قد نتفق على تصنيف داعش من قوى الشر؛ فأقوالهم وأفعالهم تحمل فكراً لم يكن عليه العرب والمسلمون حاضراً ولا سابقاً، وهم جماعة وقعوا في خطأ ما كان عليه قبلهم من الجماعات الإسلامية المُعاصرة، فتغليب الرأي السياسي لقائد الجماعة على كافة مراجع الفقه الإسلامي، هو الخطأ الأول، حيث يكون قرار القائد أقرب للجماعة الإسلامية في التطبيق وإن أخطأ في حكمه، ولا عبرة لأقوال العلماء المتوافقة مع مراجع الشريعة الإسلامية.
ويقع الخطأ الثاني في نطاق المشورة الضيق؛ فمشورة القائد تنحصر بشخصيات وصلت لقمة الجماعة حسب تاريخها القتالي، وهذا في تنظيم القاعدة وجبهة النصرة، وبعض حسب تاريخها في النضال السياسي، كحركة الإخوان المسلمين. وهذه الأخطاء ليست ببعيدة عن الواقع العربي الحالي، بعدما أهملت الحكومات العربية مشورة الباحثين والمُتخصصين، وتفضيل غيرهم من القيادات العُليا.
كما ونتفق أيضاً؛ على وجوب إمتثال الجميع لأدنى متطلبات الإنسانية عرفاً وقانوناً، وأن نعترف بأن ما يحدث في العراق وسوريا هو جريمة حرب وإبادة جماعية تورط فيها الجميع، بإستثناء الجيش السوري الحر. ولكن، قبل أن نتفق على قتال داعش، وبصراحة السؤال؛ هل المواطن العربي بحاجة إلى داعش؟!.
حيث أن جميع ثورات الربيع العربي حملت الطابع القومي، فلم تُطالب الشعوب العربية بإزالة الحدود من أجل الإسلام وشريعته، بل اقتصرت مطالب الشعوب الثائرة على تطبيق العدالة الإجتماعية، وتوخي الأمانة في توزيع الثروات العربية، بغية الوصول إلى الإستقلال الحقيقي للدولة القومية العربية.
فإنحصار الخلاف في جوانب الثروة والتوزيع دون أن يتفاقم إلى الجانب الديني، يرجع إلى أن المواطن العربي ما زال يتمتع بقدر كبير من حريته الدينية في المنطقة العربية، كما أن الشعوب العربية ما زالت على غير توافق حقيقي مع التيارات الإسلامية المُندمجة بالمجتمع كالإخوان المسلمين والسلفية، فكيف سوف تكون على توافق مع التيارات الإسلامية غير المُندمجة بالمجتمع كالقاعدة وداعش!.
إذاً المواطن العربي في حقبته السياسية الحالية هو ليس بحاجة إلى داعش، وبعبارة أخرى هو ليس مهيئاً لمنظومة داعش، أو غير مجند لفكرها الظاهر بشكله الدموي في العراق وسوريا.
ولا شك أن الفكر السياسي للإخوان المسلمين والسلفية كان له دور كبير في إستحواذ الكثير من الشباب العربي، ومنع إنخراطهم في الجماعات الإسلامية القتالية؛ فالإخوان المسلمون ظاهرهم السياسي ديموقراطي، والسلفية عزلت العمل السياسي عن أدوات التكفير والقتل بإسم الإسلام. في ظل عجز التيار العلماني العربي بشقيه (الليبرالي واليساري) عن إستحواذ الشباب العربي الراغب بالنظم ذات المرجعية الإسلامية.
كما أن داعش غير قادرة على قيادة دولة ذات سياسة خارجية وتحالفات دولية؛ فتوفير الغذاء والدواء هو الفشل الأول الذي سوف يلحق بدولتهم الإسلامية، فرؤية داعش هو إزالة الحدود السياسية وتطبيق الحدود الشرعية، وهي على غير الرؤية المُحمدية في عهد النبوة، والتي تمكنت من نشر الإسلام في ظل دولة الجاهلية، وبناء الإقتصاد بعد ترسيخ قيم المواطنة الإسلامية وأخلاقها. وهذا ما يحتاجه المواطن العربي اليوم، وليس أكثر من إعادة بناء القيم الإنسانية والأخلاق الإسلامية، فدولة المسلم تبدأ بأخلاقه وقيمه.
إضافة تعليق جديد