طرح سؤال حول رأيي بتولي راؤول كاسترو الحكم في كوبا خلفا لأخيه فيديل وسوف أحاول أن أعرض ذلك في هذه المقالة :
عند دراسة حالة أي بلد هناك محددات أساسية ومعايير يجب أن يأخذ بها أي دارس أو متناول ,إن كان يرجى لدراسته أن يكون لها معنى وجدوى منها: النظام التعليميى والتربوي , النظام الصحي ,النظام القضائي والتشريعي والحقوقي,الجمعيات الأهلية والنشاط الفردي والإبداعي ,نظام التأمين والتقاعد,مستوى الحياة, الجهاز التنفيذي ,العامل الخارجي,وأخيرا النظام السياسي الممثل لكل هذا.
إن أية محاولة لدراسة أي نظام أو دولة بدون العودة لمحددات وحوامل واضحة وبدون منهجية , هي محاولة لا تندرج عادة إلا بين إحتمالين: السذاجة أو التضليل الإعلامي .
ولدراسة حالة دولة مثل كوبا سوف نتطرق لعدد من هذه الحوامل والمحددات , لنعود في الختام للحديث عن النظام السياسي المنبثق عنها .وسوف أحاول الإختصار :
النظام التعليمي: التعليم هو مجاني وكذلك الموادالدراسية, الأمية معدومة تماما، عدد حملة شهادة بروفيسور والأساتذة يربو على 250000 أي بنسبة لكل 42 مواطن نسبة التعليم ما بين سن السادسة والرابعة عشرة هي 98،2،، أما حملة الشهادات الجامعية فبلغ 634000 خريج.
النظام الصحي: ان الخدمات الطبية مجانية للجميع وذلك حسب نظام التأمين الصحي، في كوبا أقل نسبة وفيات من حيث عدد الأطفال حديثي الولادة هي الأقل على المستوى العالمي, فقد بلغت 7،2 من بين كل ألف طفل يولد حي ومتوسط العمر يبلغ 74،8 عاما وهو من بين الأرقام الأعلى عالميا في نشرة حديثة يعتبره الأعلى عالميا. يوجد طبيب لكل 172 مواطن وطبيب أسنان لكل 1125 نسمة. تنفق كوبا ما مجموعه 39% من الميزانية العامة على جهازي الصحة والتعليم.
النظام القضائي: نظام مستقل منتخب من قبل الجمعية الوطنية أو جمعية المحافظة,الدولة تعترف بحق التوريث للمساكن ذات الملكية الخاصة وبقية الممتلكات الشخصية , الأراضي وبقية الممتلكات التي لها صلة بالإنتاج والتي تشكل ممتلكات صغار المزارعين يتم توريثها أيضاًَ وتتبع فقط إلى الورثة الذين يعملون في الأرض.
مستوىالحياة:إن المستوى المعاشي لكوبا يحتل المركز الثاني في أمريكا الوسطى بعد كوستريكا وتعادل مثيلها في بلغاريا وروسيا (بحسب الأمم المتحدة)
هذا على صعيد الداخل , وحتى تكون الصورة شاملة , يجب ربط هذا بالعامل الخارجي وفق قانون جدل الداخل مع الخارج .
فكوبا البلد الصغير (11مليون نسمة) , محاط بأعتى وأقوى امبراطورية عرفتها البشرية , وقد فرضت عليه منذ العام 1959 حصارا لم يشهد العالم له مثيلا . فمنذ قانون توريسيللي، و قانون هيلمز-بيرتون وصولا لتبني جورج دبليو بوش لتقرير ما تسمى "لجنة المساعدة على الوصول إلى كوبا حرة".
يكشف التقييم الاقتصادي للأضرار المباشرة التي لحقت بالشعب الكوبي جرّاء تطبيق الحصار، تتجاوز قيمتها التسعة وسبعين مليار دولار. والأضرار الاقتصادية غير المباشرة المتأتية كمحصلة لهذه الأضرار. لو كانت البلاد قد تمكنت من التمتع بهذه الموارد، لكان لها أثراً مضاعِفاً من حيث رفع مستوى الحياة المعيشية لمواطنيها.
