على يديه عطرٌ وشالٌ حرير فلا بللتهما دماء ولا سقاهما لعابٌ ولا أثقلتهما عظام ولا لفتهما صرةُ فقيرٍ أو توغل فيهما مالٌ حرام .
على منكبيه قطنٌ وصوفٌ
وشرانقٌ من غزل البنات
فلا تدلت منهما حبالٌ للمشانق،
ولا استقامت عليهما أحزمة للبنادق،
ولا مرَّ بهما عبءٌ أكبر من شارة ونجمة
أو أوسع من ربطة و عروة
أو أثقل من زرٍ وحزامٍ أو أطول من خصلةٍ.
.. ولسان.
على خديه خالٌ وشامات،
فلا زارهما الأحمر من بيوت الحياء
ولا زارهما الزهر من شفاه الزنابق،
ولا هدهدهما الدفء من أنفاس الأطفال
ولا صبهما البرد من قوالب الثلج وعُلَب الصقيع.
هو في البسمة محيّاها والشفاه،
وهو في القصائد وحيها والإلهام، وهو في العدل كفته والميزان، وهو في الحكمة كتابها والسبيل،
وهو في الحكم تاجه والصولجان
، وهو في الخلود تمثاله والصوان، وهو في التاريخ حكاياه والغلاف
، وهو في الجمال حُلاه والتيجان،
وهو في الكمال ربُه والإنسان،
وهو في الفنون شدوها والنايات
وفي الأكوان بحارها والبطاح
وفي الحب قتلاه والأحلام.
هو ملكٌ على أريكة، وأميرٌ في حجرة،
وحاكمٌ في رواق، وسيد في قبو،
وهو في الخطابة وشوشات الهواتف
وفي الكتابة تواقيع الصحائف
، وهو في القتال لا يبصق على حريق،
وهو في السكينة حليفٌ لا يرعاه حليف
وخصمٌ لا يرميه خصم و شريكٌ
لا يترك أثراً على عقدٍ أو رسمٍ أو طريق.
هو بسمةٌ تعمِّر بيتها في قلب النحيب
وهمسةٌ ترمي شباكها بين أسنان الضجيج،
وهو الشرودُ في زمن الوجود
والحيادُ في زمن المفاصل
والقحطُ في زمن الفقراء،
والكياسة في زمن العراة،
وهو الغيابُ في زمن العصيان
والفجرُ في زمن النجاة،
وهو الأسيرُ في زمن الساحات
والغريبُ في زمن الحلفاء،
وهو الفراغُ في زمن الحوار
والخواءُ في زمن القرار.
على يديه لم يَمُت لبنان
ولم يحيا لبنان...
على يديه ضاع لبنان
فلا صار دولة ولا قام وطناً...
على منكبيه لم تُرفع جثةٌ
ولم يستلقِ نعشٌ...
على منكبيه رقصت نجومٌ في أعراس الغرباء وزغردت في مآتم الرفاق
وأغرقت رؤوسها في صدور الغزاة
وعباءات السلاطين.
على خديه لم يورق غضبٌ
ولم يثمر عنفوانٌ...
على خديه أبرقت مساحيق
واختفت تجاعيد فلا كرجت
فوقها دمعةٌ في جنازة فقير
ولا سبح فوقها عرقٌ من جبين فقير
ولا تربع فوقها حياءٌ من عيون فقير
أو خجلٌ من شتائم فقير.
على أريكته ملكٌ بلا رعايا
ولا فرسان وأميرٌ بلا سيف ولا حِسان،
وحاكمٌ بلا شعب ولا سلطان،
وسيدٌ بلا وقار ولا عنوان.
على أريكته نُصُبٌ لا يحيد كما الريح
ولا يميل كما القصب،
في حجرته غفوةٌ لا تصحو كما البشر
ولا تصيح كما الديوك،
في رواقه خيالٌ لا يمشي كما الخيال
ولا يختال كما الحراس،
وفي قبوه عتمةٌ لا تخبو كما الليالي
ولا تخرج كما الوطاويط..
. في خطابه كلامٌ لا يُكتب كما الملاحم
ولا يُفاخر كما المعاجم،
وفي حروبه لا يطل كما البيارق
ولا يلمع كما الرماح،
في سلامه لا يقارع كما الأقوياء
ولا يهادن كما الحكماء...
هو في البسمة محيّاها والشفاه
وهو في الفراغ مداه والمساحات،
لا فرق عنده من يطرق الباب ناعياً
ومن يطرقه شاكياً،
ولا فرق من يسكن القصرُ نعاساً
ومن يمشيه خيالاً،
ولا فرق من ينام فيه خشباً
ومن يفيق فيه... تمثالاً.