قلت سابقا أن سوريا كانت تمتلك أغلبية من الأصدقاء: في البرلمان، في الوزارة، و في رئاسة الجمهورية (اللبنانيين)
فماذا فعلت سوريا؟
بكل بساطة... سوريا قبلت، كي لا نقول أنها طالبت بأن يتم إذلالها، و أن يتم إخراج سمير جعجع من السجن و أن تتم عودة ميكيل عون من المنفى...
لماذا قبلت سوريا بهذا الذل الفظيع؟
عن جد يعني... لماشو تقبل سوريا بهذا الذل المرعب؟
لسبب بسيط يا حبيبي: لأن سوريا تمارس السياسة، سوريا ليست طفلا أحمقا من نوع وليد أو سعد أو غيرهم من "السياسيين" اللبنانيين.
1- هزيمة رقم واحد: لقد ظن أعداء سوريا في لبنان أنهم اذلوها. يقول المثل السوري: "انفشو و شوف ما أجحشو". كانت تلك دفعة على الحساب، و سوف سيأتي يوم الحساب، لكن بالإنتظار فإعطاء العدو الشعور بانتصار وهمي هو أمر ضروري.
2- تجنب الهزيمة رقم اثنين: تجنب المشاكل. لو أن سوريا اعترضت لتسبب ذلك لها بمشاكل، و لبقي بعض اللبنانيين ينقون على طيز كس أم ربنا ليوم الدين... فقبلت سوريا بذلك كي تسد الذرائع و ﴿لي فيها مآرب أخرى﴾...
3- الإنتصار رقم ثلاثة: الدهاء و المعرفة.
و هكذا، فحين كان أتباع وليد جنبلاط يطالبون بعودة ميخيل عون كي "يذلوا" سوريا، كانت سوريا تلاحظ ما غفل عنه الأغبياء: أرض ميخائيل عون الإنتخابية تتقاطع -تقاطعا شديدا- مع أرض جنبلاط، و بالتالي فعودة عون ستمثل -أولا و أخيرا- تحديا لجنبلاط و لرغبته بأن يكون سيد لبنان -و هو الحلم الجنبلاطي منذ عشرات السنين.
باختصار، لو أن الإنتخابات النيابية أعطت جنبلاط 40 نائبا في مجلس نيابي يتضمن 128 لكان جنبلاط -عدو سوريا- هو الرقم 1 في لبنان و لكان الباقون أتباع له...
لكن بعودة ميشيل عون و بمنافسته لجنبلاط... فإن جنبلاط حصل على ما لا يتجاوز 20 نائبا، فهو لم يصبح رقم 1، و لا رقم 2، و لا حتى رقم 3... و منه الإستنتاج:
إن أردت تعلم البناء... فتعلم من سوريا...
لكن، خصوصا:
إن أردت تعلم التحطيم، فتعلم من سوريا.
4- الإنتصار رقم 4. و نعتمد فيه على جحشنة وليد جنبلاط.
ذلك أن حكومة سوريا، و منذ أن قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد ، تعتمد على بضعة أسلحة تعتبر بمثابة "أسلحة الدفاع الشامل" السورية. أهم هذه الأسلحة هو وطنية السوريين و رفضهم لخيانة سوريا تحت أي ذريعة، ثانيها هو مهارة المدرسة الديبلوماسية السورية -التي طورها حافظ الأسد بنفسه-، و ثالثها طبعا هو غباء أعداء سوريا، وهذا ينتج من قانون فيزيائي بسيط يقول: من يعادي سوريا هو غبي.
يعني كان يمكن و بكل بساطة أن يتحالف وليد جنبلاط و ميكيل عون في أرضهما الإنتخابية المشتركة -خاصة و أن كلاهما عدو لسوريا!
لكن سوريا تدرك مدى غباء وليد جنبلاط... و هي كانت تعتمد أساسا على هذا الغباء... و تحقق ما توقعته: لقد راح جنبلاط يهاجم عون بأقذع الأساليب لا بل و يتهمه بأنه عميل لسوريا...
فتحقق لسوريا ما تريد: التحالف الإنتخابي بين جنبلاط و عون صار مستحيلا، لا بل انقلب ليصير عداوة شديدة.
5- الإنتصار رقم خمسة... و نعتمد فيه على غباء عون!
ذلك أن الكلام أعلاه يوحي أن سوريا تحب عون... دعنا من هذا، كما يقول أبو حنيفة النعمان!
لا طبعا، لكن سوريا تظرب بعظهم ببعظ كي توقف الهجمة الأمريكية و هم أدواتها...
و منه، فحين طرح جنبلاط مسألة إسقاط الرئيس لحود، كان هذا الأمر ممكنا لو أنه كسب كتلة العماد عون لجانبه... لكن العماد عون رفض -دينه و حد سكينه- أن يوافق على ذلك إلا إن كان هو البديل... و نظرا للكراهية المسبقة بينه و بين جنبلاط، فكان من المستحيل أن يقبل جنبلاط بذلك... و النتيجة؟
بقي الرئيس لحود رئيسا...
6- انتصار رقم ستة: نعود لقصة سمير كس أمه جعجع، و اعتماد سوريا على غبائه...
هذا النجس -و بكل صراحة هو عبارة عن نجس متعصب دينيا مثله كمثل أسامة بن لادن، لا فرق بين كلب و كلب إلا بدرجة النجاسة- خرج من السجن و مباشرة انضم للجاعرين ضد سوريا... من دون أن يلاحظ أنهم عبارة عن سنّة، يعني مسلمين (أو، يعني على الأقل، هم ليسوا مسيحيين متعصبين مثله)...
و منه فتيار جعجع تم تهميشه -ليس بفضل سوريا، لكن بفضل غباء جعجع الذي انضم لجماعة سنيين سيقومون حتما بتهميشه...
و بما أن هذا التيار هو تيار معاد لتيار عون، فهو ساهم بتهميش عون قبل أن يتم تهميشه...
دعوني أوجز:
لقد تم إذلال سوريا عن طريق إخراج جعجع من السجن و إعادة عون من المنفى. فقام عون بتهميش جنبلاط و قام جعجع بتهميش عون و قام سعد بتهميش جعجع...
فنعود لطرح السؤال:
حين قبلت سوريا ذلك "الإذلال"... فكم يبلغ عدد المعارك السياسية التي ربحتها بذلك؟
*******
فنصل للسؤال الأساسي، و هو مبرر عنوان هذا المقال.
لبنان، و كما نعلم جميعا، هو مجرد "خرية" من وجهة نظر الأمريكان (لاحظ و بدقة: أنا أقول من وجهة نظر الأمريكان). و دليلنا على ذلك هو أن أمريكا لم تحرك إصبعا واحدا لإنقاذ لبنان من الهمجية الإسرائيلية. و منه الإستنتاج التلقائي:
حين تحمست أمريكا لدعم "الإستئلايل و الحئيئا" فما كان ذلك حبا بلبنان، لكن ذلك كان لاستخدام لبنان كرأس حربة ضد سوريا.
فقامت القيادة السورية باتخاذ قرار: السماح بعودة ميشيل عون، و على مبدأ "يا رب تيجي بعينو"... و إجت بعينو...
فهل يجب أن نستنتج أن الله موجود و أن "سوريا الله حاميها"، أم يجب أن نستنتج أن القيادة السورية تمتلك من المهارة السياسية ما يسمح لها بأن تصيب العصفور في عينه؟
لكم الخيار!