة بالهيئة الحاكمة ومـُنـَصـِّبة نفسها بديلاً لا يـُناقـَش ولا يجوز الاعتراض عليه.

في أواخر أربعينيات وفي خمسينيات وستينيات القرن العشرين تعرَّف الناس في سوريا وجزئياً في لبنان، وقليلون من هؤلاء الناس من كانت السياسة من أولوياتهم، تعرَّفوا على مجموعات حكمت البلاد لفترات قصيرة جداً وكانت حكوماتهم هشـَّة هوائية وعسكرية في أغلبها لاتستند إلى أية قاعدة جماهيرية أو حزبية. وكان عناصر الحكم من انتماءات مختلفة لا تلبث مقوماتُ تفاهمهم أن تتناثرها رياحُ تناقضِ مصالحهم ما أن وصلوا إلى (كعكة) الحكم و (كراسيه)!!

وقد توالت الانقلابات في واحدة من تلك الفترات بشكل ولـَّد لامبالاة الناس وسخريتهم فقالوا عند كل مساء: (من يستيقظ غداً باكراً ويحتل مبنى الإذاعة قبل غيره سيصبح رئيساً). وبالرغم من المبالغة الكوميدية فإن اللحن الذي سمعناه في مقدمة المسرحية ذكّرنا باللحن الذي ضَمِنت لنا إذاعةُ دمشق حفظَه لتكراره قبل البلاغ رقم واحد الذي أعلن للآمنين في منازلهم بأنه (بعد الاتكال على الله والشعب قامت (... ) باحتلال مبنى الإذاعة والتلفزيون لإعلان نفسها حاكمة للبلاد باسم الشعب ومن أجله إلخ..)!!

 

فلنبحر في مسرحية الأخوين عاصي ومنصور مستخدمين منظارهما ولنستمع إلى ما يقوله الناس في دكان أبي ديب في منطقة الحدود بين (ميدا) وجارتها.

في مقدمة الفصل الأول تتحاور مجوعات الأوركسترا بالتتالي في نغمة يغلب عليها طابع التنبيه الملوَّن بإيقاعات قصيرة الموجة تبرز فيها الدفوف والرقّ والإكسيليفون وغيرها لتضعنا في بوابة المسرحية وحدثها المثير عبر الفعل السحري للـ (دِمْ) والـ (تـَكْ) وما يصاحبه من (خشخشة) يعقبها لحن الحدث و... :

صوت من الإذاعة:   هنا محطة إذاعة ميدا

                     بلاغ رقم (واحد)

                     إلى عموم المواطنين.

بعد الاتكال على الله والشعب قامت قوات الفصائل الانقلابية فجرَ هذا اليوم باحتلال مبنى الإذاعة والتلفزيون وجميع الدوائر الرسمية دون مقاومة لتخليص البلاد ووضْعِ حدٍّ للفساد والطغيان. وقد توارى الأمبراطور عن الأنظار.

 

نطلب من المواطنين أن يلزموا الهدوء

هيئة الإنقلاب العليا

 

تعزف الموسيقا لحناً عسكرياً يصاحبه نشيد ملائم للموقف (إنقلاب. هرب الأمبراطور.) يعبّر فيه قسمٌ ممَّن في المقهى مقابل الراديو عن عدم تأييدهم للحركة الإنقلابية (وهم ذوو الشوارب المرفوعة إلى الأعلى) بينما يباركها القسم الآخر (وهم ذوو الشوارب المرمية إلى الأسفل).

ثم يعود المذيع والبلاغ رقم (2):

المذيع:       هنا محطة إذاعة ميدا

              بلاغ رقم (اتـْنـَيـْن)

              سيلٌ من التأييد يتدفـَّق على هيئة الإنقلاب العليا

وهذه بعض البرقيات الواردة:

حضرة رئيس وأعضاء هيئة الإنقلاب العليا الغرَّاء

خطوتكم المباركة أعادت الأمل للأمة

سيري وعين الله ترعاكي.

 

ويحتدم النقاش بين المستمعين تصاحبه الموسيقا ويكاد يصل إلى درجة العراك لولا تدخُّل أفراد الدورية التي وصلت لتوِّها من مخفر الحدود وقد تعهّدت، دون إعلان صريح، بالولاء للسلطة الجديدة. فهم جهاز أمن الهيئة الحاكمة كائنة من تكون!

 

على إيقاعٍ عسكريِّ الطابع (واحد – اتنين) يعلن أفراد الدورية في المقهى حالة الاستنفار مستخدمين الكلمات التقليدية التي اعتاد الناس سماعها في حالات الانقلاب:

أفراد الدورية:  كل    واحد   عـَلى   شغـْلـُو

                     كل    واحد   عـَلى   بيـْتـُو          الأمن مســْتـَـتـِـب

              التـَّجـَمـُّعات    ممنوعة       التـَّطـَلـُّعات     مـمنوعة

                                                       بسّ الأمن مسـْتـَتـِب

              الدَّوريـَّات      بالشـَّوارع      والتـَّنـْكات      والمدافـع

                                                       بسّ الأمن مسـْتـَتـِب

 

وإذ يتفرّق الناس ويغلَق المقهى يعود المذيع عبر مذياع صغير بيد أبي ديب الذي قرَّبه من أذنه بينما التصقت به حفيدتُه "هيفاء" ليستمع الإثنان إلى البلاغ رقم (3):

المذيع:       هنا محطة إذاعة ميدا

              بلاغ رقم (تـْلاتـِة):

                     "إلى عموم المواطنين.

إن الدولة تحذّر المواطنين من إيواء رجالات العهد البائد تحت طائلة العقاب. كذلك وضـَعتْ مكافأةً مالية قدْرها مائة ألف ليرة لكل من يرشدها إلى مكان الأمبراطور."

هيفاء باستغراب:     قدَّيـْشْ؟!

المذيع:              مائة ألف ليرة

هيفاء:               ياي يا جدي ثروِة!!

أبو ديب:            يصـْطِفـْلـُو. فِخـَّار يـْكـَسـِّر بـَعْضـو. أنا رايح عَ الصـَّيْد. خِدي ساويلي هالجرْبـَنـْدِيـِّة.

 

اللامبالاة التي أظهرها أبو ديب تجاه أخبار الصراع على الحكم أُريد بها الإشارة إلى الحالة التي وصل إليها الناس في علاقتهم السلبية بالسلطات وبالشؤون السياسية بعد أن أكـَّدت المرحلة المليئة بالانقلابات وبالطروحات الكاذبة المتاجـِرة باسم الشعب والمدَّعية بتكريس الذات من أجل المصلحة العامة أن (الرِّعْيان بـِوادي والقطـْعان بـِوادي) وأن أولئك الرعيان ليسوا بالنسبة للناس أكثر من (فِخـَّار) هشٍّ يتناطح رؤوساً وبطونا!

وأبو ديب، كواحد من رموز اللامبالاة هذه، يجد في الصيد متعة لا تعلوها متعة ومنبعاً للحكايات والسـِّيـَر ومـَعـْبـَراً إلى ساحات الخيال تسبح في أرجائها الفسيحة أحلامـُه البريئة. وهو إذ يذهب في جولاته بشغف فإنه لا يلبث أن يستعجل العودة إلى الدكان كي يُـتحف أصدقاءَه في السهرية بأخبار الصيد وقصصه يتسلـُّون بها وقد تلونت بإضافات أبي ديب ومبالغاته التي طالما تحسـَّست منها هيفاء نظراً لما تثيره من تساؤلات عند الساهرين.

وبما أن أحداً لم يكن في الدكان سوى هيفاء التي حضـَّرت الجربندية لجدها فقد وجدتها فرصة ملائمة لتنبيهه إلى مبالغاته فيدور ديالوج مغنـَّى لذيذٌ تصحبه موسيقا تصويرية رائعة، يؤديه الصياد ذي الصوت الجهوري القوي والفتاة ذات الصوت الأنثوي اللطيف:

هيفاء:               وَكْ يا جدي يابو ديب إيـْدَكْ وَيـْن كـْسـَرْتا؟

أبو ديب بتفاخر:     بالصـَّيد

هيفاء:               وَكْ يا جدي يابو ديب إجـْرَكْ وَيـْن فـْكـَشـْتا؟

أبو ديب يؤكد:       بالصـَّيد

هيفاء:               وَينْ عَقـْصِتـَكْ الحـَيـِّة؟

أبو ديب:            بالصـَّيد

هيفاء:               هالشـَّيـْبـِة ويْن قِضـَّيـْتا؟

أبو ديب:            بالصـَّيد

هيفاء:               وْشو بـَدَّك بالصـَّيد؟

أبو ديب:            بـَدِّي الصـَّيد

                     بـَدِّي وْبـَدِّي

هيفاء:               إي ياجدي

أبو ديب:            شوف السـَّما حـَدِّي

هيفاء:               إي ياجدي

أبو ديب:            إشـْرُدْ عَ ابـْواب الـِحـْراشْ وْما أعـْرِفْ وَيْنْ هـَدِّي

هيفاء:               إي إي إي ياجدي

أبو ديب:            بـَدِّي الـْعـــــالي         وطـْيور العـَلالي

كـَمـِّشْ نـْسـُورَة         والنـِّــــسـِرْ  قــــَدِّي

هيفاء:               إي إي إي ياجدي

أبو ديب:            وْ عَ مـْصـَبِّ النـّبـُوعـَة

                     يـْلاقـُوني الضـّبوعـَة   أنا قـَتــِّـلْ

                                          وانـْتِ تــْعــِـــدِّي

هيفاء:               إي إي إي ياجدي

أبو ديب:            وْقصص الصـَّيـْد      وحـْكايات الصـَّيْد

                     أه يا هيـْفا شو حلو الصـَّيْد

 

إظهار جانبَي الفتوة والرومانسية في شخصية الصياد يعكس واقعية ميـَّزت الأفراد من هذه النوعية ممن يعشقون الأدغال والأحراش والجبال الوعرة والوديان ومجاري الأنهار يطاردون النسور التي تتلذذ المناورة هرباً من طلقاتهم دون أن تبتعد كثيراً ويواجهون الوحوش الكاسرة دون خوف أو كلل أو ملل يستمتعون بالهواء النقي ومناظر الطبيعة الخلابة ولوحاتها البديعة وحريتها وتآلف مكوناتها.

هيفاء:               الصـَّيد بـِيـْسـَلـِّـيـْنــا      قصـَصـُو ليــــالينـا

                     لكنْ بـِيـْصيْرو السَّــــهِّيـرَة  يتـْطـَـلـَّعـُو فيــــنا

                     يـْقـُـــولو بو ديـــب      زَوَّد  الـْخـَـبـْــرِيـِّـــة

                     وْبـَيـْني وْبـَيـْنـَكْ يا جدِّي  بـِتـْكـُونْ عَمْ بـِتزيـْدا

                                          شْوَيّ يّ يّ يّ

أبو ديب:            يا بــِنـِتْ بـِنـْـتـِـــي       يا هيفا  بـِنـِتْ  بـِنـْتـِي

                     لـَمـَّا بـِتــْشـُوفــيـنــي زِدْتــا               وَيـْنـِـــــكْ إنـْـتــي

                     عَلى الإنـْسِجـــــام      بـْتـِكـْبـَر الخـَبــريـِّـة

                     تـِبـْقي عـْمِليـلــي إشـــارة        بـِرْجـَع بـْزَغـِّرْهــا

                                          شْوَيّ يّ يّ يّ

                     لـَمـَّا بــْزيـْدا شـو؟

هيفاء:                                          إشــــــــارة      

أبو ديب:            لـَمـَّا بــْزيـْدا شـو؟

هيفاء:                                          إشــــــــارة      

 

اتفاق مهم بين أبي ديب وهيفاء سيضمن له تنبيهها إيـَّاه همساً في السهرات فيعالج رواياته بسرعة وحنكة متلافياً شك البعض وتلميحاتهم أو سخريتهم. بقي أن يمتحنها بالأمثلة:

أبو ديب:            شفتي مـَطـْرَحْ ما قـُوَّسـْت السـَّبْع؟

هيفاء:               جــــــدِّي!! وينْ بـَعـْد في سـْباع؟

أبو ديب:            هـُوِّي سبع قدّ الضـَّبْع

شفتي مـَطـْرَحْ ما كـْمـَشـْت التـِّمساح؟

هيفاء:               جدِّي!! الحرش مش نهر الأمازون!!

أبو ديب:            حـِربايــِة قـَدّ التـِّمساح

هيفاء:               آ آ آ آه

أبو ديب:            على الصـَّيْد آه

هيفاء:               عَ الـِحـْجـال

أبو ديب:            آه

هيفاء:               عَ التـِّرْغـَلّ

أبو ديب:            آه

هيفاء:               عَلى السـَّبْع وْ عَ التـِّمـْساح

أبو ديب:            آه آه

هيفاء مداعِبة:        وْآ آ آ آ آه. إنـْتَ وْراجـِعْ ما مـَعـَكْ شـي وْخـِلـْقـَكْ طالـِعْ

أبو ديب:            هايْدي آه آه آخ

هيفاء:               وْقصص الصـَّيـْد      وحـْكايات الصـَّيْد

أبو ديب:            أه يا هيـْفــــا شو حلو الصـَّيْد

هيفاء:                            وْ أه يا جدي شو حلو الصـَّيْد

هيفاء وأبو ديب:            شو حلو الصـَّيــــــــــــــــــْد.

 

إلى طرف الساحة المواجهة لدكان (أبو ديب) القريبة من الحدود ونقطة العبور من دولة (ميدا) إلى الدولة المجاورة وصل جودت وحلمي يرافقان الأمبراطور الهارب من ملاحقة جماعة الإنقلابيين فيجري بينهم همساً حديثٌ جانبي قبل أن يقترب جودت بمفرده من أبي ديب، صاحب الدكانة وصديق جودت

جودت:       يا مـَولانا الأمبراطور وْصـِلـْنا. هـايدي هـِيـِّي الدِّكانة اللـِّي مُمكِن تـِتـْخـَبـَّا فـِيـَّا. قـَريبـِة مـْن الحـْدود. وإذا صار في خطر بـْـلـَحـْظة بـِتـْغادِر.

الأمبراطور:   أنتو أمينين مـِنْ أصـْحابا؟؟

جودت:              جـِداً. وْأصـْلاً مـُشْ رح يعرْفوك.

              واسـْمـَحـْلي يا مولانا إتـْجـَرَّأ وْقـُولْ: ضـَروري تـْغـَيـِّر شـَكـْلـَكْ. تـِتـْنـَكـَّرْ. واللـِّحـْيـِة الأمبراطورية تـِحـْلـِقا

الأمبراطور باحتجاج: كيف؟؟!! أمبراطور بـَلا لـِحـْيِة؟!!

جودت:       الـْمـُهم يسـْلـَم راس الأمبراطور الـْلـِّحـْيـِة بـْتـِرْجـَعْ بـْتـِطـْلـَع وْبــِتـْفـَيـِّي علىَ الدولة مـِتـِلْ شجـَر الكافور

حلمي:        وهايـْدي تـَذكـَرِةْ هَوِيـِّة بـْإسـِمْ بـَرْهـُوم

الأمبراطور بحزن:    صار إسـْمي بـَرهوم؟؟!!

جودت:       مـْوَقــَّتاً يا مـَوْلانا. لـَحتى يـْكونوا أنـْصارْكـُن استرْجـَعـُوا الحكم وْنحـْنا دايْماً رَح نـْضلّ على إتـِّصال فيكـُن

الأمبراطور بألم:      استـِلـْمو المـَشـْلـَح

جودت:       يا حلمي. بـْتاخـُد المـَشـْلـَح الأمبراطوري وبـْتـِرْمـِيْه عَ الحـْدود حتى يـْظنـُّو إنو الأميراطور غادر البلاد

الأمبراطور:   يالله ياحلـْمي عـَجـِّل، انـْتـِبـِه، الدِّنـْيي كـِلا َّ عـْيون. وْألله يـْقـَدِّرْنا نـِتـْلاقى.

 

وقبل أن يغادر حلمي المكان يعطي للأمبراطور شالاً وقبعة ونظارة ويأخذ المشلح الأمبراطوري وقد أخفاه في كيس دفعاً للشبهات ويتوجه متسللاً إلى نقطة العبور تنفيذاً لأوامر سيده الضابط جودت، أمين سر الأمبراطور ومرافقه الدائم الذي يتقدم بخطى جادة إلى الدكان يحيـِّي صديقه الذي كان على وشك أن يغادره إلى الصيد (مـَرْحـَبا يا أبو ديب) فيرحِّب (أهلا أهلا سيـِّدْ جودت) ولأهمية الحدث القصوى لا يكترث جودت بسؤال أبي ديب (وَينكْ مـُشْ عم نـْشوفـَكْ بالصـَّيـْد؟) بل يتجاوزه فوراً إلى القصة التي اخترعها تغطية للواقع متأكداً من سلامة خطته وضامناً المأمن:

جودت:              عـِنـَّا قـَضـِيـِّة وْ قاصـْدينـَك

أبو ديب:     قـُولْ

جودت:              أخـُونا برهـُوم عامـِلْ مـَشـْكـَلْ، ضاربْ مـَرتـُو

أبو ديب:     بـَعدْ في رْجـال بـْتـِضـْرُبْ نسـْوان؟؟!!

جودت:              أخـُونا برهـُوم

أبو ديب:     كنـْت حـِسـَّبـْت النِسـْوان صارت تضـْرُب الرّجال

جودت:              وْ قامتْ إمـَّا عـَلـَّمـِتا تشتكي عـْلـَيه وتـْقول سَرَقـْلا صيغـِتا

أبو ديب:     يضـْرُب إمـَّا

جودت:              ضـَرَبا

أبو ديب:     عـَفارِمْ

جودت:              بـَدْنا نـْخَبـِّيه كم يوم عنـْدَكْ تـَ نـْقـَطـَّعـْلو مشـْكلـْتـُو

أبو ديب:     ضاربْ مرْتـُو وْحَماتو أهلا وْسهـْلا فيه

 

لم يستمع الأمبراطور إلى حديث جودت وأبي ديب ولم يعرف حجـَّة جودت التي جعلت أبا ديب يوافق على استقباله، وقبل أن يهمَّ جودت بالمغادرة همس الأمبراطور في أذنه (اْعـْرُض عَ أبو ديب مصاري)

جودت:       يا أبو ديب، يمكن أخونا برهوم يـِحـْتاج إشيا من عـَنـْدَك، خـَلـِّي مـَعـَك هالـْمـَبـْلـَغ

أبو ديب:     شو هالـْحـَكي يا سيـِّدْ جودت. أنا ما بـَدي مصاري

              يسّ انـْشالله أخونا بَرْهوم يتـْسـَلا َّ عنـَّا وْما يضـْجـَر

جودت:       ما بـَدي وَصـِّيـْكـُنْ فيه. أنا رايـِحْ وبـْأقـْرب فرصة بـْطِلّ عـْلـَيـْكـُن. بـَلـْكي بتـْكون المـَشـْكل تـْقـَطـَّعـِتْ وْسـَحـَبـُو الدعـْوى. بـْخاطرْكـُن.

أبو ديب:     ألله مـَعـَكْ

 

يغادر جودت المكان تاركاً برهوم ومُطمئِنـَّاً عليه في منـْأى عن عيون الحكومة الانقلابية ومسرعاً لاستبيان تطور الأمور وحال الحكم الجديد ورجاله. أما الأمبراطور فقد بدأ يؤقلم نفسه مع الحالة الجديدة والهوية الجديدة ساعياً لأمنه واستبعاد فرصة اعتقاله من قبل الانقلابيين.

برهوم:        انـْشالله بـْتخـْلـَص مشـْكلـْتي وبـْكافيكـُنْ

هيفاء:        شو هالـْحـَكي!! النـَّاس لـَبـَعـْضا              أهلا وْسهلا فيك.

بـَدنا تـِتـْصالـَح انتَ وْ مـَرْتـَك وْما تـْعـُود تضـْربا مـَرَّة تانـْية.

 

يتدخـَّل أبو ديب استغلالاً للفرصة التي لا بد له فيها من التعبير عن شيء ما يميـِّزه (الـْمَرا متـْل السـِجـَّادة. من مرَّة لـَمـَرَّة لازمـْلا تنفيض) فيضحك برهوم وتضحك هيفا التي تعلم يقيناً بأن جدَّها لا يفعل ما يقوله ادِّعاءً، وتسأله على سبيل المرح (إنـْتَ بـْتضـْرُب ستـِّي شي؟)

أبو ديب:     مـِن زَمان ضـَرَبـْتا مـَرَّة وَحـْدِة وْما عـِدتا

هيفاء:        انـْدِمِتْ ياجدِّي؟

أبو ديب:     مش هـَيـْك. لكنْ ستـِّك متل ما بـْتـَعرْفي إخت الرْجال لمـَّا ضـَرَبـْتا استناوَلـِتْ عَصا سـَفـَقـِتـْني كـَسَرتـْلي إيـْدي!!

برهوم:        روحـَكْ حلـْوِة يا بو ديب. بقـْدُرْ فوت غـَيـِّر تـْيابي؟

أبو ديب:     فـُوتْ حـْلـُق وْغـَيـِّر تـْيابـَك حتى ما يـْعود حدا يـَعـِرْفـَك

هيفاء همساً:  وَك ياجدِّي. حـَدّنا في مـَخـْفـَر والشاويش بيضـَلـُّو عنا. قـَوْلـَك بـْيـَعرْفو شي؟؟

أبو ديب:     حـِطـِّي بالـْخرِج. أيمتى الشاويش عِرف شي. وإذا سأل قـِـلـِّيلـُو بـْيشـْتـِغل عنا بالدكان. يالله أنا رايح عَ الصيد

 

يغادر أبو ديب دكانه دون اكتراث بالحالة الراهنة التي تشغل الناس متوجهاً إلى حرج يتاخم السهل الواقع عند أراضي الحدود وقد ارتدى سترة الصيد التي تشبه بقماشها ولونها وحياكتها سترات المقاتلين واعتمر خوذة واقية ولفَّ حول خصره مخزن الطلقات وعلـَّق في كتفه الأيمن (الجربندية) ومشى والسيجارة في يسراه بينما ألصق ساعده الأيمن بصدره ماسكاً بكفه قشاط البندقية المعلقة في كتفه الأيمن وراح يدندن مسلـِّياً نفسه ريثما يصل إلى المكان الذي تتجمع فيه عصافير السمـُّن آملاً ألا يعود إلى البيت خاوي الوِفاض.

صيد الطيور هواية يتمتع بها أبناء السهول والجرد على حد سواء وهم يمارسونها كرياضة أكثر ما يعتمدون على قيمة صيدهم. يتعلق هواة الصيد بطرائدهم ويعشقون الهاربة فيودعونها على أمل اللقاء وتنشأ صداقة بينهم وبين أسرابها فتّتسم المطاردة بروح المداعبة ولا يأسف الصياد الشهم إن تمكن الطير من النجاة من طلقاته القاتلة بل يكبر بعينه ولكنه يتوعده بطلقات أخرى أكثر تركيزاً.

الصياد في شخصية أبي ديب لا يختلف كثيراً عنه في شخصية المختار في مسرحية (بياع الخواتم). كلاهما هاويان ورياضيان يستمتعان بممارسة الصيد مداعبة للعصافير لا قتلاً لها. وعند كليهما ذات الرؤية الجمالية للطبيعة والطقس والطيور الفرحة بحريتها والتي تجعلنا نستمتع بمنظرها البديع وتغريدها أكثر ما نتلذذ بالتهام لحمها!

 

وريثما ينتهي برهوم من حلاقة ذقنه وتغيير ملابسه تقوم الصبية هيفاء بترتيب الدكان والبضاعة وهي تغني أولى أغنياتها منفردة بعد مقدمة موسيقية قصيرة ناعمة

هيفاء:               يا رايح عَ كـْفـَرْحـــالا          مـْرُق بـْسـُوق الـْعـِنــَّاب

                     في بنـْت بـْتـِنـْسى حالا        هِيـِّي وْعـَلى هاك الباب

                     خـَبـِّرْنا كيف حـْـــوالا          يا رايـح عَ كـْــــفـَرْحالا

                     عَ شـْمالـَك في دِكـَّـــانـِة               بـِتـْبـِيـْع مـْغازلْ صـُوفْ

                     وْبـِنـْت بـْتقـْعـُد سهـْيانـِة        بـْتنـْطر تـَ يْجيها ضْيوف

                     حلـْوِة والـْخصـْر بـْيلـْوي        وْ ما بـْتـَعرف إنـَّا حلـْوة

                     لا تـْفـَوِّقـْها عـَلى حـــالا        بلكــي شـْغـَلـْتـلا بـــــالا

                     يا رايح عَ كـْفـَرْحـــالا..

                     بـْتـَعْرفـْها من عـَيـْنـَيـْها         الـْ بيـْضـَلـُّوا تـَعـْبانيـــن

                     وْ تـِتـْطـَلـــَّع عَ إيــدَيـْها         وْعَ خـْواتمـْها الحلـْويـن

                     قـَرِّبْ خـَبـِّرهـــا عـَنـِّي          بَــلـْكي زعـْلانـــة منـي

                     وسـْرقـْـلي وانـْت قبـالا         خـَيْط زغـَيـَّر منْ شـالا

                     يا رايح عَ كـْفـَرْحـــالا..

