الصراع على النفوذ الاستعماري في سورية - الشركات الاميركية تضغط على سورية لعقد اتفاقية مرور البترول السعودي من سورية (التابلاين) - مشروع اتفاقية النقد السوري مع فرنسا.
لو رجعنا الى صحف الاشهر الثلاثة الاولى من عام 1949 لقرأنا عناوين الأخبار التالية:
جولة فاضل الجمالي على العواصم العربية - هل هناك معاهدة تحالف بين لبنان وبريطانيا؟ - جواب سوريا على رسالة نوري السعيد - جميل المدفعي في دمشق -سياسة نوري السعيد وموقف البلاد العربية منها - هل يعقد تحالف بين سوريا وبريطانيا؟ - السعيد يقترح ميثاقا - مشروع الهلال الخصيب - زيارة فاضل الجمالي للرئيس القوتلي - مؤامرة عراقية انكليزية لضم العراق الى سوريا - هل نفذ نوري السعيد ميثاق سعد آباد؟
لكن الاستعمار القديم لم يكن وحده في الميدان، بل كان هنالك الاستعمار الجديد الذي أصبح بعد الحرب العالمية الثانية اشد خطرا على الأمة العربية من الاستعمار القديم، وأصبح كالوباء بالنسبة للجسم العربي الهزيل، فقد كان منذ ذلك الوقت يطرح شباك الاحلاف والمعاهدات، ولو عدنا الى صحف الفترة ذاتها لقرأنا العناوين ذات الدلالة التالية:
مشروع مارشال يطرح على البلاد العربية - طبخة حلف دول المتوسط - مشروع ترومان لانعاش الشرق الاوسط، هل تجمع امريكا العرب واسرائيل في حلف شمالي الأطلسي؟
في تلك الفترة نشر في الصحف المحلية خبر بسيط لم ينتبه اليه أحد ولكنه ذو دلالة هامة سوف تتكشف فيما بعد، ففي يوم 10 آذار 1949 أي في ذروة الصراع البريطاني الأميركي على النفوذ في سورية - ذكرت الصحف ان دار السفارة الاميركية بدمشق هوجمت ليلا من قبل جماعة من اللصوص وقد جرى تبادل اطلاق النار بينهم وبين الموظفين الاميركيين وان كوبلاند كان من موظفي السفارة الذين تولوا الدفاع عنها، ولم تبرز الصحف اسم شخص غيره.
لقد قرأ الناس هذا الخبر باستغراب لأنه لم تجر أي سابقة لمهاجمة السفارات من قبل اللصوص، وقد جرى مثل هذا الاعتداء بعد عام على الكولونيل الانكليزي سيترلينغ، وفيما بعد اصبح تفسير حادث الاعتداء على السفارة الاميركية واضحا، فلقد بلغ الصراع قبيل انقلاب حسني الزعيم بين الاجهزة البريطانية الخفية وبين الاجهزة الأميركية حدا من العنف أصبحت معه هذه الاجهزة عصابات ارهابية تتصارع فيما بينها.
بعد اثنين وعشرين عاما من هذه الاحداث أصدر كوبلاند كتابه المعروف لعبة الامم (1) وفيه مزيد من الايضاح لدوره في سورية في تلك الفترة، فهو يبين انه كان المخطط لانقلاب حسني الزعيم، وانه من مؤسسي المخابرات المركزية وانه لعب دورا كبيرا ابان الحكم الناصري.
لقد اخبرني العقيد محمود الهندي، أحد كبار موظفي وزارة الدفاع - عندما اصبحت وزيرا لها عام 1950 - انه تعرف على كوبلاند في عام 1949، وكان ينظر اليه كواحد من موظفي السفارة الاميركية، ولكنه فوجىء به ذات يوم وهو يفاتحه بالانتساب للمخابرات المركزية فاعتذر وقال له:
- ما هي غايتك من ذلك:
فأجابه كوبلاند
- ان غايتي هي معرفة التشكيلات والخلايا اليسارية المتطرفة في سوريا.
فأجابه الموظف الكبير:
- يمكنني ان أخدمك ولكن عليك بالمقابل أن تخدمني فتخبرني عن شبكات المخابرات الاسرائيلية في سوريا.
فضحك كوبلاند كثيرا.. فسأله الموظف السوري.
