آخر الأخبار

مي إبنة «الملكة الحمراء» تخرج من الظل

كانت مي شيجينوبو التي نشأت في لبنان في الـ 28 من العمر حين وطأت قدمها للمرة الاولى ارض ‏اليابان موطن والدتها فوساكو مؤسسة الجيش الاحمر الياباني وهي اليوم تذوق طعم الحرية ‏بدون ان تنكر ماضيها وكفاح والدتها من اجل القضية الفلسطينية.‏
وصلت مي الى طوكيو في نيسان 2001 وكانت تضع الكوفية الفلسطينية فبدت بشعرها الداكن ‏المسترسل على كتفيها صورة عن والدتها، الملهمة في شبابها لليسار المتطرف الياباني الذي خطط ‏لاعتداءات دامية في العالم في السبعينات مناصرة للقضية الفلسطينية.‏
وكانت حشود من الصحافيين والمصورين في انتظارها وعلى لسانهم جميعا سؤال واحد «كيف تنظرين ‏الى والدتك؟».‏
ولم تتفوه مي بكلمة يومها مكتفية برفع يدها في شارة النصر.‏
ولا تملك مي حتى اليوم ردا واضحا وهي التي ولدت من اب فلسطيني ناشط في الجبهة الشعبية ‏لتحرير فلسطين وتربت في اوساط عربية راديكالية لم تواجه فيها مرة هذا السؤال.‏
وان كانت اليوم تشجب العنف، الا انها لا تعيد النظر بالكفاح من اجل القضية الفلسطينية ‏بل تعتبره مفخرة.‏
واوضحت في مقابلة اجرتها معها وكالة فرانس برس «تربيت على انني ابنة مقاتلين. وكنت ‏فخورة بكونهم يقاتلون من اجل القضية الفلسطينية، ربما لانني كنت اعيش في العالم العربي. لم ‏يكن الامر موضع جدل بنظري».‏
وقالت «انني ابنة شخص لم يكن مقبولا بنظر المجتمع الياباني».‏
وتعتقد مي ان في وسعها ان تنشط من اجل القضية الفلسطينية بطرق مغايرة لخط والدتها، من ‏خلال الاعلام مثلا.‏
غير ان موقفها ما زال موضع جدل وقد احتجت السفارة الاسرائيلية حين القت محاضرة في مدرسة ‏قرب طوكيو معتبرة انها عرضت وجهة نظرة من طرف واحد.‏
وتقول مي «اشعر انه يجب الا اتخلى عن الناس. لا يمكنني ان اقول بكل بساطة انني ساتوقف عن ‏التكلم عن فلسطين لانني متعبة، علي ان العب دوري».‏
ولم يكن الانتقال الى اليابان سهلا بالنسبة لها، وهي تذكر على سبيل المثال موظفا في مصرف ‏اميركي رفض ان يفتح لها حسابا على اساس انه لا يمكنه تولي «اموال ارهابية».‏
غير ان الخروج من السرية اتاح لها حرية لم تكن تنعم بها في السابق حيث لم يكن في وسعها كشف ‏هويتها الحقيقية.‏
وتقول الشابة البالغة من العمر اليوم 33 عاما «صار في وسعي التعبير علنا عن كل ارائي ‏سواء على الصعيد السياسي او الاجتماعي. وباتت لي هوية يمكنني تقديمها بثقة، وهذا ما يسمح ‏لي بالتصرف بحرية اكبر».‏
ولدت مي في بيروت عام 1973 من اب ناشط في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لم تتعرف اليه الا ‏عندما اصبحت شابة.‏
وكانت والدتها آنذاك مطلوبة من جميع اجهزة الشرطة في العالم وعلى الاخص على اثر المجزرة ‏التي نفذتها المنظمة عام 1972 في مطار اللد قرب تل ابيب وراح ضحيتها 26 قتيلا فضلا عن 76 ‏جريحا.‏
ونشأت مي الابنة الوحيدة لفوساكو ضمن مجموعة من ناشطي الجيش الاحمر تعتبر جميع افرادها ‏‏«آباء وامهات لها».‏
وتستحضر بعض الذكريات السعيدة من تلك الفترة التي امضتها وسط ثوريين وناشطين في عدد من ‏المخيمات الفلسطينية في لبنان، فتروي كيف كانوا يتشاطرون الاعمال اليومية وينشدون ‏اغنيات في السهرات معا.‏
لكنها مقابل تلك الذكريات السعيدة واجهت مصاعب العيش في السرية متنقلة من مخبأ الى آخر ‏ومن مدرسة الى اخرى اربع او خمس مرات في السنة بدون ان تجرؤ على التقرب من اي كان.‏
وتقول «كان يصعب علي في بعض الاحيان الانفصال عن اشخاص بدأوا يصبحون اصدقائي بدون ان ‏يتسنى لي ان اودعهم واقول لهم الى اين كنت ذاهبة».‏
وتعلمت كيف تخفي اصولها واتقانها اللغة اليابانية وتتصرف مثل فتاة عربية لحماية والدتها ‏وشركائها المطلوبين.‏
وقررت مغادرة لبنان والانتقال الى اليابان لمساندة والدتها بعد اعتقالها في اوساكا عام ‏‏2000.‏
وتخلت مي من اجل والدتها عن دراستها وشريكها منذ سنوات للتوجه الى بلد لا تعرفه وتعتبر ‏فيه والدتها تجسيدا للارهاب ولتطرف يرفضه الجميع.‏
وقد حكم القضاء الياباني اخيرا على الزعيمة السابقة للجيش الاحمر بالسجن عشرين عاما.‏
وتقوم مي بزيارة والدتها كل اسبوع في السجن حيث يسمح لها بمقابلتها ربع ساعة من خلف ‏الزجاج.‏
وتقول مي «اعرف ان والدتي اعتنت بي. كنت اولويتها الوحيدة، بما في ذلك في الفترات ‏الصعبة. وعلي اليوم ان اعتني بها بدوري».‏

‏(أ ف ب)‏