                     / وانْ كانْ حالتـْها حالـِهْ      وْعَ ريفا شفـْت دمــــوع

                     قـلـــْلا عَينيـها بـْبـــــالي         وْهـَمـَّا بـْ وجـِّي مَزْروع / (2)

                     / وْتحْرقني هاك الضِّحْكِة    الـْ بَدَّا تحْكي وْ مابْتِحْكي / (2)

                     يا خـــَوفي يـْميل خـْيـــالا       والبـُعـْـد يغـَيـِّــر حـــالا

                     يا رايح عَ كـْفـَرْحـــالا..

 

بانتهاء هذه الأغنية الناعمة المختلفة في قالبها عن الأغاني التقليدية (وهي من مقام بيات) والتي أبتدعت قريتــَها (كفرحالا) مخيلة الأخوين رحباني كما فعلت في مسرحيات أخرى، ينتهي الأمبراطور من ترتيب أمور مظهره المتنكِّر في شخصية برهوم ويخرج إلى باحة الدكان فتلقي هيفاء عليه نظرة وابتسامة لتأكيد الترحيب قائلة (هَيـْك عال. مـَرتـَكْ ولـَو شافـِتـَككْ ما بقى رَح تـَعِرْفـَكْ).

 

يجلس برهوم على كرسي صغير من القش مواجـَهة شمس خريفية دافئة ظهرت أشعتُها منذ ساعة من الزمن من خلف الجبل الشرقي حاملة معها للناس آمالاً ممزوجة بالترقُّب. فلا أحدَ يضمن عهداً انقلابياً جديداً أطاح بحكومة امبراطور لم يكونوا راضين بحكمه أو مقتنعين. أما برهوم فقد عمل جهده على إخفاء قلقه وتوتره تجنباً لاحتمال فضح أمره وراح يراقب الوضع عن كثب من خلال ردود أفعال أهل الدكان وزبائنه وغيرهم وعلامات الشرود تبدو على وجهه بين الفينة والأخرى.

مخفر الحدود يختلف عن مخافر الداخل نظراً لأهمية وخصوصية المكان ونوعية السكان والقاطنين في المناطق الحدودية، ولكن القاسم المشترك بين جميع المخافر وطواقمها هو الالتزام المطلق بالأوامر الصادرة من الهيئات العليا واستبعاد حالات التمرد والعصيان التي قد تـُودي بالمتورطين بها إلى التهلكة!

 

الحالة السياسية والأمنية بعد الإعلان عن الإنقلاب عبر "محطة إذاعة ميدا" تتطلب الاستنفار الفوري التام لدوريات المخفر. وهاهي الدورية بقيادة الشاويش (عبـُّود أفندي) تقترب على لحن مارش عسكري إلى باحة الدكان، النقطة المثيرة بالنسبة لمخفر الحدود، وهي تتلقى الأوامر التي يؤديها الشاويش مـُلـَحـَّنة على نغمة المارش ويقوم أفرادها بلصق صور الأمبراطور المخلوع الهارب بمشلحه وتاجه وقد كـُتبت عليها كلمة "مطلوب":

الشاويش:     يالله ياعـَسْكرية        الأوامر أوامر

              مين ما عـَطانا ياها   السـَّلام حاضر

              راح ناس وْإجا ناس          عـَطـْيونا أوامــــر

                                         ضـَرَبـْنا سـَـــــلام

              قالْ رُوحـُو فـَتــّشو

لا عَ سارقْ طـَنـْجـَرة   وْلا عَ ســــارقْ مـَنـْجـَـرَة

عَـلى أمبـراطـــــــــور            ســـــــارقْ دَولــِة

بـِطرْقـاتـا       والـْتـِزاماتا     

بـِبـْوابـيرا وْ طـَيـَّاراتـا

بـِمـَواسـِمـْها وْخـَيـْراتا

وْكل ما كـِبـْرِت الشـَّخصية    بـْتـِكـْبـَر السـِّرْقـَـة

يا حـَسِرْتي عَ الفــَقيـر

نحنا إذا تـْبــــَـرْطـَلـْنـا           بـْأبـو خمـْسين ورْقــة:

تـَفـْـتيـش تـَفـْـتيـش تـَفـْـتيــش     هـَوِيـَّـاتْ هـَوِيـَّـاتْ هـَوِيـَّـاتْ

تـَفـْـتيـش تـَفـْـتيـش تـَفـْـتيــش     هـَوِيـَّـاتْ هـَوِيـَّـاتْ هـَوِيـَّـاتْ

 

للشاويش مآرب في البحث عن الأمبراطور تتعدّى المهمة الأمنية المتعلقة بوظيفته والتي، إن نجح بالقبض عليه، بصفته شاويش المخفر، لن تـُجْديه نفعاً يتجاوز الثـَّناء على القيام بالمهمة والواجب الوطني. فالجائزة المُعلن تحديدها بـِمائة ألف ليرة قد تكون من نصيبه بصفته المدنية. فلمَ لا يبحث عنه فيجده ويقوم بتسليمه؟؟

يقترب الشاويش من برهوم الذي لم يره من قبل في دكان أبي ديب. وبلهجة عسكرية يطلب منه إثبات الشخصية (هات تـِذكـِرْتـَكْ تـَ شـُوف) ودونما تردُّدٍ يقدّم الأمبراطور تذكرته فيقرأ الشاويش:

الشاويش:     إسمك برهوم.         شو بـْتـِشـْتغـِل يا برهوم؟

برهوم:        جايي جـْديد إشـْتـغـِل بـِهالدكان

 

وخشية ارتباك الضيف العزيز تبادر هيفاء بالجواب عنه (بـِيـْساعـِدْنا. بـِيـْغـَسـِّل صـْحون)

الشاويش:     خـْطـَيّ عـْلـَيْكـُن هـَيْئـْتو مـُشْ مـْعـَوَّدْ

              إيْدَيه ناعـْمين. بـُكرا بـْيـتـْجلــَّفـُوا عَ الـْجـَلي والصـَّابون

              كـَ بَرهوم بـْ تِسمَع منـِّي.

برهوم:        شو؟

الشاويش:     عـَوَض ما قاعِدْ تـِتـْشـَمـَّسْ

قوم روح بَصـْبـِصْ.. قوم روح فـَتـِّشْ.. روح تـْجـّسـَّس

بـَلـْكي بـْتـَعـْرِف وَين الأمبراطور       بـِتـْدِلـّنا عـْلـَيـْه،

مـْنـِقـْبـَض الجايزِة.. مـْنـِتـْقاسـَما نحـْنا ويـَّاك.

ومـْنـَعمـِلْ مـَزْرَعـْة دْجاج.

نحـْنا مـْنِشـْلـَحْ هالـْبـَدْلـِة وْإنت بـْتتـْرُك هالشـَّغـْلـِة..

صيصان فـْراريج وْبـَيـْض     بق بق بق بق بق بق بق بق بق

تـَفـْـتيـش تـَفـْـتيـش تـَفـْـتيــش

بـَدَّا تظبـَط. بدِّي فـَتـِّشْ مين ما كان حتى تظبـَط.

 

ليس الإنقلاب ما أثار غضب الشاويش، كان الأمر بالنسبة إليه سـَيَّان. ما يهمه هو حالته المعاشية السيئة والتي لا بد له من تحيـُّن الفرص للخروج منها. وهاهي فرصة ذهبية تأتي إليه. ولمَ لا وهو الشاويش الذي يستطيع طلب التحقُّق من هويات المارة والآمنين في منازلهم دون عتب أو مَلامة من أحد. وقد ينجح في مسعاه ويحظى بمدجنة كالتي امتلأت بها المزارع وامتلكها موظفون وضباط وسياسيون أيضاً فانتقلوا بفضل ربحها الوفير إلى الشرائح الثرية في المجتمع.

يتوجه الشاويش بهيئته العسكرية الإرهابية إلى أفراد دوريته (تـَذاكرْكـُنْ!! تـَذاكرْكـُنْ!! بـَلـْكي قاعدْ بـِحدا منـْكـُن) فتمتد الأيدي إلى الجيوب ساحبة تذاكر الشخصية التي يتفحَّصها الشاويش صوراً وأسماء وبيانات أخرى ويخلص إلى (مُشْ إنتـُو) ثم يصل إلى هيفا، وبالرغم من معرفته الأكيدة بها إلا أنه أصرَّ على التحقق بطريقة أثارت الضحك (تذكرتـِكْ!) فتبدي الفتاة استغرابها

هيفا:         أنا مش رجـَّال!

الشاويش:     ما بفـْهـَم. تذكرتـِكْ!

هيفا محتجة:  شو قصـّتـّك يا عبود أفندي. هـِه!!   تـْفـَضـَّل

 

وبعد قراءة بيانات تذكرة هيفاء يعيدها الشاويش إليها. ولم يبق إلاه. فيصرخ لنفسه (تذكرتـِكْ!) ويأخذ تذكرته من جيبه فيحملق فيها ثم يقول وقد فقد الأمل كلـَّه بالجائزة:

الشاويش:     وْ مشْ أنا الأمبراطور!

              لو إطـْلـَعْ أنا كِنـْت بقـْبـُض عَ حالي وبـْسـَلـِّمْ حالي

              بـْيـِقـْبـَضو الجايزة وْلادي

              بـْيـِتـْعـَلـَّمـُو وْ بـِيـْعـيشـُو.

هيفا:         حاجْ محـْتـَدّ يا عبود أفندي. قلـّنـا شو أخبار السياسة؟

الشاويش:     أنا ما بفـْهـَم بالسياسة. أنا زَلـْمِة البـَدْلـِة

هيفا:         بيـْقـُولْ الراديو راقِت!

الشاويش:     الراديو بـْيـِحـْكي عَ ذوقو. أنا عسكري وْبـَعـْرِفْ.

              يبـْقى الراديو عـَم بيذيع أنـُّو الحالـِة رايـْقـَة والحجار نازْلـِة عَلـَيـْنا متـْل الشـِّتي!

 

الأمبراطور الذي شاهد من وراء نظارته الداكنةِ العدستين واستمع إلى حوار هيفاء والشاويش وجدها فرصة سانحة لمعرفة الحال بلسان موظف رسمي (قـَوْلـَكْ الشـَّعـْب مـْأيـِّد؟)

الشاويش:     شي هَيـْك     وْشي هَيـْك

برهوم:        كيف يعـْني؟

الشاويش:     شي مع الإنقلاب     وْشي مع الجايْزِة

 

أراد الشاويش بهذا أن يفيد بأن أولئك الذين ليسوا من مؤيدي الانقلاب ليسوا بالضرورة ضده

برهوم:        والأمبراطور ماإلـُو حزْب؟

الشاويش:     كـَبـَّروا الجايـْزِة صارتْ أكبـَر من حزب الأمبراطور.

              وَظـَّفـُوا النـَّاس جـْواسيس بـْ بـَلاش.

 

ويتابع بلهجة تهكـُّميـَّة ساخراً من كل شيء، طالما أن حالته بقيت على ما هي عليه من بؤس، مشيراً بيده إلى صورة الأمبراطور التي ذيـِّلـَتْ بكلمة "مطلوب" (كِلـُّن صار بـَدُّن راس الأخ!)

برهوم:        بـَدُّن الجايـْزِة الكبْرى

الشاويش:            والجايـْزِة أمبراطور

هيفا:         وْفي جوائز تـَرضـِيـِة؟

الشاويش:            أربَع نـُواب وْوَزير

هيفا بسخرية:  وْكل ورْقـَة بـْتـِنـْتـِهي بـْرَقم خمـْسة؟

الشاويش:            بـْتـِرْبَحْ مـُدير عامّ

 

لا يخلو هذا الحوار القصير من التلميحات إلى الصفقات التي اعتاد الانقلابيون إبرامها مع من يرضى بالتحالف معهم وفق شروطهم كأصحاب حقٍّ في إدارة الشؤون طالما أنهم المبادرون إلى الحركة فيتجنب الحلفاء الاضطرار إلى الوقوف في صفِّ المعارضة والتعرُّض للملاحقة والسـَّجْن، ويتمتعون بمكتسبات (أربَع نـُواب وْوَزير) و(مـُدير عامّ) وسمعة طيبة في جبهة الحكم!. ويعقب هذا ما سنراه في المشهد التالي، حيث يهبُّ المتحالفون إلى العمل على إظهار الجماهير وقد حركتها (المشاعر الوطنية) فنزلت إلى الشارع في مسيرات تأييد للعهد الجديد وشخوصه تصرخ بأعلى صوتها (يعيش يعيش).

 

باتجاه الدكان والمقهى تقترب جماهير زاحفة وقد دبَّ الحماس برجالها ونسائها فسارت تجوب الشوارع معبرة عن فرحتها ومُطلقة شعارات التأييد للحكومة الجديدة ومعلنة الولاء التام للقيادة الحكيمة وسياستها الوطنية والشعبية. تصل إلى المسامع أصوات الأهازيج فيسأل الأمبراطور مستغرباً (شو هايـْدا؟) فتجيبه هيفا (هايـْدا وَفــْد، كانوا عَم يـْهـَنـُّو لِلعهد الجديد). ولا يتأخر الشاويش وعناصر دوريته المستعدة بالاستنفار لاستقبال الوفد وتفتيش من يجب الانتباه منه وتسهيل حركة المسيرة، على الرغم من معرفته التامة بحيثيات مسيرات من هذا القبيل، فيلتفت إلى جماعته مطالباً إياهم بالتصرف:

الشاويش:     وَفـدْ وَفـدْ جايي وَفـدْ          حاجز تنـْبيش وْ تفـْتـِيش

هيفا:                وَفـدْ وَفـدْ جايي وَفـدْ          جـِبـْنـِة لـَبـْنـِة سـَنـِدْويش              

الشاويش:     وَفـدْ وَفـدْ جايي وَفـدْ          فرودِة مْصادَرة تكـْمـِيش

هيفا:                وَفـدْ وَفـدْ جايي وَفـدْ          بـَيْـع وْدَفــْع وْبـَخاشـِيش       

أفراد الدورية:         انـْتـِبْهي

هيفا:                       انـْتـِبْهـو

أفراد الدورية:         انـْتـِبْهي

هيفا:                       انـْتـِبْهـو

الشاويش:     فـَتـّشـُو. نـَبـّشـُو       

وْقــَفـُو حاجز متـْــل النـَّـار

       بـَلـْكـِي حـَدا مـْخـَبـِّي سـْلاح     بالـْجاكـــيـْتة بالــزِّنـَّـــــار

أفراد الدورية:         واللـِّي سـْلاحـُو ظاهـِرْ         ياجـَنـاب الشـَّـــــاويـــش؟

الشاويش:     إللـِّي سـْــلاحـُو ظاهـِرْ         ما بـَـــدُّو تـفــــْتــِيـــْـــــش

       وَفـدْ وَفـدْ جـــايي وَفـدْ         تلاتْ عَسـْكـَرِيـِّة وشاويش

هيفا:                وَفـدْ وَفـدْ جـــايي وَفـدْ         وْمـِنـْدَبـِّرْلـُنْ مـَناقـِيــــْش

 

تصل المـُسـَيـَّرة إلى الباحة وعلى رأسها رجلٌ محمولٌ على الأكتاف، يُدْعى (كريم)، يردد الشعارات ويردد خلفه المُسـَيـَّرون فيما تـُرفـْرِف الأعلام الصغيرة وتتموّج الأعلام الكبيرة واللافتات التي خـُطـَّت عليها عبارات التأييد والمباركة والإشادة بحكمة قادة الانقلاب ونزاهتهم والإعراب عن الفرح الجماهيري بـ (النعمة) التي حلـَّـت على الناس في وجوه الانقلابيين. وقد انتشر بين المتظاهرين عددٌ من الرجال حاملي السلاح من ذوي الشوارب المدلاة على جانبي الشفتين:

كريم:                ياه ياه ياه ياه

المتظاهرون:                يا يـَعـِيــــْش

كريم:                يـَعـِيـْش وْ يا

المتظاهرون:                يا يـَعـِيــــْش

كريم:                زَعيـْمـِنـــــا

المتظاهرون:                يا يـَعـِيــــْش

كريم:                حـَبيـْبـِنـــــا

المتظاهرون:                يا يـَعـِيــــْش

كريم:                والوزرا والنـُّواب        وْجـَماعـِة الإنقـِلاب

                     والدَّوريـِّة والشـَّاويش

                     وْيـَعـِيـْش وْ يا

المتظاهرون:                يا يـَعـِيــــْش

الشاويش:            افـْهـَمـُو شـْوَيـِّه في تفـْتيـْش

كريم:                ياه ياه ياه ياه

المتظاهرون:                يا يـَعـِيــــْش

الشاويش:            في تفـْتيـْش وْفي تنـْبـِيـشْ

كريم:                يـَعـِيـْش وْيا

المتظاهرون:                يا يـَعـِيــــْش

الشاويش:            اوقـَفو شـَويـِّة رُوقو شـْوَيـِّه     افـْهـَمـُو عـْلـَيـِّي في تفـْتيـْش

كريم:                       عـَلى شـُو يا أفـَندي؟

الشاويش:            عـَلى شو؟؟ عَ السلاح

كريم:                       قـَطـَعـْتـِلـِّي قـَلـْبي افـْتـَكـَرنا في شي

الشاويش:            ليش مـَعـْكـُنْ غير شي؟؟

كريم:                       أبـَداً وحـْياتـَكْ. شـْوَيـِّـة فـْرُودِة وشـْوَيـِّة رَشـَـَّاشـــات

                           نحنا مُشْ جايين نـْحارب      عَمِّ نـْأيـِّد الـِحـْكـُومـِة

هيفا:                يا عبـُّود أفنـْدي إذا الـِحـْكـُومـِة

ما حـَدا غـَريبْ. إنـْتَ ضـِدّ الـِحـْكـُومـِة؟

الشاويش:            أنـا؟؟

                     أبـَداً. غـَيـْر الـِحـْكـُومـِة ما فيشْ

                     يـَعيش ويا

كريم وهيفاء والشاويش:             يا يـَعـِيــــْش

                           يابا يابا يابا أوف

 

وسرعان ما تتحول المـُسـَيـَّرة إلى احتفال شعبي يشترك في فرحه النساء والرجال وجماعة الشاويش وتـُعقـَد حلقات الدبكة يتوسَّطـُها راقصون وراقصات بينما يتزايد الهتاف لجماعة الانقلاب وللمخفر - جهازِ أمنه برئاسة الشاويش المخلص!

الحالة هذه بعثت الحيوية والسرور لدى هيفاء التي أسرعت تقدم السندويش والمشروبات للزبائن يساعدها في ذلك برهوم دون تردُّد مُظهراً بهجته وكأنه سعيدٌ بخلع الأمبراطور عن الحكم.

هيفا:                أرْضـَكْ غـَنـِّيـِّة

المجموعة:                  ما شـا اللـــــــــــَّـــــــــــه

هيفا:                بـْيـُوتـَكْ رَضـِيـِّة

المجموعة:                  مـِـــــنَ اللـــــــــــَّــــــــــه

هيفا:                وْعَ جـْبالـَكْ العزّ       رايـِة عـَـلِـيـِّة

المجموعة:                  عـافـى اللـــــــــــَّـــــــــــه

مجموعة الفتيات:     ياشــاويش الكـَرَكــــــُونْ وَحـْياتـَكْ لا تـْأخـِّرْنا

                     أم الأصـْفـَرْ عَ الـْبـَلـْكون       قالـِتْ بــَدَّا تـِنـْطـِرْنـا

                     ياشــاويـش الكـَرَكــــــُونْ الكـَرَكــــــُونْ الكـَرَكــــــُونْ

مجموعة الفتيان:            ياشــاويش الكـَرَكــــــُونْ..

 

اللحن الجميل البسيط المرافق لهذه الأهزوجة وللدبكة القصيرة المصاحبة يذكرنا تماماً بأهازيج أفراح انتصارات المقاتلين أو الفائزين في الانتخابات أو الاحتفالات الوطنية خاصة باستخدامه للزَّمْر والمُجْوِز والرّق وإضافة التصفيق الإيقاعي وخبطات الأرجل وهمهمة الفتيان وزلاغيط الفتيات مؤثـِراتٍ صوتية طبيعية وتتدخل المطربة الكبيرة فيروز لتضفي على الأغنية وعلى المكان جمالاً وعذوبة وتوافقاً مع متطلبات المشهد، الذي نسي فيه المرتزقة أنهم جاؤوا ليحيوا مظاهرة مـُلفـَّقة وأنهم مأجورون ومشاعرُهم تفتقر إلى الصـِّدق وكذلك نسي الأهالي المنضـَمـُّون إلى المسيرة أنهم ليسوا بالضرورة من المؤيدين لحكومة الانقلاب فشدَّهم إلى الجو البهيج شيء آخر عنوانُه حبُّ الفرح والسلام وعشق الطبيعة والجمال والفن الشعبي.

قصد الأخوان رحباني من لحن وكلمات هذه الأغنية وعبر هذا المشهد الاحتفالي تسليط الضوء على حقيقة تتعلّق بظاهرة برزت في تلك الأيام في الدولتين الملمَّح إليهما عبر (ميدا) وجارتها المتاخمة لمنطقة (دكان مخفر الحدود).. ولا يتّسع المجال هنا للخوض في هذه الظاهرة إنما نكتفي بالإشارة إلى أن اللون المميز لعلمِ جماعة سياسية جديدة على الساحة آنذاك هو الأصفر المقصود بعبارة (أم الأصـْفـَرْ عَ الـْبـَلـْكون   قالـِتْ بــَدَّا تـِنـْطـِرْنـا).. وقد لقيت هذه الجماعة تأييداً من انقلابيّي (دولة ميدا). ولم تكن هذه الإشارة الرحبانية الأولى أو الأخيرة فقد سبقتها تلميحاتٌ وتلتها أخرى في جميع المسرحيات ذاتُ مغازٍ سياسية واجتماعية.

هيفاء:        رَدِّتْ رَدِّتْ قـَمـْطـِتـْهـــا         عَ الـْغـرَّة الـْعـَســَليــِّـة

              والشـَّوْق اللـِّي بـْلـَفـْتتـْها        مـنْ إيـَّـام الصـَّـيـْـفيـِّـة

المجموعة تردد:             رَدِّتْ رَدِّتْ قـَمـْطـِتـْهـــا...

هيفاء:        وْلـَمـَّـا طارتْ غـِرِّتـْهــا         والْهَـوا لـَوَّحْ جـَبْهـِتـْها

              غـَرَّبـِتـْنا بْجـَوْزْ عـْيـُون 

                                  عـْيـُون عـْيـُون عـْيـُون عـْيـُون

المجموعة:           ياشــاويش الكـَرَكــــــُونْ..

موسيقا

هيفاء:        شــَدِّتْ شــَدِّتْ زِنـَّــــارا          عَ زْهـُور الـْخِصـْر الـْمايــِل

              واليــاقـُوتـِة الـْمحـــْتارة          مـَشـْـكـــــــولـة بالجـــَدايـِـل

المجموعة تردد:             شــَدِّتْ شــَدِّتْ زِنـَّــــارا...

هيفاء:        وْلـَمـَّـا بـْهـــاك الإشـارة         قـِلـْتـِللا بـْحـِبـــِّك يا جـــارة

              قالـِتْ حبـِّي كلـُّو جـْنون

                                  جـْنـون جـْنـون جـْنـون جـْنـون

المجموعة:           ياشــاويش الكـَرَكــــــُونْ..

 

تنهي الأوركسترا الأغنية والدبكة بقفل سريع، وبينما تستمر الأهازيج في الحارات والباحات وتستمر هيفاء بتوضيب الدكان والبضاعة بعد أن حققت مبيعاتـُها أرقاماً كبيرة بفضل المـُسـَيـَّرة، يدخل الشيخ كريم إلى وسط الدكان يستمتع بعد العناء برشفة من القهوة وسيجارة فتستقبله هيفاء، التي تعرفه من مـُسـَيـَّرات سابقة، ويجلس قبالة برهوم والدهشةُ تملأ وجهه وهو يحملق في الوجه المألوف الذي يعتقد بأنه رأى صاحبه في مكان ما لا يتذكـَّره. فيسأله: (دَخـْلـَكْ. نحـْنا مـْنـَعـْرف بعضـْنا شي؟)

برهوم:        يمـْكن تـْقابـَلـْنا

هيفاء:        النـَّاس بـْتـِتـْشابـَه يا شيخ

كريم:         شايـْفـُو. مِدْري وَيْن!

هيفاء:        بـَلـْكـِي هـَون

كريم:         لأ مُشْ هـَون

 

لأمثال الشيخ كريم الطش ذاكرة قوية. هي من مقومات شخصيتهم ومن مستلزمات العمل.

يحكُّ الرجل رأسه تحريضاً لخلايا الذاكرة وهو ينظر بعين إلى الشخص الجالس على كرسيـِّه الصغير ويرحل بالثانية عبر أشعة ثاقبة كادت تحفر أرض الدكان مطرقاً في أسرار دفاتره السميكة وفجأة، وقد ظنَّ نفسه وصل إلى مايريد: (شـِكـْري؟) فيبدي برهوم تبرُّمَه: (لأ) ويتابع كريم تقليب صفحات ذاكرته بسرعة كبيرة:

كريم:         عبدو!