- مالك تضحك؟
فأجابه كوبلاند:
- لو فعلت هذا لنحيت فورا.
فسأله:
- ولماذا؟
أجاب:
- لان الصهيونية متغلغلة في أجهزة الدولة عندنا، ولا سيما جهاز المخابرات.
قال له:
- أ إلى هذا الحد؟
قال
- بل أكثر مما تتصور.
وقد قال لي محمود الهندي انه أخبر الرئيس القوتلي بالحادثة
اتفاقية التابلاين، والاتفاقية المالية مع فرنسا
بتاريخ 18/1/1949 نشرت جريدة النصر الدمشقية مقالا بقلم احمد الشراباتي نائب دمشق ووزير الدفاع السابق يدعو فيه بشكل مبطن لعقد اتفاقية التابلاين ويتزلف فيه للملك عبد العزيز آل سعود وقد جاء في المقال:
كلنا يذكر تلك الحملة المغرضة التي شنتها شركة التابلاين على سوريا بقصد ارغامها على قبول شروط معينة (ولم يذكر هذه الشروط).. وأنا أذكر بمزيد من الحزن ما قيل عني شخصيا لجلالة الملك عبد العزيز آل سعود في برهة المفاوضات مع التابلاين من أن اصراري على شروط معينة (ولم يذكرها) يسبب ضررا ماديا للمملكة العربية السعودية .
ويخلص الى القول: ان موقف المملكة العربية السعودية من هذه القضية نفسها، اي قضية التابلاين، موقف مشرف ومتميز ومتى كشف النقاب عن بعض الاسرار عرف العرب اي سند كان لهم في اسد الجزيرة ومليكها العظيم .
كما نشرت الصحف ان مغتربا من أصحاب الملايين يدعى (2) منهل دفعته الوطنية والشهامة لأن يغامر بأمواله بالعمل لاكتشاف النفط السوري الدفين الذي تحجبه شركة البترول السورية المحدودة الملحقة بشركة نفط العراق، والتي نالت رخصة للتنقيب عن البترول (3) في جميع أنحاء سوريا ما عدا جنوبي خط العرض المار بدمشق على اعتبار ان تلك المنطقة الجنوبية بركانية لا تحتوي على حقول بترولية.
والذي ظهر فيما بعد ان الشركات البترولية الأمريكية والبريطانية كانت متفقة فيما بينها حول استثمار البترول السوري من قبل الشركات الاميركية فقد تنازلت شركة نفط العراق بعد عامين، عن امتيازها وسلمت معداتها الى وزارة الاشغال العامة.. وبعد سنتين منح منهل رخصة التنقيب عن البترول كما سيرد فيما بعد.
ولذلك تركزت الحملة السياسية والاعلامية - بعد كارثة فلسطين - على الدعاية الواسعة للشركات البترولية البريطانية والاميركية بشكل منسق ومنسجم في سورية ولبنان، وكان كبار السياسين وكلاء لهذه الشركات: كان نعيم الانطاكي وكيلا لها في سورية، وحبيب أبو شهلا في لبنان، كما تم استخدام عدد من رجال السياسة والصحافة في البلدين لمصلحة منح الامتيازات لهذه الشركات.
واذا استعرضنا بعض عناوين الصحف خلال شهر كانون الثاني من عام 1949 نجد فيها:
550 مليون دولار تخصص لمشاريع البترول في الشرق الاوسط، شركتان للنفط تطلبان مطارين في سورية، اتفاق سورية ولبنان حول التابلاين، اجتماع في شتورا لبحث قضية التابلاين، وصول ممثل الخارجية السعودية الى دمشق بشأن التابلاين، هل تكون سورية بمنجاة من الغزاة اذا رفضت اتفاقية التابلاين؟ النفط يغطي العملة السورية... افتتاحيات لأصحاب الصحف تشجع وتحض على البت بالمشاريع والاتفاقات البترولية، اعلان من التابلاين تعتذر فيه عن توظيف العدد الكبير من السوريين لأن الحكومة لم توقع بعد الاتفاقية، هذا بوقت كانت البطالة فيه تعم سورية.
خلال شهر آذار 1949 بلغت الحملة اوجها وأصبحت أجهزة الاعلام تضغط على المجلس النيابي للبت العاجل باتفاقيتي النقد والتابلاين باعتبارهما مكملتين لبعضهما في بناء الاقتصاد السوري.