لا يتم، على سبيل المثال، إدراج قيمة السلع التي غاب إنتاجها بسبب قيود الحصار، أو بسبب الشروط المرهِقة التي يتم فرضها على كوبا في سبيل حصولها على قروض استثمارية و تجارية ومصرفية ودولية
وتحت قناع "المساعدة على الوصول إلى كوبا حرة" ، يفصّل التقرير بدقة الإجراءات التي من شأن واشنطن أن تفرضها. سيكون المجتمع الكوبي بأسره خاضعاً للولايات المتحدة، التي ستسيطر على كل النشاطات . من شأنه أن يكون طويلاً ولا نهاية له . نذكر في ما يلي بعض جوانب الخطة الأمريكية التي تعطي فكرة عن مدى العبودية والاستغلال اللذين سيتم إخضاع الكوبيين لهما.
1- ستتم خصخصة جميع فروع الاقتصاد، والتي توضع تحت إدارة لجنة دائمة تابعة لحكومة الولايات المتحدة من أجل "إعادة البناء الاقتصادي" والتي يزمعون تشكيلها على الفور.
2- ستُلغى المعونات الرسمية وكذلك سيُلغى الإشراف على أسعار السلع والخدمات التي يتلقاها المواطنون.
3- يُحلّ نظام الضمان والرعاية الاجتماعية ولا يتم احترام دفع بدل التقاعد والإعاشة.
4- يتم إحلال الخصخصة في الخدمات الصحية والتعليمية.
يذكر التقرير بأنه كجزء من "عملية الانتقال" التي سيتم فرضها في الجزيرة يأتي إقامة مؤسسات وخدمات تحسِّن الصحة والتغذية والتعليم والخدمات الاجتماعية، وذلك من خلال إدخال ممارسات "الشركة الخاصة".
بالتأكيد سيأتي من يقول صحيح هذا الكلام ,ولكن أين الحريات , وأين الصحافة وحقوق التعبير ؟
إن السلعة المفضلة التي تسوقها الولايات المتحدة , لإحداث الخلل في أنظمة الدول التي لا تخضع لها هي سلعة الحريات والديموقراطية , ولسنا بحاجة لتقديم الحجة على أن الولايات المتحدة على الصعيد الخارجي قد مارست أبشع وأقسى أنواع العنف وقمع الشعوب واحتلال الأرض , أو عن طريق المؤسسات الدولية من البنك الدولي إلى القروض وصولا لارتهان الإقتصادات المحلية لها (يمكن قراءة مذكرات جون بيركنز حول هذا الموضوع وقد يكون لي معه عودة لألخص قسما منه ).
بالتأكيد , الصورة المثالية غير موجودة , وهذا يعود لاختلاف تطور تجربة الشعوب , ولا يمكن إعتبار تجربة الدول الغنية في الحرية , هي تجربة صالحة للتعميم .
ولا يمكننا مقارنة تجربة بلد من العالم الثالث يحقق نجاحا لافتا وسط الظروف الصعبة تلك , مع تجربة بلد استعماري لا زالت خيرات المستعمرات تصب حتى الآن في خزائنه , وعلى الرغم من ذلك يمر بأزمات اقتصادية تجعل أكبر شركاته مثل جنرال موتورز تغلق أبوابها وتسرح آلاف العمال .
إن الحرية لا معنى لها وسط غياب العدالة الإجتماعية والضمان وفقدان الخدمات والعدالة في القضاء وفرص التعليم والطبابة وإلى ما ذلك ...تصبح حينذاك كائنا هلاميا لا أسس له , وتصبح حرية التنظير والكلام وحسب.
وحين ننظر للأمور من زاوية شاملة وبأخذ العوامل جميعا...وفي التقييم النهائي:
لا يهم اسم الشخص الذي يحكم , أمن لي نظاما تعليميا ممتازا ومجانيا , ونظاما صحيا مجانيا , وتأمينا للشيخوخة , وفرص عمل و نظام قضائي عادل , ومستوى دخل مقبول , ونظام بيئي واجتماعي نظيف وعادل , وخارجيا قف بوجه أولئك الذين يريدون استعماري بالعولمة وبالخصخصة وبالقروض ,لأن هكذا بنية سينتج عنها في مرحلة إنتفاء الضغط الخارجي عوامل تتيح الوصول إلى مستويات أرقى وأعلى ,ولي أن أسلم لك بأنك حاكم عادل ..أيا يكن إسمك وأيا تكن بلدك .
إضافة تعليق جديد