قصة الهندسه-6
ابتداء، و قد علمنا أن هندسة لوباتشيفسكي تتفق مع هندسة إقليدس في خمسة
مسلمات من أصل ستة، فهما لا تختلفان إلا بالمسلمة الخامسة، فيمكن لنا
أن نستنتج أن كافة النظريات التي يمكن لنا البرهان عليها من دون
استخدام المسلمة الخامسة هي نظريات في الهندسة "المطلقة"، فهي صحيحة في
هندسة إقليدس و هي صحيحة أيضا في هندسة لوباتشيفسكي.
فمثلا: كل النظريات الهندسية التي تعتمد في برهانها على مسلمات الحركة
هي من نظريات الهندسة المطلقة (و أذكر هنا أن إقليدس استخدم مسلمات
الحركة من دون أن يصرح بها). مثالنا على هذه النظريات هي حالات تساوي
المثلثات...
مثال: النظرية رقم 4 لإقليدس
إن تساوى في مثلثين ضلعان و الزاوية المحصورة بينهما تساوى المثلثان.
برهان هذه النظرية يتم عن طريق تحريك أحد المثلثين حتى ينطبق أحد ضلعيه
إياهما على الضلع المساوي له في المثلث الآخر، ثم قلب المثلث أي عدد من
المرات حتى تنطبق الزاوية المعنية على الزاوية المقابلة لها في المثلث
الآخر، و استنتاج أن الضلع الثاني في هذه الزاوية ينطبق حتما على الضلع
المقابل له في الثلث الآخر، و منه استنتاج تطابق المثلثين نتيجة تطابق
الرؤوس الثلاثة.
مثال آخر:
على هذا الرابط قدمت مثالا عن برهان لتساوي زاويتي القاعدة في المثلث
متساوي الساقين، و هو برهان لا يعتمد إلا مسلمات الحركة و نظريات تطابق
المثلثات، فهو إذن صحيح في هندسة لوباتشيفسكي.
فإن انتقلنا للنظرية رقم 16 لإقليدس، و هي أيضا صحيحة في نظرية
لوباتشيفسكي، نجدها و برهانها كما يلي:
من بين نظريات الهندسة المطلقة التي تهمنا هي
حالات الإنشاء الهندسي: جميعنا تعلمنا في المدرسة كيف ننشئ باستخدام
المسطرة و الفرجار كثيرا من الأشياء: منصف الزاوية، العمود من نقطة على
مستقيم، إلخ....
سأستعرض فيما يلي أحد هذه الإنشاءات الهندسية، و هو النظرية رقم 23
لإقليدس، لكني سأحله بطريقة مختلفة عن طريقة إقليدس، ذلك أن طريقتي
أبسط من طريقته.
من أين تأتي صحة هذا الإنشاء؟ صحة هذا الإنشاء تأتي من تعريف الزاوية:
الزاوية (مقاسة بالراديان) تعريفا هي نسبة طول القوس الذي تحدده في
دائرة لطول نصف القطر.
و من ثم نضيف: في دائرة واحدة (أو في دائرتين متساويتين) الأوتار
المتساوية تحدد أقواسا متساوية.
فنرى أن الإنشاء الهندسي هو نظرية لها كل مقومات النظرية و تحتاج
برهانا كغيرها من النظريات!
فأصل الآن للنظرية رقم 27 لإقليدس، و هي نظرية العكس للمسلمة الخامسة.
توطئة عن "نظرية العكس":
نظرية العكس لنظرية رياضية لا تعني أن نقول عكس ما تقوله هذه النظرية،
لكنها تعني أن نسير من النتائج للمقدمات...
فمثلا، حين أقول: "الرجال يتزوجون النساء"، فنظرية العكس هي "النساء
يتزوجن الرجال"، و كما نلاحظ فكلتاهما صحيحة (يعني في الحالة العامة )
نعيد التذكير بالمسلمة الخامسة:
"إن قطع مستقيم مستقيمان بحيث يكون مجموع الزاويتين الداخليتين
الناجمتين في نفس الجهة من المستقيم إياه أصغر من قائمتين، فإن
المستقيمين المقطوعين، حين يتم تمديدهما بما فيه الكفاية من هذه الجهة
نفسها، سيتقاطعان"
صياغتها المبسطة هي:
إن قطع مستقيم مستقيمين متوازيين، كانت الزاويتان الداخليتان
متكاملتين.
و منه، نظرية العكس، و هي النظرية رقم 27 لإقليدس، تقول:
إن قطع مستقيم مستقيمين، و كانت الزاويتان الداخليتان متكاملتان، كان
المستقيمين متوازيان.
بإيجاز:
المسلمة الخامسة: مستقيمان متوازيان => زاويتين داخليتين متكاملتين.
النظرية 27: زاويتان داخليتان متكاملتان => مستقيمين متوازيين.
هذه النظرية أيضا تنتمي للهندسة المطلقة، ذلك أن برهانها الذي سنورده
لاحقا لا يعتمد على المسلمة الخامسة.
كون هذه النظرية هي نظرية في الهندسة المطلقة له أهميته: فهو يثبت وجود
مستقيم مواز واحد على الأقل يمكن رسمه من نقطة خارج مستقيم، و البرهان
بسيط:
من النقطة التي تعنينا نرسم قاطعا للمستقيم، ثم ننشئ من النقطة نفسها،
على المستقيم القاطع، و بالإتجاه المخالف، ننشئ زاوية تساوي الزاوية
الناجمة عن تقاطع المستقيمين كما شاهدنا في النظرية رقم 23، فنحصل على
مستقيم مواز لمستقيمنا...
و بالإضافة لذلك، نستنتج مجددا أن هندسة ريمان تتناقض مع الهندسة
المطلقة: ففي هندسة ريمان الفرضية الأساسية هي استحالة رسم أي مستقيم
مواز... و قد برهنا للتو على إمكانية ذلك!
و لي عودة كي أوضح تكافؤ بعض صياغات المسلمة الخامسة...