برهوم بغيظ:   لأ

ومع أنه لم يصب فقد استمر على فضوله واثقاً بأنه التقى هذا المرء. إذن فـلـْيوَسـِّعْ الدائرة:

كريم:         من عـِنـْدايا؟

برهوم:               لأ

 

يفكـِّرُ الشيخ: مثيرٌ هذا الشخص ولاءاتُه ليست عادية. لهجته قوية ونبرة أجوبته حادة. من يكون ياترى (طـْلـِعِتْ شي مـَرَّة بالتـِلفزيون؟) فيكرر برهوم (لأ) ويعتذر كريم (لا تـْواخذنا.) وهو رافعاً يمناه إلى رأسه وينحني وهو يغادر وكأنه المخذول. وقبل أن يصل إلى الباب تنفرج أساريرُه فيلتفت ويصرخ بلهجة الفائز فاركاً كفـَّيه الرَّقيقتين ببعضهما ومتصنعاً ابتسامة ارتخى بها فكـُّه السفلي (من شمسيــــــــــن!) فيبقى الأمبراطور على رسميـَّته ويكرر نفس الجواب. عندها يسحب كريم من جيب سترته بطاقة ويقدمها للأمبراطور (خـَلـِّي هالـْبـِطاقـَة مـَعـَكْ) ويخرج متوجهاً إلى الناس المتظاهرين كي يـُكـْملَ معهم مهمته.

 

يلعب دور كريم الطش الفنان ملحم بركات الذي اشترك في العديد من المسرحيات الرحبانية وكان آخرها مسرحية "الربيع السابع" في عام 1981 التي قام فيها بدور البطل (منعم). تأثر ملحم بركات بمدرسة الأخوين عاصي ومنصور إلى أن أصبح ذا شأن في الغناء والتلحين ومازال نجمه ساطعاً في عالم الطرب.

 

برهوم لِهيفاء: مين هالشـَّخص؟. وْأنا بـْيـِتـْهـَيـَّألي شايـْفو!!

هيفاء:        هايـْدا الشـَّيـْخ كـَريم

برهوم:               شو بـْيــِشتـْغـِلْ؟.

هيفاء:        بـِيأيـِّد حـْكومات. هات تـَشـُوف.

تأخذ البطاقة من يد الأمبراطور وتقرأ:

هيفاء:                             الشيخ كريم الطشّ

                                  مظاهرات – تأييد – وفود

مَسيرات شعبية جاهزة وتحت الطـَّلب

برهوم:               عـْرِفـْتـُو عـْرِفـْتـُو. وْ لـَيش سأل عنـِّي بـِهالشـَّكـِلْ؟

هيفاء:        يمكن بـَدُّو يـْقـَيـِّدْلـَك إسـْمـَك بـِشي وفـْد

برهوم:               أنـا؟

هيفاء:        وِبـْيـِدْفـَعـْلـَكْ سـَبـِع لـَيرات، آكلْ شاربْ بسّ التـّهـُوبُر عَ حـْسابـَكْ

برهوم:               بـِيـْكون عـَم يرْبـَحْ من هالشـَّغـْلـِة

هيفاء:        قال لي الشيخ كريم هاك المرَّة إنو الوفد بيـْخـَسـِّرْ مَعـُو

بسّ المسيرة الشعبية بتـْرَبـِّحْ

برهوم:               ومظاهرات الإستنكــــــــار؟!

هيفاء:        هايْدي بتـْخـَسـِّر أكتـَر شي لأنـُّو رِسـْمالا كـْبير وْمش مضْمونة

              فـِيـَّا قـْواس وضـَرْب حْـجار

              وْيمـْكـِنْ يصير تطـْبيش إيدَيـْن وإجـْرَين       

مضطر يـْصـَلـِّحـْلـُن عَ حسـابو

برهوم:               عَ إيـَّام الأمبراطور ما كان في من هالإشـْيا!

هيفاء مستنكرة:       ما كان في!!

الشيخ كريم انْ كانـُّو عـَمـَّرْ بناية.. من إيام الأمبراطور

                     كان مـْعـَلـِّقـْـلـُو صورة قد الحيط

برهوم:               وْهلـَّق صورة مين مـْعـَلـِّقْ؟

هيفاء:        هـَلـَّقْ بـَعـِدْ ما انـْعـَرَف. الـِبـْراويز جاهْزِة.

              ناطـْرين الرَّاديو تـَ يـْسـَمـِّي حدا. الصـُّورة قوام بـْتتـْكـَبـَّرْ

برهوم:               هـَيـْئتـِكْ من حزب الإنقلاب!!

هيفاء بـِحدة:  أنا من حزب الدِّكان

              اعـْمـِل معـْروف ناولـْني هالسـَّـلـِّة. وْ بـَلا ما نـِحـْكي سْياسـِة!

 

وتتناول هيفاء المنهمكة بعملها السلـَّة من الأمبراطور الذي يقدمها إليها دون أن يتمكن من إخفاء امتعاضه واستغرابه لهجة هيفاء التي تداركت الأمر الناجم عن عفويتها وعن كونها ليست مقتنعة بالدفاع عن الأمبراطور كما أنها ليست معنية بتأييد الإنقلاب. وتعتذر:

هيفاء:               دَخيـْلـَكْ لا تـْواخذني. كـِبـَّرْتـِلـَّكْ بالـْحـَكـِي.

                     نـْسـِيـْت إنـَّكْ ضـَيـْف وْمـُشْ مـُسـْتـَخـْدَم.

                     مشـْكـِلـْتـَكْ إنـْت وْمـَرْتـَكْ.      أنـا كـَتـِّيـْرِة حـَكـِي!!

برهوم:                      لا يا هيفا. أنا مبـْسوط مـنـِّـكْ

هيفاء:               بالشـَّرَفْ؟

برهوم:                      عـَجَبـِتـْني صـَراحـْتـِكْ

هيفاء:               فإذن. قوم احـْمـِل لي هالسـِّحـَّارَة

 

لا يتردد الأمبراطور برفع سحـَّارة الخضرة وإدخالها إلى الدكان الذي بدأ يشعر بخصوصيته ويرى فيه المسرح الذي يعرض حياة الناس وهمومهم وتفكيرهم وعلاقاتهم ببعض وبالسلطة ونوعياتهم المكوِّنة للمجتمع الذي كان سيـِّداً له منذ أيام دون أن يرى شيئاً مما يراه الآن.

 

في هذه المسرحية بالذات برزت القدرة الكبيرة للفنانة فيروز على التمثيل أكثر مما كانت عليه في مسرحياتها السابقة، دون أن نغفل بالطبع دورها الرائع في مسرحية "بياع الخواتم" وأدوارها الأخرى في المسرح والسينما. وسنرى فيروز الممثلة إلى جانب فيروز المطربة في المسرحيات اللاحقة بكامل التألق والبراعة. جدير بالذكر أن القيادة اللبنانية منحت السيدة فيروز في هذا العام (1970) وسام (لقب من رتبة ضابط).

ننتقل بعد المشهد الكوميدي إلى المقهى المحاذي للدكان وقد تجمَّع فوق كراسيه وخلف طاولاته المتواضعة أناسٌ متنوِّعون عبـَّرت عن تحزُّبهم شواربـُهم المتجهة إلى الأعلى أو إلى الأسفل، يقرأون الصحف التي اختلفت عناوينها وأخبارها عن مثيلاتها منذ أيام. إذ لا بدَّ لإعلام العهد الجديد من إثبات حسْن نيـَّته وسعـْيه لحل المشاكل السياسية والاقتصادية والمعاشية التي كانت السبب في حركتهم ولا بد من إبراز دور القيادة الجديدة الحكيمة. ولا بأس من إظهار ما يتميَّز به العهد الجديد من انفتاح وتنويع بضاعي وتوفير ما من شأنه خلق الإحساس بالرَّخاء وتشجيع الاستهلاك وتحريك السـُّوق!

بطريقة سردية ووتيرة سريعة وعبر جمل قصيرة ومفردات لاهثة جديدة على الناس، يقدم لنا قرَّاء الصـُّحف، تسندهم الموسيقا في مشهد سوريالي، لوحة بانورامية تأخذنا في رحلة استعراضية عبر العناوين العريضة في هذه الصحف إلى الهيئات الرسمية والمَرافق والأسواق وإلى المطاعم والمحلات ودور الأزياء وتتنقل بنا من دور الآداب والفنون إلى عالم المال والأعمال ومن مراكز القيادة والهيئات الحكومية إلى المحاكم ومن جبهة القتال إلى البيوت وإلى الشوارع.

القرَّاء:               مجلس أعلى

                     حصـْر الموقـِفْ

                     دعم الـْجبهة

                     شِحـْنـِة سكـَّر

                     وصـَلـَت السـَّيـِّدة ورَسَتْ في المـَرْفـأ

                     هيئـة الإنقلاب العليـا

                     صـَرَّحَ المجتمعون

                     حركة الإقتصاد

                     الفســـاتين القصيرة

                     خـَطـْفٌ وْتـَحَرُّشْ

                     السـَّفيـرُ يـُقـدِّمْ أوراقَ اعـْتـِمادهْ

                     غابتِ الزَّوجـَة فـَغازلَ الخادمة

                     مجـْلِس الـْوُزَرا

                     وُجـَهاءِ المـُجـْتـَمـَع

                     نـَقـْدي وْتـَقـْسيط

                     في صـالةِ العرض

                     خِطـَّة لـِتـَقـْصيرِ السـَّوالـِفِ الطـَّويلـَة

                     مـُظاهرةِ احـْتـِجاج أمام دار الـْحـَلاقين

                     الخطـاب النـَّاري. النـَّادي الأهـْلي. مَعـْرَض الرَّسـْم الحـَديث

                     كاسْ عـَرَق وْمازات. كـِبـِّة قـْراصْ. شيش كـَباب.

                     إضـْراب المـَدارِسْ

                     قـَشـْطـَلـِيـِّة. مـْهـَلـَّبــِيـِّة

وينتهي السَّرد بالـْقاء الصحف جانباً بطريقة مَشوبة باللامبالاة والتصفيق للنـَّادل طلباً للخدمة:

الشباب:                    قـَهـْوِة.

آخرون:                           سـَحـْلـَب.

البنات:                            شاي.

الشباب:                    ليموناضة.

البنات:                            جـَـلاّب.

 

وفيما يرشف رواد المقهى شرابهم الساخن والبارد ويدخنـُّون سجائرهم وهم يتبادلون الأحاديث في أخبار الساعة وأحوال المجتمع تقدم لنا الفتاة (هدى) أغنية هادئة قصيرة عن الصحف وأخبارها وعناوينها التي تتغيّر شكلاً ومضموناً كل يوم ملقية في سلة المهملات عناوين اليوم السابق وهي لذلك تخشى أن يكتبها حبيبها عنواناً في جريدة ما أن تمرَّ سـُوَيعات عليه حتى تلقي الرياح به في زوايا شوارع المدينة:

هدى:               جــــَرايـــِدْ جــــَرايِــــدْ             بـِإيـْــدَيــْـــن النــــَّاسْ

                     عـَناوين زرْقا وْحـَمـْرا          عَ وْجـُـــــوه النـَّـــاس

                     عـَنــاويــن عـَنـــاويــن           كلّ يــَوم عــَنــــاويـن

                     كــل يــوم كل يـــــــوم          بـْـتـِتـْغـَيـَّـر العنـاويـن

                     اكـْـتـِبـْـني ياحـَبـِـيبـي قـَـصـيــدِة

                     قـَـصـيــدِة حــَـزيـْـــنـِة            بـِكــْتـاب وْخـَبـّـيـْـنـي

                     وَلا تـَعـْـمـِلـْني عنوان بـْجـَريـْدِة

                     والـْهـَـــــوا يـِـرْمـيْـنــي            بـْشـَـوارِع الـْمـَديـْـنـِـة

                     رَســـايـِــلْ رَســــايـِــل            عَ بـْـيـُـوت تـــــْـرُوح

                     مـَكاتيـْبْ عَ الـْقـَهــاوي         تـِـجــــي وتــْـــــروح

                     مـَكاتيـْبْ مـَكاتيـْبْ للحبّ مـَكاتيـْـبْ

وبـْيـِنـْتـَسى اللـِّي انـْقال بالمـَكاتيـْب

             

دور (هدى) تلعبه الفنانة القديرة هدى حداد وقد خصّها الأخوان رحباني بالعديد من الأغاني من هذا النمط المتميز بدمج الروح الشرقية بالقالب الغربي وآلاته خـَرَجَ بموسيقا مزيجة تقود كلمات الأغنية البسيطة وجـُمـَلها القصيرة بمرونة وتموّجية إيقاعية خفيفة ناعمة يرتاح معها المُشاهد المترقب لأحداث المَشاهد التالية، والتي تستهلـُّها المسرحية بحوار كوميدي اجتماعي ناقد بين (شبلي) وابنته هدى التي تنهي أغنية (جرايد) مع الكورس:

              اكـْـتـِبـْـني ياحـَبـِـيبـي قـَـصـيــدِة

              قـَـصـيــدِة حــَـزيـْـــنـِة            بـِكــْتـاب وْخـَبـِّيـْـنـي

              وَلا تـَعـْـمـِلـْني عنوان بـْجـَريـْدِة   والـْهـَــوا يـِـرْمـيْـنــي

 بـْشـَوارِع الـْمـَديـْـنـِة

 

إلى المقهى يصل شبلي مترنـِّحاً بظهره المحني ووجهه المستطيل وشاربيه الغريبين وذهنه الشارد في أمور المعيشة وفي أحلامه الوردية وفي هوايته التي تشـْغـِلـُه عن البحث عن مصدر رزق واضح أو عن الالتزام مع أيٍّ من أصحاب الرؤى السياسية المقسومين إلى صنفـَين تبعاً لموقفهم من الأمبراطور والانقلاب معبـَّراً عنهما بشكل الشاربين. الصحيفة التي بيد شبلي يشتريها كلَّ يوم، لا بقصد معرفة أخبار السياسة بل لمتابعة أخبار ونتائج مباريات "سبـَق الخيل" رصداً لمراهناته وقد كانت تسلية شائعة لدى الناس بشرائحهم المختلفة في تلك الأيام.

ولأن الجمهور الرحباني اعتاد لقاء الفنان فيلمون وهبي في مشاهد تتلون كوميديتها بالغناء أو الحوار الساخر الذي غالباً ما يتطرق بتلميحاته إلى المواضيع الساخنة فقد ظهر (شبلي) على المسرح يسرد، بنغمة سريعة تـُصوِّر لنا عدْوَ الخيل وتسندها الأوركسترا، ما رآه في منامه:

شبلي:               نـَقـَـشـِتْ       نـَقـَـشـِتْ       نـَقـَـشـِتْ       نـَقـَـشـِتْ

                     شِفـْتْ بـْنـَـوْمي (زَيـْن الخـَيل)   سـَبـَق الـْخـَيـْـل وْإجا أوَّلْ

داموازيــل..

ساعدوني. ألـْهـِموني. تـَ نـْرَكـِّبْ ورْقـِة (بـارولي)

الفتيات:                    بـَعـْدَكْ عـَمْ تلـْعـَب بالسـَّبـَقْ؟!

شبلي:               هايـْدي آخـرْ مـَرَّة.

                     إذا بطـْلـَعْ ربـْحــــان     بـْردّ خـْسارْتي وبـْبـَـطـِّــل

                     كلْ وَحْــدِه تـْنـَقـِّيـْلي حـْـصـان

 

وتبدأ الفتيات باقتراح أسماء الأحصنة المعروفة والمتوقع ربحها في حين يقوم شبلي بتدوين الأسماء على بطاقة يانصيب السبق.

هدى:               زَيـْن الخـَيـْـل

شبلي يسجـِّل:               زَيـْن الخـَيـْـل

فتاة :               نـَهر الدَّهـَبْ

شبلي يسجـِّل:               نـَهر الدَّهـَبْ

فتاة أخرى:           شهـْب النـَّار

شبلي يسجـِّل:               شهـْب النـَّار

فتاة:                أمّ السـَّعِــدْ     وْسـِبـْـتيفايـَرْ

شبلي:               هــاوْدي من فـَرِدْ إسـْطـَبـِلْ!

 

وتتنقل عينا شبلي المتعبتان بين وجوه الجالسين على الكراسي يحتسون شرابهم ثم يقول في إشارة إلى أصحاب الشوارب المرفوعة إلى الأعلى:

شبلي:               وهاوْدي من فـَرِدْ إسـْطـَبـِلْ!

هدى:               شو بـْتـِقـْصـُدْ؟

شبلي:               مـِنْ شـَــوارِبـِهم تـَعـْرِفــونـَهم

                     اللـِّي شـَنـَبـُو لـَفـَوق، مـِنْ حـِزْب الأمبراطور، شـَنـَبـُو أمبراطوري!

                     واللـِّي شـَنـَبـُو لـَتـَحْت، مـِتـْـل الأخ، شـَنـَبـُو إنقلابي!

هدى:               واللـِّي ما إلـُو شـَـنـَبْ؟

شبلي:               ما إلـُو حـِزْب.

هدى:               وانـْـتَ شـو؟

شبلي:               أنـا شـْواربي: مـَيـْلـِة لـَفـَوْق وْ مـَيـْلـِة لـَتـَحـْت.

 

أمل شبلي بفوز واحد من الأحصنة التي انتقاها كبيرٌ متجدد يومياً وهو، وإن كان يحسُّ بالخسارة ويتألّم لها فإنه يعد نفسه كل مرَّة بالتوقف عن هذه الهواية السيئة حالـَما يربح ويستردّ خسارتـَه. هذه الحالة النفسية وهذا الوعد للذات يرافق معظم اللاعبين في أيٍّ من أنواع وأشكال المقامرة ويندُر بينهم وجود راضٍ أو رابح.

يعود شبلي إلى الجريدة وقد لفت حديثه انتباهَ الجالسين في المقهى فراحوا يتحاورون في شروط اللعبة المُعقدة والتي خـَبــِرَ تفاصيلَ قوانينها ولا يجهلها الآخرون أيضاً، فأعاد مشهدُهم تصويرَ ما تمتلىء به ساحات المراقبة والمتابعة مثل مقاعد المشاهدة الحية من صراخ ووقوف وتلويح وتصفير وتشجيع أوتوبيخ أو ابتهاج لفوز البعض وأسف لنتائج مخذلة بالنسبة لآخرين.

 

إضافات الأخوين رحباني لمشاهد من حياة الشعب اللبناني في مسرحياتهم لاقت استحسان الجمهور داخل لبنان وخارجها لِما تحلـَّتْ به من تلوينات لفظية وفنية ومن مساحات تفسير استطاع المؤلفان توظيفها بشكل خاص لإظهار التناقضات الإجتماعية والسياسية وإبراز سلبيات السياسات القائمة على الاستئثار بالسلطة وتسخيرها لمصالح نـُخـَب معينة ورفض العادات والتقاليد الرجعية والتي تحُدُّ من تطور الفكر وتقدم المجتمع. لقد كانت القناعة بكشف الحقائق أمام الجماهير وتبيان الأسباب الحقيقية وراء الظلم والتفاوت والتمييز ومعاناة الفقراء واضطهاد المرأة وانتشار الأمراض الاجتماعية والفساد ونزعات اللامبالاة تجاه قضايا الوطن والتقدم الاجتماعي هواجسَ سهرَ الأخوان عاصي ومنصور لتحويلها إلى أعمال أدبية وفنية محرِّضة تستنهض الهمم وتشحذ النفوس الطيبة للتكاتف والتعاون من أجل الخير للناس وللوطن.

 

يقاطع اللهوَ بسبق الخيل ومراهناته مذيعُ محطة الإذاعة في نشرة الأخبار التي حان الآن موعدها (هنـا محطة إذاعة "ميدا" وإليكم موجز الأخبار) وينصت الجميع

المذيع:       المسؤول يتوجـَّه قريباً إلى الحدود لحلِّ القضايا المـُعـَلـَّقة

       قررت هيئة الإنقلاب العليـا إحالة عشرين مديراً وموظفاً من رجال العهد البائد إلى المحاكمة

ذو شارب امبراطوري:        هايـْدا ظلم

المذيع:       إنـْتَ سـْكـُوتْ.

وكذلك بدأت السلطة بإطلاق سـَراح بعض المعتقلين السياسيين لعدم توفر الأدلّة

ذو شارب إنقلابي:    إنحراف رجعي

المذيع:       ما بـِيـْخـِصـَّكْ. رَحْ تـِسـِكـْتـو وإلاَ بـْبـَطـِّل النـَّشـْرَة؟!

الجميع:              بـَطـِّـلْ

المذيع:       إي سـَكـّرُو هالراديوات وْروحو فـَتـّشـو عَ إذاعة تانية

 

الجماهير إذنْ لا تخشى إظهار انتمائها إلى هذا أوذاك من الطرفين والإعراب عن عدم قناعتها. المطلوب هو الأمبراطور فقط أما الناس فأحرارٌ طالما لم تهدِّد نشاطاتهم هيئة السلطة. نحن أمام حالة تختبىء فيه القوى صاحبة المصالح وراء ستار الحرية الشخصية حاجبة معها واقع المظالم والفساد والتناقض بين المُعلن والمُضمر!

 

ونعود مع شبلي بعد صدور نتائج السحب على سبق الخيل معلنة في صحيفة بيده والتي لم يحالفه الحظ فيها مما يثير ابنته هدى:

هدى:         ياشبـْلي. بـلا سـَبـَقْ بـلا يانصيبْ

              اشـْتـغـِلـَّكْ شـَغـْلـِة

              بـْتـَعـْرِفْ حالـَكْ مدْخولـَكْ هالـْقـَدّ. مصـْروفـَكْ هالقـَدّ

شبلي:        يا بنـْتي إذا تـْحـَدَّد المـَدْخـول الأمـَل بـْيـِتـْحـَدَّدْ

              وْمابـْعود إقـْدُرْ إحـْلـَم إنـِّي إشـْتـِري طيـَّارة.

              سافـِرْ عـَلى (كان)

              إتـْشـَمـَّسْ بـِهونولـُولو. وإتـْسـَبـَّح باليابان

هدى:         ماإلـَكْ حـَقّ تـِحـْلـَمْ هالـْقـَدّ.     في واقعْ. في حـْساب!

شبلي:        أنـا زَلـْمـِة الغامـِض اللـِّي فـَوق الـِحـْساب.

هدى:         وْشو هـُوِّي الغامـِض اللـِّي فـَوق الـِحـْساب؟

شبلي:        يـا بـَيـِّي يـابـَيـِّي.

              هايـْدا اللـِّي بـْيـَعـْطي وْماحـَدا بـْيـَعْرف

              بيـْكـون الواحـِدْ شـَهـْرِيتـُو خـَمـِسـْميـِّة لـِرَة.

وْعنـْدو تـْلاتْ بنايات. من وَيـْن؟     الغامـِض عـَمْ يـِبـْعتـْلـُو!

خمـْسـِة وْ خمسـِة؟

هدى:         عـَشـْرَة

شبلي:        إيْ عـَشـْرَة. في ناس بيدبـّروها مع الغامض بـْتـَعـْمـٌل ألـْف!

يا بنـْتي بعـْدِكْ زغيـْرِة زغيـْرِة. الغامض بـْهالـْبـَلـَدْ عَمْ يلـْعـَب بالغـِمـَّيـْضـَة.

بـْتـِسْمَحيلي بـْهالجـَريدِة؟

 

يتناول شبلي الجريدة من يد ابنته هدى ويبدأ تصفـُّحـَها فتقع عيناه على إعلان هيئة الإنقلاب العليا بتخصيص جائزة وقدرها مئة ألف ليرة لمن يساعد في القبض على الأمبراطور الهارب فلا يخبـِّىء فرحَه واستعداده للبحث عن المطلوب وادّعاء الوطنية والإخلاص طالما أن في الأمر ثروة تـُغنيه عن مراهنات سـَبـَق الخيل (أنا اللي بدِّي إكمـْشـُو. أنا وطني غيُور. أنا الجماهير الكادحة) وإن كانت المسألة بحاجة إلى استخدام الحيلة للوصول إليه فليستخدم انتهازيته (وْمازال شـْواربي مـَيـْلـِة لـَفـَوْق وْ مـَيـْلـِة لـَتـَحتْ. بيأمـِّنـْلي بـْهالشـَّارِبْ وبـْسـَلـّمـُو بـْهالشـَّارِبْ).

 

نعود في المشهد التالي إلى الدكان حيث يجلس الأمبراطور مع هيفاء التي تقصُّ عليه حكاية شادي، في أغنية تصويرية ناعمة هادئة وحزينة

مـنْ زَمـان أنـا وزغـِيـْرِة

كان في صـَبي

يـِجي مـْنِ الـِحـْراش. إلـْعـَب أنا ويـَّاه

كان إسـْمو شادي

أنـــا وْشـــادي غـِـنــَّيـْنــــا سـَــوا    لـْعـِبـْنا عَلى التـَّلـْج رْكضْنا بالهوا

كـْتـَبـْنـا عَ الـِحـْـجــــــــار

قـِصـَص زْغـــار       وْلـَـوَّحـْنـا الهــَـوا

وْيوم مْن الإيـَّــــــام     وِلـْعِــــت الـــدِّني

ناس ضـِـدّ نـــاس      عـِلـْقـو بْهالـدِّنــي

وْصـار الـِقــْـتــال       يْقـَرِّبْ عَ التـّــلال      والــدِّنـِي دِنـــــي

وْعلـْقـِتْ عَ طـْراف الوادي     شادي رَكـَضْ يتـْفـَرَّجْ

خفـْت وْصـِرِتْ إنـْدَهـْلـُو       وَيـْنـَك رايـِح ياشـادي

إنـْدَهـْلـُو وْ ما يسـْمـَعـْني              وْيبـْعـُد يبـْعـُد بالوادي

وْمـِنْ يـَومتـْها. ما عِدِتْ شفـْتـُو              ضــاع شــــــادي

والتـَّلـْج إجــا وْراح التـَّلـجْ       عشـْرين مـَرَّة إجـا وْراح التـَّلجْ

وْأنا صـِرِتْ إكـْبَرْ      وْشـَادي بـَعـْدو زْغـَيـَّرْ عـَمْ يـِلـْعـَبْ عَ التـَّــلـْج

عَ الـتـَّـــــلـْـــج    عَ الـتـَّـــــلـْـــج

 

من هذه الأغنية أراد المؤلفان وضع الإمبراطور، بلسان فتاة الدكان، في صورة ما تتسبـَّبه الصراعات بين الكبار، على القوة والملك وربما على السلطة، من مآسٍ ونكبات وضحايا أناس قد يكونون أطفالاً كشادي لا ذنـْبَ لهم ولا هم عارفون بما يدور من حولهم:

برهوم:        وْما عاد حَدا عرفْ عنـُّو شي؟

هيفاء:        فـَتـَّشـُو كـْتيـر وْما لـِقـْيـوه

برهوم:        يمكن يـِرْجـِع

هيفاء:        قـَوْلـَكْ كـِبـِرْ؟

برهوم:        أكيد كـِبـِـرْ

هيفاء:        أنا مقـْهورَة مـِنـُّو.

