آخر الأخبار

أو لو كنا مظلومين؟!

تمهيد
زعموا أن المصريين سلبيون لا يشاركون فى الاستفتاءات المطروحة وطالبوهم بالمشاركة والتصويت ب(لا) من دافع أن المشاركة عمل ايجابى، وأن المقاطعة عمل سلبى... كما زعموا أن المصريين يؤثرون السلامة على المخاطرة ففى حين تهب شعوب كثيرة مطالبة بحقوقها وتدوس -فى سبيل ذلك- على جبين الطغاة نرى المصريين يؤثرون السلامة مرددين هتافاتهم المتكررة : حسبنا الله ونعم الوكيل، ربنا ينتقم من الطغاة والمستبدين (ذاكرين اسمهم)، واستشهدوا فى تقرير ذلك أن نسبة مشاركة المصريين فى الانتخابات البرلمانية لا تتجاوز ال25 % على أقصى تقدير.

ترى هل هذه المزاعم سليمة أم لها تبرير تنتهى نتائجه المترتبة عليه حين تنتهى أسبابه ؟ وهل بالفعل هذه النسب المتدنية فى المشاركات والفعاليات هى هكذا؟ وهل فى حِسّ قومنا ما يمنع من المشاركة؟ وإذا كان نعم فهل دوافع ذلك الخوف أم أمور أخرى مقدرة بقدرها؟

(1)

غريب أمر النظام الحاكم

غريب أمر النظام الحاكم الذى يروج لفكرة سلبية المصريين وهو يمارس أبشع صور القهر والإرهاب ضد شعبه ويكفى للتدليل على ذلك بجرح وإصابة مئات المصريين فى انتخابات 2005 فضلا عن قتل أكثر من 12 مصريا نسأل الله أن يتقبلهم فى الشهداء وأن يجعل دماءهم لعنة على الظالمين ... وإن تعجب فعجب دعوتهم للمصريين بالخروج للاستفتاء الذى لا ضمانة له من التزوير حيث لا حياد للأجهزة الأمنية، ولا إشراف للقضاة وقد رأى كثير من الناس والغرب كيف زورت أصوات الذين لم يحضروا الاستفتاء!!

وقد عزف الناس عن الاستفتاء لا عجزا ولا سلبية بل موقفا من المشاركة فى مهزلة نتيجتها محسومة سلفا، وصونا لكرامتهم من إعطاء العريان كرافتة ليتجمل بها أمام كاميرات الفضائيات الخارجية، وتجنبا لتمثيلية طبخت بليل لجنة السياسات من أجل تمرير مسلسل التوريث السخيف الذى بيعت مصر من أجل تمريره!!!

وهل دُعِى إلى انتخابات ضَمِنَ الناس: جماهير وقضاة ومراقبين نزاهتها وتخلوا عن المشاركة؟!! أو لو كان الغربيون مكان المصريين لظلوا على ايجابيتهم المرصودة؟!!

ولو أن كشوف الناخبين تم إعادة تنقيحها من الأسماء المكررة ومن الموتى لاستبان للمراقبين أن نسبة المشاركة على الانتخابات البرلمانية تفوق ما تواتر الكلام بشأنه من كونها لا تزيد عن 23% من جموع الناخبين الذين يحق لهم التصويت... لكن فى أصوات الموتى والأسماء المكررة ما يكفل للمزورين اغتصاب إرادة الجماهير.

(2)

إفراز الطغيان
على أن هناك سؤالين يلحان ها هنا : ما الذى يدعونا للسكوت على ظالم مستبد؟ ما الذى يُسكت غضب الجماهير وقد باتت ترى بأم عينها كيف تغتصب إرادتها؟
ولا أعتذر عن قومى ولا أعفيهم من المسئولية لكنى أكتفى ها هنا بذكر مشهدين أما أحدهما فهو فى تعليق أحد إخواننا الفلسطينيين حين شاهد تزوير إرادة أمتنا فى التعديلات الدستورية الأخيرة 2007 حيث دندن حول هذه المعاني : رحم الله إخواننا المصريين ...إن الاحتلال الصهيونى لا يفعل بنا ما يفعل بكم حكامكم.

وأما المشهد الآخر فهو فى تعليق لأحدهم على موضوع الحس الشعبى لعموم المصريين لكاتب هذه السطور حيث علق أحدهم قائلا: والحقيقة إننا نتابع ما يجري بأرض الكنانة ببالغ الأسف إذ ليس شعبها الأبي الذي يستحق هذه الحكومة ولا النظام لكننا نستغرب فعلا ذلك التخاذل والاستسلام الذي يواجه به الشعب المصري نظامه المستبد خاصة وأن جبهته المعارضة تتكون أغلبيتها ممن يحسبون على التيار الإسلامي، هذا التيار الذي يحمل عقيدة لا تتهاون مع الظلم و لا ترضى أبدا بالاستسلام فهى تحمل روحا ثورية خارقة لا تعترف بأية قوة على الأرض إلا قوة بارئها ...إذن فما هذا التخاذل؟أليس الساكت عن الحق شيطان أخرس؟ أليس أفضل الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر؟ انتهى.

أريد أن أقول إن القهر أشد مما يظن الذين يكتفون بالنقد دون مشاركة واضحة فى مقاومة هذا القهر، أقول هذا ولا أعتذر عن قومى وأحمِّل النخب والجماهير جزءا من المسئولية.

وأما السؤال الآخر فهو لماذا نشغل أنفسنا بإثبات التزوير للنظام الفاسد، وهتيفته المنافقين، وأعوانه من الغرب الذى يبتز الحكام العرب ونحن نعلم أنهم يعلمون التزوير؟!!

لقد استبان لى أن العاقل لا يتصدى بعرض نفسه لمن استغنى عنه لكنه فى حاجة إلى بناء داخلى قوى قوامه الوعى والفهم البصير والقدرة على التضحية بالنفس حين تعز التضحية على كثير من المنافقين أو الجبناء.

(3)

جلد الذات ليس حلا

تعرية الذات ونقدها أمر يستقيم واكتمال النضج والوعى، وجلد الذات وقهرها بالتعجيز وفقدان الثقة بالنفس وإشاعة أننا أمة فقدت مقومات الحياة، واستعجال قطف الثمرات، وانتظار دحر الظلم دون تضحية مفردات لا تستقيم معها الحياة بله الانتصار.

وشرح كل تلك المفردات لا يتسع له المقام لكننا نكتفى بالقول إن استعجال قطف الثمرات دون تقديم بذور صالحة للنماء عته ينبغى أن ينأى عنه ذو المروءة احتراما للعقل...إن الاستعجال حتى فى الدعاء لا ثمرة له ألا ترون لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي" متفق عليه، فما بالكم بغير الدعاء؟!!

وبناء عليه أرجو أن نتجه لبناء وعى قومنا بدلا من جلد الذات بصورة اكتئابية، وبدلا من البكاء على لبن مسكوب وقهر سوف يستمر ما لم يتحرك الفاقهون.