التقيت به وهو يحزم حقيبته ويحضر نفسه قبل ساعات من السفر بجولة اطلاعية إلى هولندا تكريماً لفوزه بالمرتبة الأولى في المسابقة التي أقامتها مؤخراً جمعية حماية البيئة السورية بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني والمركز الهولندي للدراسات الأكاديمية تحت شعار:
« الفن المعاصر من خلال إعادة التدوير لبيئة أفضل»في كلية الفنون الجميلة بدمشق والتي شارك فيها مجموعة من الفنانين التشكيليين السوريين الشباب بأعمال نفذت من مواد مختلفة من النفايات ومخلفات الصناعة والز راعة والحرف والمهن وغيرها، إنه الفنان باول صابور من مدينة جبلة، والذي يملك رؤية وفلسفة مختلفة في التعامل مع هذا الفن الحديث لتشكيل لوحات فنية من النفايات.. في الوقت الذي يتعرض هذا الفن لكثير من الانتقادات نظراً للعبثية والمزاجية التي تعامل معها الكثير من الفنانين الغربيين، فمن المضحك حقاً أن تتحول المبولة أو أوراق ومحارم التواليت وما تحويه من أوساخ وغيرها من الأفكار المشابهة إلى لوحات فنية، أما تجربة الفنان باول فتستحق منا وقفة تحليلية للروح الفنية والرؤية الفلسفية التي يتمتع بها فتجعل قطعاً من الخرداوات والنفايات تتحول بين يديه إلى لوحات فنية إبداعية حقيقية تحمل فكراً ومعاني وليست مجرد صف لتلك القطع بشكل مدروس يحقق وظيفة أرادها هو لها،ما جعل تلك اللوحات الفريدة وفنيتها العالية تستحوذ على اهتمام لجنة الحكم ليتربع على العتبة الأولى في منصة الفوز.
وعما جعله يختار هذا الأسلوب يقول:« أردت أن تكون لي طريقتي الخاصة في التعبير عما يدور في مخيلتي وداخلي من أفكار وموضوعات، كما أرغب في ايصال رسالة بأننا قادرون على صنع أشياء جميلة من تلك الخرداوات التي يظنها الكثيرون عديمة النفع، يكفي فقط تشغيل العقل، فكل شيء من حولنا جميل ولكننا نخربه بأيدينا وبإهمالنا، كما أود من خلال عملي هذا أن أستوقف الإنسان الراكض واللاهث في عصر التكنولوجيا والذي ضيع إنسانيته بسبب المادة، لينظر من حوله ويبحث عن العناصر الإنسانية والجوانب الجميلة في حياته».
وعن مشاركته في المسابقة قال:« جاءت عن طريق المصادفة والتي أعتبرها قانوناً تحكمه غيبيات لا ندركها وتتحكم بها عوالم هي أقرب للخيال منها إلى الحقيقة، وهذه المشاركة ذكرتني بقانون الوجود الأول والتشكل عبر معرفة النقيض فالأسود يعرف بالأبيض والخير يعرف بالشر والوجود يعرف بالعدم وهذا ما خلق بداخلي شكلاً من أشكال التحدي لتحقيق الوجود الذاتي الذي دفعني لأنتقل بنفسي من السكون إلى حالة الحركة وبالتالي الوصول إلى الغاية التي طالما انتظرتها وجهدت كثيراً لأحظى بها». وحول فوزه بالمرتبة الأولى أشار بأنه«كان حدثاً مهماً جداً وشكل منعطفاً في حياتي، أدخلني بحالة شعورية لا توصف فقدت حينها القدرة على الكلام فلزمت الصمت برهة، وبدا الكون وكأنه يتلاشى إلى خيال ثم يعود فجأة ويمثل أمامي بكل قوة وكأنه يقول إنها الحقيقة».
سألته ما الذي جعلك تفوز على أقرانك رغم أنك هاو ولم تخضع لدراسات أكاديمية في هذا المجال؟ فأجاب:« إنها المتابعة والمثابرة والاجتهاد والتصميم على النجاح، إنها الموهبة التي أودعها الخالق في الإنسان، فكم منا خسر ذاته بقلة تصميمه وضعف تجربته، وكم منا ربح ذاته بإرادته وحسن تدبيره، فالموهبة والتصميم متلازمان لا ينفصلان إنهما كالمرء وخياله، متلازمان أبداً يتمايلان ويتآلفان ليعزفا لحناً حياتياً وليعطيا نغماً خاصاً تطرب له الآذان وتسر له القلوب وتمتلئ منه العيون،إنه كائن جديد بل طفل صغير يكبر رويداً رويداً ليملأ الكون فيما بعد حسناً وجمالاً».
ويرى الفنان صابور من شروط نجاح الفنان أن يكون دائم النقد لذاته، متواضعاً واسع الاطلاع، غني التجربة، قوي الإرادة، خلوقاً يتحلى بأبهى وأفضل الصفات الإنسانية التي تعبر عن آدميته وتميزه عن بقية الكائنات.
وعن مشروعه المستقبلي أضاف:« مشروعي يتمثل بمحاولة للصعود دائماً محاولاً كسر كل المستويات التي يمكن للفنان أو الإنسان أن يسقف عندها، فينتهي بذلك مشروعه والوسيلة لذلك هو الابتعاد عن الإعجاب بالنفس والنظر للنجاحات المرحلية على أنها درجات ستوصل بالنهاية للعوالم النقية والغايات المرجوة»