لـَمـَّا بتـْذكـَّر بـْشوفو وَلـَد زْغـَيـَّرْ عـَمْ يرْكـُض عَ التـَّلـِّة وْأنا عـَم إكـْبـَرْ

شيْ غـَريب!!

هـُوِّي اللـِّي ضاع، بـَعـْدو طـِفـِل عـَمْ يلـْعب هـَون.

وْأنا اللـِّي بـْـقيـْت. ضـِعْت. ضـِعْت مـْن الطـُّفـولـِة

برهوم:        وْمـِنْ هـَيـْكْ صـارْ عنـْدِكْ خـَوفْ. وْصـِرْتـي تـِهِرْبي مـْن المـَشاكـِلْ؟

هيفاء:        لـَمـَّا بـْيـِمـْشي نـَهْر الحـِقـْد بـْياخـُد بـْدَربو ناس كـْتير مالـْهـُنْ دَخـْـل بالموضوع.

شادي شو كان يعرف عن سبب الـِقـْتال؟

تـْقاتـَلـُو بـْبـَعضـُن. اللـِّي رِبـِحْ رِبـِحْ واللـِّي خِسِرْ خِسِرْ.

بـَسّ اللـِّي ضاعْ ضاعْ

برهوم:        الرّجـالْ عـَنـْدُنْ مـَصايـِبْ بـْيـِنـْدَفـَعْ حـَقـَّا غالي

هيفاء:        يابرهوم. بـِسـْألْ حالـي:

اللـِّي بـْيـِنـْدَفـَعْ حـَقـُّـو ناس. ترى هـُوِّي أغلى مـْن النـَّاس؟!

 

العبارة البسيطة التي أنهت حديثها بها الفتاة الذكيـَّة الحساسة والتي آلمها تاريخ مليء بالصراع والاقتتال، ذهب ضحيـَّتـَه أناسٌ ليس لهم علاقة بالموضوع، تعكس الفلسفة الرحبانية المسالمة التي ترى في الإنسان أثمن ما في الوجود وفي سلامته قيمة الحياة والتي تكره الاقتتال والحروب والصراعات من أجل المصالح الضيقة أو الشخصية أو العنف من أجل فرض السيطرة والاستئثار بحكم الناس والتحكم بهم وبطاقاتهم وهي لذلك لا تتردد بالتأكيد المستمر على السلام والعدالة والمساواة وضرورة الاهتمام بحياة الناس وحاجياتهم ومشاعرهم وتطلعاتهم. وقد كرّر منصور مراراً المقولة الرحبانية بأن (الوطن هو مجموع الأرض والإنسان السّعيد. لا قيمة لأحدهما دون الآخر).

 

والأمبراطور، الذي لفتت هيفاء بأحاديثها وبحكاية شادي انتباهه وفضوله وكشف له الدكان وزبائنه والمقهى ورواده مجتمع (ميديا) وحقائق عن أحوال الناس ومعاناتهم، لم يعد المطلوب الهارب من أجهزة السلطة الإنقلابية وإنما برهوم الذي بدأت تتكشف أمامه المآسي الناجمة عن (نهر الحقد) الجارف وهباءُ ولا إنسانيةُ معايير الربح والخسارة وبدأ يتلمّس مسائلَ لم تكن تعنيه من قبل (ما بعرفْ يا هيفا. في بـْهالدِّكان سؤالات كـْتير ما كنت إسألها لـَحالي)

 

حلَّ المساء وودّعت الشمس حقول (ميديا) وتخومها وبدأ الفلاحون بالرجوع إلى منازلهم بعد عناء يوم خريفي آخر حملت رياح غروبه الكئيب تباشيرَ ليالٍ باردة ومستقبل مجهول. في قلوبهم خفقاتٌ تداخلت في تشكيل إيقاعاتها مشاعرُ حب الأرض والأمل بكرمها بالقلق من الواقع والخوف مما يخبّئه لهم (نهر الحقد)!

 

على نغمة رتيبة حزينة، مستوحاة من النغمة الرئيسة للمسرحية، تنسجم مع حالة الفلاحين وحالة (ميديا) يُنشـِد القادمون بلهجة متبادلي الأحاديث وعلى مسمع برهوم وهيفاء وأبي ديب الذي عاد لتـَوِّه من الصيد وفي فمه حكاية لا تخلو من التزويق المعتاد:

الفلاحون:     سـْمـِعـْـنا بـِهالـْـلـَّيل      سـْمِعـْـنا قـْـواس

                                         كانــــوا عـَمْ يــِتــْــقـــاتــَـلـو

              والــزَّعـَـلْ صــارْ       صـارْ رْصـاص

                                         وْهـِنـِّي ضـَلـُّو يــِتــْــقـــاتــَـلـو

              الـْقـَمــَر انـْصـابْ       القـَمـَر انـْطـَفـــا

                                  وَقــَع بـالـْبـَحـْــــر خـَطـَفــو السـَّمـَكْ

                                         وْهـِنـِّي ضـَلـُّو يــِتــْــقـــاتــَـلـو

              خـَلـْـفـُو قــْنــاديـلْ       بـِوُجــُّـو سـلاحْ

                                         بـِوُجــُّـو حـْدود مـْسـَكــَّـرَة

              والدِّنـْــيـَي خـَوف       وْكِيـْف مــاراحْ

                                         بـِوُجــُّـو حـْدود مـْسـَكــَّـرَة

              بـَطـَـل الصـَّيـْــــد صــار فــِرَّايــة

                           والأمبــــراطــورْ هـَجّ بـْهـالـْـلـــَّيـْـل

                                         وْبـِـوُجـُّو حْـدود مـْسـَكــَّـرَة

أبو ديب:     وَانا رايــِحْ رايـــِحْ

              حــــاطـِطْ بـِجـْيابـي            شــي ألـْـفيـن لـِيـرة

                                                وْمـِتـْمـَشـِّي وْرايـِح

الجميع باستغراب:    شـي ألـْـفيـن لـِيرة!!     لـَشـُـو حـامـِلــْهـُـن؟

أبو ديب:     أنا قـِلـْت لـْحــــالي      بـْجـيـبْ لـَلـدِّكـَّـــان     

              صَنـْدوقين خضـْرَة     وْشي كـِـيـس زْوان

الجميع:                     بــَدَّا هـَ الـْمـَبـْـلـَـغ؟

أبو ديب:     ماحـَدا يـْـشارعـْني

هيفاء:               وْبـَلـْكـي لاقـُوكْ وْشـَلـَّحـوكْ؟

أبو ديب:     لاقـــانـــي طايـِحْ

بـِإيـْدي سـْفــَقــْتـُـو       عَ الأرْض شـْـلـَحـْـتو

وْضـَـلـَّيــْتـني رايحْ      رايـحْ. رايــــحْ.

وْصـِلـِتْ عَ الـِحـْدود    مـْسـَكـَّرَة الـِحـْدود

كامـْيونات الخضـْرة    عِلـْقـِتْ عَ الـِحْدود

والـْخـِضـْرة دِبـْـلـِـتْ     وْدبْلو الـْكامْيونات

وْدبْـلو السـوَّاقـِـيـــــن     وْدبـْلو الموتورات

وْصـارو يـْرِشـُّوهـُـنْ      بـِهـــــالـِمـْرَشـَّات

الجميع:                     يــــا خـْسارة النـَّـاس     دِبـْــلِتْ  الـْخـِضـْـرة

                            وْدبْـلو السـوَّاقـِـيـــــن     وْدبـْـلو الموتورات

أبو ديب:     وانـا مـِتــْـل العـادِة مــُشْ حـامـِلْ تـذكـرْتـي

هيفاء:               وْبـَلـْكـي وَقــَّـفـُوكْ؟

أبو ديب:     وَقــَّـفـُوني هـْرَبتْ.      واْقـْــْفــَزِتْ عن صـَخـْرَة شي تـْلاتيــن مـتــرْ

هيفاء:               جـِـــــــدِّي!

أبو ديب:     شي عشـْريــن مـتــرْ

هيفاء:               جـِـــــــدِّي!

أبو ديب:     يمكنْ عشـْر مـْتــُورةْ

هيفاء:               جـِـــــــدِّي؟؟

أبو ديب:     سـامـعْ كـَ جـِـــدِّي.

              لـْحـِقـْنا وِطــْــلـِعـْـنـــــا     وْصـِلـْـنـا عَ الصـَّخـْـرَة

              بــّدِّكْ إنــُّـو نـْضــَـلّ     مـْعـَلــَّــــقـِيـْــن  فـــــــــــَوقْ؟

هيفاء:               مـْليحْ اللـِّي رْجـِعـْت    قـــَبـْــــل   الـلــَّيـــلْ

                     الـــدِّنـْيـِي  وِلـْـعـــــــانـة    وْمـِسـْوَدّ الـلــَّيـــلْ

                     والأمبــراطـــــــور صارْ أتـْعـَسْ مِنـَّـا

                     صــــــارْ فـِـــرَّايـة تـاهـِـتْ بالـلــَّيــــلْ

الجميع:                     قـــَــــرَّب الـلــَّيـــــلْ زَهــَّــر الـنــَّــــــــوْم

                     / لـَيـْـلـِة سـَعـــِيـْـــدِة      إجـــا وَقـْت النـَّــــوْم / (2)

 

يغادر الضيوف المكان وهم يردّدون العبارة الأخيرة متمنين للجميع ليلة سعيدة وأحلاماً تعكس آمالهم بالهدوء والاستقرار وراحة البال بينما يسلـَّط الضوء في المسرح على الدكان، حيث يجلس الأمبراطور وتقوم هيفاء بتوضيب البضائع والمواد المعروضة قرب الباب أو المعلقة على جانبيه وقد بدت على وجه الأمبراطور حالة من الاستغراب الممزوج بالقلق والحيرة والفضول:

برهوم بحزن:  الأمبراطور صار فِرَّاية. وْيا ويل اللـِّي بيـْآويه

              ميـْة ألف ليرة تـَمـَنْ فـِرَّاية!!

              هيفا. إذا احتمى فيكـي بـِتـْخـَبـِّيه؟

هيفاء:        أنا؟. إي

برهوم:        منْ حـِزْبـُو؟

هيفاء محتدة:  قلـْتـِلـَّـكْ نحنا من حزب الدكـَّان.

لـَكـِنْ إذا احتمى فينا ما منـْخـَبـِّـيه مـْن الخـَطـَر؟

برهوم:        وْبلـْكـي انـْكـَمـَش عندكـُن؟ بـْتـِلـْحـَقـْكـُن مسؤوليـِّة!

هيفاء:        ميـن بَـدُّو يكـِمـْشو؟

برهوم:        جماعـة الإنـْقـِلاب

هيفاء:        جماعـة الإنـْقـِلاب؟

              لـَمـَّا بـْيِسـْألونا لـَيـْش خبـَّيـْـتـُوه؟ منـْـقـِلـُّن:

              بـُكـْرا بـَسّ تـِهرْبـُو، إذا جيتو تِتـْخبـُّو عنـَّا. مـْـنـِشـْحـَطـْكـُـن؟؟

برهوم:        لـَوْ رِجِع الأمبراطور   وْبَـدُّو يـْفـَتــِّــشْ عَ خـْصـُومو..

                                   أوَّلْ شي لازم يـْفـَتــِّــشْ هـَون

هيفاء:        بَدَّك ياه يـْفـَتــِّــشْ عـَنـَّا؟

برهوم:        طَبـْعاً. مازال بتــْخـَبـُّو الأمبراطور  مُمكن تـْخـَبـُّو خـْصـُومو

هيفاء:        لازم يـْضـَلّ في مـَطـْرَحْ يتـْخـَبـُّو فيه.

              كـَ برهوم. هــَيـئـْـتــَـكْ قـِرْد مــْـلـَفـْـلـَف وْمش بسّ ضارِب مَرتـَكْ

                                   يمكن كاسرْلا إيـْدا   وْحاببْ غـَيـْرا!

برهوم:        وْلـيشْ زْعلـْتـي عـَمْ نتـْسـَلـَّى. لا الجماعة هرْبوا ولا الأمبراطور رِجِع.

هيفاء:        وْمشْ معـْقــُول يرْجـَع

 

كلام هيفاء فيه الكثير من الإثارة بالنسبة للأمبراطور الذي لم يسبق له أن تحادث مع شخص مثلها كما أنه لم يسبق له أن تواجد في أماكن كالدكان والمقهى والتقى مع أناس كالذين التقى بهم هنا. لذا فقد رأيناه ينصت إلى أحاديث الناس وأغانيهم ويستدرج هيفاء الى المزيد من الكلام وعرض الآراء مدركاً في ذات الوقت الحِسَّ المتميز عند الفتاة والفطنة الفطرية والذكاء وكذلك قوة الشخصية. ولم يجد برهوم صعوبة في ذلك، فهيفاء تحب كثرة الكلام، ربما لكونها وحيدة في الدكان أغلب الأوقات (لـيشْ مشْ معـْقــُول؟)

هيفاء:        افـْهـَمْ عـْلـَيـِّي.

              الدِّنـْيي بـْتـِمْشي. الشـَّعب بـْيـِمـْشي. وْما حـَدا وِجـُّو لـَخـَلـْف.

كلـُّنْ وِجـُّـنْ لـَقـِدَّام. الـِوْلاد. النـَّاس. الإيـَّام

كلـُّنْ وِجـُّـنْ لـَقـِدَّام.

إذا راحو الـْمـَوجودين مابـْيـِرْجـَع الأمبراطور

بـْيـِجي ناسْ جـْداد

برهوم بانفعال: الأمبراطور ما كان عاطـِلْ

هيفاء:        القـَضـِيـِّة مشْ قضية عاطل. النـَّاس بـَدُّنْ شي جـْديد

              الأمبراطور ما بقى دارِجْ

شـَكـْـلو.. لحـْيــِة. شـْوارِبْ. تـاجْ.

لابسْ فـَوْق تـْيابو تـْياب. وْكالابالـِكْ. ومـْشـَنـْشـِل صدْرو بالزِّينة!

برهوم:        يـَعـْني هَوديكْ أحـْسـَنْ؟

هيفاء:        ما بـَعـْرِفْ. بسّ عَ القـَليلـِة شباب. وإذا كـَتـَّرو، زينـِة بسيطـَة:

              بـْروش هـَوْن   وبـْروشْ هـَوْن

 

لتلميحة هيفاء مغزاها. لقد أشارت إلى الكتفين مع كلمة (بـْروش) التي قصدت بها رمز الرتبة العسكرية وكأنها تلمح إلى نوعية الرجال الذين قاموا بحركتهم الإنقلابية، ولم يكن هذا سراً، فمن احتلّ مبنى الإذاعة والتيلفزيون هم (فصائل القوات الإنقلابية).

 

أكثر ما كان يقلق الناس ويجعلهم فاقدي الأمل في سلامة الحركات الانقلابية كونُها ذات طابع عسكري يبدأ بالبلاغ (رقم واحد) والموسيقا العسكرية تتلوه برقياتُ التأييد من مجموعات الضباط ورؤساء العشائر والمتنفّذين وأصحاب رؤوس الأموال والملكيات الكبيرة. وعبارة هيفاء لا تعني المباركة أو الموافقة الجماهيرية على الانقلابات العسكرية بقدر ما تعني التحرّك والتغيير اللذين، وإن لم يتمخضا فوراً عن تحسين الأمور المعاشية والنفسية للناس، فإنهما غالباً ما يحرضان وعي الناس وانخراطهم في العمل السياسي ووجوههم إلى الأمام (كِلــُّنْ وِجـُّـنْ لـَقـِدَّام). لقد آمن الأخوان رحباني باكراً بالتطور وعجلة الزمن ودورانها اللولبي وباشتراك الجميع (الـِوْلاد. النـَّاس. الإيـَّام) بهذه الحركية الدائمة.

في أهم زوايا أي عمل مسرحي رحباني رأينا الوعيَ والإدراكَ الماديَّ للأشياء واضحَين كشمس الشرق ثابتـَين كعزيمة رجاله ومرنـَين كأغصان الأرز والزيزفون فكان الإبداع وكان الفن وكان الجمال الذي اهتزّت به مشاعرنا بكل أنواعها فتعلقنا بحدائقه وفضاءاته التي تتكرَّس في جمالياتها المقولة الرحبانية الخالدة التي جاءت على لسان الراحل عاصي (الفنُّ ابنُ الوعي).

 

وطالما أن الأمبراطور اكتشف الآن درجة من الوعي عند فتاة الدكان البسيطة يفتقر إليها عناصر الحلقة الأقرب من السلطة فلماذا لا يضع الشعب ممثلاً بهيفاء في مكانه مُستنـْبطاً رؤيا قد لا تكون في مدار انتباهه:

برهوم:        لـَوْ إنـْـتي مـَطـْرَح الأمبراطور شو كنـْتي بـْـتــَعمـْلي؟

هيفاء:        بقـْلـُب الإسـْطوانـِة. بمـْشي عَ المـُوضـَة: تـَحرُّرْ. تـَمـَرُّدْ. حرِّيـِّة. عـَدالـِة

              يـْغـَيـِّرْ شــَكـْلـُو. يـْغـَيـِّرْ إسـْمو. يحـْلـُقْ دَقـْنـُو.

              يـْصير زَلـْمِة مـِتـِل هالزِّلـِمْ     وْينـْزَل عَ هالـْغـَبـْرة يـْعارِكْ

حاجـِة قــاعـِدْ عَ هالـْعرْش متـْل القاعدْ بالمتـْحف     

والدِّنيي عمْ ترْكـُض بـَرَّا

 

هيفاء تعبر عما يريده الناس من الحاكم، الذي يفترض فيه أن يكون كـ (الراعي الصالح) الحريص على رعيته والذي يعيش معهم ويعمل معهم. ولو أراد الأمبراطور أن يكسب رضى الناس فإن عليه أن يعتمد الوجه الآخر لـ (الاسطوانة) باختيارات جديدة أكثر اقتراباً من الناس.

ربما لم ترق هذه الفكرة للأمبراطور ولكنه لم يتسرَّع برفضها. تصوَّر نفسه يحادث شعبه. لا بد إذنْ من الدفاع عن النفس:

برهوم:        وإذا كان الأمبراطور أمين عَ تـَقاليد ومـُؤمن بـِمبادىء كيف بدُّو يتـْرِكا؟

هيفاء بجرأة:  لا تـَقاليد وَ لا مبادي

النـَّاس بـِوادي واللـِّي بـْيـِحِكـْمو بـِوادي

كلـُّنْ بـَدُّنْ يـُوصـَلـُو.

ومازال هـَيـْك. إذا بدُّو يرْجـَع يـْدَبـِّرْ شي نـَهـْـفـِة جـْديدِة

ساعـِتا بيـْكـُونْ ضهـَر مـْن الباب            

وفات مـْن الشـِّبـَّاكْ

برهوم:        فـِكـْرِكْ هـَيـْك؟ يـْغـَيـِّرْ         وْيـِرْجـَع من درْب تانيـِة!

هيفاء بجرأة:  لـَيـْش لأ؟ والحكـِمْ طاحون. وْكل الدّروب بتـْوَدِّي عَ الطـَّاحون

 

وكما أثار وعي هيفاء الأمبراطور فقد أثيرت بدورها بهذا الضيف البسيط الجبان والفاشل عائلياً والذي يتحدث معها بأمور السلطة والمباديء الأمبراطورية! ونظرت إليه بتساؤل وكأن بعض الريبة قد وجد طريقاً إلى قلبها البريء.

عمَّ الظلام المكان وخيّم السـَّواد على كل شيء وخفـُتَ الضـّجيج ليحلَّ محلـَّه سكون الليل الخريفي الموحش تكسره أنوار دكان أبي ديب ومقهى ميديا وتسلـُّلُ شخصين شـِبـْهِ ملثـَّمـَين تفهم هيفاء أنهما يقصدان برهوم فتتركهم داخلة إلى الدكان.

حديث جودت وحلمي إلى الأمبراطور أثاره وزاد من قلقه ولكنه لم ينل من عزيمته على البقاء في الدكان ورفض عرض مساعدَيه (مـْـننـْصـَحْكـُن بالسـَّفـَر) اللذين يغادران بعد أن يستلما صكاً مالياً بقيمة تساوي الجائزة الموضوعة لمن يلقي القبض عليه، تفادياً من الأمبراطور لاحتمال الخيانة.

الجزء الثاني من المشهد يرينا شبلي وقد اعترض طريقَ جودت وحلمي بعيداً عن الدكان بحجة البحث عن الحاكم الفار إذ يقارن وجوه جميع مصادفيه بصورة يحملها بيده للأمبراطور ويستعين لضمان الوصول إلى هدفه بلحية مستعارة تشبه اللـِّحية التقليدية للأمبراطور المخلوع.

ويأتي هذا الجزء بقالب كوميدي ساخر لا يخلو من عبارات الاستهتار بالأمبراطور وشكوى شبلي من حظّه المتعثر الذي يستبعده من أن يكون الشخص الفائز بجائزة القبض على المطلوب.

 

أما برهوم فقد تراكمت علامات الحزن والكآبة فوق وجهه وازدادت قتامةً بعد زيارة جودت وحلمي الأخيرة والتي فصلت نهائياً بينه وبين عرش الأمبراطورية وهاهو يعبـِّر عن ذلك لهيفاء بلهجة امتزج فيها الحزن والشعور بالانكسار بالعزم على فعل شيء (راحو صـْحابي. انكـَسَرت المزْهـَريـِّة. وَقـَعـِتْ بالـْلــَّيـْل)!! ويـُطـْرِق، داخلاً إلى الدكان متجنـِّباً أن يراه أحد وتاركاً هيفاء لوحدها تغني لـلـَّيل وألغازه بنغمة طربية فائقة التأثير:

هيفاء:        / لـَيـْلـِيـِّة بـْتـِرْجـَع يالـَيـْل        وبــْتـِسأل عَ النـَّاس

              وبـْتـِســْقــيهـُن يا هـاللـَّيل        كل واحدْ مـِنْ كاس/ (2)

                     غيبْ لـَكْ شي لـَيــْـلـِة ياليــــلْ  

وانـْسـانـا يـاليـْـل يـاليـْـــــــــل

              / لـَيـْليـِّــة العـَيـْنـَيـْـن السـُّـــود     بــِيـْطـِلوّ يـْبـَكـُّونـي

              غـَزَلـُوني عـَلى صـَوت العود   غـِنـِّيـِّـة وْغـَنـُّـونـي / (2)

                     قـِلـْتـِلــــِّي خـَبـِّيــْـنــــــي           بـِقـَـلــْبـِـكْ وانـْـسيـْنـِــــي

                     يازَهـْر القـصايــِدْ فــَتـَّحْ        هــالـْمـَيـْـل وْهــالـْمـَيــْـل

غيبْ لـَكْ شي لـَيــْـلـِة ياليــــلْ  

وانـْسـانـا يـاليـْـل يـاليـْـــــــــل

              / أنا مـُشْ سَوْدا بسّ اللـَّيل    سـَوَّدْني بـِجـْناحــُو

              مـَرَقــُو الخـِيـَّالــة عَ الـْخـَيـل     تـَرَكـونـي وْراحــو / (2)

                     نـَـدَهــْـتـِلـــُّـنْ راحـــــــو            لا وِقـْـفــو وْلا ارْتــاحــو

                     مَعْهُـن حبيبي ما سِمعْني      وْبعـْدو بعـْــدو الخـَيــْــل

غيبْ لـَكْ شي لـَيــْـلـِة ياليــــلْ  

وانـْسـانـا يـاليـْـل يـاليـْـــــــــل

              لـَيـْلـِيـِّة بـْتـِرْجـَع يالـَيـْل...

 

مع انتهاء هيفاء من أغنيتها الرائعة يصل إلى الأسماع ضجيجُ موكبٍ من نوع خاص يقترب منها فيخرج إلى باحة الدكان أبو ديب وبرهوم الذي يسأل فتجيبه هيفاء:

هيفاء:               مَلـْهَب الـِمـْهـَرِّبْ. مشْ سامعْ فيه؟

برهوم:               مَلـْهبْ!

