في البداية سأضطر لخلع الثوب الذي اعتدتم أن تروني لابسا إياه ..,في مشاركاتي في هذا المنتدى..وذلك لنشرح مرة واحدة فقط وإلى الأبد لمن فاته قطار العمر يا ولدي,ما كنت قد وعدتكم به فيما سلف لخير خلف ,واعدا أن أعود لذاك الثوب مباشرة..فلا يغريني ولا يعنيني ولا يغنيني ولا حتى باغانيني ..أن أنظر أو أفتي ..
نبدأ هذا الحديث بموضوع :كيف نقرأ الأسطورة والحكاية ومن ثم الأدب عموماوكيف نفهم ذلك .
لا بد أننا قرأنا في التاريخ وفي التاريخ العربي خصوصا حكايا وقصص وأساطير كثيرة , فهم من ظاهرها شيء وكان المقصود في معناها شيء آخر مختلف تماما,وهذة القصص هي اختزال لأفكاروآفاق أريد منها دفع الناس إلى التفكير والتجريب والتحليق في آفاق جديدة ,لا إلى إختزال التجرية والأخذ بالخلاصات دون محاولة استنباط العبر والأفكار المتعددة والآفاق الواسعة التي أراد الكاتب أو الحكاية أخذنا إليهامثلا:
قصة بيت الشعر الشهير : دع المكارم لا ترحل لبغيتها ...واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي.
والذي فهم على أنه مدحا وإذ به هجاء وأي هجاء.وكذلك مديح المتنبي لكافور..الخ
فمن الناس من يأخذ بالمعنى القريب والمباشر للقصة والموضوع والمتعارف عليه وكما لقنت هذا المعنى أي (النقل) ,ولا تتعب نفسها في البحث أو محاولة القراءة بأبعاد جديدة أي (العقل) ,تماما كما الطالب الذي يأخذ مسألة محلولة في الرياضيات من كتاب زميله أو من كتاب من السنة الماضية ولا يتعب نفسه بمغامرة التجريب في حلها . حارما نفسه من متعة الإكتشاف ومن الخبرة المكتسبة .
ويمكن هنا أن نقدم مثالا على ما أسلف:
ففي القرآن الكريم نقرأ:"لا يمسه إلا المطهرون" .
من الناس من يفسر ذلك بأن القرآن الكريم لا يلمسه إلا من تطهر بدنيا وغسل يديه ,ومن البديهي أن نقول إن القرآن ماديا هو ورق يستطيع لمسه الأمريكي في العراق أو غوانتانامو والصيني في أعلى جبال التبت وحتى أنت حتى ولو لم تكن نظيفا.إذن ماهو المقصود؟
المقصود هنا هو المس المعنوي أي الفهم والإستيعاب, أي أن القرآن الكريم لا يفهم ماجاء فيه ويعمل بموجبه إلا من تطهرت نفسه وآمن حقا .
و تم ذكر اسطورة إيكاروس ,وسوف نأخذها مثالا جيدا لتطبيق ذلك أيضا.
فهذة الأسطورة المعروفة تنتهي بنهاية إيكاروس بعد أن تجرأ في تحليقه واقترب من الشمس .
الفهم المباشروالمادي للقصة يقودنا إلى أن إيكاروس لم يسمع نصيحة والده فأذابت الشمس الشمع بكل بساطةوهذا ما أدى به إلى الهلاك .
ولكن هل هذا هو المعنى حقامن كل هذة الأسطورة ,لنر :
فحين قال له والده دايدالوس لا تقترب من "رب الشمس ",كان يقصد أن لا يجرب ولا أن يقترب من الأماكن المحظورة والتي ربي عليها من أن الشمس (وهي آلهة كانت تعبد وقتها) سوف تحرقه إن اقترب منها.
لقد ودع ايكاروس والده وتركه يحلق في المستوى الآمن وحملته اجنحته إلي فضاء العالم ووسع الكون. ظل يحلق عاليا حيث استهوته السماءواستحوذت افكاره فاقترب مجذوبا بوهج العلم و المعرفة ومتعة الإكتشاف. اقترب ليري ويفهم ويتعلم ونسي انه بقربه إنما يرسم نهايته لأنه تجرأ ودخل المناطق المحظورة .
وهذا تماما ما ذهب إليه الفيلم السينمائي الشهير(مثل إيكاروس) ,والذي يحكي قصة قاض تحقيق في مقتل رئيس أمريكي ..سار في التحقيق بأمانة وحلق في آفاق لم يكن مسموحا أن يقترب منها ..
ونهاية الفيلم مثيرة حقا حيث جلس المحقق يدلي باكتشافاته الخطيرة التي وصل إليها وهي أن الإستخبارات الأمريكيةهي التي قتلت الرئيس على مسجل أمامه (أو على جهاز التلفون ..لم أعد أذكر بالضبط) ..وحين وصل إلى الحقيقة ..ذكر إيكاروس الذي وصل إلى الشمس ..شمس الحقيقة ,عند هذة اللحظة أتته طلقة أسكتته إلى الأبد.
ومن المفيد ايضا أن نذكر قصة موسى النبي مع ربه :
إذ أصر موسى على رؤية ربه ,والإقتراب مما قد نهي عنه ,وحين نظر إلى الجبل صار دكا وخر موسى صعقا.
وأيضا لقد اختارها (قصة إيكاروس) الفيلسوف برتراند راسل فيلسوف الوضعية العلمية بنفس المعنى عنوانا لمحاضرته التذكارية في جامعة كامبريدج 'ايكاروس ومستقبل العلم' بمناسبة حصوله علي جائزة نوبل في الاداب في ستينيات القرن العشرين. واحسن راسل عرض قضية العلم في وعورة مسالكها وتشعب طريقها وعذابات رجالها ومرارات السالكين في محرابها وكشوفهم.
إضافة تعليق جديد