إنه لأمر طبيعي أن نسمع عن فك احتباس شخص ما بعدما اكتملت مدة عقوبته أو سجنه أو إثبات براءته من عقوبة جزائية أو جنائية ما.!
كما أنه لأمر شبه طبيعي أن نسمع عن فك احتباس شاحنه أو دراجة آلية أو حتى هوائية في كراج حجز السيارات التابع لشرطة المرور بسبب مخالفة سير أو انتهاء صلاحية الأوراق والتخلف عن الفحوص الفنية .!
إلا أنه لأمر غريب و مضحك .. مبكي أن يُفك احتباس حمار بعدما ابتلع الدستور في مسرحية لدريد لحام ..!!
ولكن من الغريب جداً و جداً والجديد أيضاً وسوبر موديل أن لا يتم فك احتباس محضر ضبط رسمي في أحد أقسام الشرطة الرئيسية في مدينة اللاذقية بحجة عدم استكمال شروط الدفع!!!!!
فقد تقدم المدعو ( ش. م ) إلى السيد محافظ اللاذقية بشكواه التي يطلب فيها الإيعاز لمن يلزم بالتحقيق في قضية ما و إعادة الحقوق إلى أصحابها .
أوعز السيد المحافظ إلى قيادة الشرطة للعمل . فقامت بدورها بتحويل الشكوى إلى أحد أقسام الشرطة في مدينة اللاذقية.
هناك , فُتِح محضر ضبط رسمي دَوَن فيه السيد (ش.م) جميع المعلومات اللازمة لاستكمال هذا المحضر.
وعند الانتهاء من كتابة المحضر , طُلِب إليه تسديد المتوجبات و الرسوم غير الرسمية لمباركة هذا الضبط واعتبار هذه الرسوم إكرامية على الجهد و التعب اللذين بُذِلا لإخراج هذا المحضر في أبهى صورة له.!!
أحس صاحبنا , حقيقة, بأن الأمر لا يتعدى كونه إكرامية فعلاً بعدما أكد له أحدهم هناك بأنه يقوم بتسجيل عشرات المحاضر يومياً وهذا ما يزيد العبء و المسؤولية التي تقع على كواهل هؤلاء من أجل حماية الوطن و المواطنين !!!
رق قلب صاحبي بعدما بدت علامات و ملامح العوز و الضيق و التأفؤف من الحال الذي هو عليه هؤلاء !
كما و أوحى له أحدهم بالإشارة و الفهم الكافي بأن هذه الإكرامية ستساعد بشكل كبير بتسريع عودة هذا المحضر إلى مكتب السيد المحافظ للأمر بتنفيذ مضمونه !
قام السيد ( ش.م) بتسليم مبلغ ألف ليرة سورية لكل منهما إكراماً للتعب و الجهد المبذولَين لإصدار هذا المحضر ولكنه, فوجئ بردة فعل سلبية من هؤلاء وكأنه بهما يتوقعان منه إكرامية أعلى وعطاء أكبر يقدر بضعف أو ضعفي هذا المبلغ أو حتى أضعافه . وهم بهذه الحالة لن يمانعا بذلك .!!
لم يفهم حينها صاحبنا هذه الإشارات و هذه التلميحات حول حجم الإكرامية القليلة على هيك محضر!!
فغادر دونما أن يرى علامات الانزعاج على (بخل) هذا المواطن الذي لم يقدر التعب و لم يأبه للجهود . غادر منتظراً عودة المحضر مرة ثانية إلى مكتب السيد محافظ اللاذقية لتنفيذ مضمونه.
ولكنه انتظر عدة أيام دون حدوث شيء . فاتصل بالقسم مستفسراُ عن ضبطه . حينها أبلغه أصحاب العلاقة بأن الضبط لم يُفك احتباسه حتى الآن وإلى أجل غير مسمى ريثما يتم دفع بقية الإكرامية المُرضية و السخية!!
وإلا ,... فإن هذا المحضر لن يرى النور ولن تُكتب له الحياة في الوصول إلى أبواب القسم الخارجية حتى!!
فهم حينها صاحبي بأن ما في الأمر ليس إكراميات على الجهد المبذول وإنما, هو عملية ابتزاز حقيقي لواحد من مئات المواطنين الوافدين إلى قسم الشرطة لتسجيل محاضر ضبوطهم .
رفض صاحبي إعطاء أية مبالغ (أكسترا) على المبلغ المدفوع أصلاً بعدما اعتقد جازماً بأن الأمر سيجري كما البقرة الحلوب . وأن هذه الإكرامية لن تنتهي معهم عند هذا الحد !!
فأخبرهم بأنه لم يعد بحاجة إلى محضر الضبط هذا وبإمكانهم أن يمزقوه وينقعوه ويشربوا ميتوه!!!
وهو لم يعد بعدَ الآن يريد حقه إن كان هذا الحق سيمر عبر هؤلاء.
أبلِغوه أنه في حال عدم تسديد بقية الأكرامية , فإن المحضر سينام عندنا . كانت هذه رسالتهم!
الشرطة في خدمة الشعب . لقد نسي القائل وضع النقاط على الحروف فالصحيح القول الشرطة في خدمة الشغب !!!
هذا ما صار يردده صاحبي عشرات المرات يومياً وكأنه أُصيب بنوع من الهلوسة العارضة بعدما نزع يده عن مقولة الدنيا بألف خير .!!
بعدها , فكر صاحبي قليلاً ثم انطلق يقول : بحسبه بسيطه و كما قال لي الشرطي بأنهم يستقبلون عشرات المحاضر يومياً . فإذا افترضنا بأن كل واحد منهم أُكرِم بمبلغ ألفي ليرة سورية في أدنى تقديرعن كل محضر مسجل لديهم . ! هذا يعني أن إكرامية كل منهم يمكن أن تصل إلى عشرين أو حتى أربعين ألف ليرة سورية يومياً ! إذا افترضنا أنهم بذلوا جهداً مشكوراً لعشرين محضر ضبط فقط يومياً !!!
وتابع . يالها من تجارة رابحة و نافعه . عمل بلا رأس مال ومدخول صافي . NET PROFITS !!!
سأرسل ابني فوراً للتطوع في سلك الشرطة خدمة للشغب ..!عفواً خدمة للشعب .. ها ها هاها .
ضحك صاحبي حتى الثمالة بينما كنت ألملم آلامي و آهاتي وهواجسي . ولكن ما قاطع تركيزي هذا حول خطورة ما يجري الآن هو استمرار حالة الضحك عند صاحبي المنكوب مما ولّد عندي أيضاً إحساساً بالحاجة إلى الضحك أيضاً !!!
فلم أحسس بنفسي إلا وأنا أقهقه بصوت مرتفع جداً تجاوز ارتفاعه قهقهات صاحبي مما دفعه للتوقف عنها و النظر إلي ليلاحظ أن الهلوسة قد أصابتني عدواها أيضاً !!!!
ضحكات فيها من الألم وقراءة الواقع المؤلم وشيء من الهلوسة و الجنون العارضين اللذين نعيشهما من جراء الممارسات القبيحة لحماة الوطن و الناس . ويا لهم من كثر ...
هذا ما انتهى عليه صاحبنا أخيراً .... والسلام عليكم .