 

رجال مَلـْهَب يصلون قبله بخطوات استطلاعاً للمكان وضماناً لأمنه وتهيئة للجو عبر ترديدةِ تبجيلٍ على نغمةٍ بقالبِ "المارش" البطيء     تحدِّدُ إيقاعَها ضرباتُ قوس (الكمان صولو) لتخلق حالة من الرهبة وهالة حول الشخص القادم والذي يجلس فوراً في صدْر باحة الدكان فيما يتحَلــَّق رجاله حوله:

رجال ملهب:         مـَلـْهـَــبْ   جــــــايـي.. جــــايـي مـْن الـْجـِرْد

                     من حيطـان الـْكـَلــِّـيـْنْ مـِن بـَيـْـتــُو العـَقــْـد

                     جــــايــي يـتــْحـَــوَّجْ

                            خبـــْــز وْ خــَــرْطـــــوش  ونـْبيــد وْخـطـــــر

                            حَـتــَّى يسـْــقي رْجالو   بـْإيـَّــــام الضـَّجـَرْ

هيفاء مـُرَحـِّبة:        أهـْـــــلا أهـْـــــــــلا        نـَوَّر اللـَّيـْــــــــــل

                     لـَمـَّــا طـَلــِّــتــْكــــُنْ       وَسـَّـعـِت اللـَّيــــــْل

أبو ديب:            أهـْـــــلا مـَلـْهــــبْ       فـيـْــك وْبـِرْجـالـَكْ

                            اشـْـتـَـقـْنا عـْلـَيـْهـــُنْ     

هيفاء و أبو ديب:                         واشـْـتـَـقـــْنالـَـــــك                    

رجال ملهب:         مـَلـْهـَبْ جــــــايـي يسـْهـَرْ

أبو ديب:                                 مِنـْهـَيِّي الأرْكـِيلــة

رجال ملهب:         مـِجـْـلـــــِيـِّة بـْـتـِتــْغــَنــْدرْ

أبو ديب:                                 رَح هـَيِّيهـا طـَويلة                  

الجميع:                     هـــَيـّــي الأرْكـِيلــة       هـَيِّيــهـا طـَويــــلة

مفـْلـِح:               مـْنـِتــْسـَمـَّـع عـَلى كـَرِّتـْـها

                                   مـْنسـْهـَر على تـَقـْسيمتـْهــا

                                          ونـْشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوف ...

الجميع:                     نـْشـوف اللـَّيـْـلـِة الطـَّويــْـلة  مـُشْ طـَويـــلـِة

هيفا:                إيــــــه يامفـْـلــِحْ. خـَبــِّـرْنـــا      

                     زَمـان زَمـان زمــــــــــــــــان

                     زمـان زمان ما سـْهـِرْنـا

الجميع:                     إيْ يـامفـْـلــِحْ خـَبــِّـرْنــا          زَمـان زَمان ما سـْهـِرْنا

هيفا:                آ آ آ آ ه                          زَمـان زَمان ما سـْهـِرْنا

 

قصص وحكايا التهريب ومجموعاته يتسلـَّى الناس بسماعها ونقلها وذرِّ المنكـِّهات المشوِّقة عليها وتصوير جوانب المغامرة فيها كما وكأنها دلائل رجولة وبطولة. ويستمتع الجالسون في سهرة بحضور أحد المهربين أو أفراد خلية منهم بالاستماع مباشرة على ما يقصه هؤلاء متجاهلين أو جاهلين لما تسبّبه هذه الظاهرة من فوضى وفساد وتخريب اقتصادي واجتماعي.

لم تكن للناس العاديين مواقف عدائية من المهربين، فتهريب البضائع بحدِّ ذاته ظاهرة لها مبرراتها الموضوعية وتلقى تشجيعاً من المستهلكين العاديين ومن المنتفعين البسطاء المباشرين أو أصحاب المصالح المختبئين وراءهم. ومخاطر التهريب كبيرة جداً وربما كانت كافية لدفع المهربين عنها لو لم تـُجبرْهم عليها ظروفهم المعيشية والبطالة والعوز.

لذلك نجد أصحاب الدكان ومعهم أفراد المخفر والشاويش يصاحبون المهربين ويعاشرونهم دون تردد. وهاهي الفتاة المضيافة هيفاء تسرع لتلوين المائدة بأنواع الطعام والشراب. وفيما يقوم أبوديب بتحضير الأركيلة يبدأ مفلح، مساعد ملهب بنقل آخر قصصه وقصص جماعته بطريقة السرد التصويري الغنائي شاداً مستمعيه إليه ومادحاً جماعته وقائدهم وفخوراً بالنجاح وقهر المصاعب:

مفـْلـِح:               كان الشـِّغـْل كـْـتير عـْـلـَيـْنا

رجال ملهب:                             كان الشـِّغـْل كـْـتير عـْلـَيـْنا

مفـْلـِح:               نــاس تـْوَدِّي نــاس تـْجيبْ

رجال ملهب:                             نــاس تـْوَدِّي نــاس تـْجيبْ

مفـْلـِح:               وْطرْقات ملـْهـَبْ معـْجوقة     وْمِلـْـيانـِة خـَيـْـل وْتـهـْريب

رجال ملهب:         طرْقات ملـْهـَبْ معـْجــوقة      وْمِلـْـيانـِة خـَيـْـل وْتـهـْريب

مفـْلـِح:               ما كـان فينـا نتـْرُكْ. وْلولا شـْـوَيّ     

                     كنـَّـا طـَلـَبـْنا مـُساعـَدِة مـْن الجمرُكْ

الجميع:                     إيه!

هيفا:                خـَبـِّـــــــرْنا       مامْــرَقـــْتــُو     بـِوَعــْــــرْ  وْبجـْــرود   

                     وْمن خـَلـْف الصـّخور الزرْقا   والعلالي السـُّـود؟

مفـْلـِح:               مـَـرَقـْـنا فـَوق المـَــغـــاوِرْ                    

هيفاء:                            إيـــــــــــــــــه!

مفـْلـِح:               والمـَغـاوِرْ رَفّ مـْسافـِرْ              

هيفاء:                            إيـــــــــــــــــه!

مفـْلـِح:               عـَـلى طـِـرْقــــــــــات     ماهــِيـــِّي طـــرْقــاتْ

                     عالـِيـِّة وْمـَسـْنونة      بالخـَطـَر مسـْكونة

                     بتـْقـُولي خـريف القـُوِّة والقـُوِّة تحتْ

                     ونهـْــر كـْبـيــــــــــــر      يـُهـْدُرْ تحـْت

                     الحـَجـَرْ لـولا وِقـِعْ      كـان انـْوَجـَعْ.  كـــــــــان انـْوَجـَعْ

مـْرَقـــْنـا وْ مـَرَّقـــْنا القــَوافـلْ     وْ قـَطـَعـْنـا.

رحنـا ورْجـِعـْنــــا              

هيفا:                إيـــــه يامـفـْـلــِحْ. خـَبــِّـرْنـــا       زَمـان زَمـان زمــــــــــــــــان

                                                زمـان زمـــــان ما سـْهـِـرْنـــا     

الجميع:                     إي يامفـْـلــِـحْ خـَبــِّـرْنــــا زَمـان زَمـان ما سـْهـِـرْنا

هيفا:                آ آ آ آ ه                          زَمـان زَمـان ما سـْهـِـرْنا

 

مفـْلـِح:               يا شبـاب!! كاسْ مـَلـْهـبْ    

الجميع:                     كــــــــاسـكْ مـَلــــْهـبْ

 

يشرب الجميع بمن فيهم برهوم، الذي لفت انتباهَ ملهب فحملق بوجهه طويلاً وتنقـَّل بنظره من الساعة في معصمه إلى النظارة الداكنة العدستين فوق عينيه ويسأل (مين حـَضرة الأخ؟)

هيفا:         إسمو برهوم. بـْيـِشـْتغـِلْ عنا بالدكـَّان

ملهب:        ساعـْتـَكْ جـَنـْزيرا دَهـَبْ مشْ ساعِة شَغـِّيل!

برهوم:        إجـِتـْني هـْديـِّة

ملهب:        دَهـَب!!

برهوم:        مـْقـَـدَّمـِة

ملهب:        لا يا أخ. نحنا ما مـْنقـْبـل هدايا. وَلا مـْنِنـْصـُب على الناس

برهوم:        شي عـَجيب!!

ملهب:        شي عـَجيب لـَيـْش؟!

برهوم:        كيفْ مابـْتنـْصـُب وبـْـتسـْمَح لـَنفسـك تـْهـَرِّب

ملهب:        النـَّصـْب شي والتـِّهـْريب شي

برهوم:        كلـُّــو تـَعـَـدِّي عَ حقــُــوق الناس

ملهب:        هـَيـْئـْتـَك بـِتـْشارِع. وْأنا جايي رُوقْ. قـُومْ فـُوتْ نـام

برهوم بجرأة:  أنا؟

ملهب:        نـَعـَمْ إنتْ

برهوم:        مـُشْ نـَعـْسان

ملهب بجلافة: إيْ قوم فوت انـْعـَسْ وْنـام

هيفا:         مـَلـْهب. ما إلـَكْ حـَق بدكـَّانتـْنا. إنتَ ضـَيـْف وْهـُوِّي ضـَيـْف

ملهب:        ضـَيـْفْ؟

هيفا:         ضاربْ مـَرْتـُو وْحماتـو وْمطـْلـوب

ملهب:        وْمـَطـْلوب كـَمـان؟؟ فإذنْ كـاسـَكْ

 

يشرب الرجلان ويشرب معهما الحضور الذين أثار الحديث فضولَهم فأنصتوا

ملهب:        مازالكْ مطـْلوب. صِرْنا زُمـَلا. مِنـْكـَمـِّل الحديث.

              قِلـْتـِلــِّي النـَّصْب والتـِّهريب كلـُّو واحد؟

برهوم:        بـِرأيي نعم

ملهب:        دَخـْـلـَكْ. مينْ مُشْ عـَم يـْهـَرِّب؟!

              اللـِّي بيـْهـَرِّبْ ربـْحو من درب الضـَّرايبْ مانـُّـو مـْهـَرِّبْ؟

              اللـِّي بيـْهـَرِّبْ السِّعِرْ عن الـِبـْضاعة مانـُّـو مـْهـَرِّبْ؟

              اللـِّي بيـاخـُـدْ إشيا غـَريبـِة عَ بـلادْ غـَريبـِة بـِشـِنـَط غـَريبة مانـُّـو مـْهـَرِّبْ؟

              كـِلـُّنْ مـْهـَرّبين!!       أنا عَ القـَليلـِة بـْهـَرِّبْ من درب اللـِّي بـَدُّنْ يـْهـَرّبو

برهوم:        رأيي إنـُّو إذا كتـْرو اللـِّي بـْيـِخـِرْقـُو الشـَّريعة   ما بـْتـِتـْغـَيـَّر الشـَّريعة

                                                والـِمـْخالـَفـِة بتـْضـلا ّ مـْخالفـِة

ملهب:        أنا عايـِشْ بـَرَّات الـِمـْخالـَفـِة.

              وْبـَعـْدَين أنا ما بكــْذبْ. بـْهـَرِّبْ..    وبـْسـَمـِّي حالي مـْهـَرِّب

              هـِنـِّي بيهـَرّبـُو.. وبـْيـَعطوا حالـُنْ ألـْقـاب مْهمـِّة

برهوم:        وْلـَيـْش اخـْتـَرْت هالشـَّغـْلـِة؟

ملهب:        هـِيـِّي اخـْتارِتـْني.      حـَمـَّلتـْني بارودِة وْقــالـِتـْلي امـْشي.

              كان في يـَومـْها رْجال قاعـْدين بالشـَّمْس وْناطـْريـن.

وْكان في اْوْلاد عـَمْ يلـْعـَبـُو بالـِحـْجار وتـْيابـُن مـْخـَزّقـَة

وْكان في عينـَيْن نسـْوان. كِلـُّنْ شـَدُّو فيـِّي، صِرْنا أهـْل جـْرود.

وْصار عنـَّا ضـَيـْعة لـَحالـْنا واْوْلاد ونسـْوان ينـْطرونا ويـْصـَلـُّولـْنا.

واللـِّي في ناس بيصـَلـُّولو     مابيكون عم يعمِلْ شي عاطلْ

برهوم:        في كتير بيعيشـُو مِن هالشـَّغلــِة؟

ملهب:        ضـَيـْعـْتي كِلا ّ. لـَو بتـْشوف بـْهالطـّواقي الزّغيرِة شو في وجوه

              خـَلـْف هالحيطان السـّميـْكـِة شو في بـْواريد.

              بـَدُّنْ ياكـْلـُو. بـَدُّنْ يـْعيشـُو.

              بـَدُّنْ يبـْعـَتـُو وْلادُنْ عَ المـَدِرْسـِة أحلى ما يطـْلـَعـُو متـْلـُنْ

برهوم:        رأيي إنـُّو الـِحـْكومـِة مجـْبورة تـْعـَلـِّمـْـلـُن وْلادُنْ

ملهب بسخرية:       الـِوْلاد بـَدُّنْ يكـْبـَــرو   ما بـْيِقدْرو ينـْطرو تـَ يـْصيرْ في حـْكومـِة

                                                       كاسـَكْ خيـِّي برهوم!!

يشرب الجميع ويسأل برهوم محاولاً إشباع فضوله (مـَبـْسوط بـِعيشـْة التـَّشـَرُّد ياملـْهبْ؟)

ملهب:        تـْعـَوَّدْنا عـْـلـَيـَّا.

              أنا والأمبراطور صِرْنا مـِتـِل بعـِضـْنا.

              هـُوِّي مَطلوب وْأنا مَطلوب. بسّ هوِّي في عـْلـَيه جايـْزِة

 

حديث شيـِّقٌ بقدْر ما هو مفيد بالنسبة للأمبراطور الذي لم يكن قد سمع مثله من قبل، وفلسفة بسطاء فيها الواقعية وفيها الحقيقة ومنها ربما تأتي الفكرة التي يحتاجها. ولا من مستشار يصور الحياة ويقود إلى المعرفة الضرورية كهذا المهرِّب وشخصيته الفريدة.

 

الرؤيا الرحبانية لمسألة حياة أولئك الذين (يعيشون خارج قوانين المخالفة) من أسبابها الجوهرية إلى صورها الشكلية فالعلاقات والقوانين التي تضبط ببيئتها وتحمي مجتمعها، هذه الرؤيا تتعدّى الرَّصد التسجيلي وكشف عناصر البنية إلى الغوص في المسبـِّبات وفي التغيرات التي تأتي على الحالة النفسية لأبناء هذه البيئة. ففي المَشاهد المتعددة التي يعرض فيها ملهب وجماعته حالتهم وإدراكهم لأسرار المجتمع والسلطة ومواقفهم وتطلعاتهم نقرأ الظاهرة جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس وحال الوطن بعيداً عن النظرة السطحية والمتجنية التي تنطلق من النتيجة وتـُهمِل السبب.

لقد وضع الأخوان عاصي ومنصور الحقيقة كلها أمامنا وأمام الأمبراطور، الذي لم يحُلْ حرصُه على المحافظة على التوازن بين شخصيته الأمبراطورية ووجهه البرهومي دون السير وراء ملهب لكشف المزيد من الحقائق واستبيان حياة شرائح مجتمعه وعقلية أفرادها وأهدافهم.

الأبعاد المسرحية في هذا العمل تتجلّى بالنص وعناصره الدرامية وبالانتقال السلس والمتدرج إلى الذروة بمهارة منقطعة النظير. فالبناء الحواري منطقي في مستوياته إلى آخر حد وهو لا يحرمنا متعةَ التنزُّه في حكاية نتلذّذ لقطاتـِها السوريالية ضمن سياق النسيج الدرامي. ربما ساعدت أحداث تلك الفترة على سهولة تلقِّينا لهذا العمل واستيعابنا لصوره وفهمنا ما أريد من تفاصيله وربما استفاد المؤلفان من مكونات البيئة التي تشكل مادة العمل مكاناً وزماناً وكذلك من الحالة النفسية للمُشاهد وما يعانيه ولكن هذا لا يقلـِّل من القيمة الإبداعية الكبيرة في مسرحية سياسية إجتماعية طرحت المسائل الجدية والجوهرية بقالبٍ كوميديٍّ لطيفٍ، تلك القيمة التي بفضلها أضيفت إلى قائمة الأعمال الخالدة والتي احتلت في حينها مكانة عالمية بمقارنتها مع فيلم سينمائي ساخر مشابه جاء بعدها بعام للمخرج وودي ألين بعنوان (الموز).

 

فلنتابع المسرحية وخطة الأمبراطور انطلاقاً من دكان أبي ديب. وطالما أن الحديث مع ملهب قد وصل إلى مسألة الأمبراطور فلماذا لا يستوضح الأخير موقف المُهرِّبين وبرنامجهم؟

برهوم:        إجـِتـْني فكـْرَة.

              إذا إنتَ حْضيت بالأمبراطور، كيف فيك تـْسـَلـّمو وْتقـْبـَض الجايـْزة، وْإنت مطلـــــــوب؟؟

ملهب:        أنا إذا حْضيت بالأمبراطور ما بـْسـَلـّمو.

بـْقـِلـُّو: "في جايـْزة مـِيـِّة ألـْف ليرة للقـَبْض عْلـَيـْك، بـْتدْفـَعْ خمـْسين تـَ هـَرّبـَك؟"...            كاسـَكْ خـَيـِّي برهـوم!

 

ويتابع بثقة بالغة بنفسه وبصحة ما يقول وما يفعل:

ملهب:        يا برهوم أنا حـَبـَّيـْتـَكْ. هـَيـْئتـَكْ متـْعـَلـِّمْ،

وْلمـَّا بـْتـِحـْكي بـْتـِحـْكي بـْأمْر، فيك رجـَّال.

شوف إنتْ ضارب مَرتـَك وْمطلوبْ،

إذا بدَّا تـِتـْقـَل الحالـِة عـْلـَيـْك أنا مِسـْتعـِدّ هـَرّبـَكْ

وْمـَعـِي ما حـَدا بـْيـِمـِسـْكـَكْ.

دايـْماً بـِهالجبال الموحـْشـِة في مَمـْرَق للـِّي بـْتـِرْفضـْهـُن الطـّرْقات الوسيعة

 

في العبارة الأخيرة لملـْهَب حقيقة ومغزى. فالحقيقة أن المناطق الحدودية التي استغلها مهربو المواد التموينية والألبسة والتجهيزات المنزلية والمكتبية والأجهزة الكهربائية والأدوات والمواد الصناعية وغيرها وكذلك بعض المواد الأولية، بالاتجاهين، استناداً إلى تباين الكلفة والوفرة والدَّعم الحكومي وهوامش الربح على أحد الجانبين مقارنة معها على الآخر، هذه المناطق الخارجة عن السيطرة لأكثر من سبب استغلـَّها أيضاً أصحابُ الحالات الخاصة، شخصية أم سياسية، فكانت المعبر (مَمـْرَق) إلى برِّ الأمان والمـَهْرب من الملاحقة. لقد شهدت المعابر الطبيعية، من جبال ووديان وأنهار (الجبال الموحـْشـِة) نجاة أشخاص هَدَرَت الخلافات الفكرية أو الحزبية دماءَهم وهروب آخرين من وجه العدالة ولجوء غيرهم ابتعاداً عن المضايقات ومصادرة الحريات.

أما المغزى فهو وحدة المتناقضـَين عند عتبة الألم والخوف. إنه لغز القوة في الإنسان.. لطالما استغاث جريح بمشاعر إنسانية لدى خصمه لحظة غياب البديل. وكم من حالة سـُجـِّلت لصالح القوة الإنسانية في اللحظات العصيبة إذ التقى الخصمان صوناً للحياة. فهيفاء التي لا تريد أن يبقى الأمبراطور التقليدي فوق سدَّة الحكم وقد نال الناس من إهماله ما نالهم من فقر ومعاناة، لا تتردّد في حمايته (إذا احتمى فينا ما منـْخـَبـِّيه مـْن الخـَطـَر؟) وهي، وإن لم تكن مقتنعة بأعضاء هيئة الإنقلاب وصدق وعودهم فلا ترفض لجوءهم إليها (لازم يـْضـَلّ في مـَطـْرَحْ يتـْخـَبـُّو فيه)!

وعرض ملهب هنا لا يجوز حصره بمصلحته الضيقة، وإن جاء على شكل (بـْتدْفـَعْ خمـْسين تـَ هـَرّبـَك)، وإنما هو عرضٌ نابعٌ من النفحة الإنسانية في صدر ملهب المـُلاحَق والمضطّهد الذي (تـرْفضُه الطـّرْقات الوسيعة) وملك (الجبال الموحـْشـِة) والتي لا يَلدَغُ قاطنوها إلا دفاعاً عن النفس ولا تتردّد في حماية خصومها من لدغ بعضهم طالما لا منفعةَ عامةً من خصومتهم.

 

يلعب دور ملهب الفنان القدير أنطوان كرباج الذي عمل مع الأخوين رحباني في مسرحية جبال الصوان في دور (فاتك) قبل سنة من (يعيش يعيش) واستمر مواظباً حيثما طلب لأدوار رئيسة واستمرّ يعمل مع منصور وأولاده في مسرحيات نذكر منها على سبيل المثال (حكم الرعيان) التي تألّق فيها بدور (رعد الثالث خان).

ولأنطوان كرباج سيرة موازية لعمله في المسرح الغنائي الرحباني أتحف جمهور الشاشتين والخشبة في العالم العربي بعدد كبير من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والمسرحيات الكوميدية طوال السبعينيات والثمانينيات مثل (كذاب تحت الطلب، أمرك سيدنا، القبقاب، أبو علي الأسمراني، بربر آغا وغيرها) وقد تعاون أنطوان كرباج مع العديد من الكتاب والممثلين والمخرجين المرموقين وكذلك المؤلفين الموسيقيين الكبار ومنهم (الياس الرحباني) و (زياد الرحباني).

 

قبل نهاية الفصل الأول من المسرحية يريحنا المؤلفان، كعادتهما، بمشهد غنائي لذيذ وممتع مع أركيلة أبي ديب الذي خرج لتوِّه حاملاً إياها لأصدقائه رجال ملهب، الذين انضم إليهم منذ قليل (سالم) يُلقي على رئيسه تقريراً في ترتيب آخر عملياته (تهريبةْ بـُكرا،   تـْرَتـَّبـِتْ: 10 بـَرَّادات، 15 غِسـَّالـِة، 3 لاجئين سياسيين، 2000 كروز دِخـَّان، تـَنكـْتـَيـْن من اللـِّي بـْعلـْمـَكْ مِنـُّنْ) وقد استفزَّ هذا التقرير أبا ديب فتذكـَّر تاريخه في التـَّهريب: (ألله الله عَ إيـَّام زمان لـَمـَّا أنا كِنـْت هـَرِّبْ) وأمام سخرية ملهب منه: (كنت تـْهـَرِّبْ يا بو ديب؟!) يفيد بأنـَّه: (وحياتـَكْ ما كنـْت إرضى هـَرِّبْ إلا كل 100 كلاشينكوف سَوا) ولا تنسى هيفا من تنبيه جدِّها إلى مبالغاته (جدِّي!) فيلجأ إلى تخفيفها تدريجياً: (بدّك تقول بْواريد معدّلِة)، ثم: (جْفوتِةْ دكّ) وبشيء من العصبية متوجهاً إلى هيفاء: (ارْتَحتي ياجدّي؟!).

 

مبالغات أناس من أمثال أبي ديب ظاهرة طبيعية خاصةً لدى بسطاء الناس، ونحن نواجه شخصيات في الواقع يتلذّذ أصحابها المبالغة في نقل ما يحصل معهم أو أمامهم أوما يسمعون به جذباً للمستمعين أومَدْحاً للذات أو إشادة بفلان أو تعظيماً للغرابة، مما يصل بالمادة المنقولة أو بالخبر أو بالحدث إلى مرتبة المعجزة أو الأعجوبة والمحاطة بقدرة خارقة للتصور. وحضور شخصيات من هذا النوع في العمل المسرحي لا تنحصر وظيفته في الفعل الترفيهي وإنما يراد به أيضاً الإشارة إلى دور مثل تلك الشخصيات في التأثير على الحكاية التي كوَّنتْ تراثنا الفكري والأدبي والفني والديني أيضاً وتمتلىء به مفاهيمنا وطقوسنا وعاداتنا وعلاقاتنا بالمحيط.

ويتجاوز أبو ديب الموقف بافتتاح جلسة الأركيلة التي ينتهي بها الفصل الأول:

أبوديب:                    حـِضـْرِتْ

الجميع:                     افـْتـِتـِح الـْجـَلـْسـِة يا بو ديب

 أبوديب يسحب نفساً:        يالله

الجميع:                     كـَرِّتـْها مِتـْل الـْحـَسـُّونْ

 

لجلسة الأركيلة نكـهة خاصة تتمثل بأكثر من عامل. فكون الأركيلة واحدة يتناوب المتحلقون حولها على تنفُّسِ الدخان عن طريق الفم عبر زجاجتها وهم يتسامرون أو يغنـُّون يشكل عنصراً مهماً في الجلسة وهو (الاشتراك)، وكون المادة المُدَخـَّنة من النوع الذي يريح الأعصاب يضفي على الساهرين حالة من الاسترخاء وعلى الجلسة حالة من الهدوء وتضيع الفوارق وتـُستـَبـْعد الخلافات. فهاهو الشاويش يأتي إلى الباحة وقد استدْعتـْه رائحة التـَّبغ المعطـَّر وصوت الأركيلة البديع (كـَرِّتـْها متـْل الـْحـَسـُّونْ) ويجلس إلى جانب ملهـَب، طالما أنه الآن ليس في مهمة رسمية لملاحقته وهاهو الأمبراطور يتناوب مع عامة الناس ومع المهربين (شحطات) الأركيلة دون تردد!.

الشاويش:     سـَعـِيـْدِة ياشـَباب

الجميع:              أهــْـلا

الشاويش:     تـْعـِبـْنا اليـَوم تـْعـِبـْنا

الجميع:              اقـْعـُدْ

الشاويش:     كيـْفـَكْ خـَيـِّي ملـْهـَبْ؟         كيـْفـَكْ مـِفـْلـِحْ؟

ملهب:        إلـَكْ هـْديـِّة جـُوَّا.