أين نقف في خضم هذا الصراع؟
وعلى أي ساحل نرسو؟
ما هي خطتنا السياسية والاعلامية، بعد هذا الشرح الطويل لأوضاعنا الدولية والعربية والداخلية؟
من هم خصومنا ومن هم حلفاؤنا في هذه المرحلة؟ وما هي أهدافنا فيها؟ ما هي اساليب تحقيقها؟ ومن أين نبدأ والى أين ننتهي؟
كان الهدف الواضح أمامنا هو تعديل اتفاقية البترول مع شركة التابلاين الاميركية، وعدم المصادقة على الاتفاقية المالية مع الحكومة الفرنسية...
أما الاسلوب الذي لم يكن لدينا غيره آنذاك فهو عرقلة عرض نصوص الاتفاقيتين على المجلس النيابي، وكانت حجتنا في تعديل اتفاقية التابلاين ان عائداتها التي لا تتجاوز بضعة ملايين من الدولارات لا تبرر المغامرة بجعل موطىء قدم في البلاد لاميركا حليفة الصهيونية، اذ من يجلب الدب الى كرمه؟ خصوصا اذا كان العدو الصهيوني متخفيا تحت جلد ذلك الدب؟
انها مغامرة لها نتائجها البعيدة المدى سياسيا على القضية العربية لا سيما وان الهيكل السوري لا يحتمل غلاظة وثقل ووطأة أنابيب التابلاين.
قد يكون مرور الانابيب مصدر قوة لسورية لتهديد الولايات المتحدة والضغط عليها.. ولكن هل بلغت سورية هذا المبلغ بحيث تستعمل هذا السيف أم أن هذا السيف سيعمل في رقاب شعبها؟ ولا سيما ان البوادر أخذت تظهر منذ الان على الحكومات والصحافة ورجال السياسة؟
هذه هي التساؤلات التي طرحتها على نفسي آنذاك بشأن اتفاقية التابلاين.
أما بشأن الاتفاقية المالية مع فرنسا فكنت أقول في نفسي هل هذه اتفاقية بلد حر مستقل مع بلد أجنبي؟ لو عقدت هذه الاتفاقية مع فرنسا قبل الاستقلال لكان لها ما يبررها، أما أن تعقد بعد الاستقلال فهذا أمر مرفوض، فهي اتفاقية مجحفة بحقوق سورية وهي تكريس لامتيازات الانتداب الاقتصادية والمالية..
كنت أقول في نفسي، أبان تلك المعركة القاسية: ان كارثة فلسطين مرتبطة ارتباطا صحيحا بفساد الاوضاع الداخلية، وأن الطريق الصحيح هو في النضال لكشف الحقائق وتحديد المسؤوليات، وها قد أتاحت الظروف الفرصة لتشكيل لجنة التحقيق البرلمانية، اذن فلنبذل أقصى الجهود لنصل الى الحقائق النهائية في هذه القضايا الكبرى لنعرضها جميعا على الشعب عارية من لبوس الزيف والخداع.
ولكن على من سنعتمد للوصول الى هذه الاهداف؟
كان اعتمادنا الأول على جماهير الشعب، الطاهرة النظيفة، التي لم تصل اليها محاولات الرشوة والافساد، والتي كانت فلسطين قضيتها الأولى.. أما في المجلس فكان حزب الشعب، أقوى الأحزاب المعارضة، حليفنا المرحلي.
اذن فلتتمكن معه الأواصر ولتنسق الجهود..
ان مشروع الاتحاد مع العراق غير عاجل وغير ملح الان، واذا ما طرح في المستقبل فلن يكون الا بالطرق الديموقراطية، وعندها تتحدد المواقف.
اتفقت مع حزب الشعب على أن ألقي في مقره الحزبي في دمشق الذي يقع في شارع متفرع من شارع بغداد محاضرة حول اتفاقية التابلاين، بعد ان أحالت حكومة العظم نصوص الاتفاقية الى المجلس النيابي بتاريخ 18/2/1949 وكنت قد وجدت صعوبة كبيرة في دراستها وفهمها وبذلت لأجل ذلك جهدا كبيرا، لأن الشؤون البترولية كانت جديدة علينا، كما أني لم أعثر على أي مرجع أو مرشد فقد كانت البلاد محرومة من المختصين بشؤون البترول.
