آخر الأخبار

هل ينتظر سوريا السيناريو العراقي نفسه ؟

في شتاء عام 1987 دخلت القوات السورية في قطعات لم يتجاوز حجمها أكثر من أربعة آلاف جندي إلى أحياء بيروت الغربية.وكانت مهمة هذه القوات القادمة من سوريا الشقيقة إيقاف الاقتتال الدائر بين أطراف الحركة الوطنية اللبنانية (حركة أمل الشيعية وحزب «الله» والحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني بقيادة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط)، وكانت القوات السورية قد دخلت إلى الأراضي اللبنانية وانتشرت فيها منذ عام 1976، عقب عام واحد من بدء الحرب الأهلية لمساندة الرئيس اللبناني آنذاك سليمان فرنجية.

كانت المعارك تدور في لبنان بكل ما تعنى هذه الكلمة من معنى، وباستخدام كافة الأسلحة و المعدات، وعادة ما تدور في محل الإقامة أو السكن، أو من شارع إلى شارع، أو من حارة لأخرى، حيث يتواجد مكتب لهذا التنظيم، او قاعدة لمقاتلين من ذلك الحزب.

لقد كان القطاع الغربي من العاصمة اللبنانية في تلك الفترة فاقداً للسيطرة، ولا يخضع لسلطة القيادة السياسية، حيث تقع اشتباكات أو تبادل إطلاق النيران، كما تحدث سرقات، أو اختطاف رهائن من اللبنانيين أو الأجانب.وغالبا ما كانت تنقل الأنباء مقتل العديد من المدنيين الأبرياء والذين ليس لهم أي صلة مع الأطراف المتنازعة، وذنبهم الوحيد أنهم تواجدوا في موقع الاشتباكات.

وكنت في تلك الفترة أعمل مديرا لمكتب نوفوستى في الشرق الأوسط، وكان مكتبنا يقع في بيروت الغربية، وتحديدا في حي المصيطبة، في بناء عالي كان غالبا ما يقع وسط نيران طرفين وربما ثلاثة أطراف متنازعة، وبالرغم أننا لم ننحز لأي طرف إلا أن مقر مكتبنا كان يتلقى دائما الضربات. وفى 20 يناير عام 1987 اختفى الأسقف البريطاني «تيرى ويت»، الذي قدم إلى بيروت ليقوم بوساطة تستهدف إطلاق سراح عدد من الرهائن الغربيين المخطوفين، وفى 2 فبراير علمنا انه أصبح رهينة من ضمن من كان يسعى لإطلاق سراحهم.

وفى تلك الفترة انتظر اللبنانيون والأجانب المقيمون في بيروت الغربية دخول القوات السورية إلى هذا القطاع بفارغ الصبر، ومع انتشار القوات السورية في بيروت الغربية ظهرت الحواجز السورية.ولم يكن السوريون دائما مهذبين أو يحسنون التصرف و السلوك مع من يتم توقيفه لتدقيق وثائقه الشخصية، إلا أن الوضع أصبح اقل خطرا، وأصبح من الممكن التحرك والتنقل في شوارع وأحياء بيروت الغربية، بل بات من الممكن التنقل بين مناطق القوى السياسية وتجاوز الخطوط الخضراء التي تفصل بين مناطق الحركة الوطنية والقوى المسيحية، والتي فجرت الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975.

ولقد قفزت هذه الذكريات إلى ذهني ما أن بدأ الضجيج حول سوريا، واتهامها بالتورط في سلسلة أحداث دامية يشهدها لبنان منذ أوائل عام 2005. إذ لقي رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري مصرعه في فبراير عام 2005 على أثر انفجار عبوة ناسفة زرعت في سيارته، وقد فجر اغتيال الحريري أزمة سياسية في لبنان أسفرت عن سحب القوات السورية.كما أدت إلى ظهور تصريحات أميركية وإسرائيلية تتهم سوريا بالتخطيط لاغتيال الزعيم اللبناني.

بالرغم من أن اللجنة الدولية التي شكلتها الأمم المتحدة للتحقيق في اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري لم تقدم إثباتاً على صحة ذلك، إلا أن بعض الدول كانت تحاول فرض عقوبات ضد سوريا.وقد نجح ممثلو روسيا والصين والجزائر في أواخر أكتوبر الماضي في إفشال محاولات ممثلي بعض الدول أعضاء مجلس الأمن لفرض عقوبات دولية على دمشق. واصدر مجلس الأمن القرار 1636 الذي دعا دمشق للتعاون مع لجنة التحقيق الدولية، ثم اصدر قراره الثاني في 15 ديسمبر رقم 1644 والذي تضمن تمديد أعمال لجنة التحقيق الدولية لمدة ستة شهور.

ولابد من القول أن مضمون الاتهامات الموجهة إلى دمشق ومدى عدالتها لا يشكل محورا في موضوعنا هذا. ولكن الوضع الناشئ يدفعنا للتساؤل حول ما هي الاستفادة التي ستحققها سوريا من اغتيال الحريري في فبراير 2005. خاصة أن عواقب هذا الاغتيال ستضر بمصالح سوريا.إضافة إلى أن الحريري كان سياسيا براغماتيا، ووطنيا لبلاده بالدرجة الأولى، وكنا نحن الأجانب المراقبون لما تقدمه سياسات حكومة الحريري نشعر بأهمية دور هذا الرجل وتقيم انجازاته وكفاحه لتحقيق مصالح بلاده.

وبالعودة إلى الاتهامات الموجهة إلى سوريا سنجد أن هذه الاتهامات تستند إلى افتراضات، حيث يفيد تقرير الخبير الألماني ميليس والذي قدم إلى مجلس الأمن في أكتوبر الماضي أن اغتيال الحريري هو جريمة سياسية لا يمكن أن تتم دون موافقة القيادات الأمنية السورية بالاتفاق مع القيادات الأمنية اللبنانية.

وإذا كانت دمشق قد رفضت النتيجة التي توصل إليها التقرير والتي تشير باتهام بتورط القيادة السورية في اغتيال الحريري، إلا أن سوريا أيدت وجهة نظر اللجنة الدولية بأن جريمة اغتيال الحريري هي جريمة سياسية، كما أن دمشق لم ترفض التعاون مع لجنة التحقيق، وقد أكد المحللون السياسيون السوريون على أن أهمية استقلالية رئيس اللجنة الجديد.

بينما اعتبر البرلمانيون الروس أن الحملة التي أثيرت ضد سوريا، هي نتيجة لعملية اغتيال الحريري، إذ أشار النائب في البرلمان الروسي وعضو لجنة العلاقات الدولية شاميل سولتانوف أن الهدف من هذا الوضع هو الضغط على دمشق لتعديل سياساتها، واعتبر البرلماني الروسي أن المستفيد من ذلك هو الولايات المتحدة، وأن المصلحة الأميركية تقتضى اتهام سوريا باغتيال الحريري، باعتبار أن سوريا لابد وأن تخضع للنفوذ الأميركي لأنها تشكل ممرا حيويا للنفط العراقي إلى الشواطئ اللبنانية المطلة على البحر المتوسط .

وقد عبر عضو البرلمان الروسي نيكولاى ليونتيف في حديث معي عن مخاوفه بأن يتكرر السيناريو العراقي في الحالة السورية، باعتبار انه في الملف العراقي كانت هناك لجنة دولية للبحث عن أسلحة الدمار الشامل، ونعرف أن هذه الأسلحة لا وجود لها باعتراف الأميركيين أنفسهم؟

كاتب روسي