مفلح:         شـَرِّفْ خـِدْلـَكْ شـَحـْطة معنـا

              دارت الأركيـــــلة       يا أهـْلا بالأركيـلـِة

              نـِتـْسـَمـَّع عـَلى كـَرِّتـْـها 

                     نسـْهـَر على تـَقـْسيمتـْها

                     ونـْشــوف نـْشـــوف نـْشــــــــــــــــــوف

مفلح:         نــْشـوف اللـَّيـْـلـِة الطـَّويــْـلة مــُشْ طـَويـــلـِة

 

يعبـِّر الحضور وهيفاء وجدها عن حالة السعادة التي خلقتها الأركيلة والمأدبة العامرة وكأس العرق التي سال لها لعاب مفلح والتي حفــَّزت الجميع إلى الغناء للأركيلة على لحن بهيج راقص:

الجميع:              تـْـــدور تـْـــدور الأركيـــــلة تـْــدور

                           ياصـَبـِيـِّــــــــــة   مافي إلـْهـا ناطـــور

              تـْهـِلّ عـْلـَيـْنــــا         تـْطِــلّ عـْلـَيـْنـــــــا

                           وْعــَـلـَى غـَيــْم الدِّخـــــــــــــــَّــان تــــْـــــــــدور

مفلح مطروباً:        تـْدور عـَلى ناس             قاعـْــدِيــْن مع نــاس

                     عـَلـَى نـَـفــْس الكــَراســي               وْراقْ الكـــــــــــــــــــــــــاس

              جـَمـْعتـْهـُن الأركـِيـْلـِة    باللـَّيـْــلـِة الطـَّويـْلـِة

                           والسـَّهـْرَة بـَخـِيـْـــــلـِة     والـْـغــِنـِّيـــِّة تـْـدور

الجميع:                     تـْـــدور تـْـــدور..

هيفاء:               / وْلـَمَّا بمْرُقْ تحت النـَّار     عـْيـُونـَكْ بتـْخـَبـِّيـْني

                     وْبـِنـْدَهـْلـَــكْ ياقـَمَرْ نـُوَّار وبْحـِطـَّكْ عَ جـْبيني / (2)

                     الرَّقـْصـَة عَ حـَديد البـَواريـْد

                           خـَطـَر جـْديـــــــــدْ       وْفـَــــرَح جـْديــْـــدْ

                     أنـا قنـْديـــل    وإنتَ العيــــــدْ

                           أنـــا حـَـقـــْـلــــــــِة وْإنـــْتَ الـنـَّــــــــاطـــور

الجميع:                     تـْـــدور تـْـــدور..

*

 

يبدأ الفصل الثاني بمقدمة موسيقية تقدمها الأوركسترا توليفاً لآذان المشاهدين بعد الإستراحة قبل أن تضعهم في بيئة الحكم وهيئاته واتصالاتهم وتحركاتهم للمراقبة وضبط الأمن والإعلام وتغطية زيارة ممثل (هيئة الإنقلاب العليا) إلى البلد المجاور لـ (ميدا) لـ (حل القضايا المعلقة) في تلميحة لحالة تراوحت بين الهدوء والتوتر دون أن تـُحلَّ وقد كانت على الدوام المادة ذات الأولوية في برامج من ينقلب على عهد مخلوع ساعياً لـ (حلّ تلك القضايا) وفق مصالحه ومصطلحاته التي تلخصت أكثرها رواجاً في تلك الأيام بـ (نظرية التـَّفهـُّم والتـَّفاهم) لم تنجُ من تعليقات الناس وسخريتهم!!

ويشير الحوار بين الأجهزة وبين المركز والفروع عبر الهاتف بأننا زمنياً في أواسط الخريف. فالناس بدأوا يعانون من البرد ومن عدم توفر وقود التدفئة وأخذوا يعبرون عن عدم الرضى حتى بلسان شاويش مخفر الحدود (كل الناس بردانين إلا هالمسؤول حامي جانحو)!.

تلفُّ الحوارات والاتصالات وإعطاء الأوامر نبرةٌ استنفارية تمثل الحالة الطارئة التي تتطلب التزاماً صارماً من قبل الهيئات الدنيا وعناصرها تجاه أوامر الهيئات العليا وتصاحب الحوارَ إيقاعاتٌ سريعة توحي برنين الهاتف وصوت أجهزة البرق ودعسات المشي السريع لعناصر الأمن المنتقلين من مكان إلى آخر.

وتتوج الإشارة التقويمية أغنية نسمعها من هيفاء التي تقوم بترتيب الدكان والبضائع بينما ينهمك أفراد من المخفر بتزيين الساحة احتفاءً بمرور المسؤول الحكومي الذي سيصل (ميدا) بعد المفاوضات مع مسؤولي البلد الجار وسيـُدلي بتصريح صحفي عن مهمته لحظة دخوله للصحفيين الذين تجمعوا في المقهى والدكان تحضيراً لتقاريرهم ورصْداً لردود أفعال الناس.

هيفاء:               بـِإيــَّـــــــــام البـَرِد       

بـْإيـَّـــام الشـِّـــــتـي

                     والرَّصيف بـْحـَيـرة            والشـــــــــــارع غـريــــق

                     تـِجي هـــاك البنـْتْ           من بـَيـْـــتـــا العـتـيــــق

                     ويـْقـِلـْلا انـْطـِرينـي             وْتنـْطـُر عَ الطريـق

                                   ويـْروح ويـِنسـاهــا            

وتدبـَل بالشـِّـتــــــي

 

                     حبـَّيـْـتـَكْ بالصـَّيـف           حبـَّيـْتـَكْ بالشـِّتــــي

                     نـَطرْتـَكْ بالصـَّيـف            نـَطرْتـَكْ بالشـِّتــــي

                     وعـْيونـََكْ الصـَّيـف          وعـْيونـيْ الشـِّتــــي

                     مـَلـْقــانا ياحبيـــبـي

خـَلــْـــف الصـَّيـف             وْخـَلـْـــف الشـِّتــــي

 

لحن هذه الأغنية بدا للكثيرين وكأنه مُستوحى من موسيقا الجاز الغربية نظراً لدور مجموعة الدرامز فيه ولنوتة البداية المعزوفة بواسطة آلة الغيتار التي تواصل مع مجموعة الدرامز الحوار مع الأوركسترا ووترياتها. لقد انتشرت هذه الأغنية الجميلة بسرعة كبيرة مكرسة تصور المستمعين حول اقتراب الموسيقا الرحبانية من الموسيقا الأوروبية وقد راق للجميع هذا الاقتراب لأنه لم يأت أبداً على حساب النفحة الشرقية في هذه الموسيقا. لقد تطورت الأذن الموسيقية الشرق أوسطية مع الإبداعات الموسيقية المتطورة المتتالية للأخوين رحباني فأضحى الجمهور في هذه المنطقة لا يتردد في قبول واستيعاب العطاءات الرحبانية الدائمة التجدد.

ولم تكن أغنية (حبـَّيـْتـَكْ بالصـَّيف) الأولى من نوعها. فقد سبق وقدم الأخـَوان رحباني أغان مشابهة أو قريبة أدتها فيروز أو شقيقتها هدى حداد. ولكن هذه الأغنية بالتحديد انتشرت عالمياً وقد نـُسجت على لحنها أغنية باللغة الفرنسية أداها المغني الفرنسي الشهير (Jean Francois Michael) في عام 1971 تحمل العنوان (Coupable) ونالت من الإعجاب قِسطاً وافراً

 

                     مـَرْقت الغـَريــــبـِة              عـَطـْيـِتـْني رســـالة

                     كـَتـَبـْها حـبيــــــبي              بالـدَّمـْع الحـزيـــــن

                     فـَتـَحْت الرِّسـالـِـــة             حـْروفـا ضـايـْعـيــن

                     وْمـَرَقـِتْ إيـــَّـــــام              وْغـَرَّبتــْنـا سـْنيــــن

                     وِحـْروف الرِّسـالـِة            مـِحـيـْها الشـِّــــــتـي

                     حبـَّيـْتـَكْ بالصـَّيف..

 

تلي هذه الأغنية ردَّة خفيفة يشترك فيها أبو ديب وهيفاء مع إحدى سيدات الضيعة وتدعى (أم عبدو)، تمهّد لها الأوركسترا بجملة ناعمة يستهلـُّها (البـُزُق) بنقرات خفيفة سرعان ما تأخذنا إلى بيئة الخريف الجاف ورياحه ولسعات برده التي طالما اعتبرها الناس باكرة إذ لم يتمكنوا من الاستعداد التام لها وهم يتسابقون مع الزمن في قطاف الزيتون وعـَصره تاركين بقايا التين والعنب على أشجارها.

 

أم عبدو:            بـَـــرَد الـطـَّـقـــْـس ودارتِ المـَعـــاصـِر

هيفاء:               بـَـــرَد الـطـَّـقـــْـس والوَرَق عـَمْ يـِرْحـَلْ

أبو ديب:            بـَـــرَد الـطـَّـقـــْـس وْبـَدُّو يـِجـي السـُّمـُّن

والــتـِّيـْنـــــــــــات  عـَسـَّـــــــــلـُّو عَ أمــُّـــــــن

والــعـنـْبــــــــــات  مـافي ميــن يـْـلمـُّـــن

تــْــغـَــيـَّـــــر الـْـعــــِـــــــــدَّان 

وْبـَدُّو يـِجي السـُّـمُّـن

/بيكـونـــوا الصـِّيــَّــــادي سـَبـْقـــوني عَ الـنــَّــــــهـْر

رَح إطــــْـلـَع بالـــــوادي   وإربطـْــــــــلـُن عَ الضَّهـْر / (2)

/وْشـَرِّعْ جفـْتـي وْإنـــزَل الـْ ما بـْتـِنـْصاب بـْتـِهـْشـلْ / (2)

وْ تـَ إعـْميـْلـُنْ خـِلـْقـتـْهـُن       وِبـْغـَبْرة جـِفـْتـي طـُمـُّـن

أبو ديب وهيفاء :    بـَـــرَد الـطـَّـقـــْـس        وْبـَدُّو يـِجـي السـُّمـُّن

والــتـِّيـْنـــــــــــات عـَســَّـــــــلـــُّو عَ أمــُّــــن

والــعـنـْبــــــــــات مـافي ميــن يـْـــلمـُّــن

تــْــغـَــيـَّـــــر الـْـعــــِـــــــــدَّان 

وْبـَدُّو يـِجي السـُّـمُّـن

أبو ديب:            بـَـــرَد الـطـَّـقـــْـس

هيفاء:                                   بـَـــرَد الـطـَّـقـــْـس

أم عبدو:            بـَـــرَد الـطـَّـقـــْـس

                     إيــــــــــــــــــــــه.. بـَـــرَد الـطـَّـقـــْـس.

                     كلّ سـِنـِة بـْيـِجي البرد وما كنـَّا نتـْعـَوَّدْ.

                     يابو ديب. هالسـِّنـِة جـِبـْتو فـْساتين صوف؟

أبو ديب:            يامّ عبـْدو نِحْنـا مُش دِكـَّانـْة تـْيــابْ

أم عبدو:            وْلـَيش ما بتـْجيبو تـْيابْ؟

أبو ديب بـِنـَزَق:             مُشْ شـَغـْلـِتـْنا

 

وتمتدُّ أم عبدو بعينيها الحائرتين إلى داخل الدكان متفحصة محتويات رفوفه قبل أن تفقد الأمل بالعثور على ما يقيها البرد. ثم تعود بنظرها إلى الأمبراطور الجالس صامتاً:

أم عبدو:            إنـْت. شو بـْتـَعملْ؟

أبو ديب مختصراً:    بـْيـِشـْتـْغـِل بالدكانة

أم عبدو:            شايفـْتو قاعـِدْ؟

أبو ديب بعصبية:    بـْيـِشـْتـْغـِل بالقعود

 

لحالة الاكتئاب عند أم عبدو ما يبررها. ودفعاً لاحتمال أن ينظر برهوم إليها كبلـْهاء تشرح الأمر له بنبرة حزينة:

أم عبدو:      هـَيـْئتــــو التـَّـلـْج رَح يـِجــــــي بكـِّيـْر، والأهالي هــــَون    بـْيبــِرْدو كــْتــــــيـرْ

              ما عنـْدُنْ حـَطـَبْ      وْلا تـْياب بـْهالـْجـِرْد

                           بـْيـِلـْهو الـِوْلاد بالقـِصص تـَ يـِغـْفـــُو بـْهالـْبـَرْد

              بـِيـْخافـُو مـْن الشـِّتــــــي  يجـْرِفــْلـُن بـْيوتـُـــنْ

              وْبيـْــــــفـُــــــوت الشــِّـتــــــي يـِتـْسـَبـَّحْ بـِبـْيوتـُـــنْ

              وغـْلـِبـْنا نـْقـلـُّو لـَ بو ديب      جيب فـْساتين صــــــوف

وْما كـــــــــــــــان يجيـــب!!

ويـْقـِلـِّي مـِنـْشــــــــــوف

كـــــــلّ الحـَقّ عَ بو ديب

يابو ديب...  جبـْتو فـْساتين صوف؟

أبو ديب زاجراً:              قلـْنــــــــــــــــــــــالـِكْ لأ

أم عبدو:            مَ الأهالي برْدانين. دفـِّيـْهـُنْ بقى

أبو ديب هازئاً:              أنا بَدِّي دفـِّيـْهـُنْ؟؟. أنا بَدِّي مينْ يـْدفـِّيـني

 

وتغادر العجوز المكان متـَّكئة على عصاها قانطة يائسة وغير مكترثة بما يدور حولها من تحضيرات لقدوم المسؤول، يقوم بها أفراد من المخفر وهي تقول (إيــْــه تـَ نـْروح نـْدَبـِّرْ حـَطـَبْ)

 

الشاويش يشرف بنفسه على تزيين الساحة استعداداً لدخول المسؤول قادماً من رحلته الهامة إلى البلد المجاور وهو سيجيب على أسئلة الصحفيين المتعلقة بواحد من هموم الناس اعتادوا أن يتصدّر أولويات أيّة هيئة انقلابية جديدة ويتعلق بمواضيع أمنية وتجارية حدودية، كانت على الدوام سبباً في غلقٍ متكررٍ للحدود نجم عنه تكدُّسُ وكسادُ البضائع فوق الناقلات المُجـْبـَرة على التوقف (وْصـِلـِتْ عَ الحدود مْسـَكـَّرَة الحدود وكميونات الخضرة عـِلـْقـِتْ عَ الحدود.. والخضـْرة دبـْلـِتْ وْدبـْلو السـُّوَّاقين).

الشاويش المصاب بالقلق من احتمال فشله في تأمين الحماية والهدوء يزيد من حملقته في الأشياء والأشخاص وهو يدرك بأن لأجهزة السلطة آذاناً وعيوناً لايعرفها. وربما يكون (الشغـِّيل برهوم) عيناً عليهم!!

الشاويش:            وَكْ يا هيفا

هيفا:                شو؟

الشاويش:            هالبرهوم!

هيفا:                مش عمْ بفـْهـَم!

الشاويش:            هالبرهوم!!

هيفا:                شو قصـْدَك؟

الشاويش:            هالبرهوم الـْ بـِدِّكـَّان بـْيـِتـْهـَيــَّألي إنو هـَيكْ مشْ مفهوم

هالبرهوم

هيفا:                شفـْت عـْلـَيه شي؟

                     كـْمـَشت عـْلـَيه شي؟

الشاويش:            أنـا شاكـِكْ

هيفا:                بـْشو شاكـِكْ؟

الشاويش:            شـاكـِكْ إنـُّو

هيفا:                إنـُّو شو؟

الشاويش:            إنـُّو يـْكون

هيفا:                يـْكون شو؟

الشاويش:            يـْكون شي

هيفا:                شي شو؟

الشاويش:            خايفْ إنـُّو يـْكون من هَيْئِة التــَّفـْتيش

                     سـْهِرْنـا مـَعو. سـْكِرْنـا مـَعو. نحنا وْمـَلـْهب الـِمـْهـَرِّب

                     يرْجـَع يطـْلـَع من هيئة التـَفتيش

هيفا:                يا مـْعـَتـَّر ياشاويش

 

القالب الغنائي اللذيذ الخاص الذي أتى فيه هذا المشهد الحواري شديد القدرة التعبيرية عن مشاعر القلق والخوف التي ترافق حالة الطوارىء المصاحبة للانقلابات العسكرية، بدءاً بالتمهيد الموسيقي ونوتاته الحلـَقية السريعة التي توحي بالارتباك والحذر وقد رافقت اقتراب الشاويش من هيفاء بعد أن تركها برهوم الذي ذهب في نزهة متوخياً الانفراد بنفسه والتفكير في مصيره في ظلّ الأوضاع الراهنة التي ظاهرُها الاستقرار وحقيقتُها خلافاتٌ عميقة بين أعضاء هيئة الانقلاب وأصحاب المصالح والنفوذ. وتأتي الجمل القصيرة جداً في الحوار لتؤكد حالة الرعب التي تصيب الناس عندما يخيـَّل إليهم أو يشعرون بأنهم مراقـَبون من أجهزة الأمن وعيونها لدرجة تثير الشكَّ والظنَّ وخوفَ الناس من بعضهم وتدْفعهم إلى التزام الصمت درءاً للمتاعب.

وإشباعاً لرغبته في إدراك حقيقة برهوم ينهار الشاويش على هيفاء بالأسئلة من لائحة المواصفات الخاصة التي يتميز بها المراقب السري:

الشاويش:            بـْيتـْنـَزَّه بالـْلـَّيـْل؟

هيفا:                بـْيتـْنـَزَّه

الشاويش:            بـْيتـْطـَلـَّع بالناس؟

هيفا:                بـْيتـْطـَلـَّع

الشاويش:            بـْياكـُل؟

هيفا:                بـْياكـُل

الشاويش:            هـه!! بـْيـَعمـِلْ حالـُو عـَمْ ياكـُل.. بـْيِشـْرَب؟

هيفا:                بـْيِشـْرَب

الشاويش:            بـْيـَعمـِلْ حالـُو عـَمْ يِشـْرَب

                     وْبيصيـر يبـْرُم بالدِّكـَّان وْإنـْتـُو نايـْميـن

                     ويـْدور التـِّنـْبيشْ

هيفا:                يا مـْعـَتـَّر ياشاويش

الشاويش:            أنا بـَدِّي وَقـّفـُو

هيفا:                وْبـَلـْكي طـِلـِع مـْفـَتـِّشْ وْ عـَم بيراقـِبْ تـِهـْريبـِة

الشاويش:            مَ هـَونِ الـِمـْصـيبـِة

هيفا:                الـْعـِلـِّة ما بقـى تـَعـْرِفْ

                     ميــــــن أكـْبـَرْ مـِنـَّـــــــكْ          وْميــــن أصـْغرْ مـِنـَّــــكْ

                     مين الـْ عـَمْ بتـْراقـْبـُو          وْمين الـْ عـَمْ بيراقـْبـَكْ

                                   وْ مين رَكـَّب هالتـِّرْكيبـِة

الشاويش:            مَ هـَونِ الـِمـْصـيبـِـــــــة

 

لقد وجدتـْها هيفاء فرصة للسخرية من وضع لا تحبه ولا يرغب به أحدٌ من الناس الطبيعيين. وبفضل صحبتها مع الشاويش الطيب عبود أفندي والذي تتقاذفه متناقضاتٌ عديدة وانفصامية بين شخصية الإنسان العادي والأخرى لـ (زلـْمة البـَدْلة) ولكونه طالما شدّته الشروط العادية خارج وظيفته للتعامل بانفتاحية مع الناس، بمن فيهم المهرب مَلْهَب، فإن هيفاء لم تتردّد في إثارة سخط الشاويش وتحريضه كي يقف إلى جانبها ضد هذه المظاهر غير المستحبة وخاصة ما استحدثته التكنولوجيا الحديثة، فتكْمل:

هيفا:                إنتَ عـَم بـِتـْراقــــب            وْفي حـَدا بيـْراقـْبـَكْ

                     وْحدا يـْراقـِب الـْحَدا

وْفي حـَدا فـَوق الكلّ         عـَمْ بـيـــراقب الكـــلّ

وْقاعـِدْ عَ راس السـِّيـْبـِة

الشاويش:            مَ هـَونِ الـِمـْصـيبـِــــــة

هيفا:                وْصار في إشـْيا بتسـَجـِّل     وِبـْتـِسـْمـَع الشـَّــبـيبـِة

الشاويش:            هايـْدي أكـْبـَر مـْصـيبـِــة

                     دَخيـــْــــــلـِكْ عَ السـَّكـْتْ         قِمـْنا حْكينا وْعـِلـَّيـْنا

                     لـَ يـْكونْ بـتـْيابـْنا في شي      عـَمْ يـِتـْسـَمَّع عـْلـَينا

هيفا:                التـِّهـْريبـِة

الشاويش:                   التـِّرْكيـْبـِة

هيفا:                              والإشـْيــا اللـِّي غـَريبـِة

الشاويش:            واللـِّي عَ راس السـِّيـْبـِة

هيفا:                              شايـِفْ مالـّلا مْصـيبـِة؟

الشاويش:            إيــه!

هيفا:                              يا مـْعـَتـَّر ياشاويــــــش

 

يصمت الإثنان لدى رجوع الأمبراطور من نزهته ويقطع حالة القلق عندهما وصول وفود الصحفيين بأجهزتهم وكامراتهم لتغطية عودة المسؤول من رحلة المفاوضات إلى البلد المجاور وقد ملؤوا المكان بحركاتهم وبتسجيل آراء الموجودين في الأحداث ومشاعرهم في انتظار المسؤول في إشارات ساخرة من الصحافة المتملـِّقة المأجورة وحواراتها المبتذلة وتصويرها الكاذب لحالة الفرح ومظاهر التأييد للسلطة (الجميع هنا سعداء ومسرورون)..

أنظمة الحكم العسكرية التي تنصّب نفسها شمولياً واستئثارياً فوق الشعب والوطن تخترع الوسائل وتستخدم المروّجين المطبّلين المدّاحين وتفرضُ إعلاماً أحاديّ المنهج وظيفتُه تصويرُ حال البلد بالشكل الذي يمتدح هذه الأنظمة ويبجّل قادتها ويُظهرهم أبطالاً وطنيين شعبيين محبوبن مبايَعين إلى الأبد لا يماثلهم في التميّز أحدٌ وكأنهم نعمةٌ من الله لم ولن يُخلق مثلهم ولن يكون عنهم بديلٌ إلا الأبناء. اعتماد هذه الأنظمة على الإعلام المربوط قسراً  بأجهزة أمنها وبدوائر صنع القرار والتوجيه يبعده عن الناس الذين يكرهونه ويملّونه ولا يثقون بكلمة واحدة من الأكاذيب والحيل التي يفبركها لصالح الحاكم ومجموعته، وغالباً ما يصبح هذا الإعلام محطَّ سخرية المشاهدين والمستمعين والقرّاء. وبخلاف ما يشهده العالم من شفافية وصراحة وانفتاح وصدق تعامل، ما زالت حكومات الكثير من البلدان غير الديموقراطية تعتمد التعتيم والتلفيق وصناعة الكذب للتلاعب بالرأي العام، يرافق هذا ترويجٌ لآدابٍ وفنون ومهرجانات تعكس الثقافة المفروضة المكرّسة لتأليه القادة ومبايعتهم مدى الحياة ومنح الولاء التام لهم ولأبنائهم من بعدهم.

لقد قصد الأخوين رحباني من هذه المسرحية ومن مشاهدها التي تستعرض دور أجهزة السلطة القمعية والإعلامية التنبيه إلى حالة عقيمة في تواصل أبناء هذه البلدان مع أشقائهم في بلدان العالم وتبادل المعرفة والثقافات معهم. وعلى الرغم من البعد الزمني الفاصل بين سنة عرض المسرحية وأيامنا إلا أننا نعيش واقعاً يماثل من حيث العلاقة بين السلطة والناس ما كانت عليه في تلك الحقبة.. لا بل يمكن تأكيد ازدياد شدة البطش والتنكيل بالناس وقمع حرياتهم وزجِّهم في السجون وتعذيبهم وقتلهم وتدمير المجتمع ومكوناته أمام بقاء حالة استفراد الزمر الحاكمة على رأس بلدانهم.

ولكن الشعوب، من ناحية أخرى، تنتفض عندما يطفح الكيل وتستبسل في المطالبة بحقوقها وتُسقط الحكومات المستبدّة والحكام الطّغاة.. ولقد أسقطت تقنيات العصر الحديث أوراق سلطات القمع ولم يعد ينفعها التعتيم الإعلامي وتلفيق الروايات والأخبار لمصلحة الحكام. هاهو عصر "التواصل الاجتماعي عبر الفضاء التخيّلي الأممي" يقتحم قصور الحكام الديكتاتوريين ويقضّ مضاجعهم ويُسقِط إعلامهم ويشكل بيئاتٍ ثوريةً جماهيريةً تنافسُ الأحزاب السياسية وتتميز عنها بالمرونة والحضور المتواصل وعدم الحاجة إلى بنىً هيكلية وقيادات مما يمنحها قوةً تفتقر لمثلها الأحزاب التقليدية الآيلة الى الزوال. هذه الحركات التي نظّمها ومازال مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي نجحت وسطّرت ملاحم في البلدان العربية نجم عنها ما سُمّي بالربيع العربي أسقط عدداً من الحكام الديكتاتوريين ومازال يسقط الباقين واحداً واحداً.