شهد المحاضرة جمهور من طلاب وطالبات الجامعة ومن رجال الفكر والسياسة، وقد ركزت على ضآلة عائدات مرور أنابيب التابلاين وان ما تنشره الحكومة والصحافة والتابلاين عن أنهار السمن والعسل التي ستدرها الاتفاقية على البلاد انما هو كذب وافتراء.
كما عقدت ندوات أخرى في دمشق وحماة وحلب وبقية المدن السورية، وكلها تدعو لرفض الاتفاقية اذا لم يجر تعديلها فعمت المظاهرات التي كان الطلاب عمودها الفقري انحاء سورية مما اضطر الحكومة لتأجيل افتتاح المدارس اسبوعا بعد اسبوع، بعد انتهاء العطلة الانتصافية وكانت الحكومة تمارس أقصى أساليب العنف في قمعها، مما اضطرني لتقديم الاستجواب التالي في جلسة 9/3/1949:
دولة رئيس مجلس النواب الموقر:
أثناء تفريق مظاهرة الطلاب ضد التابلاين قامت الشرطة بأعمال قاسية وشتم واهانات لا تليق برجال الأمن، ولم تتردد من الانقضاض على فتاة طالبة، الامر الذي استنكره الناس واستفز شعور الرأي العام. لذلك نرجو من الحكومة التحقيق عن التجاسر ضد الفتاة الطالبة لمعاقبة المتجاسرين ووضع حد لمثل هذه الاعمال .
كان المجلس النيابي في تلك الفترة يعقد جلسات متواصلة يوميا تقريبا، لاقرار الموازنة وقد استطعنا تأجيل عرض الاتفاقيتين على المجلس باحالتهما الى اللجان النيابية، ولكن الموضوع كان يفرض نفسه على مناقشات البرلمان تحت ضغط الظروف العامة في البلاد، لذلك عندما اثار خالد العظم رئيس الوزراء موضوع مظاهرات الطلاب تصديت له قائلا:
ان هذه الاتفاقيات يجب ان تدرس وتمحص تمحيصا دقيقا، ولا يجوز ان تقوم المظاهرات للتأثير والضغط على الحكومة او المجلس لسحب هذه المشاريع ورفضها. ان هذا القول صحيح لو كانت الأمور في بلادنا تجري في مجاريها الطبيعية، ولكنني أشعر بخلاف ذلك، ولذا فاني اعطي الطلاب الحق بتظاهرهم وبدعوتهم لرفض هذه المشاريع، ذلك لأن الجو غير الأخلاقي الذي سيطر ولا يزال يسيطر، والذي يقوم بعض الدعاة بالترويج له - واعتقد انه شائع وغير خاف على الحكومة - من رشوة بعض الرجال بالاموال التي اتوا بها من مصادر معلومة للدعوة لهذه الاتفاقيات، ففي مثل هذا الجو يحق للطلاب ان يقفوا هذا الموقف الذي شاهدتموه.
وما على الحكومة الا أن تبحث جديا عن الاشخاص الذين تناولوا الرشاوى - لأنني اعتقد ان من يقبض مالا لابرام هذه الاتفاقيات هو خائن بحق وطنه، وأقول هذا بصراحة ووضوح.
ان دولة رئيس الوزراء قال ان هذه الاتفاقية تلزم البلاد أجيالا عديدة ولا تقتصر علينا نحن، فاذا اردتم جوا طبيعيا لمعالجة هذه الامور معالجة طبيعية، فيجب على الحكومة ان تلاحظ هذا الامر وان تحقق عنه وان تعاقب من يستحق العقاب، والا فان المظاهرات ربما استمرت، والجو غير الطبيعي ربما دام ايضا، لأن الأمور لا تعالج بشكل طبيعي... ان كل مواطن يتناول مالا من جهة أجنبية للترويج لأحد المشاريع قبل البت به من قبل المجلس النيابي يكون عمله هذا خيانة وطنية، وأقول بكل صراحة ومع الاسف الشديد ان الشعب قد تداول وتناقل اخبارا واتهامات بحق بعض الاشخاص، ربما كان بعضهم قد توصل الى مناصب عليا في الدولة كالنيابة والوزارة، وفي اعتقادي ان الحكومة مسؤولة، ويجب عليها ان تلاحق كل شخص سواء كان صحافيا أم موظفا أم غير ذلك عندما يقبض مالا من جهة أجنبية للترويج لأحد مشاريعها .
لقد كان موقفنا في تعديل هذه الاتفاقية لمصلحة سورية موقفا بعيد النظر، اذ ان هذه الشركة ظلت على تعنتها في رفض دفع عائدات المرور بموجب الأسس التي تعاقدت عليها سورية مع شركة نفط العراق عام 1956، وظلت ممتنعة عن دفع نصيب سورية العادل من العائدات حتى عام 1962، اي الى ما بعد الانفصال.
الاتفاقية المالية مع فرنسا
كان رفضنا للاتفاقية المالية مع فرنسا، لأن هذه الدولة كانت ما تزال بعد استقلالنا تريد أن تعاملنا في أخطر شؤوننا المالية بالعقلية الاستعمارية الاستغلالية المتعالية التي تعامل بها مستعمراتها.
لقد وضع مشروع الاتفاقية نتيجة للمفاوضات التي اشتركت بها الحكومة السورية والحكومة اللبنانية في باريس منذ 1/10/1947 حتى غاية كانون الثاني 1948 وقد أبرم لبنان مشروع الاتفاقية، ورفضته سورية ويتلخص المشروع المرفوض بالنقاط التالية كما جاء في الاسباب الموجبة للاتفاقية السورية التي عرضت على المجلس والتي تقارن أوجه الخلاف بين الاتفاقيتين (اي الاتفاقية اللبنانية ومشروع الاتفاقية السوري)
أولا: أنه لم يكن مجرد اتفاقية تصفية مالية، بل انه قيد فعلي يجعل ارتباط النقد السوري بالفرنك ارتباطا وثيقا ويبقي الليرة السورية في منطقة الفرنك.
أ) ينص على وجوب اجراء جميع المعاملات المالية بين سوريا والعالم عن طريق كتلة الفرنك الفرنسي.
ب) ينص على وجوب بقاء حرية نقل الاموال من سوريا الى فرنسا دون تحديد فيما يحصر نقل الأموال من فرنسا الى سوريا بعمليات معينة وخاضعة لانظمة مراقبة القطع.
ثانيا: كانت شروط تصفية أموال التغطية بالفرنكات شروطا ثقيلة من حيث المدة والمقدار.
أ) فالمشروع يقضي بتجميد التغطية مدة خمس سنوات أي حتى عام 1954.
ب) لا يجيز، ابتداء من عام 1953، استعمال اكثر من عشر المبلغ الاصلي اي دون المبالغ التي اضيفت او ستضاف بسبب تخفيض الفرنك، وهكذا فقد كانت الفروق التي تؤديها فرنسا على القسم المضمون مجمدة طيلة مدة الاتفاق ولا يمكن استعمالها.
ج?) لا يمكن تصفية الدين على فرنسا الا بعد انقضاء (12) سنة في أحسن الفرضيات.
ثالثا: التدخل في أمور السيادة.
أ) نص مشروع الاتفاق على أن تعديل انظمة مراقبة القطع النافذة في سوريا لا يمكن تعديلها الا بالاتفاق مع فرنسا.
ب) كما نص على أن انظمة نقل الاموال بين البلدين - النافذة حينئذ - لا يمكن تعديلها الا باتفاق مع فرنسا.
ج?) كما نص على احتفاظ فرنسا بجميع الحقوق التي كانت تطالب بها بالاشتراك مع انكلترا وأمريكا فيما يتعلق بالأموال المجمدة.
رابعا: أما بصدد المبادلات التجارية فان احكام المشروع توجب على سورية ان تراعي علاقاتها التجارية مع فرنسا المبادلات التقليدية بين البلدين كما تنص على حرية نقل الاموال لتسديد قيمة البضائع، وبنتيجة ذلك لا يحق لسوريا ان تمنع تصدير البضائع التقليدية الى فرنسا او تطلب تسديد قيمتها بعملة غير الفرنك.
خامسا: يتعهد الجانب السوري، بموجب الكتاب الملحق بالاتفاقية، بعدم الاعتراض على صحة النصوص والصكوك التي صدرت عن السلطات السورية او السلطات الفرنسية والمتعلقة بالشركات ذوات الامتياز، ولكنه في الوقت ذاته يطبق على هذه الشركات التشريع السوري الماضي والحاضر والمقبل .