لقد تنبّأ الأخوان رحباني بهذه النتيجة.. وإذ حُرم الموتُ عاصي، الذي رحل عنا عام 1986، فإن المرحوم منصور، الذي توفي في مطلع 2009، عايش مراحل التطور التقني وجيلَ الإنترنيت وأدرك أن الشعوب ستتبادل ثقافاتها وتجاربها وستفرض، لا محالةَ، حضورَها ومجتمعَ الحرية والعدالة والشفافية التي تطمح إليها وستُسقِط الديكتاتوريات والحكومات العسكرية إلى الأبد.

 

ونعود إلى مسرحيتنا..

تستغل السيدة فيروز الموقف لتـُسمِعنا بصوتها العذب أغنية قصيرة من أغاني الموسيقار العظيم سيد درويش (1892 - 1923)، الذي كان الأخوان الشابان عاصي ومنصور يقدِّران مكانته الفنية الكبيرة على الصعيدين الغنائي والمسرحي وقد غنت فيروز من ألحانه عدة أغان من أهمها (طلعت يا ما احلى نورها، زوروني، الحلوة دي، يا شادي الألحان). وهاهي الآن تسعد الجمهور بمقطع من أغنية طربية هادئة في مقام (حجاز كار كورد) مِن (زاوية الغناء القديم) كما تقول لمُحرِّر صحيفة (الرشـّاش المتطورة):

هيفا:                أنـا هـَويتو. وانـْتـَهيـْت         وْليه بقـــى لوم العذول

                     بيحب إنـِّي أقـول ياريت      الحبّ دَه عـَندِي يـِزول

                     ما دمـْت أنــــا بـِهـَجـْرو        بـِهـَجـْرو إرْتـَضـيـْـت

                     خـَلـِّي بقـى الـلـِّي يـْقـول        الـلـِّي يـْقـول يـْقــــول

 

يلي هذا المشهد لوحة تمثل النشاط الترويجي لشركات الإعلان والصحافة تمهيداً للقاء الصحفيين المتهافتين طمعاً بلقطة تصويرية أو بجملة هامة في تصريح المسؤول، تصلح (مانشيتاً) بالقلم العريض تزيد من مبيعات جرائدهم في بيئة تنافسية يغلب عليها الطابع التجاري والتسويقي بينما تدلُّ عبارات الصحفيين وأسئلتهم لمرافقي المسؤول على الاهتمام بشخصيته وحركاته (لون الهوا اللـَّي تـْنـَشـَّقو؟) ولم تكن الأجوبة أقل سطحية وسخفاً (طـِلـِع على السـَّرايا/ نـِزِل مـِن السـَّرايا/ طـِلـِع على السيارة/ نـِزِل مـِن السيارة/ ابـْتـَسَمْ.. رِجـِعْ عـَبَسْ... الهوا شْمالي/ الهوا جْنوبي.. لا شرقي وَلا غربي)

ويصل المسؤول.

وتعزف الأوركسترا لوصوله لحن الترحيب الملكي..

ويحيط بالمسؤول المرافقون بأنواعهم مُبعِدين عنه الصحفيين الذين بادروه بالأسئلة التقليدية:

عدة أصوات:        شو بتـْصـَرِّحْ ياجناب المسؤول؟

المسؤول:            كانت  الرِّحلــَهْ        مـُوَفـَّقهْ

 

ويضحك الجمهور للنـَّبرة الرسمية المتصنّعة باللغة الفصحى، التي يجيب بها المسؤول والتي تذكرهم بشخصية اعتبارية، ويضحك أيضاً للعبارة التي طالما تكررت في تصريحات المسؤولين.

في التلميحات استعارات تهدف إلى توسيع رقعة المعنى وتلوين المقصد. لم يرد الأخوان رحباني، كما هي الحال في كافة أعمالهم، حصر العمل بحدث واحد أو بمساحة ضيقة أو زمن محدّد بقدر ما كانا يسعيان، بمهارة فائقة ودون أدنى درجة من درجات الملء أو الحشْو، للوصول بالجمهور إلى حالة فوق الزمان وخارج المكان.

صحفية:             هـَدَف الرِّحلـة ياجَناب المسؤول؟

المسؤول:     حلّ    القـَضايا       المـُعـَلـَّـقـهْ

صحفي:             كيف سارت الرِّحلة؟

المسؤول:     سارتْ بـِجوِّ من المـَوَدَّة والإلـْفــَهْ

              لأجل الصـَّداقة       والتـَّقارُبْ      والحرِّيـَّة..

                                                والمصـْلـَحـَـــة العـــــامـَّهْ

صحفية:             ومتى ستقبضون على الأمبراطور؟

المسؤول:     قريبـاً جداً. وإنني أعِدُكم وأقــــــــــــولْ:

                     إن كلَّ شيء يسير إلى الأمام. إلى   الغــــايةِ المنشودة

                    

ويبدي الجميع سرورهم واكتفاءهم بما صرّح به المسؤول وهو يغادر تاركاً الدكان وهيفاء والأمبراطور الذي يخرج من الداخل يسأل (شو صرَّح المسؤول؟)

هيفاء:        متل العادِة. "كانت الرِّحلـَة مـُوَفـَّقة"

برهوم:        والقـَضايا المـُعـَلـَّـقـه؟

هيفاء:        بـَعـْدا مـُعـَلـَّـقـه!!

أنا رْبيت بـْهالدِّكان، وْمن يوم اللـِّي فايقة – وَفـِدْ جايي وْوَفـِدْ رايح.

واللـِّي مـْعـَلـَّـقْ بـَعـْدو مـْعـَلـَّـقْ

برهوم:        بـْشوفـِكْ مابـْيـِعـِجـْبـِكْ حدا!     إنتي إذا كـَلـَّفوكي مين بـْتـِخـْتاري للحـِكـِم؟

هيفاء:        بـْتـِضـْحـَكْ إذا بـْقـِلـَّكْ. بـِخـْتار جدِّي

برهوم:        أبو ديب؟

هيفاء:        إيه. جدي أبو ديب. بسَّ لـَو ما كان بـْيـِكـْذب شـْوَيّ

برهوم:        لـَيشْ بـْتخـْتاريه؟

هيفاء:        جدِّي عايشْ بالطـَّبيعة. تـْصاحـَب هـُوِّي والطـَّبيعة

              هـاوْديكْ بـْيقـْرو الإشـْيا بالكتـُبْ. بتـْضـَّلْ بـْعـَقـْلـُنْ كـُتـُبْ

              جدي بـْيعرف كيف الـِبـْدار بـْيطـْـلـَع مـْن الأرض

              جدي بـْيعرف كيف أيـَّام الطـَيور وْمواسم السـَّفـَـر

              جدي بـْيعرف لما التـَّلـْج بـْيضـْرُب اللـَّوز كيف بـْيـِبـْكـُوا صـْحاب اللـَّوز

              أنا قـْريت بالكـُتـُب عن الدِّيب. بـِقي الدِّيب صورة بـْعـَقـْلي

              لـَمـَّا هـَجـَم الدِّيب بـْهاك اللـَّيـْلـِة عَ قـَطيع المـِعـْزِة

عـْرِفـِتْ شو يعـْني الديـب

 

كلام بسيط يخفي وراءه الكثير وفي سذاجته الظاهرية قوة لم يعهد الأمبراطور مثلها، ليس عند بسطاء كباعة الدكاكين فحسب، بل عند سياسيين ومثقفين من جماعته أو من المعارضين. ما هذه الـْ هيفاء؟ ما هذا الدكان؟؟!!

برهوم لنفسه:  مانـِّكْ قـَليلة!!

قلـْتْ وْبرْجَعْ بـْقول. هالدِّكانة لازِمْ تتـْفـَتـَّشْ

 

رغبة دفينة عند هيفاء وجميع من تمثلهم هيفاء وأمثالها في رفض الواقع المرّ والتمرُّد على الطريقة التي يـُحكم الناس بها، وكأنهم يودّون الصراخ قائلين: دعوا الناس يحكمون أنفسهم بأنفسهم، لأن الحاكم الذي ليس (زَلـَمة متـْل الزِّلـِم) ولا يعرف (العراك مع الغبار) يكون في عرشه كمن يجلس في المتحف (والدنـْيي عمْ ترْكـٌض برَّا). إن هيفاء ترى بأن الحاكم يجب أن يكون من الناس يعرف همومهم من الحياة ومشاكلها ومواجهات صعابها (أنا من حزب الدكـَّان) في حين أن الحاكمين بأفضل حالاتهم (بـْيقـْرو الإشـْيا بالكتـُبْ. بتـْضـَّلْ بـْعـَقـْلـُنْ كـُتـُبْ)!

 

ونحن هنا مرة أخرى أمام واحدة من الثنائيات الرحبانية ذات المدلول الفكري العميق (النظرية والتطبيق). (الشعارات والواقع)!

والأمبراطور الذي كان يظن الناس الغارقين في دكاكينهم ومتاعبهم أقل شأناً من أن يعرفوا الحقيقة أو أن تكون لهم آراءٌ وتصورات في قضايا حساسة كهذه يثبت له الدكان الآن أن بين الناس أشخاصاً يعلمون كيف يفكرون ويدركون الواقع وقد يكونون العنصر المُقـْلِق لأصحاب المصالح (قلـْتْ وْبرْجَعْ بـْقول. هالدِّكانة لازِمْ تتـْفـَتـَّشْ)!

 

مع نهاية الحوار الهام بين برهوم الحائر وهيفاء الجريئة ننتقل إلى مشهد ساخر لشبلي الذي يبحث عن الأمبراطور أملاً بتسليمه للجهات المختصة ونيل الجائزة. وهو لذلك يستخدم لحية مستعارة تشبه لحية الأمبراطور الهارب فيلصقها على وجوه من يشتبه بهم ويقارنها بالصورة في يده. وبرهوم أحد هؤلاء ولكن هيفاء تقطع الشك بتأكيدها بأن برهوم (بيشتـِغـِل عنا بالدكان). فيغادر شبلي نادباً حظه السيء.

 

هنا يعود من رحلة الصيد أبو ديب الذي لم يكن قد اكترث لموكب المسؤول ويقترب من المقهى حاملاً جفته والمشلح الأمبراطوري فيفاجىء الجميع الذين يسألونه غناءً:

الحضور:            شو جـــايب    شو جـــايب    يـــا بو ديب؟

                     شـو هايـْــدا    شـو جــايب    يـــا بو ديب؟

                     مـِتـْـصـَيـَّد طــرِيـْــدِة     وْمـــانـَّـا طـْــــريـــدِه

                            صـَـيـْـــدِة جـْديـــــدة      يـــــــابـو ديـــب

                    

فضول الجالسين لمعرفة ما جاءهم به أبو ديب أفرحه فراح يسرد بفخر ما حصل معه في رحلة الصيد التي لم يوفّق فيها بأيٍّ من طيور السمـُّن الهاربة إلى الساحل ولكن جعبته ليست فارغة:

أبو ديب:     رِحِتْ إتـْصـَيـَّـــدْ

الحضور:     إيه

أبو ديب:     السـُّمـُّنْ هـَرَبْ عَ السـَّــــــاحـِلْ          والـْبـَرِدْ وَحـْدُو كان بـِالـِحـْراشْ

              وْعَ الحـَــــــدّ الفــــــــــــاصـلْ              مـِــتـِـلْ شـي نـِسـْر مـْعـَلـَّـــــــقْ

              هالـْمـَشـْلـَــــــحْ واقـــــــــــــِـع         خـَــلـْــف الـِحـْـــــــــــــــــراشْ

 

الجميع:       مـِيـْن نـِسـْيـُو؟ مـْنــِيـْن جايـي؟          يـــــــــــابـو ديـــب

              بـِزْرارُو        في حـْــكـايـِة          يـــــــــــابـو ديـــب

              مـنْ أرض الـِبـْعـِـيـْـــــــــــــدِة              فـي قـِصـَّة جـْــديدِة

              وْصـــيْـــدِة      جْديــــــــــــــــــدِة          يـــــــــــابـو ديـــب

أبو ديب:     وِعْرِفـْتـُـــو لـَمـَّــــا شفـْتـُــــــو              مـَشلـَح الأمبراطور

الجميع:       مـَشـْـلـَح الأمبـراطــــــــــور؟              مشلح الأمبراطور!

هيفاء:        جدِّي كـانْ رايـِــح قــاصد الخـَيــــر

تـْصـّيـَّـد جـْــوانـِحْ وْمــــافي طـَيـْــر

الجميع:       يابو ديب احـْـــكي            خـَبـِّرْنـــــا واحـْكـِي

              هالمـَشـْلـَح الغـالي             شو رَحْ تـَعـْمل فيه؟

أبو ديب مفاخراً:            رَحْ إلـِبْســـو وْإرْكـَب عَ الـِحـْصان     

وْإسـْـلـُـك الـدَّرْب الـْ مابـْيـِنـْسـَـلـَـك

شـَجــْـــرِة الـْعـَيـْـلـِـة بـِتـْـقــُــــــول

كـان في جـِدّ مـْن جـْـدودي مـَلــَـكْ

أحدهـم:                     مـَلـَـك عـَلى أيـَّــا بـْـــــــــــــلاد؟

هيفاء:               جدِّي القـِصـَّة مـُشْ مرْتــاحـَة!!

أبو ديب:            كان ملك مَمـْـلكـْـتــُو           أخـَدتـْها المســاحـَة

هيفاء:               وَكْ جدِّي بتـْروح تـَ تتـْصـَيـَّد بـْتتـْصـَيـَّد المـَشاكـِلْ!!

أبو ديب:            أيـَّا مـَشـاكـِلْ؟

هيفاء:               إذا عـِرْفـــو. بـِهالـْمـَشـْلـَح

بـَدُّنْ يـِسـْألو    ويـْصير في تحقيق

                     وَيـْن لـْقـَيـْتـُــو؟         مـْنـَيـْــــن جبــْـتـو؟      

كيف هـَرَّبـْتـُو؟        صـاحـْبو وَيـْن؟

وْياخـْدوك. يسـْألـوك. يـِتـِهـْموك.      صـَدِّقـْني ياجدِّي

بـْتـِـتـْصـَيـَّد المـَشــــاكـِلْ!!

أبو ديب متراجعاً:     أنـا شو دَخـَلـْني              بعـْطيه لـَحـَدا

 

 

بدأ أبو ديب يشعر بالإحراج أمام الآخرين الذين أخذوا يتناقشون بقلق حول المشلح وما يمكنهم أن يصنعوا به. وبين معجبة بقماشه وأزراره الذهبية ومتردّد حتى في لمسه كان القلق بادياً على الأوجه، حتى أن هيفاء وأبا ديب يطالبان الآخرين بالاشتراك معه في البحث عن حل (إنتو ونحنا عـْلقنا يالله. افـْتـِكـْرو معنا كيف مـِنـْحـِلا) وبرهوم يراقب الجميع بصمت وحيادية. فالأمر لا يخصـُّه!

ويستمر الحوار الغنائي والتخوف مما يمكن أن يوصلهم إليه هذا المشلح تجاه الباحثين عن صاحبه ويزداد القلق ففي الحكاية خطورة لا مهرب من مواجهتها (يا عمي ونْ بدْنا نهـْرُب كانت خلط وْصارت جدّ) وقبل أن يغادر الجميع تاركين المشلح لهيفاء وجدِّها يتدبّران أمره تدخل العجوز (أم عبدو) إلى الدكان وقد جذبها قماش الثوب من بعيد فتحاور هيفاء بالطريقة المنغـَّمة:

أم عبدو:      جبتـُو فـْساتين صـوف؟              فـَرْجيني تـَ شوف!

هيفاء:        هايـْدا مـُشْ للبـَيـــــــْع

أم عبدو:      أنــا بـَدِّي يـاه

هيفاء:        مـُخـْمـَلْ!

أم عبدو:      بـِــيرِحـْـلي

هيفاء:        أحـْـمـَرْ!

أم عبدو:      بـْيـِلـْبـَقـْلـي

هيفاء محذرة:  يا امّ عبدو    بـْياخـْدوكي عَ الـحبـْس

أم عبدو:      فـَشـَر!!

                     وْهالـْعـَصــايـِة شو عـَم تـَعـْمـِلْ؟

                     عـَمْ قـِلـِّـكْ هـاتـيه      وْماعـْلـَيـْكـي منـِّي

                                   أنـا لـَوْنـُــــــــــــو   جـَـنـَّــــنــِّـــــي

 

وتنتزع أم عبدو المشلح الفاخر من يد هيفاء مُصِرَّةً على أخذه لنفسها وكأنه من حقها غير مكترثة بتحذير هيفاء وتحاول لبسَه فوراً. وإذ ترى أنه ثقيل ولا بدّ من أن يساعدها أحد تتوجـَّه إلى الشخص الصامت - برهوم:

أم عبدو:      إنتْ. هـَيــْـئتـــَكْ مابــْـتـِحـْكي كـْـتير             ساعدْني تـَ قـِلـَّــكْ

 

ويقوم الأمبراطور فيتناول المشلح بحزن ويساعد العجوز أم عبدو بلبسه مجبراً ودون تعليق. إنه القدر يسخر منه دون اكتراث! أما أبو ديب الذي كان شديد التوجُّس في مصير المشلح، فقد أسعده أن يراه على كتفي أم عبدو. ولم لا؟ والأمبراطور المخلوع ترك كل شيء وولـَّى. وليكن للناس شيءٌ، ولو كان زهيد القيمة، من بقايا ما سلبه الأمبراطور من حقوقهم.

أبو ديب:            بـْتـِسـْـتـحـِقــِّيــــه مــن أجل السـّنيــن

                     شـَعـْرِك الأبيض       وحــِكـْمة السـّنيــن

 

يلعب دور الأمبراطور المخرج ميشال نبعة، الذي لم يشارك في أية مسرحية أخرى مع الأخوين رحباني، وكان له حضورٌ مسرحيٌّ آخر على الساحة اللبنانية. وقد اشتهر في مسرحية "الستارة" التي أخرجها عام (1972) والتي عَرضت حال العرب بعد هزيمة 1967.

 

يعود الجميع إلى الدكان حيث تتألق أم عبدو بمشلحها الجديد وبعصاها التي اتكأت عليها وكأنها الصولجان. ويردّد الجميع بنغمة هادئة أغنية تمدح العجوز وتبارك لها بالمشلح الذي سـوف (يرد البرد والحر عنها والعين أيضاً). يغادر الجميع بعدها ويـُقفل الدكان مُعلناً انقضاء يوم آخر يـَطوي ليلـَه قلقُ الناس المستمر وتناقضات لا تنتهي وكأن هذا الليل محطة لتأجيل أحداث أخرى ستعلنها إذاعة ميدا مع فجر النهار التالي!!

 

مع خيوط الفجر الأولى يقتحم الدكان المهرب ملهب وأبو متعب، زعيم منطقة الجرد، وأفراد جماعتيهما الذين يطلب منهم ملهب حراسة المكان ثم يقدم أبا متعب لبرهوم الذي تفاجأ بالأمر:

برهوم:        تـْشـَرَّفـْـنا. شو القصة ياسيد ملهب؟

ملهب:        الشـَّغـْـلـِة بـَدَّا سرْعة

              يابرهوم أنا حبـَّيـْتـَكْ مـِنْ كـَلامـَكْ

              وْهَوْدي جماعـْة الإنقلاب عـَمْ يـِتـْقاتـَلـُو بـْبـَعـْضـُنْ وْما قـِدْرو يـِتـْرَكـَّـزو

برهوم:        يـَعني؟

ملهب:        يعـْني قرَّرنا نـَعـْمل إنقـِلاب عَ الإنـْقـِلاب

              وْنسـْتـِلـِمْ الحـِكِمْ تـَ نـْخـَلـِّص الـِبـْلاد من هالـْفـَوْضى

برهوم:        بسّ أنا شو دَخـَلـْني؟

ملهب:        وَلـَوْ. بـِ مـَعـِيـْـتـَكْ!

برهوم:        أنا مواطن بـَسيط

ملهب:        عارف عارف

برهوم:        وأنا مع الأساليب الديموقراطية

ملهب:        ليش أنا شو؟

              مَ أنا مـْرَتـِّبـْها عَ الديموقراطية.

              بما إنـَّكْ مطـْلوب. وْأنا مطلوب. والشـَّيخ بو متـْعِبْ مطلوب.

              وْنـِصّ النـَّاس صارو مطلوبين صرْنا الأكتـَرِيـِّة.

              وْمازالا ديموقراطية الأكتـَرِيـِّة بـْتـِسـْتـِلـِمْ الحكم

 برهوم:              كيف هيك؟

ملهب:        هـَيـْـكْ. ماتـْجادلـْني.

              أنا بالسـَّهْرة افـْـتــَكـَرْت وْظـَبـَطـِتْ معي

              وَيـْن في مـْهـَرِّبْ. وَيـْن في طـايـِح. كلـُّو مـْوافـِق

              أحسن شي يـِجو عَ الحـِكـِمْ. بـْيـِنـْضـَبـُّو

برهوم:        الشـَّغـْلـِة بـَدَّا دَرِس

ملهب:        الدَّرْس بـْيـِنـْزَع الشـَّغـْلة.

              إنت رئيس هيئة الإنقلاب وْنحـْنا المجـلس المـُوَقـَّت

              كان ناقصنا واحد يكتب وْيقرا حـِطـَّيـْناك إنت

برهوم:        بسّ الحـِركـِة ما تفـْشـَلْ؟

ملهب:        وَلا يـْهـِمـَّكْ. إذا نـْجـِحـْنا عال. وْإذا فـْشلـْنا دخـْلـَكْ شو مـْنِخـْسـَر؟

              هـَيـْك هـَيـْك مـَطـْلوبين. مـْنـِرْجـَع مْـناخـْدَك وْنِهـْشـُلْ نحنا ويـَّاك بـْهالجـِّرْد

              (ويتّجه إلى أبو متعب): مشْ هَيـْك يابومتـْعـِب؟

              هـَهْ. الشـَّيـْخ بو متعب مْوافق.

 

علاقة ملهب بشخصية من نوع الشيخ أبو متعب سيد المناطق المُهمـَلة وزعيم رجالها طبيعية. ففي مناطق من هذا النوع تتلاقي مصالح أولئك الذين (ترفضهم الطرقات الوسيعة) المحرومين من الاعتبارات اللائقة ومن الرعاية الوطنية فتـُعقد بينهم اتفاقيات أعراف وأصول توفر حماية ودعماً مشتركين تزيد من قوة كليهما ومن روح التّحدي في مواجهة الصعاب وخاصة الملاحقات القانونية.

ويطلب ملهب من صديقه، الذي اقتنع بفكرته، قوة تعينه على تنفيذها (شـَّيـْخ بو متعب بدنا مِيتـَيـْن رجـَّال بـِبـْواريدُن) ويطمئـِنه (قلـْتـِلـَّـك ظـَبـَطـِتْ) ويعِده بأن تكون (شوارب العهد الجديد) كشوارب أبي متعب (لا لـَتـَحـْت وْلا لـَفـَوق).

برهوم:        إنت أمين من جماعـْتـَكْ؟

ملهب:        وَلـَوْ. إلـْنا عشـْرين سنة مِنـْهـَرِّب سـَوا ومـَا يـَوم اخـْتــَـلــَفـْنا

برهوم:        مـْن العـَجيب يا مـَلـْهـَب إنـُّو التـِّهـْريب بـْيـِجـْمـَع الـِقــْلوب بسّ الحكم بـِيـْفـَـرِّقـُنْ!

ملهب:        رْجالي مَعي عَ الخـَيْر وْعَ الشـَّر

برهوم:        إيـه. بس كلّ واحد في بـْـنـَفـْسو حاكم نايـِم.

              هايـْدا مفـْلـِح مـَثـَلاً. زَلـِمـْتـَك وْقـَبـَضـايْ وْبـِيـْمُون عَ الرّجـال.

              بـِيـْجـُوز عنـْد تـَوزيع الغـَـنايـِم   يوعى فيه الحاكم اللـِّي نايـِم.

 

الأمبراطور يتحدث عن دراية بالناس المُوالين لأسيادهم ومِن خبرة اكتسبها ممّن أحاطوا به رجالاً فتبادل وإياهم الثقة دون أن يلغي احتمال الانتهازية والخيانة! أما برهوم فيجيب بفطرية الواثق من جماعته لأنه يعرف ما ينقصهم.

ملهب:        مفلح؟! كاس وْغِنـِّيـِّة بـْتـِنـْقـَضى مشـْكـِلـْتـُو!

برهوم:        وْأبو متـْعـِبْ. سيـِّد الـْجرد وْمشْ من رْجـالـَكْ!

ملهب:        أبو متـْعب. هايـْدا ما بـْيـِسـْمـَع!

برهوم بسخرية: بـِيـْصير يسـْمـَعْ. بـِيـْسـَمـّعـُوه. بـيصيرو يسـْمـَعـُو عـَنـُّو. بـيصير يسـْمـَعْ بـْعـِيـْنـَيـْه

ملهب:        لا بـْيـِقـْرا وْلا بـْيـِكـْتـُب!

برهوم مؤكداً:  بـْيـِكـِتـْبـُولـُو

 

لم يكن ملهب يتوقع هذه المماحكة من برهوم الذي لا يتعدّى بنظره حدّ الرجل الشجاع الذي (بـْيـَعـْرِف يـِقـْرا وْيـِكـْتـُب). يلتفت إلى أبي متعب خشيةَ أن يثير هذا الحديث بينه وبين برهوم قلق صديقه ويقول بصوت مرتفع كي يسمع الأخير، الذي كاد الدهر القاسي يصمُّ أذنيه (بو متـْعِب لا ينـْشـِغـِلْ بالـَك عـَمْ نـِحـْكي بالقضيـِّة) ثم يلتفت إلى برهوم مُلحـَّـاً (يابرْهوم ماتـْجادلـْني. أنا مـْرَتـِّبْ كلّ شي. وْهيـِّي مـْغامـَرَة بـَدَّكْ تـِمـْشي معي أهلا وْسهلا. ما بدَّكْ أنا مـْكـَمــِّــل لـَوَحـْدي)

الأمبراطور الذي يحاور ملهب كي يكون على بيـِّنة من أمره لم يكن متردداً، ففي العرض الذي لم يكن يحلم بمثله إغراءٌ. هاهو يقف بسهولة أمام الحالة التي وصفتها هيفاء (بــِيـْكون ضَهـَر مـْن الباب وفات مـْن الشـِّبـَّاكْ)

برهوم:        شو بـَدَّكْ نـَعـْمل هلــَّـق؟

ملهب:        اكـْتـِبـِلـْنا (بلاغ رقم واحد) تـَ نـْروحْ نحـْتـَلّ الإذاعة والتـِّلفزيون ونـْذيعـُو

 

يأخذ برهوم، الذي يعرف أن حركة من هذا النوع تبدأ بالبلاغ رقم واحد، الورقة من يد ملهب ويخطّ البيان بالصيغة التقليدية ويسلمه لملهب. في هذه الأثناء يصل كريم الطشّ (متعهّد المظاهرات) على رأس حشد من المرتزقة تغنّي استعراضاً أمام ملهب الذي يسعده المشهد (ياباراكَ الله) فيطلب منهم التوجّه إلى الشوارع كي (يـْهـَوْبـْرو بالبـَلـَدْ).

كريم:                يـَعـِيـْش وْيـا

المتظاهرون:         يـَعـِيـْش يـَعـِيـْش        يا يـَعـِيـْش

 

ويبدأ كريم بأغنية مختلفة إلى حدّ ما، قوامها لحنٌ سريع ولهجةٌ بدوية وكلمات وشعارات تناسب الموقف الذي لابد فيه من تبجيل بطل الإنقلاب وقوته:

كريم:                يا مـِيـْة هـَلا بالـْبـَطـَلْ يا مـِيـْة هـَلا

المتظاهرون:         يا مـِيـْة هـَلا

كريم:                طـَلِّ البـَطـَلْ لـِلـْبـَطـَلْ يا مـِيـْة هـَلا

المتظاهرون:         يا مـِيـْة هـَلا

اللحن الجميل في هذا الموقف لا بد أن تبرز فيه آلة المجوز بصوتها الطروب والمثير للفرح الشعبي والابتهاج بالنصر والمصاحب لدبكة الرجال والنساء:

كريم:                والبـــــَدْر بالـلــَّـيـْـل انـْجـلــى يـــا مـِيـْة هـَلا يا مـِيـْة هـَـــــلا

المتظاهرون:         يا مـِيـْة هـَلا بالـْبـَطـَلْ يا مـِيـْة هـَلا

كريم:                يا مـِيـْة هـَلا

المتظاهرون:         طـَلِّ البـَطـَلْ لـِلـْبـَطـَلْ يا مـِيـْة هـَلا

كريم:                يا مـِيـْة هـَلا

المتظاهرون:         البـَدْر باللـَّيـْل انـْجـــلى         يا مـِيـْة هـَلا يا مـِيـْة هـَـــلا

كريم:                طـَلـِّتْ وفــود الـــْلـِّهـُنْ          والـْبــــــــــــَدْرِ مـايـــــــــلْ

                     ركـْبـُو عـَلـَى خـَيـْلـِهـُنْ          خــَيــْل الأصـــايــــــلْ

المتظاهرون:         طـَلـِّتْ وفــود الـــْلـِّهـُنْ

كريم:                والـْمـَجـْدِ يــِنـْــدَه لـِهـُنْ          والـــرِّيـْح مـِنْ أهــْـلـِهـــــُنْ

المتظاهرون:         والـْمـَجـْدِ يــِنـْــدَه لـِهـُنْ.         والـــرِّيـْح مـِنْ أهــْـلـِهـــــُنْ

كريم:                فــارسْ عـَلى السُّــور اعـْتــَـلـــى  يا مـِيـْة هـَلا يا مـِيـْة هـَـــلا

المتظاهرون:         يا مـِيـْة هـَلا بالـْبـَطـَلْ...

كريم:                طـَلــِّتْ عَ راس الجـَمــعْ        يــــــابــــــــــــَدْرِ شــــارِقْ

                     تـِرْقـُصْ عَ ريف الـدَّمـِعْ       تـَحـْت البـَيــــــــــــــارِقْ

المتظاهرون:         طـَلــِّتْ عَ راس الجـَمـعْ.

كريم:                والسـَّـيْـف يـِلـْمـَعْ لـَمـــِع         بعـْيـــــــُونِ كـِلْ مـِنْ طـَمـَع

المتظاهرون:         والســّـَيْـف يـِلـْمـَعْ لـَمــِع         بعـْيـــــــُونِ كـِلْ مـِنْ طـَمـَع

كريم:                والـحـِلـْــوِة حـِلـْيــِـتْ عَ الـحــــَلا يا مـِيـْة هـَلا يا مـِيـْة هــــَلا

المتظاهرون:         يا مـِيـْة هـَلا بالـْبـَطـَلْ..

 

يغادر المتظاهرون ويودع برهوم أبو متعب وملهب الذي أبدى انهماكاً وهو يخرج (رايح مـَشـِّي اللـِّي بـَدُّنْ يحْـتـَلـُّو الإذاعة والتلفزيون وْراجـِعْ آخـْدَكْ) وتقترب هيفاء من الأمبراطور وكأنها أحسَّت بشيء ما يُحاك بينه وبين ملهب، وتأخذ الأمر بحُسْن النية أولاً (شو الـْقِصـَّة يابرهوم؟)

الأمبراطور:   يمكن صار بدِّي فارِقـْكـُنْ

هيفاء:        أنا لمـَّا شفـْت ملهب قلـْت يمكن حـَلـَّـلـَّـكْ مشـْكـِلـْتـَكْ وْصار بـَدَّكْ ترْجـَع عَ بـَيـْتـَكْ

الأمبراطور:   يمكن مـُشْ عَ بـَيـْتي. إجو هالرّجـال مـِتـْل المـَوْج أخـَدوني

              وْرايحْ أنا وِيـَّاهـُن وْمشْ عارف إذا كان مـْنـُوصـَلْ

هيفاء:        هـَودي كـِلـُّنْ مـَطـْلـُوبين!

الأمبراطور:    لـَو ماكان ناقصـُنْ شي ما صارو مطلوبين.

فايـْقة ياهيفا لمـَّا حـْكـِيـْنا بالسـِّياسة. كيف الدِّنيي بـْتـِمـْشي والإيام بـْتمشي.

هيفاء:        إيه. أنا قلـْتـِلـَّكْ هـَيـْك

الأمبراطور:   في واحد سـَرَق الفـِكـْرَة وْبَدُّو يحـْكـُم ويـْنـَفـِّذها

هيفاء:        يوما ما كان في غـَيري وْغـَيـْرَك. أنا؟ لأ. إنت؟ معقول؟

الأمبراطور:   لـَيْش مـُشْ مَعـْقول؟

هيفاء:        كيف؟

الأمبراطور:   إنـْقـِلابْ. بـَلاغ رقم واحد. وْخـَلـَصْ

هيفاء:        بسّ الحـِكـِم مشْ شـَغـِلـْتـَكْ!

الأمبراطور بتهكّم:    دَخـْلـِكْ وْمين عـَمْ يـِشـْتـِغـِلْ شـَغـِلـْتـُو؟

هيفاء بحِدَّة:   أوعى تـْكون عـَمْ تحكي من كلّ عـَقـْلـَك!

الأمبراطور:   لـَيش شو فـِيـَّا؟

هيفاء:        بـَعـْدَك ما خـْلـِصـْت مشـْكـِلـْتـَكْ إنتَ ومْراتـَكْ. تـِجي تـْحِطّ بـْضـَهْرَكْ مـَشاكـِل الدَّولـِة!

الأمبراطور بفوقية:    يا ما احـْلى مـَشاكـِل الدَّولـِة

 

هيفاء ذات شخصية مركبة بقدر ما تبدو بسيطة. هي ابنة الدكان. والدكان ليس مجرد مصدر رزق لأصحابه. إنه ساحة اتصال الأهالي وتواصلهم وتبادلهم الأفكار والآراء وإعرابهم عن مواقفهم والمجاهرة بمطاليبهم وإن كان وجود المخفر قربهم يحُدُّ من حريتهم في ذلك. وهيفاء تمثل الأهالي بشخصيتها المحبّبة الحريصة على مصالحهم وأمنهم وخاصة فيما يتعلق بالمواقف الحادة التي يروح ضحيتـَها أبرياء. وهيفاء حيادية تجاه قضايا الحكم ولا تثق بالمهرولين إليه ولا بوعودهم. وهي تشفق على كل مُلاحَق أو مطلوب، خاصة من دفعت به الحاجة إلى العمل في الظلام، وهي لذلك تتعاطف مع ملهب وجماعته لأنهم يتحدّون الظروف الصعبة لإعالة أسـَرِهم.

أصبحت لبرهوم أيضاً مكانةٌ عند هيفاء التي تحرص على حل مشكلته وعودته سالماً إلى أسرته. ولكن العلاقة التي توطّدت بينه وبين ملهب تقلقها. وهاهي تتحدث بلسان الناس رافضة التهافت على كراسي الحكم.

يعود ملهب منهمكاً فيتوجه إلى برهوم على مسمع هيفاء دون حذر:

ملهب:        مفلح وْبو متعب راحو يحتلـُّو الإذاعة والتلفزيون. أنا جايي آخـْدَكْ تـَ نروح نحـْتـَلّ الدَّواير الرَّسـْميـِّة. وْفـِكـْري تعْمِلْ خِطاب عن بـَلكون السـَّرايا

برهوم:        لأ. بـْفـَضـِّل حاكي الناس مْن التيليفيزيون

 

الأمبراطور الذي زادته ثقافة الدكان حنكة عرف هذه المرَّة أن تقليد الخطاب من بلكون السرايا لم يعد يلفت انتباه الناس ولا بد من استخدام التقنيات الحديثة وخرق التقليد الأمبراطوري.

والآن قطعت هيفاء الشك باليقين:

هيفاء بدهْشَة: تاري كنت عـَمْ تحكي من كلّ عـَقـْلـَك!

              يا برهوم قلـْتـِلـَّـكْ قـِرْد مـْلـَفـْلـَفْ وْمـُشْ غـِلطانـِة

الأمبراطور:   هيفا. بـْيــِنـْكـِتـِبْ قـَدَر للرّجال وْبـَدُّنْ يلـْحـَقوه

هيفاء:        وْبيصير بـَدُّنْ يشـْتروه بـْدَمّ!

              قـَلـْبي عــْـلـَيـْكـُنْ. وْقـَلـْبي عَ ناس ما بـَعـْرِفـُن رح يـْموتو الليلـِة

              لو أعرف بـَدُّو يبـْرُم راسك وْتعمل هـَيـْك ماكنت حـْكـِيت قدَّامـَك.

              قـَلـِّي جدي إنتي كـَتــِّيـْرِة حـَكـِي ما صـَدَّقـْـتـُو

              التـَّوْبـِة التـَّوْبـِة التـَّوْبـِة!!

ملهب:        صار وْصار وْفينا نحـْكـُم وْنعملْ عـَدلْ بين الناس،

لـَيـْش نـْضـَيـِّع الفرصـَة؟

هيفاء:        إنتَ كـَمان ياملهب سَرَقـَك الحكم؟

ملهب:        عشرين سنة بـْهالـِمـْغاوِر وكل ليلـِة الظـِّلـِمْ عـَمْ يدلـُف عـْـلـَيـْنا

هيفاء:        وْعَ مين بـْتتـْرُك هالناس الداشـْرين بالجرود؟

ملهب:        أنا رايـِحْ بـِإسـْمـُن.

              رايحْ جيب لـِلـْيالـِيـُّن حَطـَبْ وْلـُ اولادُن كـُتـُب وْخـِبز ولـْعـِيـْنـَيـُّنْ نـَوم الهنا

هيفاء:        نازِلْ تقـْعـُدْ تحتْ.

              ملهب. رَحْ يزْعـَلْ منـَّكْ التـَّلـْج. بـَدُّو يجي ويـْروح وْمايـْخـَلـِّيـْك تـْشوفو

الأمبراطور:   قاعـْدة بـْهالدكـَّان وْبتـْحاكـْمي اللـِّي بـْيـِحـِكـْمو. بـَدِّي أعـْرِف إنت. شو؟؟

هيفاء:        أنا شو؟. أنا النـَّاس.

              أنا البـْيوت ياللـِّي كلّ اللـِّي بـْيـِحـِكـْمو بـْيـِحـْكو بـإسـْمـُنْ وْماحدا بـْيـِسألـُن رأيـُن. وْكلّ ما إجا حِكـْم جْديد بـْيزداد عـْلـَيـُّن رسـْم جْديد وْبيقـِلّ الكاز بـِقـْناديلـُنْ

الأمبراطور:   لا ياهيفا. كلّ اللـِّي انـْحكى بـْهالدِّكان بـَدُّو يتـْنـَفـَّذ

هيفاء:        عـَمْ بتقول هيك لأنـَّك بعـْدكْ بالدكان، انشالله تـْضـَلّ فايق لمـَّا بـْتمـْشي عَ السجـَّاد

الأمبراطور:    مُشْ رَحْ بــِنـْسى. أنا ما بنسى. العدالة. الحرية. الناس. إمّ عبدو. الطـّواق الزّغيرِة. إنتِ. جدِّك. كلّ اللـِّي جاهَدو معي رح يوصلو معي

 

الحوار السريع بين هيفاء، تمثـِّل المظلومين الذين قذف بهم اليأس إلى الحيادية والسلبية، من جهة، والأمبراطور، المتظاهر بالـ (جهاد) من أجل الناس الذين عايش معاناتهم لأول مرة، وملهب، الذي يرى الفرصة سانحة لتحقيق أحلام المظلومين، من جهة ثانية، يعكس فعلاً التناقض الكبير بين ما يريده الناس من المتحدثين باسمهم ورافعي شعارات النضال من أجلهم وما يقدمه هؤلاء متى وطئت أقدامهم سجادة الحكم وجلسوا على كراسيه!

ويزداد إعجاب ملهب ببرهوم المناضل الثوري!! فيثني عليه بحماس (وْلكْ طـَيـِّبْ يابرهوم) ويخرج الإثنان تودّعهما هيفاء بحزن وقد بدأ قلبها يطرق لهفة وقلقاً:

هيفاء:        تـْضـَلّ بـْخـَير يابرهوم. اللـِّي بيجاهـْدو كـْتار بسّ اللـِّي بـْيوصلْ واحد.

              وْلـُو. كـِلـِمْـتـَين حـْكـِتـُن بالدكان عملو هيك!!

              قـَـلـِّي جدي أنا كـَتـِّيـْرِة حكي.

 

ينتهي المشهد ولا تنتهي حالة القلق عند هيفاء التي بدأت ترتّب معروضات الدكان وتستقبل الشارين المتوافدين مع إشراقة الشمس إليها وإلى المقهى وكلهم يترقّب أخبار الراديو الذي لم يتأخر هذه المرة ليفاجىء الجميع بعد أن يعزف لحن الإنقلاب المعهود:     

صوت من الإذاعة:   هنا محطة إذاعة ميدا

                     بلاغ رقم (واحد)

                     إلى عموم المواطنين.

بعد الاتكال على الله والشعب قامت قوات برهوم ومتعب باحتلال مبنى الإذاعة والتلفزيون وجميع الدوائر الرسمية. وقد رفع برهوم جائزة القبض على الأمبراطور من مائة ألف ليرة إلى مائتي ألف ليرة.

ملحوظة:     ممنوع على أصحاب الدَّكاكين يـْلـَفـُّو حدا

 

المستمعون:   برهوم ما غيرو؟     

هيفاء:        برهوم ما غيرو

أبو ديب بمرجلة:     تـْزاعـَل هـُوِّي وِمـْراتـُو فـَشّ خِلـْقو بـْإنـْقـِلاب فـْهمـْنا. بسّ أنا عـَتـَبي عـْلـَيـْه. كيف بيروح ما بيقول بـْخاطركـُن؟!

رجل:         يمكن انـْعـَجـَقْ. ماقـِدِر يـْوَدِّعـْكـُن. بـُكـْرا بسّ يـْروق ما بـِتـْشوفوه إلا واصِل

امرأة:         يابو ديب. بـِشـَرَفـَكْ. ما كنت عارف بالإنقـلاب؟

 

تظهر على وجه أبي ديب إيماءات الفرح. أليس هو من آوى برهوم وحادثه؟ الحنين إلى الشخصية الجذابة يتأجّج مع هذه الفرصة السانحة لعرض الإمكانيات الخارقة (في إشـْيا مابـْتـِنـْحكى) ولكن المرأة تريد معرفة الحقيقة فتستنطقه (هـَلـَّقْ صار وانـْجحـْتو. بس ما كنت عارف؟) فيُسَرُّ لاختصار الطريق ويجيبها بلهجة ادِّعائية:                

أبوديب:             ما كنت عارف! اسألـِيـُّن مين نصّ عـْلـَيـُّن البلاغ رقم واحد!

هيفاء:        جدِّي!!

الرجل:        طـَوّلـِي بالـِكْ خـَلـِّينا نـِسـْـتفـْهـِم.

هيفاء:        اسـْتـَفـْهـِمْ

الرجل:        يابو ديب. هلـَّق ليش كل الإنقلابات بْـتِبدا بعد الإتكال على ألله والشعب؟

أبوديب:             لأنـُّو ألله والشـَّعب بيطـَوّلـُو بالـُن كتيـــــــــــــــر

الإمرأة:       وْبـَدَّكْ تبـْقى تـَعـْملـّنا واسطـَة مع برهوم

أبوديب:      عَ راسي. شوفو يا إخوان شو في إلـْكـُن مـَطاليب. قولولي.

              من هلـَّق وْرايـِح صار فيـِّي إخدمكـُن.

إجـِتْ أيام العدالة وْما بقى في تمييز بين واحد وْواحد أبـَداً!

 

لم يكد أبو ديب ينهي جملته التي تعبر عن طيبته وعن حالة الأمل التي خلقها في نفسه كونه مَن تبنـَّى قضية برهوم الشخصية حتى توجـَّهت أنظار الحاضرين إلى الدورية القادمة باتجاه الساحة تعزف لحناً مارشياً يعبّر عن هيبة المخفر وسيـِّده:

الشاويش بلهجة عسكرية:     أوعى حـَدا يتـْحـَرَّكْ. في تفتيش

أبوديب مستغرباً:            بـْعـِلـْمي خـْلـِصـْنا مـْن التـَّفـْتيش؟

الشاويش:                   ما بيخـِصَّـكْ. في تفتيش

أبوديب:                    بـْيـِظـْهـَر ما سـْمـَعـْت الرَّاديو!

الشاويش:                   سـْمـِعـْتو

أبوديب:                    وسـْمـِعـْت إنـُّو برهوم اسـْتـَلـَم الحـِكم

الشاويش:                   إيـه.

أبوديب:                    وأظنّ إنت بـْتـَعـْرِف مين اللـِّي خـَبـَّـا برهوم

الشاويش:                  إيـه. بسّ إنتَ سـْمِعـْت الـِمْلاحظة:

(ممنوع أصحاب الدَّكاكين يـْلـَفـُّو حدا)

هيفاء بـِغـَضـَب:      شو قـَصـْدَكْ؟

الشاويش:     هايـْدي إلـْكـُنْ خـْصوصي. إنتِ وْجدِّكْ مشـْبوهين. مـْعـَوَّدين تـْلـَفـُّو مطلوبين. وْبـَرهوم بـِذاتو أصـْدَر أمر بـِتـَفـْتيش الدكان

هيفاء بـِسخرية:       لـِحِق يـِكـِتـْبو؟

الشاويش بتفاخر:     سـَلـَّمـْني ياه هـُوِّي وْرايـِحْ من هـَون

هيفاء:               بسّ نحنا خبـَّيـْناه إلو

الشاويش:            اللـِّي بيخـَبِّي برهوم بيخـَبِّي الـْمـُشْ برهوم.

وْهـُوِّي مـْن الأوَّل حاطِطْ بـِفـِكـْرو يـْفـَتـِّشْ هالدكـَّان

أبوديب:             عَ الـِحـْساب بـَدَّا تتـْغـَيـَّر الحالـِة؟!

الشاويش:            شو بـَدَّا تتغـَيـَّر؟ إذا كان إنتو تـْغـَيـَّرْتو بتـْكون الحالـِة تـْغـَيـَّرِتْ

هيفاء:               بـِدْيــِت الرِّيح تـْهـِبّ وْبـَدَّا تِتـْغـَيـَّرْ

الشاويش بلهجة غاضبة:            إنتِ وْجدِّكْ مـَوقوفين. ارْفـَعـُو إيدَيـْكـُن

أبوديب بـِأسى:             وْبـَعـِدْنا عـَمْ نـْقـُول إجـِتْ إيام العدالـِة وْما بقى في تمييز بـَين النـَّاس!

الشاويش:     مـَعـَكْ حـَقّ. إذا شـِفتـْني ميـَّزتْ بـَين واحد وْواحد حاسِبْني

              كلّ اللـِّي هـَون موقوفين. ارْفعو إيدَيـْكـُنْ.

ياصالح أفندي. خدوهـُن عَ المـَخفر

صالح:              ياسيـْدنا مابقى عـِنـَّا مـَطـْرَحْ.. المخفر كومـْبليه!

الشاويش:            فإذن منـْوَقـِّـفـُنْ هـَون

صالح:              بـْأيّ تـِهـْمـِة سيـْدنا؟

الشاويش:            هـَلـَّق منـْوَقـِّـفـُنْ وْبعدين منـْدَبـِّرْلـُن تـِهـْمـِة

 

لهجة القمع والتعسـُّف التي أنهى الحوار بها شاويش مخفر الحدود ممثلاً لحكومة (ميدا) وإجراءات التنكيل بالأهالي دون مبرر (هـَلـَّق منـْوَقـِّفـُنْ وْبعدين منـْدَبـِّرْلـُن تـِهـْمـِة) تصلح عنواناً لكافة الانقلابات التي لمـَّحت إليها المسرحية الناقدة والتي تركت في أذهان الأهالي صوراً بشعة لا يحبـُّون تذكـُّرَها وهي التي جعلتهم يفقدون الأمل بأيٍّ من الباحثين عن طريقٍ للوصول إلى السلطة والتفرّد بأجهزتها وبكافة وسائل التحكم بالمواطن الذي يتحدّث باسمه المزاودون ويطلقون الوعود الكاذبة بالعمل من أجل سعادته وحريته. وهذه هيفاء ومـَن حولها يعبـِّرون عن هذا الواقع بأغنية جميلة لحناً وكلماتٍ تنتهي بها المسرحية التي ألهبت المشاعر وفضحت حقيقة اللاهثين إلى السلطة عبر الخداع والرِّياء وشراء أصحاب النفوس الضعيفة.

هيفاء:               طـِلع الـِمـْنــادي يـْنادي         مـافـيْهــــــــــاش  إفــادِة

                     الــرِّعـْيــــان بــِـــوادي            والـقـــِطـْعـان بــِـــوادي

المجموعة:           طـِلع الـِمـْـنــادي يـْـنادي.

هيفاء:               عـَمْ يــِمشـُو بـِواديــهـُن         واللـَّيـــْــــــل كـْبيــــــــــــر

                     واديهـُنْ  كـَـــراسيــْـهـــُنْ         ويخـافـــُو تـْـطيــــــــر

                     والــرِّيح  تــْمَرْجحْ فـيــهـــُن      تـــاخِــدْهـُن وِتـْلـَوِّيـْهـُن

                     حاجي تـْصَرِّخْ يامْنادي       من وادي  لــــــــــَوادي

المجموعة:           طـِلع الـِمـْنــادي يـْنادي.

هيفاء:               نحـْنا واديــنا طـــــــايرْ          عَمْ يمْشي صَوب الضَّو

                     ونـْعـَمـِّر  الـْعـَمـــــــايــــِرْ         ونـْعـَــــــــلـِّيـْـــــــها  بالــْجـَوّ                             والشـِّتـي عَ شـَجـَرْنــــا             والصـَّيـْف بـْقــَنـاطرْنـا

                     والـْغــِنـِّـــــــيــــــــــِّة  زُوَّادِة         من وادي لــــــــــَوادي

المجموعة مع هيفاء:  طـِلع الـِمـْنــادي يـْنادي.

هيفاء:               /الرِّعـْيــان

المجموعة:                         بـِــــــوادي

هيفاء:               والـْقـِطـْعان

المجموعة:                                             بـِــــــوادي / (2)

هيفاء:               حاجي تـْصَرِّخْ يامْنادي       من وادي لــــــــــَوادي

من وادي لـــــــــــَوادي          من وادي لــــــــــَوادي

هيفاء والمجموعة:    حاجي تـْصَرِّخْ يامْنادي       من وادي لــــــــــَوادي

من وادي لـــــــــــَوادي          من وادي لــــــــــَوادي

 

    


 


 

إضافة تعليق جديد