بعد تعداد هذه النقاط المجحفة والاستعمارية التي وردت في الاتفاقية اللبنانية - الفرنسية، والتي حاولت فرنسا ان تفرضها ايضا على سورية، ورد في الاسباب الموجبة للاتفاقية الجديدة التي توصلت اليها حكومة خالد العظم مع الحكومة الفرنسية ما يلي:
فاذا كانت الحكومة السورية على حق في رفض الاتفاق المذكور فمما لا شك فيه من جهة ثانية ان بقاء مطاليب سوريا من فرنسا البالغة (195) مليون ليرة سورية معلقة، وترك المشكلة النقدية غامضة من غير حل، قد يكون أمرا له أسوأ الاثار في حياتنا الاقتصادية والمالية، يضاف الى ذلك احتمال تخفيض قيمة الفرنك مرات اخرى مما يعقد المشكلة ويجعل التصفية في المستقبل اكثر صعوبة وعسرا.
وكان امام الحكومة لمعالجة المشكلة احد طريقين: اما الذهاب الى محكمة العدل الدولية لمقاضاة فرنسا بمعالجة القضية النقدية، بصرف النظر بصورة مؤقتة عن الدين على فرنسا الى ان تظهر نتيجة هذه المقاضاة واما استئناف البحث مع الجانب الفرنسي للوصول الى حلول جديدة ذات شروط مقبولة.
والطريق الأول شائك وطويل الأمد (حسب ادعاء الحكومة نتيجة استشارة خبير مالي كبير)، أما الطريق الثاني فقد أوصل الحكومة اذ ولجته الى نص الاتفاق المعروض، وهو يختلف كثيرا عن نص الاتفاق الاصلي الذي وقعه لبنان ورفضته سوريا سابقا.
كانت الاسباب الموجبة التي جاء ذكرها كمبرر لعقد الاتفاق المالي مع فرنسا واهية لا تنطلي على أحد، لأن سورية قادرة بحق السيادة على الغاء امتيازات الانتداب.
وقد كان موقف المفاوض السوري قويا لأنه كان باستطاعة سورية، عند تعنت الفرنسيين ان تلجأ فورا لتأميم شركات فرنسا ذوات الامتياز وفي مقدمتها البنك السوري للاصدار، كما كان من المستبعد ان تلجأ فرنسا الى محكمة العدل الدولية لأنها ستخسر القضية، بل كان من المصلحة أن تلجأ لها، وعند ذلك سيرى العالم أي نوع من السلب والنهب والاستغلال كان الانتداب الفرنسي يرتكبه، ولا شك ان محكمة العدل الدولية كانت ستحكم لسورية بكامل حقوقها وسيكون قرارها فضيحة للانتداب الفرنسي.
لم تعرض الاتفاقية المالية المعقودة مع فرنسا ولا الاتفاقية البترولية المعقودة مع شركة التابلاين الاميركية على مجلس النواب للمناقشة العامة نتيجة للمعارضة الشعبية والمجلسية، وعندما حدث انقلاب حسني الزعيم أبرم هاتين الاتفاقيتين دون أي تعديل في نصوصهما.
___________________________________________
المصدر:مذكرات أكرم الحوراني
(1) ترجم هذا الكتاب الى العربية ونشر لأول مرة عام 1970 باذن رسمي من المؤلف لدار النهار في بيروت تحت عنوان لعبة الأمم ولكن العنوان الكامل هو لعبة الامم ولا أخلاقية سياسة القوة.
the game of nations: the amorality of power politics
(2) ادعى هذا الرجل انه من أصل عرببي من مدينة زحلة، وفي سورية تزوج من فتاة دمشقية صغيرة السن وهو في سن الشيخوخة وأشهر اسلامه قبل زواجه منها، وهو اميركي مستعرب من شكله ورطانه لسانه وضعف لغته، ارسلته المخابرات الاميركية والشركات البترولية، وسيرد فيما بعد قصة منهل والنفط السوري وشركة كونكوريا الخ..
(3) كان الدستور السوري يحصر بالمجلس النيابي حق منح أي امتياز. ويمكن للسلطة التنفيذية ان تمنح رخصة بالتنقيب عن النفط والمعادن. وهذه الرخصة لا تفيد المنقب مهما تحمل من نفقات الا في ترجيحه على غيره عند تساوي الشروط بين عروض شركات الاستثمار .